استعراض آفاق قطاعات النقل والرقمنة في الجزائر    استحداث 4 معاهد متخصصة في مجال المناجم قريبا    80٪ من الجزائريين يستفيدون من الانترنت    مساندة جزائرية مطلقة لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة    ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات    الشفافية والصرامة في إعداد دفتر شروط التجهيزات الطبية    تطوير المنصة الرقمية للمستثمرين في الصناعة الصيدلانية    لا تزال الأزمة تصنع الحدث في الساحة الرياضية: بيان رسمي .. اتحاد العاصمة يعلّق على عدم إجراء مباراته أمام نهضة بركان    لا مفر من الرحيل عن ليل: بعد إهانة ليل.. صديق آدم وناس يكشف "المؤامرة "الفرنسية    «داربي» عاصمي واعد من أجل مكان في النّهائي    تضاعفت قيمة عمورة السوقية 4 مرات: سانت جيلواز.. عمورة للبيع لمن يدفع أكثر من 20 مليون يورو    باتنة : الدرك الوطني بدائرة عين التوتة توقيف شخص يمارس السحر والشعوذة بأولاد عوف    تم معالجة 40 ألف شكوى تلقاها وسيط الجمهورية وطنيا    تأسيس الجائزة الوطنية في علوم اللّغة العربية    الخطوط الجوية تعلن عن عرض جديد    اجتماع القادة.. لقاء ثلاثي بأبعاد إقليمية ومتوسطية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    المنتخب الوطني يتعادل أمام نظيره التونسي    قصف ومجازر وسط القطاع واقتحامات للمسجد الأقصى    نيابة الجمهورية: فتح تحقيق في حادثة انهيار سقف قسم بمدرسة ابتدائية بوهران    العاصمة.. إحصاء 248 مشروع تنموي في مختلف القطاعات    برج بوعريريج.. مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 76 يرى النور قريبا    مطالب بحماية الشعب الصحراوي من الاضطهاد المغربي    عبد الرشيد طبي : ضرورة تثمين الهياكل القضائية بتقديم خدمات نوعية للمواطنين    توظيف التراث في الأدب.. عنوان المقاومة..    الأغواط : أبواب مفتوحة على مركز التدريب للدفاع المضاد للطائرات    البنك الوطني الجزائري: رقم الأعمال يرتفع بأكثر من 27 بالمائة في 2023    المدرسة العليا للدّفاع الجوي..صرح علمي بكفاءات عالية    فلسطين: انتشار مكثف لجنود الاحتلال في القدس وغلق كافة الممرات المؤدية للمدينة    الإحصاء للعام للفلاحة : تحضيرات حثيثة بولايات جنوب الوطن    لغروس في بسكرة: وضع حجر أساس مشروع إنجاز محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية    مسؤول أممي: نشعر بالذعر من تقارير عن وجود مقابر جماعية في غزة    السيد عطاف يؤكد أن الوضع المأساوي في قطاع غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر في مجلس الأمن    فرصة جديدة لحياة صحية    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    القضاء على إرهابي واسترجاع مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف بمنطقة الثنية الكحلة بالمدية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    القرار سينفذ هذا الصيف: منع كراء عتاد الاستجمام و زوارق النزهة بشواطئ عنابة    سطيف: تحرير شاب عشريني اختطف بعين آزال    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    صعلكة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية الجزائرية ..أسئلة البحث عن التشكل والهوية


صباح شنيب
إن الحفر في الأسئلة التي أثارتها ولا تزال الرواية الجزائرية على مستوياتها الجمالية والبنائية والموضوعاتية إنما هو إجراء حواري يحترم مختلف الآراء إن اختلافا أو ائتلافا ،في الوقت الذي يهدف فيه إلى نقد الاختلاف عنه، ومعه بغية إثراء الإشكالية موضوع النقاش
وتقويضا للرؤية الأحادية للمركز النقدي الأكاديمي منه، والصحفي في مجال تأثيرهما بما يمتلكان من أدوات التوجيه الإعلامية والمدرسية، خاصة وأن الفن الروائي لم يعد فنا سرديا تحكمه اللغة، ومبني على تراكم الكلمات والجمل وفق سلم يتكون من عدة درجات ممثلة في الأحداث والشخصيات والحيز الزماني والمكاني وغيرها، ولم يبق أيضا يعكس الحالة النفسية والاجتماعية لمؤلفه ،أو مرآة عاكسة لذلك المتلقي الذي أهمل في الدراسات النقدية السابقة، بل هو كل هذا الذي ذكرناه ، حمل الملف أسئلة محددة لباحثين ونقاد وروائيين سواء الجدد أو أجيال مختلفة.
الدكتور أمين الزاوي:
"الروائيون الجدد يكتبون بجرأة، وكسروا الطابوهات"
يرى الروائي أمين الزاوي أن الجزائر تعرف حركة روائية متميزة وتحوي أقلاما جديدة ومحترمة تكتب باجتهاد وتوتر ويمكنها أن تحمل راية هذا الجنس الأدبي عاليا باستطاعته أن يسير في أفق الرواية العربية والعالمية على حد سواء ، وضرب الدكتور مثلا بالروائيين الجدد الذين يكتبون أعمالا جيدة وترقى فنيا وأدبيا ولغويا إلى مصاف الروايات الكبيرة مثل الكاتب سمير قسيمي صاحب رواية " يوم رائع للموت " و بشير مفتي صاحب رواية " دمية النار" التي رشحت للقائمة الطويلة ل"البوكر"وكذا الخير شوار ، عز الذين جلاوجي وكمال قرور ويؤكد الناقد أن هذه الأسماء وغيرها ذات حضور متميز لأنها تكتب بجرأة ومندمجة في الواقع الاجتماعي والسياسي ،وتعبر عن وجهات نظرها إزاء القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية بدون خوف لأنه حسب الزاوي من أهم رهانات الرواية هي أن تعبر عن واقعها بكل صدق وجرأة، ودون خوف فيقول: " على الروائي الجزائري أن يتحدى كل الطابوهات والإيديولوجيات وأن يغوص في معاناة الفرد داخل مجتمعه ويعبر عن مشاكله وقضاياه كونه جزءا لا يتجزأ من ذلك المجتمع وأضاف صاحب رواية " اليهودي الأخير من تمنطيط" :"الأدب الذي لا يكون معبرا عن المجتمع الذي ينتمي إليه ولا يكون عينه الراصدة ليس أدبا " وتحدث الزاوي بإسهاب عن مميزات المتن الروائي بشكل عام ،وعرفه بأنه تلك العلاقة الأساسية مع اللغة والكاتب الروائي الناجح حسبه هو الذي يستطيع استعمال مادة اللغة بتجديد مستمر، ويعرف تراثه وله اطلاع على الواقع الذي يعيش فيه سواء تمثل في الواقع السياسي الاجتماعي أو الثقافي ويرى محدثنا أن هذا الجنس الأدبي هو "معرفة" والمعرفة لا تكون إلا بالاجتهاد واستعمال وقراءة التراث والانفتاح على المستقبل، و يشدد الباحث على أن التجربة الروائية يجب أن تمارس العلاقة بين رؤية الواقع ورؤية الماضي، وأن تكون دائما في بحث مستمر الأمر الذي يجعل الإنسان يرقى إلى الأحسن ويضحد التخلف والتخلص من الرؤية السلبية للماضوية وضرورة الدخول في التجربة.
"الرواية" كلمة مؤنثة فأين تاء التأنيث منها؟
الكاتبات الجزائريات لديهن حضور كبير في الكتابة ،ففيما يخص الجيل الأول من الكاتبات مع الطاوس عمروش ،جميلة دباش ،آسيا جبار ،نادية قندوز وصفية كتو هذا الجيل الذي حقق حضورا كبيرا في الإبداع ،وكذلك ما يخص الكتابة باللغة العربية لدينا القامة الكبيرة زهور ونيسي ،والجيل الآخر الذي جاء بعدها مثل الروائية أحلام مستغانمي ،الشاعرة ربيعة جلطي ،الكاتبة فضيلة الفاروق ،وسارة حيدر ،وهي أسماء حققت حضورا على المستوى العربي ،والمغاربي ،وكذلك االروائية مايسة باي ،ليلة مروان هي أسماء موجودة في القراءة وحاضرة مع القارئ الجزائري ،المتوسطي ،العربي والعالمي ككل ولهذا أعتقد أن صوت الكاتبات الجزائريات بدأت نصوصهن تترجم إلى عديد اللغات ،وبدأت نصوصهن تحصد الجوائز ليست فقط الوطنية ،أو العربية بل العالمية أيضا ،والكاتبات الجزائريات معروفات بتكسير الطابوهات ،والكتابة بجرأة مند أيام آسيا جبار ،أحلام مستغانمي ،وربيعة جلطي وهي جرأة جسدية سياسية اجتماعية ،وحتى الجرأة في شكل الكتابة أيضا ،والأديبة الجزائرية هي من أكثر النساء المبدعات شجاعة في العمل الأدبي ،وفي المواضيع المتطرق لها هذه الشجاعة الناتجة عن التجربة التاريخية ،والثورة التحريرية الكبرى التي حاربت تاء الخجل مع الرجل ،ووقفت الند للند أمام أعتا قوة استعمارية خلال القرن العشرين ،وذلك ما نلمسه مع الأديبة آسيا جبار، وفضيلة مرابط ،وكذلك ما عانته هذه المرأة خلال ما يعرف بالعشرية السوداء التي تعلمت خلالها نوع من المقاومة لكل ما هو قمعي ،وللإرهاب أو على المستوى الاجتماعي كالفقر والجهل .
لكن للأسف الشديد هناك نقص في الترويج لهذه الأعمال الإبداعية في الجزائر ،ونقص شديد في توزيع الكتاب ودعم الحضور الثقافي للمرأة في الحياة الثقافية بشكل عام ففي الجزائر لا توجد ثقافة تكريم هذه الوجوه الإبداعية ،والكاتبات لدرجة أصبحت المرأة الجزائرية تكرم في الخارج ،ولا تكرم في بلدها الأم ،والسبب يعود إلى عدم إعطاء أولا الثقافة ثقافة الكتاب والمؤلف مكانة حقيقية وثانيا لأن المجتمع لايزال يتميز بنوع من النظرة المحافظة .
الروائي المترجم محمد ساري
"يجب على الكتَّاب المزج بين الواقع والذات المبدعة"
نوّه الدكتور محمد ساري في حديثه ل"الجزائر الجديدة "إلى ضرورة أن تكون الرواية مرآة عاكسة للمجتمع ،إذا أُريد لها أن تستمر وتبقى كفن أدبي رائد ومقروء، ويرى صاحب رواية " الورم" أنه على الجنس الروائي أن يحاكي الواقع بكل تجلياته، وأن يكون لسانه الناطق لأن دور الرواية حسبه يكمن في حكي الواقع وتحليل المجتمع بكل أبعاده ،وألَّا تخفي شيئا وبخصوص الكتابة الروائية في الجزائر فقد تحدث المترجم عن ذلك بكل تفاؤل مؤكدا على ضرورة الجمع بين المجتمع وبين الذات المبدعة، وأن تشرح الواقع وتظهر كل سلبياته وإيجابياته وتبرز ما يدور بداخله ،وبالموازاة مع ذلك ركز ساري على ضرورة محاكاة هموم الفرد داخل ذلك المجتمع، والغوص في علاقاته الاجتماعية، وموقعه في كل ذلك وتبيان الصراعات والتناحرات بين الأفراد ودعا محدثنا إلى جانب ذلك لضرورة اهتمام المتن الروائي بالجانب النفسي للفرد ،والغوص في مكنوناته الداخلية وسبر أغواره النفسية سواء ما تعلق بالجانب العاطفي أو كيفية تفكيره ورؤاه لأن الأدب يقول الباحث " هو مرآة عاكسة للمجتمع المعبر عنه " وأعطى صاحب رواية " القلاع المتآكلة" مثلا عن الروائي الفرنسي " ماركيز " والذي رغم أنه من متزعمي الرواية الجديدة التي تجنح إلى الخيال إلا أنه شرح المجتمع الفرنسي وتحدث عن الأزمات النفسية للفرد، وقدم للقارئ الفرنسي خصوصا والعالمي بشكل عام صورة عن شخصياته الروائية وعلاقاتها وصراعاتها فيما بينها وبين مجتمعها ،واستطاع تبيان هواجسها ،والغوص في أدق دقائقها ،من تفكير ومشاعر وأحاسيس باطنية ،ومكنونات نفسية وأضاف صاحب رواية " الغيث " مثالا آخر عن الكاتب الأمريكي " بروست " الذي يعد هو الآخر من متزعمي المدرسة الجديدة للرواية لكنه رغم كل ذلك فقد استطاع أن يشرِّح المجتمع الأميركي ،وتركيبته، وصراعاته وكذا طريقة تفكير إفراده ،وكل ما يتصل بالمجتمع، وعلاقته بالفرد والنفاد في تشريح الصراعات الناتجة عن هذه الثنائية، ويؤكد ساري أنه مادامت الرواية الجزائرية تتحدث عن المجتمع الجزائري وتحاكي الواقع وتغوص في الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية ومادام الروائيون الجزائريون يكتبون عن واقعهم المعاش، وعن النظام بدون خوف، ويكسرون الطابوهات فإنه يمكن الاستبشار خيرا في هذا الجنس الأدبي في بلادنا وخاصة مع ظهور روائيين جدد استطاعوا أن يبرزوا بأعمال جيدة وأن يتحصَّلوا على جوائز وتكريمات على المستوى العربي والعالمي ويضيف ساري " أنا متفائل بالرواية خيرا، ومتأكد أنها ستصبح في المستقبل القريب تزاحم أرقى الروايات العربية والعالمية على حد سواء".
ماذا عن الكتابة الروائية عند المرأة ؟
نحن نفتخر بأن روائية جزائرية شابة تحصلت مؤخرا على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع وهي الروائية "هاجر قويدري" عن روايتها الموسومة " نورس باشا "، فهذه الجائزة في حد ذاتها هي تشريف للأدب ،وللمرأة الجزائرية خاصة ،والمرأة في بلادنا لديها مكانتها داخل المجتمع ،وخاصة في مراحل التعليم الجامعة وأقسام كثيرة أغلبها إناث وهذا في حد ذاته تطور كبير ،وأنا أذكر في السبعينيات عندما كنت طالبا في الجامعة أغلب الطلاب هم ذكور هذا التحول الجذري إن دل على شيء إنما يدل على المكانة الثقافية التي أصبحت عليها "نون النسوة "الجزائرية فإذن المرأة الجزائرية أمامها فرص متعددة لتبين طاقتها في جميع المجالات ،ومختلف مناحي الحياة وبالنسبة للأدب فهناك أصوات أدبية جيدة بدءا بالكاتبة الكبيرة زهور ونيسي ،وهي قامة من الجيل الأول ،وكذلك زليخة السعودي التي تركت لنا قصصا ،ومقالات جيدة تحوي نفسا رومانسيا قويا كتبت نصوصها بعد الاستقلال ،وبعدها الجيل الآخر مع جميلة زنير ،ربيعة جلطي ،زينب الأعوج ،والكاتبة الكبيرة التي نالت شهرة عالمية الروائية أحلام مستغانمي بثلاثيتها المعروفة " ذاكرة الجسد، عابر سرير ،وفوضى الحواس "وصولا إلى كاتبات هذا الجيل الجديد كسميرة قبلي وهاجر قويدري وهي أسماء مشهود لها بالإبداع الحقيقي .
ولكن في الحقيقة أن كثيرا من النساء يؤلفن نصوصا جيدة ويظهرن ثم يختفين، والسبب في اعتقادي يعود إلى ظاهرة الزواج القاهرالذي يلزم المرأة البيت ،الولادة وتربية الأبناء، الأمر الذي يجعل المبدعات الجزائريات يتوقفن عن الكتابة .
إذن ما يميز واقع المرأة الجزائرية بشكل خاص أنها تعيش في ظروف جد صعبة خاصة المرأة المبدعة ما يجعل هذه الأصوات تبدع في فترة محددة ،وهي فترة الشباب ثم تبدأ في الانطفاء ،وكأن هناك شيء يقيدها عن الكتابة ،وأنا شخصيا كنت ألتقي بالعديد من المبدعات سواء في الشعر الرواية ،أو القصة ،ولكن بعد فترة لم أعد أسمع عنهن شيئا وإن ذل ذلك على شيء إنما يدل على العقلية الاجتماعية التي ماتزال ضاغطة تقيد إبداعها وتكبت مشاعرها ،ورؤيتها للعالم فنيا فتموت إبداعيا ولا تبق إلا صورة اللحم والدم.
على الساخن
الروائي سعيد الهاشمي ل"ملف الجديدة ":
"الجزائر تفتقر إلى المجلات المتخصصة التي تهتم بالفن الروائي "
يرى الروائي سعيد الهاشمي أن الإنتاج الروائي في الجزائر وفير، وموجود وهناك حركة مهمة تعرفها الرواية الجزائرية الأمر الذي يشير إلى كون هذا الجنس الأدبي يعرف تطورا كبيرا ،وخاصة في الآونة الأخيرة مع ظهور كتَّاب احتفي بهم عربيا وعالميا عكس فترات سابقة كانت فيه الرواية شبه مغيبة على الساحة الأدبية وبالمقابل نوه صاحب رواية "الإحتراق" بقلة الاهتمام بها خاصة مع عدم وجود متابعة فيما يخص الروايات الصادرة وآراء النقاد ،والقارئ حولها وأرجع محدثنا ذلك إلى خفض دور النشر لعدد النسخ الصادرة والتي لا تزيد في الغالب الأعم عن الألفين(2000 ) نسخة وهو الأمر حسبه الذي يجعل من الصعب العثور على هذه الروايات في المناطق البعيدة عن العاصمة خصوصا ،وأن أغلب دور النشر متمركزة فيها ما يبقي العمل وصاحبه مجهولين عند القارئ العطشان إلى هكذا إنتاجات، من جهة أخرى تحدث الهاشمي بإسهاب عن عامل الإشهار الذي يظل مغيبا في الجزائر بالرغم من أنه من أهم الشروط التي تتطلبه سوق النشر فقال:" جانب الإشهار من أهم الجوانب التي بإمكانها التعريف بالمنتوج الروائي لكنه للأسف الشديد الجزائر تزال بعيدة عن ثقافة الإشهار،فرغم أهميته وخطورته في آن إلا أنه ضعيف الأمر الذي لا يسمح بالتعريف بالروايات الصادرة، وصاحبها على حد سواء"وفي حديث ذي صلة تطرق صاحب رواية " عاشق النور " إلى مشكل آخر تعاني منه الساحة الأدبية في الجزائر وهو عامل النقد المغيب هو أيضا فيضيف :" النقد هو الغربال الذي يمكن من خلاله معرفة العمل الجيد من الرديء وحضوره هو الآخر من بين أهم أسباب نجاح العمل الروائي ،لكنه للأسف عنصر غائب في الجزائر ما يؤثر بشدة على الإنتاج الروائي فيبقى القارئ غير عارف لما ينتقي من الروايات، وما يقرأ " ومن مظاهر هذا النقص فأدرجها الهاشمي في انعدام مجلات متخصصة في المجال الأدبي ،أو صفحات خاصة في الجرائد اليومية يمكن للنقاد من خلالها إبداء آرائهم في المواضيع المطروقة، والخاصة بالكتابة الروائية بشكل خاص مضيفا:" مادامت الحركة النقدية مغيبة فإن العمل الروائي يبقى يعاني بالرغم من وجود محاولات جادة لروائيين استطاعوا أن يبرزوا في بلد غير بلدهم الأصلي مع عدم وجود المسابقات والمهرجانات التي تحتفي بالجنس الروائي في بلادنا ليختتم محدثنا كلامه بالدعوة إلى ضرورة انتهاج سياسة ثقافية محكمة وضرورة التفات المسؤولين إلى الجانب الأدبي وإعطائه أولوية واهتماما كبيران يمكن من خلال ذلك الارتقاء بالأدب الجزائري بشكل عام وفن الرواية بشكل خاص.
الروائي السعيد بوطاجين:
"النص الروائي الجزائري أصبح موضوعا للدراسات الأكاديمية في الجامعات الدولية"
يتطرق الدكتور السعيد بوطاجين في هذا الحوار الذي جمعه ب" الجزائر الجديدة "إلى واقع الكتابة الروائية في الجزائر، ويرى أنه يبشر بالخير مع ظهور أسماء استطاعت أن تخترق الحدود الوطنية، وبخصوص الرواية العجائبية فيؤكد صاحب رواية " اللعنة عليكم جميعا " أن هناك روائيين برعوا في كتابتها رغم أنه لا ينكر وجود بعض الأعمال التي وظفت التناص بطريقة مضغوطة ما ولد نصوصا غير مكتملة فنيا، وعن طقوس الكتابة لديه فيقول بوطاجين أن مادة اللغة هي أهم المرتكزات التي يرتكز عليها كل عمل روائي يؤلفه.
كل أديب لديه طقوسه الخاصة في الكتابة فتأسيسا على ماذا يكتب السعيد بوطاجين؟
بالنسبة لي فأنا أكتب في العادة تأسيسا على خيارات لغوية ومعجمية واللغة هي أهم عندي من أي عنصر آخر، ولذلك اهتمامي يكون مركزا على قضايا الصورة والاستعارة من أجل إنتاج نص مفارق للمعيار ،في حين تكون الموضوعات رغم قيمتها التاريخية ،أو الفلسفية ،أو الاجتماعية ،أو السياسية في المقام الثاني.
ما ذكرتموه من مميزات الرواية الجديدة هل تقرون بانتمائكم إلى المدرسة التي تجعل من اللغة أهم شيء في العمل الروائي لدرجة سماها البعض ب"رواية اللغة" ؟
في الحقيقة عندي ميل إلى الرواية الجديدة لأن الصناعة تغدوا مسألة ضرورية في أي إبداع، وقد ركز على هذا الجانب البلاغيون، والشعراء والنقاد المعاصرون، والقدامى على حد سواء ،ذلك أن الكيفية تغدوا مفصلية مادامت الموضوعات مشتركة، ولا تبقى التقييمات مرتبطة بالذائقة العامة، وبسياق إنتاج الخطابات الأدبية ،ومع ذلك فإن القرَّاء في تغيراتهم وتحولاتهم هم الذين يضعون ضوابط لقراءة الرواية مع التغييرات الممكنة لهذه الضوابط نظرا لتغير وجهات النظر ،والأحكام ،والتموقعات.
باعتباركم باحث وناقد أكاديمي قبل كل شيء مارأيكم في الرواية الجزائرية عموما؟
هناك أسماء كثيرة اخترقت الحدود الوطنية لأنها كتبت رواية تمثيلية استطاعت أن تفرض نفسها على الساحة العربية خاصة في السنين الأخيرة بالرغم من الأزمة التي عرفتها الجزائر ،وهذا يبدوا أمرا مدهشا للغاية فبحسب ما كتبه آخرون عن الرواية الجزائرية ثمة مجهودات محترمة لا يمكننا نكرانها لأنها ارتقت بالنص الروائي الجزائري إلى مرتبة معتبرة ،وأصبح هذا النص موضوع اهتمام الدراسات التي تنتج في الجامعات العربية.
معنى هذا أن المتن الروائي في بلادنا قد اكتمل فنيا؟
لدى كتاب " السرد ووهم المرجع " وقد خصصت أجزاء منه للحديث عن واقع الرواية في الجزائر وتطرقت فيه إلى بعض الفجوات المتعلقة بالقضايا التقنية والسردية لكن مواقفي تظل مواقفا قابلة للنقد ومع ذلك فإنني أؤكد إلى أن هناك أشياء بحاجة إلى ترميمات ومساءلات كثيرة ،والرواية الجزائرية فيها بعض المتاعب اللغوية وقضايا أخرى متعلقة بالأساليب وطبيعة الرؤى ومرجعياتها ويضاف إلى ذلك ما تعلق بخصوصية العمل الفني وفرادته ،هذه أمور ممكن أن تطرح مع الكتاب ،ومع النقاد في منابر أكاديمية متخصصة تفاديا للجعجعة اللفظية، والأخطاء الفرضية التي قد يقع فيها النقد في حد ذاته.
تأثرا بالمدارس الأدبية الغربية ظهر ما يمكن أن نسميه "الرواية العجائبية" هل نعرف فعلا هذا النوع من الكتابة ؟
الرواية العجائبية هي نوع من أنواع الرواية الذي استلهم من الآداب الأجنبية ومن ألف ليلة وليلة وبعض الأشكال السردية التي عرفت في التراث العربي، ويبقى الكاتب حرا في طريقة القراءة، والاستثمار، وهناك دائما مجاوزات في الموضوعات قديما وحديثا لذلك بمقدورأي كاتب أن يوظف الطريقة المثلى لخدمة الحاضر تأسيسا على الماضي ،ولهذا أقول أنه لا يمكن الحكم النهائي على هؤلاء الكتاب في تناصَّاتهم واستثمار الأساطير والقضايا السحرية تعود لقدرات الكاتب، فهناك روايات ناجحة جدا لأنها تعي جيدا الشكل الذي تتعامل معه ،والأمثلة كثيرة لا أريد أن أذكر بعضها لأسيئ للبعض الآخر، بالمقابل هناك أعمال أخرى لا تتعامل جيدا مع هذه المواد ممثلة في "الأسطورة ،التاريخ والتراث العربي "الخارجة عن النص الأصلي القاعدي ،وأعتقد أن ذلك سيؤثر جدًّا على العمل بحيث أن الموضوعات الخارجية أقحمت إقحاما وأسقطت على النص الروائي بدون أي داع أسلوبي ما جعلها تفقد ذلك الخيط الشعوري بينها والقارئ .
الروائي سمير قسيمي ":
لم نؤسس بعد مدرسة روائية والمحسوبية تجذرت في الإعلام الثقافي ببلادنا
في هذا الحوار يتحدث الروائي سمير قسيمي بنبرة تشاؤم فيما يخص الفن الروائي في الجزائر، ويؤكد أنه لم تتأسس بعد مدرسة خاصة به وأدرج صاحب رواية " تصريح بضياع" الرواية الجزائرية في الدرج ماقبل الأخير لسلم الرواية في الوطن العربي خصوصا مع ظهور جيل ركب الموجة في إطار ما يسمى بالأدب الإستعجالي والذي مثَّل حسبه مشروعا خائبا، ليسترسل في الحديث عما يسمى بالرواية العجائبية التي أنتج أصحابها نصوصا مضغوطة مع كثرة حشوهم تناصات وإقتباسات سواء من التاريخ أو التراث العربي بدون أي داع فني ،ويلقي اللوم في الخلط الذي يعرفه الوضع الأدبي العام على الإعلام ودرجة المحسوبية التي أصبح عليها.
أولا هل يمكن القول أن الرواية الجزائرية أسست لنفسها مدرسة خاصة بها كما المدارس العربية والغربية الأخرى؟
إن الحديث عن تميز الرواية الجزائرية هو حديث واه جدا وغير صحيح ،وبصراحة لو كنت أمتلك سُلُّما تقييميا لأدرجت الرواية الجزائرية في الدُّرج ما قبل الأخير، وأعتقد أن الذين يتحدثون عن تميز وتفرد المتن الروائي في بلادنا هم أناس قصيروا النظر، وتدفعهم العاطفة لذلك وليس النقد الحقيقي المنبثق عن العقل، فالقول بالتميُّز عربيا هو أمر يخرج عن إطار المناقشة الجادة ،وعلينا أن نسأل أنفسنا هل نمتلك رواية فعلا؟. الرواية الجزائرية هي نصوص لم تكتشف فيها مميزات تختلف عن سواها، فقد حاولت في أبحاثي العثور عن مدرسة للرواية الجزائرية وانتهيت إلى أنه لا توجد مدرسة خاصة نستطيع أن ندرج ضمنها الرواية الجزائرية بمميزات فنية مكتملة.
ما هي العوائق حسب رأيكم التي تعترض المتن الروائي وتمنعه من التشكل ليصبح فنا قائما بذاته ؟
إذا عدنا إلى ظهور الرواية المكتوبة بالعربية فأقول أنه ظهور حديث يعود إلى بداية السبعينات فقط مع الروائي الراحل الطاهر وطار، وبن هدوقة ،والأسماء التي كتبت قبل الآن لم تهتد إلى وضع معايير لهذا الجنس الأدبي وبالرغم من ظهور أسماء كبيرة مثل وسيني الأعرج،وأمين الزاوي إلا أنه لم يكتمل عطاؤها لتشكل هذا النوع من المدارس، وأما إذا تحدثنا عن المقروئية فإن الأسماء الجزائرية لا تُقرأ اللهم تلك الأسماء التي تنشر ما وراء الحدود، إذن الأسباب الحقيقية وراء تواضع الكتابة الروائية هي كثيرة ومتعددة ،ويختلف مستواها بحسب الكاتب وبحسب النص والجهد المبدول في هذا العمل أو ذاك، وأغلب الروايات الناجحة والمتميزة هو ما يمكن أن نسميه بالرواية الجديدة في الجزائر، والأقلام الشابة التي بدأت تخلق لنفسها مكانة في الساحة الأدبية عموما بعدما برزت أسماء في الثمانينات والتسعينات مثلت مشروعا خائبا لبعض الأصوات ولم يقرأ منها الآن إلا عناوين لروائيين محددين كأمين الزاوي و وسيني الأعرج، وأما الذين كتبوا على الساخن مع ظهور النكبة الأدبية أو ما يسمى ب"الأدب الإستعجالي" أظهر متزعموه أن تلك النجومية قد خيبت، ولم يرق منها إلا اسم أو اسمان لنطلق عليه لقب روائي، وأيضا بعض الكتَّاب الذين كتبوا عملا واحدا ناجحا وأصبحوا يُقرؤون بعده بالأسماء وليس الأعمال فمثلا أحلام مستغانمي ومند "ذاكرة الجسد" لم نقرأ لها شيئا ذا أهمية والجيلالي خلاص مند "رائحة الكلب" لم نقرأ له شيئا مميزا.
تتحدثون كثيرا عن الإعلام وتلقون عليه اللوم في الإقصاء الذي تتعرض له بعض الأسماء كيف ذلك؟
نعم كان الإعلام سببا في تلميع أسماء على حساب أسماء أخرى فعدم وجود إعلام حقيقي متخصص أثر في المجال الأدبي كثيرا فأصبحنا لا نقرأ إلا أخبارا، وقراءة فهرسية حول الأعمال الروائية، بالإضافة إلى الإقصائية المقصودة في بعض المنابر الإعلامية، والمحسوبية التي طغت على تلك المنابر، فلا تقرأ قراءات جادة حيادية بالنسبة للروايات الصادرة في الجزائر، وفي الحقيقة أنا ذهلت عندما قرأت روايات روج لها إعلاميا لا ترق إلى ما كتب عنها فعلا، فمثلا قراءة الشاعر عمر أزراج حول رواية رابح بوكريش "إرحل يا ..." عندما قرأت الدراسة النقدية والرواية وجدت الاختلاف الكبير، لأن " إرحل يا ..." ليست رواية بأتمّ معنى الكلمة، لا من حيث اللغة والأسلوب ولا من حيث تسلسل الأحداث إذن عندما نقرأ تلك القراءة ندرك مستوى المحسوبية التي تتعامل معها بعض الأقلام الإعلامية مع الأسماء الأدبية.
إذا قلنا الرواية الجديدة أين هم الكتاب الجزائريون من هذا النوع في الكتابة ؟
أهم عنصر في فن الرواية هو القصة التي تحكيها وطريقة حكيها تلك هي التي تجعلها رواية متميزة جذا أو العكس إذن الرواية الجديدة لا تميزها اللغة و القول بهذا العنصر هو خطأ فرضته مطية أحلام مستغانمي في روايتها " ذاكرة الجسد " لكن في رأيي لغة الشعر لا تصلح على الرواية فهناك نصوص كثيرة استعملت اللغة الشاعرية في الكتابة الروائية لكنها لم تنجح وخدي مثلا الروائية يسمينة صالح فقد كتبت نصا متميزا لكنها عندما أرادت أن تعيد لبس ثوب مستغانمي سقطت إذن الرواية الجديدة تميزها طريقة كسر الطابوهات فمثلا ما يوجد في روايات رشيد بوجدرة وموضوع الجنس والوحشية التي تميز أعماله لم تعد ذات أهمية إذ أصبحت تلك المواضيع المدرجة كالجنس والسياسة الشغل الاجتماعي للشخص العادي والدليل أن نسبة مقروئيتها أكثر من نسبة مقروئية الروايات الأخرى ومنه فالرواية الجديدة تعتمد على ميزات وتقنيات جديدة لم تكن من مميزات الرواية في السابق.
أصبح الروائيون الجزائريون كغيرهم من الكتاب يستعملون التناص سواء الديني التاريخي أو التراثي ما رأيكم في هذه التقنية الجديدة ؟
إذا تحدثت أولا عن الرواية التاريخية، فأقول أنه حتى هذا النوع من الكتابة غير موجود في بلادنا بغض الطرف عن الاستثناءات التي لا تصنع القاعدة، فالرواية التاريخية ربما صنعها وسيني الأعرج في "كتاب الأمير" لكن لم أر بعده روائيا كتب الرواية التاريخية بشكل مكتمل ونفس الحديث أقوله عن استعمال التراث فقد ذهب بعضهم لكتابة ما يسمى بالرواية العجائبية لكنهم فشلوا في ذلك وأصبح العمل مجرد حشو لتناصات واقتباسات لا غير، وهي طريقة يستعملها الكاتب ليتمكن من نصه الذي يرى بأنه طويل فيقحم التراث في العمل ما ينتج نصا مضغوطا، وهو خطأ يقع فيه الكتَّاب الجزائريون لأن استعمال التاريخ، والتراث في الرواية يجب أن يكون عفويا، وأن يكون الروائي مضطرا لفعل ذلك لحاجة تقتضيها الكتابة، وغير ذلك فيغدوا حشوا لا أكثر.
قالوا:
محمد ساري:" مادام الروائيون الجزائريون يكتبون عن النظام وعن الواقع المعاش فيمكن أن نستبشر خيرا في فن الرواية ببلادنا "
سمير قاسمي :" لو امتلكتُ سلما تقييميا لوضعتُ الرواية الجزائرية في الدرج ما قبل الأخير، ولا توجد مدرسة يمكن أن ندرج ضمنها هذا الجنس الأدبي"
أمين الزاوي:"الجزائر تعرف حركة روائية متميزة ،وأقلاما جديدة تكتب بجرأة ،وكسرت الطابوهات "
سعيد بوطاجين : "الرواية الجزائرية فيها بعض المتاعب اللغوية ،وقضايا أخرى متعلقة بالأساليب وطبيعة الرؤى "
سعيد الهاشمي :" عامل الإشهار من أهم الجوانب التي بإمكانها التعريف بالمنتوج الروائي لكنه وللأسف الشديد الجزائر لازالت بعيدة عن هذه الثقافة "
سمير قاسمي هلابيل الإعلام
يعتمد الروائي سمير قسيمي اعتمادا شبه مطلق على تشريح الواقع بكل تجلياته، ومعروف عنه إعطائه أهمية بالغة لشخوصه الروائية مادامت تحمل صورة ذلك الواقع وتحكيه، ولئن اهتم قاسمي بالشخصيات فإنه أخصَّ المُهمَّشة منها باهتمام أكبر لتصبح فاعلة فتغير مجرى الأحداث وتصبح شخصيات إيجابية كما عرفت في الدراسات النقدية كونها طرفا فاعلا في اللعبة الروائية ،كاتبنا وإن حاول عبر رواياته كلها الانتصار للهامش، فلأنه يعي جيدا مدى تعفن ذلك الواقع المتخيل أو ربما هو موجود فعلا المليء بالتناقضات لدرجة يغدوا التَّافه مهما بالمقابل يُتفَّه المهم كذلك كان قسيمي و لايزال ينبذ كل ما هو سيء في الوضع الثقافي العام لدرجة تجعلك قبل الحديث إليه تتفقد وجود منديلك من عدمه لمعرفتك بأن حديثه سوف يبكيك فعلا ،لا يكف عن التنديد بالشرَّ والمحسوبية التي تجدرت في واقعنا الثقافي العام والإعلامي بشكل خاص ،سمير قسيمي الروائي الشاب الذي لم يتعد سنه الثامنة والثلاثين ألّف روايات عدة أكبر نضجا فأضحت مرآة له و لكل مثقف جزائري ناجح عانى الإقصاء، لدرجة أنه يتحدث عن نفسه أولا، وعن كل المثقفين ثانيا، وعن الواقع الذي يعيشون فيه، في صور لشخصيات متعددة تعدد عناوين رواياته، وفعلا هو هكذا الأدب "مرآة للواقع" كما يقول الناقد الغربي تودوروف في كتابه الذي صدر سنة 2007 بعنوان: " الأدب في خطر"،والذي بين خلاله قيمة الأدب الحقيقية الكامنة في تشريح الواقع بكل تصدعاته وأزماته، ويظل كاتبُنا ينبش في واقعه وواقعنا كلنا فيكشف لنا في آخر المطاف أن الشخوص البطلة في واقع النفاق والجهل وسلب للأفكار هي الضحية دائما، لذلك عندما نقرأ أعماله نحس وكأنه تقمص دور المحامي فيدافع عن شخوصه المهمشة كما فعل مع " هلابيل "، هذه الشخصية المتوارية التي لم نكن نعرف عنها شيئا ليعيدها قاسمي ببراعته الفنية إلى الواجهة، وشأنه في ذلك شأن العمالقة من الكتاب، فقد فعلها أيضا روائينا وسيني الأعرج مع شخصية دنيازاد التي أسند لها مهمة حكي " الليلة السابعة بعد الألف " بعدما سيطرت شهرزاد على فن الحكاية لقرون. قاسمي لئن لام الإعلام كثيرا فإنه أشبه ما يكون "تصريح بضياع" للقيم والأخلاق، ودرجة المحسوبية التي أصبح عليها فيصير كل مثقف لا يفكر سوى ب"يوم رائع للموت "في ظل ذلك الواقع العفن ، كاتبنا يعرف جيدا أن السبب يكمن طبعا "في عشق امرأة عاقر "، هذا العشق الممنوع الذي ابتلي به ومن معه من مثقفين أفنوا إلهامهم من أجل سواد عين تلك المرأة، دعني أقول لك يا ضيفنا أن الإعلام الذي تتحدث عنه في كل منبر تنزل ضيفا عليه ما هو إلا ربيب تلك المرأة العاقر التي ضمَّنتها روايتك فلا تحتار من استفهامات أجبت عنها روائيا.
بعد تحليل سريع لمميزاتها الأسلوبية
الإعلام العربي يكشف "واقعا متعفنا" للمجتمع الجزائري نقلا عن روايات جزائرية
سلطت المنابر الإعلامية العربية في حديثها عن الإنتاجات الروائية الجزائرية الضوء على المواضيع التي يكتب عنها الروائيون وتحليلاتهم للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي الجزائري من خلال تلك الإنتاجات ،حيث تطرقت مجلة "الحياة السورية" في مقال لها حول الروائي الراحل الطاهر وطار إلى الحديث عن الكتابة الروائية في الجزائر عموما والمكتوبة باللغة العربية بوجه خاص، يرى صاحب المقال أن وطار هو أب الرواية المكتوبة باللغة العربية بعدما هيمنت لغة المستعمر على هذا الجنس الأدبي مع المبدع مولود فرعون ومحمد ديب وآسيا جبار وغيرهم ،ووصفت المجلة كتابة الرواية باللغة العربية في الجزائر ب"المعركة "بالنظر على التغريب الذي تطبع به الجزائريون على أيدي المستعمر الغاشم ،من جهة أخرى تحدث الباحث خالد بن صالح في مقال مطول له بمجلة الرواية عن الكتابة لدى الروائي سمير قاسمي وبعدما عدَّد سمات اللغة الموظفة في رواية " في عشق امرأة عاقر"القوية والصادمة ،والأسلوب الشاعري المدرج في العمل ينتهي كاتب المقال إلى الحديث عن موضوع الرواية ممثلا في تشريح الواقع ،والمجتمع الجزائري عبر العمل ،يقول خالد بن صالح بأن من الرواية هي غوص في وحل الواقع ومستنقعاته المترامية الحدود في وطن ممزق لا قدرة له على احتضان أبنائه الذين شردتهم الحياة وساروا في ممراته الضيقة حد الاختناق دون خيار أو رغبة"من جانبها أفردت مجلة "إتحاد الأنترنيت المغاربة" الروائي أمين الزاوي بالدراسة في مقال لصاحبه الباحث علي نسر يستعرض فيه الموضوع الأساسي الذي يشتغل عليه الزاوي والممثل حسبه في الواقع المتعفن الذي يحياه الجزائريون يقول صاحب المقال :" يرينا الزاوي صورة شعب تدوس عليه أقدام الداخليين ممثلين في الحكام السياسيين" ،ويؤكد نسر عبر المجلة أن أمين الزاوي يظل عبر رواياته "الرعشة ،رائحة الأنثى ،السماء الثامنة ويصحو الحرير"،يشرح الواقع دي المستويات المتعددة الاجتماعية، الثقافية ،السياسية أو الدينية مضيفا: "النفوذ الديني الظلامي التسلطي الذي غالباً ما أشار إليه عبر الملتحين في الروايات، ما جعل ذلك الشعب صورة هشة فارغة من الداخل كفزاعة حقل ليس فيها سوى الشكل في حين أن الداخل مليء بالفراغ". لتختص جريدة الحياة الكاتب وسيني الأعرج بمقال للناقد شوقي بديع تطرق خلاله للعالم الروائي عند الأعرج خاصة ما تعلق منه بعمله الموسوم "شرفات بحر الشمال "،ويستعرض صاحب المقال الأساليب اللغوية التي تتميز بالشاعرية الطاغية في العمل يقول شوقي بديع "تنهض رواية واسيني الأعرج فوق أرض غنائية مفعمة بالرثاء والنقد وفورانات الداخل، فمنذ الصفحة الأولى وحتى نقطة الختام الأخيرة لا تكف اللغة عن التدفق والاشتعال والترنح الوجداني" لينتقل صاحب المقال إلى الموضوع الرئيس ل"شرفات بحر الشمال"مع بطلها ياسين عندما يقرر الهروب من الواقع المتعفن في وطنه الأم مختارا الغربة عليه يضيف شوقي بديع" ياسين الذي يصر طويلاً على التشبث بسرير ولادته لم يعد قادراً وسط شلال الدم المراق على مدبح القبائل والأصوليات المتناحرة أن يحتفظ بهذا السرير لكي يحوله لحظة موته إلى قبر، لذلك كان عليه وهو نحات متميز أن ينتظر الذريعة المناسبة لكي يغادر الجزائر إلى لوس أنجلس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.