ظنّت أنّ كل بستان بين أسواره تراب ... وسواقي الماء تتمايل على جوانبه ...ظنّت أنها من ذلك المكان...قامتها الغضة الطرية ستخضرّ، و جذورها ستتعمّق ويحتضنها الحنان، وتتفتح وتفوح رائحتها، لتملأ قوارير العطر وتحفر حرفها معلنة اسمها الرنّان ... ستشرب لترتوي من ماء الحياة ... ستلوّن أوراقها بكافة الألوان ... ستعانق الشمس وتحتضن القمر...هذه هي أرض أحلامها، رسمتها بريشة من نور، وكم ركضت لتصل لتلك الأرض ... لم تميّز أنّ الرمل يملأ المكان... لم تر تلك الحجارة القاسية، الصلبة والمتعنّتة بشحّها وجفافها ... راهنت أنّ الشمس لكل الأرض ، راهنت أنّ النور يكفي وماء الحياة يروي كل القلوب وكل الزهور...هي زهرة برية، من عذرية الطبيعة خرجت للحياة، رافعة» منديلا أبيضا ، رسمت عليه السلام والمحبة ... العناق بصميم روحها، فقد أدمنت الاحتضان ...تريد إعلان بستان الزهر مملكة لوجودها ...لم يكن للحجارة مملكة، وإن وُجدتْ مملكة الحجارة دون زهور ستبقى أطلالا تحكي عن زهرة برية لا تريد الحرب ... وكيف تقوى الزهور على إعلان الحرب...؟ لا أشواك لها، ولا إبر... لها فقط عيون تنبع كل صباح بالدموع، عيونها خانتها و أوصلتها للسراب...لا ماء ... لا حب...ولا عناق ... لا قلوب بين الصخور...منديلها الأبيض أحرقته الشمس بغضبها، كيف ستمسح حبات العرق ...؟تفحّم القلب، فغفى ونام سنينا ... وحلم بمملكة الزهور المملوءة بالقلوب، الخافقة بالعطور، بالأشواق ، بالحنان و الحنين... فتح القلب عيونه من شدة التصفيق، فقد توّجت الزهرة البرية ملكة للزهور ... وتاجها منسوج من زرقة السماء، وحنين النور، وسورها عرائش من الاطمئنان والسلام، لم تتعب وريقاتها وهي ترفع يديها للسماء، تدق الأبواب تترجّى : أن يعيش الحب لتعيش الزهور ..