عندما كنت صغيرا قرأت قصة عن قرية أصابها الجفاف وانقطعت عنها الأمطار فقرر شيخ القرية دعوة الناس لإقامة صلاة الاستسقاء في البر عسى الله أن يرزقهم بغيوم ممطرة تذهب عنهم غمة الجفاف وما إن اجتمع الناس للصلاة حتى نظر إليهم الشيخ واخذ يصرخ عليهم يا عديمي الإيمان أنتم لا تستحقون الرحمة استغرب الموجودون وسأله أحدهم عن سبب غضبه فقال الشيخ لو أنكم حقا تؤمنون بأن دعواتكم ستستجاب وسيهطل المطر لجلبتم معكم مظلات تقيكم من المطر لدى عودتكم ولكنكم أنتم أنفسكم لا تؤمنون بجدوى صلواتكم فكيف سيستجيب الله لها ؟.هذه القصة أو الطرفة تذكرني بالمسؤولين في العراق الديمقراطي الجديد الذين يحمل كل منهم جواز دولة أخرى إلى جانب جوازه العراقي فلو افترضنا أن اكتساب الجنسيات الأخرى كان ضرورة ملحة بسبب تواجد هؤلاء الأشخاص في خارج العراق لعشرات السنين واحتياجهم إلى وثائق سفر وغير ذلك وكون السفارات العراقية في الخارج لم تكن تعطي أي وثائق لمعارضي الحكم فأن سقوط النظام العراقي ورجوعهم إلى العراق واستلامهم للمناصب الرسمية بكل مستوياتها يجب أن يكون قد حل هذه الإشكالية ويكون مرفقا بالتخلي عن الجنسيات الأخرى المكتسبة والعودة إلى الجنسية العراقية باعتبارها الخيار الوحيد لشخص يحمل منصبا رفيعا في أي دولة في العالم . وأعود إلى القصة التي ذكرتها في بداية الحديث فلو أن السادة المسؤولين الجدد كان لديهم إيمان حقيقي بالعراق الذي يحكمونه وباستقراره الأمني والسياسي والاقتصادي والمستقبل المليء بالورود وعن عودة كل العراقيين إلى العراق وجذب الاستثمارات وغير ذلك من الدعايات المدفوعة الثمن على شاشات الفضائيات العراقية والعربية، فلم لا يبادر هؤلاء السادة ويثبتوا لنا ثقتهم بما يقولون عبر تخليهم علنا ورسميا عن الجنسيات الأخرى التي يحملونها والتي تلزمهم بالولاء لتلك الدول فكل الدول الغربية تضع شرط الولاء وان يقسم مكتسب الجنسية بان يكون ولاءه لتلك الدولة وان يدافع عنها وعن مصالحها قبل أن تعطى له . فإذا قال السادة المسؤولين أن ولائهم للعراق وحده فيكونون إذا كذابين ومنافقين واقسموا كذبا في تلك البلدان وإذا كان ولائهم لتلك الدول فمعناه أنهم أجانب ولا يحق لهم حكم العراق وإذا كان ولائهم مزدوجا فمعناه أنهم جواسيس ومكانهم السجن وليس الوزارات والسفارات . كيف يعقل أن يكون سفير دولة يحمل جنسية الدولة التي عين فيها ؟ يعني مثلا سفير العراق في ألمانيا يحمل الجنسية الألمانية وسفير العراق في إيران يحمل الجنسية الإيرانية علما بأن أكثر من نصف سفراء العراق في العالم يحملون جنسية الدول التي يعملون فيها. كيف يتفاوض وزير عراقي يحمل الجنسية الأمريكية مع مسؤول أمريكي ؟ ومصالح من يجب يأخذ بنظر الاعتبار ؟ فهو مواطن عراقي ومواطن أمريكي في نفس الوقت ففي العراق هو وزير أو سفير ومسؤول عن الناس بينما في أمريكا هو مواطن عادي أي أن المسؤول الأمريكي الجالس أمامه يعتبر مسؤولا عنه وتلزم عليه إطاعة أوامره . وإذا كانت الدول الغربية واثقة جدا من نجاح تجربة العراق (الديموقراطية) فلم لم تبادر هي إلى إلغاء جنسيات هؤلاء المسؤولين المكتسبة بينما تطارد اللاجئين العراقيين العاديين المساكين وتهددهم بإلغاء لجوئهم وإعادتهم للعراق على أساس أنّه صار جنة يحلم كل إنسان بالعيش فيها ؟وإذا كان العراق أمنا فلم لم يبادر هؤلاء المسؤولين إلى جلب عوائلهم للعراق ؟ ومازالت عواصم أوروبا وأمريكا مليئة بعوائل حكام العراق الجديد الذين يشترون بشهية مفتوحة العقارات والأملاك ( من مالهم الحلال طبعا )، أم أن العراق أصبح طبقتين طبقة الإشراف وهم حملة الجوازات المزدوجة الذين يتمتعون بحق السفر والتجوال والدّراسة لهم ولعوائلهم في أي مكان في العالم والعبيد ( من ولد الخابية) الذين يحملون الجواز العراقي فقط الذي يؤهلهم لتلقي أنواع الإهانة والذل خلال سفرهم وإقامتهم في أي بلد خصوصا الدول العربية الشقيقة . أريد أن أرى مسؤولا عراقيا رفيعا واحدا يعلن على الملأ أنه قد اسقط جنسيته الثانية وأنه لا يحتفظ بها تحسبا لاضطراره إلى الهرب والعودة مرة ثانية للعيش في تلك الدولة فهل سنرى ذلك ؟