يعتبر المسرح التونسي من أهم القطاعات الفنية، حيث أنه يشهد دوما حراكا كبيرا على مستوى التحديث والتجريب والطلائعية، ودوما يبحث عن مباحث جديدة رغم أنه بقى رهينا للعلبة الايطالية لمدة طويلة وحبيس النصوص العالمية . لكن في أواخر الستنيات شهد المسرح التونسي منعرجا هاما ومفصليا، حيث اجتمع نخبة من المثقفين وأصدروا بيانا سمي بيان « الإحدى عشر» وقد وقّع على هذا البيان توفيق عبد الهادي وناصر شمّام وعلي اللواتي وأحمد المرّاكشي ويوسف الرقيق وعبد الله رواشد ومنصف السويسي والهادي الحليوي ومحمد الغربي وتوفيق الجبالي وفرج شوشان، وصدر البيان لأول مرّة باللغة الفرنسية ونشرته جريدة «لابراس» بتاريخ30سمبتر 1966. ويقول الدكتور محمود الماجري عن هذا البيان «لقد كان هذا البيان دليلا على ظهور فئة من المسرحيين شرعت في البحث عن منابر تعبّر فيها عن أفكارها وأحلامها وهو ما نراه تحقّق بعد فترة وجيزة بدخول بعض الممضين عليه حلبة الممارسة المسرحية ، فشرعوا في إنجاز البعض ممّا حمله ذلك البيان من أفكار ومرجعيات جمالية»، وبعد ذلك وفي سنة 1967 أسس الراحل منصف السوبسي فرقة « الكاف»، وأنتجت أعمالا تختلف عن ما كانت تقدمه فرقة بلدية تونس فكانت مسرحية « الزنج «، « كل فول لاهي في نواره «، « الهاني بودربالة» ، « راشمون عطشان»، « يا صبايا « ، فكان خطاب هذه الأعمال يطرح مشاغل وهموم المجتمع التونسي، وبعدها تحول محمد رجاء فرحات والفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري ورؤوفبن عمر باقتراح من منصف السويسي ودعم منه إلى مدينة قفصة لتكوين وتأسيس فرقة «مسرح الجنوب» فكانت باكورة أعمالهم مسرحية « جحا والشرق الحائر»، و« سيرة التقابي محمد «على الحامي والجازية الهلالية والبرني والعطراء وغيرها من الأعمال التي كانت تعالج مواضيع اجتماعية وسياسية ذات أهمية للمواطن التونسي ، وانتشرت فكرة الفرق الجهوية القارة فبعد الكاف وقفصة ومن قبلهما تونس وصفاقس كانت القيروان والمهدية وسوسة وجندوبة وتونس الشمالية، حيث أثرت تجارب هذه الفرق الحركة المسرحية التونسية. ويعتبر المرحوم منصف السويسي من أهم رجالات المسرح في تونس لما قدمه من أعمال مسرحية ، حيث أنه كان منفتحا على كل التجارب الإنسانية ، فقدم العديد من الأنماط والأشكال المسرحية، وحاول مع رفيق دربه الكاتب المسرحي عز الدين مدني أن يكون المنطلق التراث ، ويقول الدكتور محمد عبازة عن مسرحية « الزنج «منعرجا خطيرا ، في ملامسة التجربة المسرحية التونسية والممارسة الإبداعية في المسرح التونسي على عدة مستويات:ديكور متحرك، تفجير للفضاء الركحي، وظيفة جديدة للممثل وتعامل جديد مثلما قام به محمد رجاء فرحات الذي مثل دور الطبري في المسرحية، يظهر من كل زوايا المسرح حول المشاهدين، تبادل المواقع بين الممثلين والمشاهدين، ممثل يخرج من المقاعد المخصصة للجمهور ويصعد على الركح ثم يخرج ويأتي غيره، وهكذا دواليك، تقنية لعلها تبدو الآن عادية، ولكنها في ذلك الوقت كانت بدعة، كانت تقنية عجيبة غريبة يمارس خلالها الممثل لعبة الخفاء والتجلي، لعبة الحقيقة والخيال، لعبة الممثل والمشاهد، فكسر الجدار الرابع» وان نسيتا فلن ننسى علاقته بالمرحوم عبد القادر علولة في الجزائر والمرحوم الطيب الصديقي في المغرب وتنقل أعمالهم إلى الأقطار الثلاثة وتنظيمهم لجولات مسرحية في كل بلد