تمويل التنمية في افريقيا: السيد اديسينا ينوه بمساهمة الجزائر النشطة    الإصلاحات لن تتوقف.. ولا تراجع عن اجتماعية الدولة    رئيس الجمهورية ينوه بتنفيذ البرنامج التكميلي في ظرف قياسي    مؤشّرات إيجابية للاقتصاد الجزائري    الاستراتيجية الجزائرية.. واقعية وعقلانية    لن نقبل التفاوض في ظل الإبادة المتواصلة لشعبنا    طبي يستقبل فاليري أوبير    نجم بن عكنون يحيي آماله    استدعيتُ اللاعبين الأكثر جاهزية..    كافاني يعلن اعتزاله اللّعب دوليا    ميسي يتصدّر قائمة أفضل الهدّافين    خصم نقطة جديدة من رصيد شباب بن باديس    القطاع حقّق مكاسب كثيرة تبعث على الفخر    تعرّف على مرض الهيموفيليا؟    توقيف عصابة خطيرة بقسنطينة    فتح تحقيق ابتدائي حول أسباب وفاة شخص    المدية: تفكيك جماعتين إجراميتين    تتويج البطحة و حداش حداش    أرضية رقمية للتكفل بحجّاج الجزائر    248 حاجاً يغادرون بشار    السيد عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الإيراني المكلف    نحو تطوير العلاقات بين الجزائر ومنظّمة شانغهاي    ثقافة المقاومة في كتابات النخبة الجزائرية بتونس    نحو إعادة الاعتبار ل "قصر ورقلة"    معهد فنون العرض يدرس "تعليمية المسرح"، الثلاثاء المقبل    انتقام ممنهج.. و"احتقار" للقيم الإنسانية    سفارة الجزائر بلبنان تنظم يوما إعلاميا حول تشجيع الاستثمار في الجزائر    تثمين سلالة "الدغمة" لإحداث تنمية اقتصادية    المغرب في صدارة الدول التي تضيّق على أصحاب الرّأي الحر    الشّعب الصحراوي لن يتنازل عن حقّه في تقرير المصير    لا بديل عن التوجّه للاستثمار في الهضاب والجنوب    الزراعات الإستراتيجية.. ركيزة أساسية للتنمية المستدامة    14 ألف هكتار للزراعات الزيتية والشمندر السكّري بالنعامة    الصحراء الغربية: الإبداع الأدبي والفني .. جبهة أخرى للنضال والدفاع عن حق تقرير المصير    شهداء وجرحى جراء قصف الاحتلال الصهيوني المتواصل على قطاع غزة لليوم ال 238 على التوالي    الرئاسة الفلسطينية تشيد ببيان الصين والدول العربية المشترك بشأن القضية الفلسطينية    نفط: سعر برنت يقارب 82 دولارا    الجزائر – تونس: التوقيع على اتفاقية إطار بين وكالتي العقار السياحي للبلدين    صورتان جزائريتان ضمن أحسن 10 صور فوتوغرافية في العالم فائزة في مسابقة "صور القمة العالمية لمجتمع المعلومات"    رئيس الجمهورية يعلن عن تخصيص برنامج تكميلي إضافي للتنمية بولاية خنشلة    رئيس الجمهورية يشرف على تدشين ومعاينة عدة مشاريع حيوية بولاية خنشلة    تصفيات مونديال 2026 /الجولة الثالثة/ المجموعة السابعة/: "استدعيت اللاعبين الاحسن جاهزية حاليا"    تصفيات مونديال 2026 (الجولة الثالثة/ المجموعة السابعة) الجزائر : "غينيا منتخب متماسك و منظم جيدا"    افتتاح الطبعة الثانية من الصالون الدولي للصحة والسياحة العلاجية والطبية بالجزائر    شرفي يبرز أهمية التنسيق مع مختلف السلطات العمومية لإنجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة    بشار: مغادرة أول فوج من الحجاج نحو البقاع المقدسة    لعقاب: الجزائر بحاجة لإعلام قوي وفعّال    صورية مولوجي تشرف على إطلاق مشروع حاضنة الصناعات الثقافية والإبداعية "مبادرة Art"    حج 2024 ..تخصيص 8أطنان من الأدوية للرعاية الصحية بالبقاع المقدسة    بونورة في غرداية : حجز 3240 كبسولة بريغابالين مع توقيف المشتبه فيه    أزمة خطيرة تؤجل ظهور مبابي مع ريال مدريد    لا نكتب من العدم.. الكتابة تراكمات    هذا حُكم الاستدانة لشراء الأضحية    فضل الأضحية وثوابها العظيم    تتويج الشاعر محمد عبو بالجائزة الأولى    جبر الخواطر.. خلق الكرماء    ليشهدوا منافع لهم    رسالة إلى الحجّاج..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفض حضور معرض الكتاب الإسلامي فرفعت ضده شعارات " نزار في النار "
" مروا من هنا "
نشر في الشروق اليومي يوم 22 - 08 - 2010

" الشروق " تروي قصة هروب نزار قباني من جامعة وهران
الشاعر الذي أعاد فتح " الأطلس " وأغلق " الكابري " وتظاهر ضده الإسلاميون
لم تكن زيارة نزار قباني إلى الجزائر في نهاية السبعينيات، في 1979 القرن الماضي، تشبه غيرها من زيارات المثقفين العرب، فهو الشاعر الأكثر جماهيرية، والقادم إلى بلد طالما رسمت له صورة مشوهة مفادها أنه العربي الذي لا يتحدّث العربية، وبأن الفرنسية التي أخرجها من الباب عادت إليه فدخلت من النافذة..
*
أول مبدع تصدر الرئاسة من أجله قرارا يسمح باستضافة المثقفين في الفنادق الفخمة
لكن زيارة نزار كشفت بأن "العربية ليست مواطنة من الدرجة الثانية في الجزائر" على رأي الشاعر نفسه الذي سجل مواقفه من تلك الزيارة التاريخية التي حاولت "الشروق" ومن خلال ركن "مروا من هنا" استعادة بعض كواليسها وحميمياتها عبر شهود من المثقفين والكتاب والإعلاميين، عايشوها .
جاء نزار قباني إلى الجزائر يومها بدعوة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي استقدمت جل المفكرين والمثقفين العرب في إطار برنامج فكري ثقافي أطّره الراحل مصطفى كاتب وعبد العالي رزاقي في فترة عرفت انتعاش الخيار الاشتراكي والاتجاه الشيوعي في الوسط الثقافي الجزائري .
يروي عبد العالي رزاقي، الذي أشرف على زيارة نزار قباني الأولى وكان أول من استقبله في المطار بباقة ورد رفقة السكرتيرة الخاصة لمصطفى كاتب وكانت تدعى حياة، فيقول: "كان أول سؤال طرحه نزار قباني عليّ: من أنت ولماذا لا أستقبل في الجزائر مثلما أستقبل في الخليج من قبل الأمراء وكبار المسئولين؟.. فأخبرته بأنني أمثل الجهة التي دعته إلى الجزائر وقدمت نفسي ثم رافقته إلى فندق الرمال الذهبية بزرالدة، وهو الفندق الذي كان ينزل فيه أغلب المثقفين الذين يزورون الجزائر بدعوة من وزارة التعليم العالي.
ولما رأى نزار الفندق رفض النزول فيه، لكننا أخبرناه بأن وزار التعليم العالي لا تسمح لمدعويها بالنزول في فنادق مثل "السفير" أو "الأوراسي"، فطلب منى رقم الرئاسة واتصل بنفسه بأحد العاملين فيها، وكان وزير الإعلام الأسبق محي الدين عميمور، الذي أبلغه بالقرار الجديد الذي يسمح، لأول مرة، لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالحصول على تصريح يسمح لها باستضافة مدعويها من الأجانب في فندق الأوراسي، قبل أن ينقل نزار إلى جناح خاص بنفس الفندق .
هكذا وقع نزار في حبّ صوت مذيعة جزائرية
يروى عن نزار أنه كان معجبا بصوت إحدى المذيعات في القناة الأولى للإذاعة الجزائرية وطلب من مرافقه ترتيب لقاء معها، فبرمج اللقاء الإذاعي بالفندق على الساعة التاسعة صباحا، وكان نزار قد طلب من المرافق أن يساعده في اختيار الألوان والعطر الذي تفضّله المرأة الجزائرية، ولما حلت التاسعة إلا ربع طلب منه مغادرة الفندق نهائيا وعدم تذكيره بأيّ موعد مهما كانت الجهة .
وفي طريقه لإخلاء الفندق، التقى المرافق بالمذيعة التي ابتسمت وقالت له: "أنت رفضت أن تحدّد لي موعدا معه فها هو يجبرك على استقبالي"، وغادر الرجل الفندق وبمجرد وصوله إلى مقر سكنه فوجئ بنزار يتصل به ويلومه لأنه لم يذكره بموعد كان يربطه بجهة رسمية، فاستنتج بأنه رفض الحوار معها لأنه لم يجدها في مستوى الجمال الذي تخيّلها به .
*
جبهة التحرير ترفض تقديم الخمر لنزار
عند زيارة نزار قباني إلى وهران وجد في استقباله قائد الناحية العسكرية ومحافظ جبهة التحرير والوالي مرفوقا بأمينه العام، الذي جاء بسيارة "أرديف" وبها مسجل كبير، وحين ركب بجانب نزار طلب منه أن يغني له "رسالة من تحت الماء" لأن زوجته تحبّها.
وبالرغم من إصرار الأمين العام، لكن نزار اعتذر بطريقة دبلوماسية، وقال له بأنه كاتب كلمات وليس مغنيا .
ومن المفارقات التي عرفتها زيارة نزار قباني إلى وهران بحسب شهود، أن الغذاء الذي احتضنه مطعم بأرزيو تكفّلت به وزارة التعليم العالي، وكان معروفا عن نزار إصابته بمرض وراثي في القلب يحتّم عليه شرب ملعقة من الكحول قبل تناول الطعام تسهيلا لجريان الدم في الشرايين، وعندما طلب تقديم الكحول على المائدة، رفض محافظ جبهة التحرير امتثالا لمادة قانونية تمنع وجود الكحول فوق طاولة يجلس إليها عضو من جبهة التحرير. ولما طلب منهم سحب الشيك وأن يدفع الثمن من طرف مسئولي الولاية تراجعوا وقدموا الكحول لنزار.
ويروي رزاقي بأنه وخلال الأمسية بوهران، كان هناك كتاب ومثقفون من بينهم واسيني الأعرج وزوجته الدكتورة زينب الأعوج، وحدث أن سأل المحافظ زينب عن معنى اسمها، فقال نزار أنه اسم علم، فردّ عليه المحافظ، أن الاسم يتكون من كلمتين إحداهما تعنى زهرة وأخرى تعني الصحراء فاستغرب نزار لهذا التفسير وسكت .
يروى أحد الشهود على زيارة نزار قباني بأن كلية الآداب بوهران شهدت تنظيم أول معرض للكتاب الإسلامي وطلب من نزار الحضور، إلا أن جهات رسمية نصحته بعدم الحضور، فما كان من المنظمين إلا أن تظاهروا في الكلية وهم يحملون شعار: "نزار في النار"، وأغلقوا كلية الآداب واضطر المنظمون إلى إخراج نزار من الجامعة متنكّرا بلباس الأستاذ عبد اللطيف الراوي، وهو أستاذ عراقي عمل بجامعة وهران، وكانت له سيارة قديمة هرب على متنها نزار، وكشفت التحقيقات الأمنية التي أجريت فيما بعد أن ثمة خلية ممنوعة بجامعة وهران كانت وراء الحادث.
يوم كسر نزار أبواب مسرح عنابة
في الفترة التي صادفت فيها زيارة نزار إلى الجزائر كانت النشاطات ممنوعة بقاعة الأطلس، "الماجستيك" سابقا، التي كانت مغلقة وكانت جميع الأمسيات الثقافية تجرى بقاعة الكابري المحاذية للجامعة المركزية، وعندما أعلن عن موعد الأمسية بجريدة "الشعب" فوجئ المنظمون بالشارع يحتله الجمهور الذي ضاقت به القاعة ورفض المنظمون في البداية تأجيل الأمسية وطلب التلفزيون الجزائري تسجيل الأمسية، فاقترحت قاعة الأطلس لأنها أكبر وأوسع، فكانت أمسية نزار أول نشاط يفتتح قاعة الأطلس. وحدث أيضا أن طلب نزار في نفس المناسبة أن تقدم لأمسيته امرأة وتقدمت حياة، السكرتيرة الخاصة لمصطفى كاتب، قبل أن يفاجأ نزار برزاقي يعتلي المنصة ليقدمه، ولما سأله عن السبب أخبره بأن " العادات في الجزائر لا تسمح باعتلاء النساء المنصة لتقديم الرجال " .
وفي زيارة نزار قباني إلى عنابة قدمه أحد المسئولين الجزائريين فوقع في أخطاء كبيرة، كما فوجئ الجمهور بالأمسية التي كانت مقررة بالمسرح الجهوي فقام الجمهور بتكسير الأبواب واقتحام المسرح من أجل حضور الأمسية.
نزار المعتد بنفسه وأناقته لا يحسن إلقاء الشعر
نزار قباني، الذي تجول في الجزائر على متن سيارة رسمية خصّصتها له رئاسة الجمهورية، تقول الإعلامية نفسية لحرش، التي سبق أن أجرت معه حوارا صحفيا لصالح "الجزائرية": "إنه كان معتدا بنفسه ثقافيا وكان يرى أن المفروض من الناس إعطاءه تلك القيمة.. كان معروفا عنه الأناقة لكنه أعجب بالجزائر وبعث برسالة بعد عودته لبلده يقول فيها: "الشاعر الذي لا يتكسر على جبال الجزائر ليس بشاعر"، وكانت الرسالة تتضمن عتابا على طريقة الاستقبال التي خصّ بها الشاعر، الذي أقام في فندق بزرالدة وتم تغيير إقامته لفندق الأوراسي".
وتضيف نفيسة عن أمسية قاعة "الماجستيك" بأن هذه الأخيرة "كانت مملوءة عن آخرها لدرجة أن المنظمين اضطروا إلى فتح سقف القاعة من أجل التهوية، رغم أن الأمسية أقيمت في فصل الشتاء، كان الجمهور يطلب القصائد تلو القصائد، وأكثر القصائد التي طلبت "القدس".. ومن شدة امتلاء القاعة ساد دخان وضباب كثيف من السجائر واندهش نزار من الطريقة التي استقبله بها الجمهور، لأنه كان يعتقد أن الجزائر بلد فرانكفوني لا يحسن العربية " .
وتقول نفيسة بأنها التقت نزار على هامش العشاء الذي جمعه رفقة كل من المرحوم مصطفى كاتب وعبد العالي رزاقي وأحمد حمدي، وطلبت منه حوارا صحفيا لصالح الإذاعة، لكنها يومها كانت في سنواتها الأولى في الإعلام، فتقرر إيفاد صحافية أخرى، لكنها أجرت معه حوارا لصالح مجلة " الجزائرية " التي بدأت تتعاون معها .
وعن هذا الحوار تقول محدثتنا "حواري معه غلب عليه الاسم وليس الموضوع، كنت في بداياتي أذهب للقاء شاعر كبير مجرد الجلوس إليه يعد إضافة في سجل أيّ إعلامي وقتها، لكن نزار عقّدني ولم يكن حواري معه في مستوى طموحي، لأنني ربما طرحت عليه سؤالا عن المرأة الجزائرية، فاجأني بإجابته "حتى أعطي رأي فيها يجب أن أعرفها"، وتضيف المتحدثة بأن نزار لم يكن يلقي الشعر بطريقة جدية، ولم تكن لزيارته للجزائر تلك الضجة الإعلامية التي تليق بشاعر كبير مثله تعود أن يلقى استقبال الأمراء والملوك في عديد الدول التي مرّ بها.
*
هذا ما قاله نزار بعد زيارته الأولى للجزائر
*
لا يمكن أن يكشف وجه الثورة الجزائرية إلا من رأى إنسانا جزائريا، ولا يمكن أن يعرف طبيعة الثورة إلا من تكلم أو دخل حوارا مع جزائري أو جزائرية.. إن كل محاولة لفهم الثورة الجزائرية من بعيد تبقى محاولة نظرية أو ذهنية كبعض أشكال الرسم التجريدي أو بعض أشكال الحب العذري، وأنا لم أخرج من مرحلة الحب العذري الجزائري إلا في أفريل الماضي حين وطأت قدماي للمرة الأولى أرض الجزائر .
آه.. كم هو جميل وجه الجزائر. إنك لا ترى عليه أيّ علامة من علامات الشيخوخة أو أيّ تجعيده تشعرك بأن الزمن مرّ على الوجه الذي لا يزال محتفظا بطفولته حتى الآن.. وفي حين دخلت أكثر الثورات العربية - بعد أن حكمت - مستودع الموظفين وأصبحت عضوا في نادي المتقاعدين، نرى أن الثورة الجزائرية لا تزال تمارس رياضة الركض والقفز وسباحة المسافات الطويلة بعد زمن طويل من انطلاق رصاصة التحرير الأولى في نوفمبر 1954 ولا تزال الثورة الجزائرية تتفجر عافية وطموحا وشبابا.
ومن أروع ما شاهدته في الجزائر أن كل جزائري تقابله يشعرك بأنه هو الثورة، فهي موجودة في نبرات صوته وبريق عينيه وحركات يده وكبريائه وعنفوانه وطبيعته المتفجّرة وطقسه الذي لا يعرف الاعتدال.. في كل مكان دخلت إليه في الجزائر وجدت الثورة تنتظرني، في رئاسة الجمهورية، في الإدارات العامة، في مبنى التلفزيون والإذاعة، في الريف، في بيوت الفلاحين النموذجية، في مستوصفات الطب المجاني، في المجمعات
السياحية، في جامعة قسنطينة المدهشة، في الصحافة، في حركة التعريب الرائعة، في الأدب الجديد الواعد، في طموح اللغة العربية المجنون لتعويض ما خسرته خلال 132 سنة من القمع والحصار ومحاولات التصفية .
ولن أنسى أبدا ليلة أمسيتي الشعرية الأولى في قاعة "كابري" في الجزائر العاصمة حيث وصلت الساعة السادسة لأجد القاعة تكاد أن تنفجر بمن فيها وأن الأكسجين قد استهلك تماما.. وكان من المستحيل عليّ أن أصل إلى المنبر والإخوة الجزائريون أخذوا حتى الكرسي الذي كان مخصصا لجلوسي، وطبعا لم أتمكن من الدخول وتقرّر تأجيل الأمسية الشعرية حتى يتم اختيار مكان أوسع يكفي لجلوس آلاف الجزائريين.. جاءوا لسماع شاعر عربي، وعندما رجعت إلى فندقي سألت نفسي ونهر من دموع الفرح والكبرياء يتدفّق عني: يا ترى لو جاء "أراغون" أو "بول إيلوار" أو " بول فاليري " لقراءة الشعر في قاعة كابري فهل كان الأكسجين سينتهي من القاعة؟ وهل كان الجزائريون سيأخذون كرسيّه كما فعلوا معي؟
إن زيارتي للجزائر وضعت نهاية للكذبة الكبرى التي تقول : إن اللغة العربية مواطنة في الدرجة الثانية في الجزائر وإن الشاعر العربي فيها غريب الوجه والفم واللسان ..
من قال هذا الكلام؟.. إن الجزائر التي دخلتها كانت وجها عربيا تضيء فيه مدن دمشق وبغداد ومكة.. وتعبق منه مروءات قريش وأرجو أن تسامحوا غروري إذا قلت إنني لو رشحت نفسي في أيّ انتخبات شعرية في الجزائر لنجحت أنا وسقط "أراغون".
نزار قباني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.