وادي سوف هي مدينة جنوبية تقع في أقصى الجنوب الشرقي الجزائري تتميز بطابع معماري خاص وهي القباب . . تعتمد في حياتها اليومية المعيشية عن الفلاحة والتجارة أكثر . . كان بمركز المدينة قاعتين للسينما قاعة الأصيل، وهي في قلب السوق وقاعة الصحراء في حي أولاد أحمد . .أما قاعة الأصيل فحُوّلت لسوق مغطاة ولم تُستغل لحد الساعة، وقاعة الصحراء تستغلها البلدية في النشاط السياسي أكثر من أي نشاط. واستفادت الوادي سنة 1987 من دار ثقافة بها قاعة عروض بسيطة لا تتوفر على أدنى شروط العرض وهي الآن في حالة ترميم منذ أربعة سنوات، كما تدعمت بدار جديدة للثقافة في العشرية الأخيرة.وتنفست النخبة الصعداء بوجود هذا الصرح الكبير، إلا أنها سرعان ما اكتشفت عدم وجود قاعة عروض، عدا قاعة محاضرات كبيرة جرى تحويلها إلى قاعة عروض، وهي أيضا لا تصلح لأي عرض مسرحي محترف، ما عدا عروض المونودراما أو الوان مان شو لصغرها، ولعدم وجود أي تجهيزات ضوئية محترفة.
تجمعات ثلاثية الأبعاد منذ الأزل، ظلّ الناس في وادي سوف يتجمعون في ثلاثة أماكن وهي: الأسواق والأعراس والمساجد.وأسهم سوق المدينة في توليد عدة شخوص مسرحية، وذلك منذ القرن السابع عشر.وتجلت تلك الشخوص في: المداح، البراح والقوال.وعادة ما ترافق هذه الشخصيات آلات إيقاعية مثل البندير والآلات الوترية مثل الربابة، إضافة إلى السقا وهو بائع الماء. وعليه، فإنّ المواطن الجنوبي لم يتعرف على المسرح من خلال المؤسسة أو العلبة الإيطالية، بل كان نتاجاً ولّدته الحاجة والحياة الاجتماعية والضرورة اليومية، غير الموجهة وغير المنظّر لها أكاديميا. تجذّر ومبادرات هكذا تجذّر فينا نحن أبناء الجنوب المسرح، أما المسرح المؤسس فكان على يد فرقة المرايا وكان ذلك في سنتي 1985 و1986، ناهيك عن المبادرات غير المتواصلة والمنقطعة، بيد أنّها تعدّ محاولات من بعض الأفراد . . خاصة في مدينة قمار وفوج الرمال الكشفي. وكما أسلفت الذكر في عام 1985، اجتمعت مجموعة من الشباب التقدمي خريجي الجامعات وبعض الموهوبين المحبين لهذا الفن، وأسّسوا فرقة المرايا للفنون الدرامية بدار الشباب (عليه دركي) وهي فرقة ذات شقين مسرحي وآخر للأغنية الملتزمة التي عُرفت بفرقة الكادحين للأغنية الملتزمة، وقدّمت الكثير من أغانيها في مدرجات الجامعات، كما أنجزت فرقة " المرايا " للمسرح، عرض (يا عالم) إذ عرضت في قاعتي السينما قبل أن تتحولا إلى ما ذكرناه سابقا. نقلت المرايا سنة 87 مقرها للدار الثقافة محمد الأمين العمودي بالوادي وهي السنة التي فتحت فيها الدار ولم تدم طويلا، إلا أنها بقلة العدد واصلت نشاطها المسرحي، كما توافدت العروض المحترفة من جلّ المسارح الجهوية والمسرح الوطني والكثير من الشخصيات المسرحية والسينمائية التي عززت وثمنت مجهود الفرقة معنويا، حيث خرجت من شرنقة الوحدة إلى الفضاء المسرحي، بعد أن كانت منغلقة على نفسها، إذ شاركت في المهرجان الدولي للمناجم بتونس بعرض مسرحية (الشاق واق). وكان أول عمل تقسم فيه المهام المسرحية من مخرج وممثل وكاتب، وهكذا انطلقت المرايا وتزاحمت الأعمال والمشاركات. وعرفت الوادي العديد من الأشكال المسرحية، لكن هذه التجارب اضمحلت واندثرت، وتحملت فرقة المرايا مسؤولية المسرح الجادة . .المسرح السياسي الفلسفي الذي يحمل في طياته قضايا ومعاناة وهموم وتطلعات أبناء الجنوب. إلاّ أنّ مثل هذه الأعمال الراقية تحتاج إلى طاقم فني وتقني أكثر نضجا وتفرغا لمثل هذه الأعمال وكتّاب نصوص في مستوى تطلعات الفرقة وهذا لم يكن بوفرة. وتزخر مدينة وادي سوف بعدة شعراء، وهي التي سميت بمدينة ألف شاعر وشاعر بعدما أطلقت عليها الرحالة (إيزابيل إبرهاردت ) سنة 1900، مسمى مدينة ألف قبة وقبة. واللافت في وادي سوف، ندرة الكتاب المسرحيين وكثرة الشعراء ومحافل الشعر واهتمام الفرد الصحراوي بالكلمة وبالإيقاع أكثر من السرد والحوار المعقد والصراع، حيث أنه في القدم كان الشاعر يسمى ب(الغناي)، إذ يكون إلقاء شعره عن طريق الغناء أو في شكل أهازيج. هكذا هو طابع المدينة سوف وما جاورها من قرى، مما جعل المهتمين بالمسرح، يميلون إلى الشكل المسرحي الشعري والمسرح الغنائي والاحتفالي، ناهيك عن بعض الأعمال المسرحية لفرقة التحدي ببلدية الرباح التي تأسست في بداية الألفينيات وقدمت أيضا عدة أعمال أهمها: الانتظار، الانفصال وما بعد الأرض. وهناك أيضا جمعية عشاق الخشبة التي تأسست سنة 2006 من شباب يحملون هذا الهمّ بصدورهم، وقامت الجمعية بعدة إنتاجات مسرحية للأطفال مثل الذئب والخروف، يوميات ميدو، وأعمال للكبار مثل " المكتب رقم 13 ومش معقول"، وهما من تأليف وبطولة أحمد عمراني، والطلعة والوطن الذي فقد ظله لمحمد الخليل وإخراج نبيل مسعي، وغيرها. واعتباراً من سنة 2013، تأسست الأيام المغاربية للمسرح في دورة أولى حضرتها جميع الدول المغاربية. وفي دورات لاحقة، توسّع النطاق ليشمل مشاركات عربية، وأصبح اكبر مهرجان ينظّم من طرف جمعية. هذا دون أن ننسى فرقة بانوراما المتخصصة في مسرح الطفل، فرقة حكيم حيان لمسرح الدمى، فرقة لمسنطح للمسرح الشعبي والحركة المسرحية الموازية بمنطقة واد ريغ، وهي المنطقة التي تتبع إداريا لولاية واد سوف والمتميّز بمسرحها وروادها وأعلامها أمثال الفنان الكبير سعيد راشدي والفكاهي وسيم بن علي. وغيرها من الجمعيات الناشطة في مسرح الطفل ومسرح العرائس ولا يزال مسرحيو الوادي يكافحون لحد الآن مع معاناة وندرة الفضاءات المجهزة وقلة المختصين، والقطيعة غير المعلنة من المؤسسات المختصة جهويا ووطنيا. ومع ذلك، تنظم وادي سوف مهرجانيين للمسرح سنوياً، وهما: 1/ أيام المسرح المغاربي وهي في ومضتها السادسة، وتسهر على تنظيمه جمعية عشاق الخشبة. 2/ المهرجان الوطني للمونولوج وهو في عدده الرابع، وتقوم بتنظيمه مديرية الخدمات الجامعية لولاية الوادي. 3/ مهرجان سوف لمسرح الشباب (مجمّد)، وكان تحت وصاية مديرية الشباب والرياضة. انتهاءً، نشدّد على افتقاد وادي سوف لأي قاعة محترفة للعروض، أما المسرح الجهوي فظلّ حبيس الدراسة في انتظار العقار، قبل أن يجمّد في إطار التقشف، ولا تزال قاعة دار الثقافة القديمة الوحيدة، رهينة الترميم المستمرّ منذ خمس سنوات إلى غاية الآن.