الاستلاب الحضاري المتواصل..!؟    المجلس الشعبي الوطني يناقش غدًا مقترحي قانون تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية    المديرية العامة للضرائب : فتح استثنائي لقباضات الضرائب اليوم لاكتتاب التصريح الشهري "ج 50"    المدينة الجديدة بالمنيعة.. مشروع عمراني ذكي برؤية تنموية متكاملة وآفاق استثمارية واعدة    بومرداس: مخطط تنموي متكامل لعصرنة المدينة وتحسين الإطار المعيشي    الجزائر وتنزانيا تعززان التعاون الاقتصادي في مجالات الصناعة والنقل والسياحة والطاقة    نحو تعزيز إنتاج الأفلام وترقية الابتكار الشبابي.. وزيرة الثقافة والفنون تعقد لقاءات تشاركية مع صنّاع السينما    الأسرة السينمائية أمام إطار قانوني متكامل واضح المعالم : صدور النصوص التطبيقية المتعلقة بدعم الصناعة السينمائية    إلى غاية ديسمبر الجاري..أزيد من 2.4 مليون متعامل مقيد بالسجل التجاري    تعزيز التعاون الأمني والهجرة غير الشرعية محور لقاء جزائري–إثيوبي    الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي ضرورة للأمن القومي العربي    كيف تعمل مراكز النصب السيبراني الآسيوية؟    الوزير الأول يشرف على مراسم توزيع جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة العربية في طبعتها الأولى    برلمان للطفل الجزائري    التحوّل الرقمي على طاولة الحكومة    لا تراجع عن صرف منحة السفر    مرسوم إنشاء فريق عمل جزائري إيطالي    معالجة أكثر من 2000 ملف منذ جانفي 2025    تلاعب بأوامر الروبوتات يحوّلها لسلاح قاتل!    الجزائر تترقب مواجهة الثأر أمام النمسا    صراع مبابي وهالاند يتجدّد في المونديال    ندوة علمية حول موقع اللغة العربية    قسنطينة : وفاة مسن وإصابة امرأة في حريق سكني    ندوة دولية حول "إرساء مراكز الامتياز في التكوين المهني"    نفط: خام برنت عند 92ر58 دولار للبرميل    فاعل محوري في صياغة الرؤية الإفريقية للأمن الجماعي    أمطار مرتقبة في عدة ولايات من البلاد    تيسير عملية اقتناء حافلات جديدة للنقل    ضرورة إيداع طلبات منح التقاعد عن بُعد مطلع 2026    إلى مدى ديمقراطية التعليم حق متأصل!.. ؟    الوزير الأول يستلم رسالة الرئيس التشادي للرئيس تبون    شبيبة القبائل توقع عقد شراكة مع مستثمر جديد    الكيان الصهيوني يستفيد من نظام عالمي لا يعترف إلا بالقوة    تحقيقات واسعة حول عمليات استيراد وتوزيع العجلات    كرة القدم / الرابطة الثانية /الجولة ال13 : مواجهات حاسمة على مستوى الصدارة وتنافس كبير في ذيل الترتيب    الجزائر تؤكد دعمها للصومال وجهود إحلال السلام    دعوة ملحة لإعادة إعمار غزّة    توقيع اتفاقية شراكة مع اتحاد إذاعات الدول العربية    محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإسلام    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    إنه العلي ..عالم الغيب والشهادة    اليوم العالمي لمناهضة الاحتلال:دعوة بباريس لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    الاحتلال ارتكب 813 خرقا لسريان اتفاق وقف النار : قصف إسرائيلي متفرق وتوغل محدود شرق دير البلح    الخضر يشرعون في التحضيرات    قرار أممي لفائدة فلسطين    واقعية ترامب    منصة لاكتشاف تجارب سينمائية شابة    "رُقْية" يدخل قاعات السينما ابتداء من 22 ديسمبر    العناصر الوطنية في تربص إعدادي ببجاية    كأس إفريقيا فرصة إيلان قبال للانتقال إلى نادٍ كبير    بودربلة في مهمة تعبيد الطريق نحو أولمبياد ميلانو    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بومرداس .. معالم تاريخية تتحدى
ثاموغلي
نشر في الشروق اليومي يوم 12 - 09 - 2011

تزخر ولاية بومرداس بمعالم تاريخية هامة، لا زالت تصارع الزمن، وتتحدى النسيان. هذا ولا أخفيكم أن ما آل إليه قبر الباي محمد بن علي الذباح (ناحية قورصو) من خراب، هو الذي حفزني على التفكير في كتابة مقال عن الرصيد التاريخي الكبير الذي تملكه ولاية بومرداس، وقد اختمرت فكرة المقال، بعد أن تلقيت دعوة من مدير الثقافة السيد حميدو حميد، في شهر ماي الماضي للمشاركة في لقاء ثقافي، أشرف عليه السيد الوالي بنفسه، بمعية رئيس المجلس الولائي، مكنني من جمع معلومات تاريخية هامة، كافية لتحرير المقال. وقد أفادني كثيرا الباحث العصامي رابح بلعباس (سليل سيدي أعمر وشريف)، المعروف بجهوده العلمية من أجل إبراز تاريخ بومرداس، فللجميع ألف شكر.
*
أصل التسمية
*
تركت الحضارات المتعاقبة على الجزائر بصماتها بارزة في تراب ولاية بومرداس، ما زالت شواهدها قائمة في معالم آثارية عديدة، بعضها مدفون تحت الأرض، والبعض الآخر ظاهر للعيان يصارع عوامل الاندثار، خاصة في مدينة دلس العريقة التي تعتبر بمثابة متحف مفتوح للمغرب الإسلامي والأندلس. بيد أن وقوعها في ظل منطقتي الجزائر غربا والزواوة شرقا، جعلها امتدادا لهما تتأثر بالأحداث التاريخية أكثر مما تصنعها، وهو الأمر الذي أبعدها نسبيا عن دائرة اهتمام الدارسين والباحثين. ورغم هذه العراقة الحضارية، فإن تسمية الولاية حديثة النشأة، مشتقة من العالم الجليل ذي النسب الشريف سيدي علي بن أحمد بن محمد البومرداسي، الذي أسس زاوية للتربية والتعليم بموقع "إمرايل" بلدية ثيجلابين، كانت بمثابة منارة استضاء بها أهل المنطقة. ولا ندري إن كانت لهذا الشخص صلة قرابة مع قبيلة مرداس الهلالية التي استقر بعض أفرادها في عنابة، حسب رواية عبد الوهاب بن المنصور (قبائل المغرب، ج1، المطبعة الملكية، الرباط 1968، ص 430).
*
يعود الفضل في بروز اسم بومرداس (ROCHER NOIR الصخرة السوداء سابقا)، إلى مطلع الستينيات من القرن الماضي، حين تم اختيارها مقرا للمجلس التنفيذي المؤقت المكلف بتصريف شؤون الجزائر بقيادة عبد الرحمن فارس بعد نجاح مفاوضات إيفيان بين الثورة الجزائرية والدولة الفرنسية، ففيها تم تسليم السلطة من الدولة الفرنسية إلى الدولة الجزائرية، ورفع فيها العلم الوطني بعد استرجاع السيادة الوطنية.
*
أماكن .. ومعالم
*
تزخر ولاية بومرداس بمعالم تاريخية هامة، يتركز معظمها على السواحل، كدلس (Rusuccurus)، ورأس جناد (Cessimunicipium)، وزموري أو مرسى الدجاج ((Rusubicar، ذكرها العديد من الرحالة، كالإدريسي في القرن (12م)، والرحالة الانجليزي المشهور الدكتور توماس شي Thomas Shay في القرن (18م)، والرحالة الألماني هاينريش فون مالتسان في القرن (19م) وغيرهم. كما برزت أهمية مرتفعات ثنية بني عيشة الاستراتيجية، لكونها بوابة تربط بين مدينة الجزائر والشرق الجزائري، لذا اشتد الصراع بين الأتراك العثمانيين وبين إمارة آث القاضي بالزواوة من أجل السيطرة عليها.
*
والجدير بالذكر أن الأمير أحمد بن القاضي الزواوي قد مات في معركة جرت في هذا المكان سنة 1527م. وكانت هذه المرتفعات في التاريخ القديم -حسب رواية الباحث رابح بلعباس- مقرا للملك الأمازيغي نوبل، وابنه الأمير فيرموس. وغير بعيد عن هذه المرتفعات، هناك قبر الباي محمد بن علي المدعو الذباح (باي تيطري)، بأعالي قورصو، بنيت له قبة، تظهر جليا للأبصار، وقد دمرها زلزال 2003م، لذا فهي في أمس الحاجة إلى الترميم.
*
والجدير بالذكر أن هذا الباي قد قتل في معركة جرت بعرش آث يراثن (ولاية تيزي وزو) في حدود السنة الهجرية 1167 الموافق 1753 - 1754م حسب رواية الكاتب الفرنسي جوزيف نيل روبان Joseph Nil Robin.
*
وبالنسبة للتعليم التقليدي، فهناك -عن زاوية سيدي علي بن أحمد البومرداسي- زاوية سيدي أعمر وشريف، بسيدي داود قرب دلس، علما أن مؤسسها قد استقر هناك، قادما من قرية إسحنونن بعرش آث يراثن، ومن أشهر أحفاده سيدي أحمد بلعباس المعروف بالتقوى والورع. وهناك أيضا زاوية سيدي أمْحَند السعدي ببلدية أعفير التي ارتبط تاريخها بتدريس علم القراءات ببلاد الزواوة. أما التعليم العصري فقد احتضنته مدينة دلس بفضل جهود نخبة من أخيارها، منهم أحمد بن حميده، ومحمد الطيب بن ناصر، وعلي اُولخيار، والشيخ ألوناس عبدون وغيرهم، نجحوا في تأسيس مدرسة حرة تابعة لجمعية العلماء (1932م).
*
أعلام .. ومآثر
*
أنجبت أرض ولاية بومرداس شخصيات علمية عديدة، وأبطالا حفظ التاريخ أسماءهم، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، العلامة عبد الرحمن الثعالبي (1384 - 1471م)، من ناحية وادي يَسَّر، درس في بجاية وتونس ومصر، ثم استقر به المقام بمدينة الجزائر، التي أسس بها زاوية تعليمية، وترك عدة مؤلفات (حوالي 90 كتابا) في العلوم الشرعية والتصوف منها "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" في أربعة أجزاء. وبرز في ميدان الجهاد الحاج محمد بن زعموم (من عرش إفلِيسَنْ اُومْلِيلْ)، الذي كان شخصية بارزة في عهد الأتراك العثمانيين، وشارك في مقاومة الاستعمار الفرنسي منذ نزوله بسيدي فرج في جوان سنة 1830، ثم قاد المقاومة الشعبية في منطقة متيجة. واستمر في المقاومة إلى أن تمكن الماريشال بيجو من إخضاع عرش إفلِيسَنْ اُومْلِيلْ في سياق حملته العسكرية التي قادها ضد بلاد الزواوة في ربيع سنة 1844م. وكان لعائلة محيي الدين بناحية ثاورڤة شأن كبير (المنطقة السفلى لعرش عمراوه)، وساهم عمر محيي الدين في مقاومة الاستعمار، وقد أهدى حصانا للأمير عبد القادر عند زيارته الأولى لبلاد الزواوة سنة 1838م. أما في دلس فقد برزت شخصية سي عبد الرحمن الدلسي الذي انضوى تحت لواء أحمد بن سالم خليفة الأمير عبد القادر. وهناك أعلام كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، كأعلام الإصلاح، ورجالات الحركة الوطنية أبرزهم علي محساس، والروائي الكبير رشيد ميموني، وعبد الرحمن بن حميدة، وهو أول وزير للتربية في عهد الاستقلال، وغيرهم.
*
بومرداس من خلال الشعر الأمازيغي
*
ذكر شعراء الزواوة بعض معالم ولاية بومرداس، في سياقات عديدة، فقد أشار الشاعر إسماعيل أزيكيو- الذي خلد ثورة 1871م- إلى المعركة الحامية التي جرت في بودواو، بقيادة مُحند أمقران اُوقاسي (من عائلة آث قاسي الشهيرة في عرش عمراوه): [يَبْذا أطرَادْ سِي عِين فاسي// أيْڤَزْوََارْْ ثِيسِي// غَرْ بُودْوَاوْ يَحْمََى أدَقْدِيقْ]. كما ذكر الشاعر سي مُحَندْ اُومْحَندْ بعض أماكن ولاية بومرداس في قصيدة خاصة برحلة العودة من مدينة الجزائر إلى الزواوة، فتحدث عن أتعاب السفر في بودواو، وثيجلابين، وثنية بني عيشة: [سِي بُوذوَاوْ آرْ أثْنِيَا //أثْرَكْبييي أثْنَوّا // ذي أثْسَاوَنْتْ أتْجَلابينْ** أضارْ أسْوَادَا يَحْفا // سِي لغْصَبْ المَشْيَا // سََوْضَغْ إطِيجْ غَرْ أثْ غَالثِينْ].
*
والحق أن هذا المقال هو مجرد لمع تاريخية، أردتها أن تكون دعما للعاملين من أجل إبراز عراقة المنطقة وماضيها التليد. ولا شك أن جهود البحث والتصنيف الجارية، ستنقذ كمًّا هائلا من هذا التراث التاريخي، الدال على أصالة الشعب الجزائري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.