الجيش الوطني الشعبي: إحباط محاولات إدخال أزيد من 4 قناطير من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب خلال أسبوع    صناعة السيارات: فتح باب الترشح أمام الكفاءات الجزائرية لإنشاء مجلس للخبرات الوطنية    عقود توظيف تنتظر 40 ألف طالب جديد    الجزائر تعتز بعلاقاتها العريقة مع قطر    شايب يبرز من تركمنستان جهود الجزائر في دعم الدول غير الساحلية الإفريقية في مسارها التنموي    مأساة في مطار جيجل    استلام ما تبقّى من المشروع نهاية سنة 2026    ارتفاع كبير في أسهم بورصة الجزائر    تجارة: اجتماع تقييمي لمتابعة تموين السوق والتحضيرات للدخول الاجتماعي    مقتل 28 طفلاً يومياً في غزّة    مصير القضية الصحراوية مرتبط بإرادة ونضال شعبها    محاولات الاحتلال المغربي يائسة    اعتراف إفريقي بنجاح دورة الجزائر    الجزائر تُتوَّج بلقب النسخة الأولى    الفضية للخضر    كرة القدم/بطولة امم إفريقيا للمحليين 2024 - مؤجلة إلى 2025: المنتخب الوطني الجزائري يستأنف تدريباته    عائلات تُعجّل خرجاتها قبل العودة إلى المدارس    وزارة الصحة تُحذّر من التسمّمات الغذائية    هكذا اجتمعت هذه الصفات في شخص النبي الكريم    شاهد على مجاعة غزّة    مراد يحل بجيجل للوقوف على حادث تحطم الطائرة العمودية التابعة للحماية المدنية    توقُّع إنتاج 4.5 ملايين قنطار من العنب ببومرداس    شركة النقل البحري للمسافرين.. 50% تخفيضات عن الرحلات نحو فرنسا    وكالة عدل تتوعد مروّجي الأخبار المغلوطة والإشاعات    بناء شراكات متوازنة نهج ثابت في سياسة الجزائر    تحركات حثيثة لإنجاح الدخول الجامعي المقبل    التعاونيات المهنية توسّع تنظيمها    آلة المخزن الدعائية تتعطّل ودبلوماسيته تغرق    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة:    الأمن الوطني يحبط أكبر عملية تهريب "إكستازي" ويطيح بشبكة دولية بالعاصمة    عنابة : اختتام الطبعة الأولى من الألعاب الإفريقية المدرسية    المدير العام للحماية المدنية يتفقد الوحدات العملياتية وجهاز مكافحة الحرائق بغليزان    أمين شياخة يرفض الرحيل ويؤكد بقاءه في الدنمارك    فيغولي ينضم لناد عراقي وأبطال "كان 2019" يرفضون الاعتزال    جمعية بنمية ترفض مشاركة المغرب في المعرض الدولي للكتاب    التحاق 50 ألف تلميذ بالمدارس القرآنية    حملة للوقاية من أشعة الشمس    هكذا تفتك ألوان الحلويات والمشروبات بصحتنا    "الكتاب رفيقي وصديقي"بالصابلات    صيف ملتهب بأحداث الذاكرة    أطفال الجمهورية الصحراوية يزورون متحف "هيبون"    بن ناصر يحضّر خطة للانتقال إلى أولمبيك مرسيليا    فلاحة: شرفة يبحث مع سفير بلجيكا آفاق تطوير مشاريع التعاون المشترك    المهرجان الثقافي الوطني السابع للزي التقليدي الجزائري يطلق مسابقة "قفطان التحدي 2025"    مصير القضية الصحراوية و مستقبلها مرتبط بإرادة و نضال شعبها    من 28إلى 30 أكتوبر القادم..ملتقى دولي حول فنون العرض وتحديات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    تظاهرة كانيكس 2025.. 6 أفلام جزائرية للمشاركة في المسابقة الإفريقية للأفلام القصيرة    استعراض سبل تعزيز التعاون الثنائي بما يخدم اللغة العربية    أسبوع ثقافي لأولاد جلال بالعاصمة    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    آليات جديدة للتبليغ عن الآثار الجانبية لما بعد التلقيح    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة المعني في الشعر العربي والبحث عن خصوصية النقد


محمد صالح البحر

في كتابه النقدي الأول " رحلة المعني في الشعر العربي من سلطة الشكل إلي مساءلة السلطة " يأبي الناقد د/ جمال محمد عطا أن تشغله القضايا النقدية التي تستقي مادتها من النظريات الغربية كاملاً، كما أبي أن تشغله قضايا المتابعات النقدية العابرة للأعمال الإبداعية التي لا تحمل شيئاً سوي التحليل أو الإشادة، ولا تبغي سوي النشر والتواجد.
لقد آثر جمال عطا أن يخوض غمار التجربة النقدية الحقيقية، بحيث تأتي تجربته هذه ومنذ البداية في إطار محاولات الحلم بتحقيق نظرية أدبية عربية، تنبع من الفكر العربي وتتجه إليه دون أن تلغي المنجز الفكري للنظريات الغربية، بل تستفيد من تقنياتها الشكلية والتحليلية، بحثاً عن خصوصية فكرية عربية تساعدنا علي فهم ذواتنا وتطويرها ودفعها إلي الأمام، وتكسبنا الشرعية الحقيقية للمساهمة في المنجز الفكري العالمي، هذا الحلم العربي الكبير الذي بدأ مع عصر التنوير علي يد ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، واستمر مع طه حسين ولويس عوض وشكري عياد وعبد المحسن طه بدر وعبد العزيز حموده وسيد البحراوي وعبد الملك مرتاض، لكنه يتواري الآن كثيراً لصالح عمليات الاستيراد السهلة يحاول جمال عطا أن يضيف مساهمة جادة إلي مساهمات إحيائه، لذلك جاءت مغامرته الأولي للبحث عن رحلة المعني في حركة الشعر العربي، إن رحلة المعني هنا هي محاولة تأسيسية للبحث في المعاني العربية المتضمنة من الشعر الجاهلي إلي الآن، والتي جاهد الشاعر العربي في إبرازها واستخراج الدلالات الكامنة فيها، في مهمة لا تقل صعوبة عن محاولة فهم العملية الإبداعية نفسها والوقوف علي ما يضمه العمل الأدبي من معاني ودلالات، مقرراً أن عملية الإبداع الشعري أو إنتاج المعاني الشعرية لم تكن أمراً سهلاً علي مر العصور، بل نتيجة معاناة مؤكدة " تبدأ في مرحلة مبكرة وسابقة للعمل الشعري، فقبل عملية الإبداع الشعري يخوض الشاعر مجموعة من الصراعات ذات طبيعة اجتماعية ونفسية، وهي صراعات أساسها تباين في الرؤى واختلاف في الأيديولوجيات " "ص 8 "لذلك جاء القسم الأول من الكتاب محاولاً البحث عن طبيعة المعني الشعري ومصادره وآليات إنتاجه وعناصره المكونة، وتأسيساً للنظرة العربية فقد انطلق الناقد من مقولة الجاحظ الأولي بأن المعاني مطروحة علي الطريق، لكنه رأي أن الجاحظ قد انشغل عن الخوض في دراسة هذه المعاني لكونه من أنصار اللفظ، أو لاهتمامه المتزايد بالصياغة / الشكل، وخلص إلي أن الشعر العربي في مراحله المختلفة وفي تطور أشكاله مرهون بهذه المعاني، لذا فإن البدء بدراسة هذه المعاني يعد ضرورة لدراسة وفهم المعني في الشعر العربي.
من هنا يبدأ الناقد في دراسة وتحليل النظريات الغربية التي تعني بدراسة المعني بدءاً من النظرية الاجتماعية التي تري أن " الذات الإنسانية في تفاعلها الاجتماعي هي التي تشكل معانيها، وأن التفاعل الاجتماعي هو الذي يولد المعاني، والمعاني هي التي تشكلنا بدورها، وهذا يعني أننا نخلق عالمنا بما نخلع عليه من معان " "ص 16 "، ومروراً بالفلسفة الظاهراتية " التي أعلت من قيمة العقل والوعي الإنسانيين، واعتبرت الإنسان سابقاً علي وجوده وتاريخه وشروطه الاجتماعية، ومن ثم أكدت أن الذات الفردية هي مصدر وأصل كل معني " "ص 17"ووصولاً إلي النظرية البنيوية " حيث انتقل مركز الثقل من الذات المؤسسة للمعني إلي اللغة المؤسسة للمعني، فلم تعد المعاني مجرد خبرة فردية أو جماعية، وإنما هي نتاج أنساق لغوية / بُني كامنة، فقد اعتبرت البنيوية النتاجات الإنسانية أشكالاً لغوية ليست للذات الإنسانية التي أعلنت موتها، وإنما للبُني الكامنة " "ص 18".
هذه الاكتشافات الفكرية التي أحدثتها البنيوية جاءت تحطيماً لمقولات النظريات الاجتماعية والفلسفة الظاهراتية حيث نفت أن تكون للذات الإنسانية القدرة علي تأسيس معانيها وتصوراتها، وجعلتها دُمي للبنية الخفية الكامنة في أفكارهم " غير أن هذه النظرة نفسها قد لاقت فيما بعد نقداً عنيفاً، تمثل في أنه لا ألتوسير ولا لاكان يريان الفرد قبل التنشئة الاجتماعية علي أنه صفحة بيضاء يكتب عليها المجتمع ما شاء له أن يكتب " "ص 19"، فضلاً عما كان قد وجه من نقد للنظريتين السابقتين من قبل، هكذا يشعرك الناقد جمال عطا أنه لم يجد بغيته في النظريات الغربية، رغم اعترافه بفضلها في إرساء مفاهيم ومناهج لإنتاج المعني ودراسته في نشأته وأصوله ومراحل تطوره، وأننا حين نطبق هذه النظريات في دراسة وتحليل شعرنا العربي قد لا نصل إلي معرفة ماهيته وكينونته الخاصة، نصل إلي الفهم والتحليل، لكننا لا نصل إلي معرفة خصوصية الجوهر الذي يخصنا، ونحلم بتجسيده في نسق خاص نقدر علي تطويره من بعد، لذلك يلجأ إلي تحليل طبيعة الشعر العربي نفسه بين خصوصية اللغة ونوعية المعني، ثم تحليل كيفية إنتاج المعني الشعري قديماً وحديثاً وأهمية تأثير الأيديولوجيا علي المعاني سلباً وإيجاباً عن طريق سلطة اللغة التي هي سلطة النظم الأيديولوجية، موضحاً أن العلاقة بين المعاني المنتجة شعراً والأيديولوجيا لم تكن علاقة مواجهة ومساءلة علي طول الخط، بل إن المعاني التي تنتجها الأشكال الشعرية هي التي تمكن الشعر من مناهضة الأيديولوجيا، ويخلص الناقد جمال عطا إلي أن معاني الشعر، أو بالأحرى معاني أشكاله لم تكن بعيدة عن التحولات الاجتماعية أو تحولات المعاني الكبرى التي يطرحها الواقع، مما يستلزم منا ضرورة الاهتمام بها ليس لفهم الشعر العربي وفهم أشكاله فقط، وإنما لفهم ذواتنا وواقعنا وعالمنا، وهو ما يكسب هذه النظرة التأسيسية مشروعية أن تكون نظرية إذا ما اتسعت تطبيقاتها لتشمل مجالات وعلوم إنسانية الأخرى.
والجزء الثاني من الكتاب " المعني الشعري وآليات القراءة " هو تجربة عملية لتطبيق هذا التأسيس النظري الجاد في قراءة جماليات الموت في قصيدة " لعبة النهاية " لأمل دنقل، حيث ينتهي جمال عطا بعد دراسة القصيدة من حيث الشكل الطباعى والتراكيب والإيقاع والمجاز والبناء، وبعد دراسة المعني السائد والعام لموت الذات وطبيعة الموت الشعري، بأن يوضح مستفيداً من تطبيق تأسيسه النظري السابق إلي أن هذه الدراسة تنطلق من مقولتين أساسيتين في قراءتها للنص الشعري ( هما ما يمكن استنتاجهما من التنظير للتطبيق العام في قراءة القصيدة العربية) تقول الأولي إن أي دراسة نقدية للمعني الشعري تكتفي بدراسة الداخل أو ما هو نصي فقط، ولا تلتفت إلي السياق الخارجي تظل دراسة ناقصة ومبتورة، أما المقولة الثانية أو بالأحرى التأسيس النظري الثاني لدراسة المعني فإنه يقر بأن أي قراءة للمعني الشعري من خلال المضامين، أو باللجوء إلي مؤلف النص أو البيئة أو المجتمع تظل في النهاية قراءة مضللة، فالشعر لا يتحدد من خلال اللاوعي الفردي ( فرويد ) أو من اللاوعي الجمعي ( يونج ) أو الحس الديني ( نيتشه ) أو من خلال دوافع كالغضب والرغبة ( النقاد القدامى ) فهذه دوافع لا تحدد العمل الشعري الذي هو مادة لغوية وفضاء صوتي بالدرجة الأولي، فما يحدد العمل الفني هو الفن ذاته، الجنس الأدبي بمقوماته الجمالية وقدرته علي إحداث الحراك الإنساني من خلال مساءلة السلطة الأيديولوجية لا النشأة والأصول.
ولا يبقي لتلك المغامرة النقدية الجادة " رحلة المعني في الشعر العربي من سلطة الشكل إلي مساءلة السلطة " إلا أن تكون نواة لمجموعة من البحوث والدراسات بغية التطوير والتطبيق، ومن ثم الرسوخ كنهج نظري وفكري ونقدي عربي سوف نعتز به كثيراً إن تحقق.
صدر الكتاب عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة دولة الإمارات، وكان قد فاز بجائزة الشارقة للإبداع العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.