قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلاَمَ دِينًا..(3)﴾[سورة المائدة]، أخبر الله باكتمال الدين، وتمام نعمه على الخلق، والدِّين يكتمل بوجود أربعة أمور هي العقيدة، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق. فيجب أن يكون من أولى الأولويات "التربية على الأخلاق الحسنة". ولقد أدّى الأنبياء والرسل عليهم السلام دور التعليم وترسيخ الحكمة وكذا زرع الفضائل وتزكية النفوس، قال العلماء: "إذا كان التعليم يتصل بالرؤوس فإن التزكية تتصل بالنفوس". والتربية مهمة الأسرة والمدرسة والمسجد، بل وحتى وسائل الإعلام.فالتربية هي الركن الركيز في بناء المجتمعات والحضارات. قال ابن عباس رَضي الله عنه: (لكل بنيان أساس، وأساس الإسلام حسن الخلق). عناية الإسلام بالأخلاق القرآن الكريم: وفيه منهج تربوي متكامل في الأخلاق والقيم، يدعو فيه المولى إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل.، سأل الصحابي هشام بن حكيم السيدة عائشة رضي الله عنهما عن أخلاق رسول الله صَلى الله عليه وسلم فأجابته: (كان خلقه القرآن)، فالنبي صَلى الله عليه وسلم كان يجسّد كل ما في القرآن الكريم من أخلاق نبيلة وقيم راقية. وأكثر من ذلك فقد مدحه المولى عز وجلّ فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)﴾[سورة القلم]، فقد بلغ صَلى الله عليه وسلم مستوى المدح الإلهي والثناء الرباني. مقاصد العبادات: كل العبادات لها علاقة بالتربية والتزكية، فالصلاة مثلا تبعد عن المنكر، قال تعالى: ﴿...وَأَقِمِ الصَّلَاةَ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ...(45)﴾[سورة العنكبوت]. والصيام يربي على الصبر والتحمل، ويؤتي النفس تقواها، قال تعالى: ﴿يَآ أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾[سورة البقرة].أما الزكاة فقال الله تعالى عنها: ﴿خُذْ مِنَ اَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا...(103)﴾ [سورة التوبة]، فالزكاة تطهر النفس من الشح، كما تطهر المال. والحج مدرسة للأخلاق، قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَال فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَّعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَآ أُوْليِ الاَلْبَابِ(197)﴾ [سورة البقرة]. الأخلاق في السنة النبوية: عن أبي هريرة رَضي الله عنه قال: "قال النبي صَلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فذاك مقصد وغاية الرسالات النبوية، ومحمد صَلى الله عليه وسلم أتمها وأكمل تبليغها للخلق. ، كان عليه الصلاة والسلام يدعو الله تعالى ويقول: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت) [رواه أحمد ومسلم]. وفي دعاء آخر قال صَلى الله عليه وسلم: (...اللهم ءات نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكاها...) [رواه مسلم]. وعن أبي هريرة رَضي الله عنه: سُئل رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله وحسن الخلق...) [رواه البخاري]،كما روى رَضي الله عنه حديثا آخر:(أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) [رواه الترمذي].حسن الخلق يكسب منزلة عظيمة وهي مرافقة النبي صَلى الله عليه وسلم يوم القيامة لحديث جابر رَضي الله عنه قال: قال صَلى الله عليه وسلم: (إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) [رواه الطبراني].كما أن الأخلاق الحسنة تكسب الأجر والثواب، قال النبي صَلى الله عليه وسلم: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق) [رواه الترمذي]، وكذلك تمحو السيئات، فعن أَبي ذَرٍّ ومعاذِ بن جَبَلٍ رضي اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسولَ اللهِ صَلى الله عليه وسلم قال: (اتَّقِ الله حَيثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ) [رواه الترمذي]. خصائص الأخلاق الإسلامية : الأخلاق الإسلامية ذات مصدر رباني ، ولها مقاصد تعبدي ، كما أنها ثابتة لا تتغير ، واقعية ومتدرجة.، وأيضا شاملة لكل مجالات الحياة، الأخلاق الإسلامية تحقق التوازن، وهي مكتسبة بالمجاهدة وبالإقتداء وبالصبر. آثار غياب الأخلاق إن غياب الأخلاق يدمر كيان الفرد حيث يكتسب الرذائل والسلوكيات المذمومة والمحرمة، كالسرقة والإدمان، والعنف...، كما أن الأسرة تتضرر وذلك بانعدام الاحترام بين أفرادها، والتشتت والقطيعة.أما المجتمع فنتائج زوال القيم والأخلاق فيه وخيمة، حيث تسوء العلاقات بين الناس، وتكثر الشائعات، وينتشر الظلم والفساد، وكذا الجرائم بشتى أنواعها، كما يزول الأمن والاستقرار، إلى أن تتأثر الأمة.