في زمن غير بعيد كان الإعلام يشكل حلقة مهمة في المسرح لا يمكن الاستغناء عنها ، و هذا لطبيعة الخدمة التي كان يقدمها الأول للثاني ، و التي جعلت منه إحدى الركائز التي يعتمد عليها أبو الفنون لنقل المعلومة الثقافية سواء قبل أو بعد العرض . هذه العلاقة التي أنشئت و تأسست في بادئ الأمر من أجل نقل المعلومة و فقط ، عرفت تطورا فيما بعد و تفرعت إلى مجالات شتى. حيث فضلا عن إخبار الناس بمواعيد العروض المسرحية، و سرد الأجواء العامة التي ميزت هذه العروض لمن تعذر عليهم مشاهدتها، أصبح للإعلام دور هام في كتابة ذاكرة المسرح من خلال توظيف مختصين يساهمون في بلورة الأفكار المسرحية والمعالجة الدرامية و تحليل العروض و تصنيفها ثم الحفاظ عليها حتى يتسنى لأجيال و أجيال من الباحثين و المهتمين الاطلاع عليها و لو بعد مرور مائة سنة. و إذا اعتبرنا أن المسرح فن ينقل هموم و آهات المجتمع لنفس المجتمع ، فإن الإعلام هو كذلك فن ينقل المعلومة إلى القارئ. هذه الرابطة الفنية التي تجمع بين المسرح و الإعلام منذ أن كانت العروض المسرحية تلقى بالساحات العمومية و كان الإعلام يعتمد على نقل المعلومة من الفم إلى الأذن عرفت ازدهارا و توثيقا وتطورا مواكبة للتطور الذي شهدته الساحتان المسرحية والإعلامية، ليحتل المسرح مكانة كبيرة عبر كل وسائل الإعلام دون تمييز سواء كانت مكتوبة أو مسموعة آو مرئية، و كان المواطن على دراية تامة بكل ما حدث و سيحدث من تظاهرات فنية أو مطلعا على الكثير من العروض المسرحية التي كانت تبثها مؤسسة التلفزيون العمومية بل و متتبعا مواظبا للمسرحيات الإذاعية. و قد ساهم هذا الارتباط المنسق في صناعة جمهور خاص للمسرح يتكون من مختلف أطياف و شرائح المجتمع، امتلأت به قاعات المسرح و شجع الكثير من الشباب على الإقبال على الفن الرابع يحفزهم على ذلك اهتمام الإعلام بما يقدمه الفنان. في تلك الفترة من الزمن كان المسرح في أوج عطائه و تركت روائع فنية لعمالقة على شاكلة عبد القادر علولة ،عز الدين مجوبي، محمد بن قطاف، صونيا و آخرين يظل يذكرهم التاريخ بصمة ما تزال راسخة في الذاكرة. و يعود فضل هذا الرصيد الثقافي الذي سيبقى مطروحا أمام الأجيال القادمة للاطلاع عليه للمساهمة الفعالة للإعلام في نقله وترويجه و حتى تدوينه. لكن و بعد الفترة العصيبة التي مرت بها الجزائر خلال العشرية الدموية ، فترة أثرت على الأداء المسرحي بشكل سلبي لسنا بصدد الحديث عنها الآن، و في الوقت الذي كانت فيه عودة الفعل الثقافي مطروحة بإلحاح لتضميد جراح المجتمع وإعادة تأسيس الفرجة و الفرحة و نقلها إلى أبعد نقطة من أرض الوطن الحبيب، انقطع الحبل الذي كان يربط المسرح بالإعلام و لم تعد المؤسسات الإعلامية تهتم بما يقدمه أب الفنون إلا القليل منها ،و هنا وجب التنويه بما تقدمه جريدتنا المحترمة الجمهورية من خدمة جليلة للفنون كلها و على رأسها المسرح، فمن ضمن أكثر من 70 صحيفة إعلامية و قنوات مرئية و مسموعة فإن المهتمة بالفعل الثقافي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. و انعكس هذا الطلاق الممقوت على الكثير من العروض المسرحية التي تحولت بفعل غياب الجمهور عنها إلا مجرد تدريب مسرحي. و هنا أدعو المهتمين بالفعل المسرحي و مهنيو الإعلام إلى عقد جلسة صلح وإعادة توطيد العلاقة التي تربطهم خدمة لواجب الرقي بالفن الرابع إلى مستوى تطلعات المجتمع.