قوّة ناعمة..    نحو حوار وطني جاد..؟!    لا بديل عن تنسيق أقوى بين الدّبلوماسيتين الرّسمية والبرلمانية    خنشلة : أمن دائرة ششار توقيف 03 أشخاص و حجز مخدرات    في بيان لوزارة الشؤون الدينية بلمهدي ينصب لجنة متابعة موسم حج    في تصريح لرئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي،كمال صنهاجي : سننتهي من إعداد الاستراتيجية الوطنية للأمن الصحي قريبا    بعد غياب دام سنوات.. الصالون الدولي للسيارات يعود في طبعته ال20 من 9 إلى 15 جويلية    خلال زيارة إلى القطب العلمي والتكنولوجي"عبد الحفيظ إحدادن" بسيدي عبد الله: الجزائر عازمة على الارتكاز على الكفاءات العلمية والطاقات الشبانية    بالمركز الدولي للمؤتمرات "عبد اللطيف رحال" بالجزائر العاصمة: اختتام لقاء رئيس الجمهورية مع الأحزاب الممثلة في المجالس المنتخبة    بعد تقنين السلطات المخزنية لزراعته سنة 2021: تراخيص زراعة القنب الهندي في المغرب تتضاعف 5 مرات    عطاف يجري مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني    لبنة جديدة نحو توفير وتحقيق الاكتفاء الذاتي..إطلاق النظام الجديد لدمج الحليب الطازج منزوع الدسم    جائزة عنابة الكبرى للدراجات..اليوم على مسافة 80 كلم    تنسيق محكم لاستدامة وفرة المواد واسعة الاستهلاك    «منطقة التبادل الحر» جسر للمنتجات الفلاحية الجزائرية    زيارة المتاحف تعزّز الذّاكرة الوطنية    خطوة الجنائية الدولية ضربة ساحقة للاحتلال الصهيوني    الصحراويون يتمسكون بالمقاومة لاستعادة أرضهم    عون يوصي بتعزيز الإنتاج الوطني من الأدوية    رئيس الوزراء الفلسطيني يدين تصاعد هجمات الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه في غزة والضفة الغربية    محرز فتح الباب وبونجاح وبن ناصر في الطريق: الدوري السعودي يستقطب نجوم "الخضر"    دربال يتحادث ببالي مع نظيره العراقي    استقبال أبطال قسنطينة المتوجين خلال بطولة البحر الأبيض المتوسط    الدورة ال 77 من مهرجان كان : الإعلان عن الفائزين بجوائز النقاد للأفلام العربية    معهد برج الكيفان: الأيام المسرحية الثالثة لطلبة أقسام الفنون بثوب عربي بدءاً من الثالث جوان    ملتقى وطني ينعقد أكتوبر المقبل.. الاستثمار الثقافي في الجزائر بديل إستراتيجي لصناعة اقتصاد مستدام    تقطير الزهور.. حرفة تقليدية تواكب احتياجات الأسر والمصنّعين    استخدام الأوزون في القضاء على الفيروسات وإنتاج الزيتون    الجزائر-جمهورية الكونغو: التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال المحروقات    ألعاب القوى لذوي الهمم: ميدالية برونزية لكل من عبد اللطيف بقة و نجاة بوشرف    دوفيلبان: اعتذار فرنسا للجزائر ضروري    تطوّر ملحوظ في قطاع السّكك الحديدية    استلام منشآت تنموية وتنظيم نشاطات للحفاظ على الذاكرة بشرق البلاد    رعاية اليتامى وكفالتهم.. الكنز الكبير    إجراءات وقائية إثر الاضطرابات الجوية    أبو تريكة.. نجم تاريخي ساطع في سماء الكرة    إيران تحت الصدمة    حجّاج الجزائر يبدؤون الرحلة المقدّسة    حوادث الطرقات: وفاة 38 شخصا وإصابة 1623 آخرين خلال أسبوع    قواوي : خطر التطهير العرقي يهدد 1.5 مليون فلسطيني في رفح    مدينة سيدي عبد الله تحت رحمة التجارة الفوضوية    الاستثمار في التكوين لتطوير أداء ممارسي الصحة    التشخيص المبكر أنجع وقاية من الأمراض النادرة    صقور الجزائر.. إبهار واحترافية    باتنة بحاجة إلى متحف وطني للآثار    اقتراح التسجيل في قائمة الجرد الإضافيّ    إبراز أهمية استحداث "مخطّط نجدة"    براهيمي يتنافس على جائزة أفضل لاعب في قطر    إشادة بجهود الجزائر من أجل نصرة القضية الفلسطينية    "الحمرواة" في معركة تعزيز آمال البقاء    صراع بين بن زية وإدارة كاراباخ    تأكيد على أهمية العلاج الوقائي من الحساسية الموسمية    بلورة حلول سياسية للأزمات التي تهدّد استقرار المنطقة    الوقوف على جاهزية الجوية الجزائرية لنقل الحجاج    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور: اليامين بن تومي/ سطيف .الجزائر
راوية الوجع الآتي... (الجزء 23)
نشر في الأيام الجزائرية يوم 20 - 08 - 2011

(تابع).. لقد أعيتني تجربتي معك ..أصبحت أبحث لك عن حجم يناسبك.. في كثير من الأحيان تبدو لي طفلا صغيرا فأصبر على حماقاته..ولكن بدأ يتسلل إلى قلبي أنك تستهزئ بي ..كانت أيامي معك أكثر من رائعة ..أحلي من زمن الربيع حين تزهو الدنيا ببهجته ...أنت لم تفهم أنني من نسل الأولياء ..ليس تزكية و إنما حقيقة كم مرة كشف القدر غدرك لي ..ولكنني كنت أقول ربما ينصلح حالك ..كنت تحمل سرا بحجم الصمت الذي طوقني به الله ..في كثير من الأحيان يصبح الصمت مقبرة للحقيقة يصبح فضيحة تتوضأ بها دون أن تجد تفسيرا لسلوكك ...
كم حراما مارست حتى أشرب هذه اللعنة...لم أزل إلى الآن أتوضأ بطهر جدي التاريخي ..كم نفاقا تحمله أيها المعشوق في قلبك الصغير ..يا أنا يا صديقي الجميل لن أنس أبدا كذبك و زيفك ..كم خيبة تريدني أن أعلقها على رقبتي ، تكفيني فقط خيبتي مع أبي هذه التي قسمت ظهري و مزقت المتبقي من دمعي المركون في صندوق قلبي الهزيل ..هل كتب علي أن أكون حزينة ،إن كانت منك فأنا أقبلها المهم أن تدفعك إلى الأمام ..
كم امرأة لا بد أن تحب كي تفهم أن لن تغيظني ..مشكلتك التي ستفهمها متأخرا كعادتك أنك لن تستطيع أن تملأ حضورك ..حين كانت الدنيا فارغة من حولك لم تكن تعرف أحدا لم تجد في محنتك غيري ..
أتعلم أنا الآن أدفع ضريبة أن آمنت لك ...جعلتني أفيق على حقيقة أن الحب ليس كلمات تُلاك و لكنه سلوك ..لا أدري لماذا كنت في الماضي أشتم فيك الإخلاص و الآن فقدت كل شيء ليس بسبب علاقاتك المفاجأة و إنما قسوتك المفاجأة من جعلتني أنصرف عنك ..
أتعلم أنا أكتبك لأغسل قلبي منك ..لأطهر قلبي من صورتك التي عذبتني ..مذ بدأت الكتابة و أنا أحاول قتلك إلى الأبد لتضيع بين سطوري و لا تصبح منك إلا علامة هنا أو هناك تطفو فأعيد تجريحها مرة أخرى حتى أنسي أنني قابلتك في حياتي و أعطيتك بعض وهجي .."
قرأت تلك السطور و أنا مزدوج الشعور فخور لأن القلب ما زال يخفق في هذا المكان.. ومصدوم لأنني تصورت أنه ما زالت فتاة صغيرة و لكن يبدو أنها كبرت دون أن أنتبه إليها.. وضعت كراسها على طاولة ذلك الركن دون أن يعتريني شيء في معرفة المزيد ...
***
أبقي وحيدا في هذا البيت، فابني الوحيد أعلن توبته عني وصام عن ودي وصرت لا أراه إلا بلحيته الطويلة ..
قلت له :
لزهر مابك ياولدي، صرت لا تبرني ،وتستنكف عن تطييب خاطري ،مابك لقد تغيرت كثيرا ..صرت تميل إلى العزلة ،فقدت كثيرا من حيويتك ..هل توبتك من صنعت بك ذلك ياولدي ..أجبني ،كلمني ، لا تكن لعنة أخرى ..
هل تراني قصرت في حقك يا ولدي ،أم تراك صرت تخجل من والدك ..أم أن زوجتك ترغب في بيت لوحدها ..؟ هل تحرمني منك ،بقيت وحدك أنيسى ، أم تراك نسيت كل تضحياتي ،أنا الذي أنشأتك من عمق المعاناة من فرط الآهة ..لم ألتفت لغيرك ..هل تراني كنت أبا غير لائق ..كلمني ،لماذا تريد الرحيل ؟ ..
لزهر يتحدث ولحيته السوداء تتخضب دمعا :
أردت فقط أن أنسي هذا الوطن الذي تعيش فيه دوما ، أتعلم أبي أنت أكبر من أن تنتسب إلى ولد عاق مثلي ..أنت تاريخ بحجم الدنيا ..ولدت بين عالمك شيخا ..لم أكن طفلا أبدا أتعلم ذلك ..حياتي كلها كانت للوطن ..أنظر لنفسك تعطي لهذا الوطن كل شيء حتى أصنا..
قلها لزهر لا تسكت ..أصنامي أه ..أليس كذلك ..
لم أقصد يا أبي ..فقط لساني من ..
أأنت راغب عن هذه النحوت يا ولدي ..أهكذا علمتك ..يبدو أنني قد ظلمتك كثيرا يا ولدي ..بل يبدو أن تاريخي لم يرحمنا ..
إذا اذهب و اتركني و شأني ..المهم فقط لا تنسى أن تزور أباك المقعد ..لأجر الكرسي و أشق الطريق إلى معبدي ..كان الإحساس الجديد رهيبا لا يمكن إلا أن يكون منحوتة جديدة سميتها " الصمت " ..
كانت صدمة كبيرة لم أتوقع يوما أن تغادرنا بهذه الطريقة ،حين كنت صغيرا و سمعت بمولدك ،تهيأتك يا ولدي في صورة الملاك العظيم ،الذي أضاف إلي طاقة أخرى ،قبل أن تولد ..أتوجه إلى المعارك من أجل أن أموت ،لم تكن الحياة تعني لي إلا الشهادة ،أما حين ولدت أصبح للحياة بمجيئك طعم آخر ..
صارت للمعارك نشوة الحياة ..الأمل ..أما اليوم يا ولدي أنحتك في الصّمت،لأنك لم تصبح ابني الذي أعرفه لا أدرى ربما أنت كل هذا الجيل البائس ،هذا الجيل الذي ظلمناه كثيرا، هذا الجيل الذي أخذ يخطو نحو الموت ..
الصمت منحوتة جديدة عنوان لمحنة الشباب ،نحتها على مدار شهر ..كان عيد الثورة على الأبواب ..هؤلاء الشباب لم يفهموا أبدا كفاحنا ونضالنا ولم نفهم نحن حسرتهم ومشاكلهم، لا عفوا بل لم نفهم حجم واقعهم أرادوا المستقبل ونحن الماضي ...حولنا أنظارهم إلى الماضي لنخلق جيلا لا يعشق إلا النبش في الماضى ..أخلصوا للماضي البعيد وزادوا حبهم له حين صار الماضي عندهم كل الهم ..لم يطلبوا فوق ما علمناهم إياه ،حتى دعاة الحزب المحظور ..لم يطلبوا منا غير العودة إلى الماضي إلى مفاهيمه وطقوسه.. قدموا له كل فروض الطاعة والولاء ..لماذا ننكر عليهم كل هذا ..فهم صنع أيدنا ..وإذا لام الصانع صنعته، فأبشر بفساد الحرفة ..
بهذا كتبت المذكرة الجديدة لتمثال "الصمت " فعادتي في النحت أن لا أكتف فقط بالنقش على الحجر والخشب ،لا ..و لكن أدون السيرة الذاتية لذلك التمثال بمعنى أكتب له ذاكرة .
لا أدرى لماذا كل منحوتاتي ضائعة ،غريبة ،فاقدة للهوية منذ غادرني لزهر صرت لا أبرح معبدي ،خفت عليه كثيرا ،خشيت أن ينحرف ..لم تعلم يا ولدي أن هذا المعبد هو سر بقائي الوحيد لأكون شاهدا على آخر الذكريات من زمن الانقراض ..لزمن انقرضت فيه حقائق الأشياء ..انقرض منه الحب ،الاحترام تلاشيت منه معاني الحياة ..وحدي من أختزن بهذا المعبد بقايا تاريخ يدلّ على أننا كنا إنسانينا لأننا عشقنا هذا الوطن كثيرا ...
لقد جعلتك توبتك الجديدة يا ولدي عدوا لهذه التماثيل على الرغم أنه لم تكن وجها ولا جسما فقط هموما تتراوح بين الفرحة والأنة ..النحت يا ولدي صورة الجوف،هو رجلاي التي لم أنساهما أبدا.. هو الحب..هو أنت وأنا، النحت ليس كما يفهمك ضعافي القلوب، هو يا ولدي ملاذي الأبدي، زادي للحكاية حين أسال عن شهادة للتاريخ هل فهمت ..هو المساحة المتبقية من الحرية المسلوبة.. هو الشّهقة الأخيرة للرحمة كان وللعفو سيبقي ..
أعتذر إليك يا أول الروح وآخرها أنني لم أحاورك يوما عن هذا الفن.. أتعلم لماذا تبقي الحضارات، لان كل تاريخها مصلوب على الحجر والطين، بآلامها وأفراحها.. حتى الأديان خلدها النحت، من يشأ النحت يؤبده بشموخه ومن يشأ يطمسه النحت بأفوله ..
هل تراك تجهل و قد درست في قسم التاريخ أن البينة في التاريخ هي الحجر.. قبور الفراعنة ..و ألواح حمو رابي ..و نقوش الياما.. من خلد هؤلاء إلا النحت يا ولدي ..وأنا من طينة هؤلاء أريد أن أخلد تاريخا لا يمحي ..لأن الحبر لم يزدنا إلا خداعا ...
ماذا تعرف أنت و جيلك عن الثورة غير بعض الكتب التي قيل أنها كتبت لتحكي عنها ..قرأت منها الكثير وجدت فيها كل شيء إلا الثورة لم أجد منها إلا أساطير عصور الضباب ..يا ولدي أنا أنحت تاريخا يمشي على رجله السليمة لا تاريخا أعرجا ..
يا ولدى يا من كفرت بتاريخي ..هاهي الدنيا تنزلق من تحتي تماما ككرسي الإعاقة هذا ..أنت ولدى الوحيد ،أجمل زهرة في عذابات الثورة ..أنرت دروب الحياة حولي .. أيام خرجت منها بجسد معطوب .. الدنيا أراها على هيئة صنم أصبح يعبده الناس في كتب تاريخهم ..
هاهي كل كتب التاريخ تقرأ مسيرتي تقرأ عشقي للحرية ،لتأتي أنت حلما جميلا يعيد إلي نفس الحياة يعيدني تارة أخرى إلى التحدي ،لم أتصور أبدا أنك ستكون في أولى صفوف الخط المقابل للضياع ..
أنت يا ولدي مستقبل بجذوره الراسخة ،ها أنت يا فلذة القلب تصدمني بنفس حجم اصطدامي لحظة رأيتك بعدما قضيت عام بأكمله في المستشفي ..نعم يا بسمة العمر وحدك كنت ملاذى في هذه الفترة ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.