الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد
الأمة العربية
الأيام الجزائرية
البلاد أون لاين
الجزائر الجديدة
الجزائر نيوز
الجلفة إنفو
الجمهورية
الحصاد
الحوار
الحياة العربية
الخبر
الخبر الرياضي
الراية
السلام اليوم
الشباك
الشروق اليومي
الشعب
الطارف انفو
الفجر
المساء
المسار العربي
المستقبل
المستقبل العربي
المشوار السياسي
المواطن
النصر
النهار الجديد
الهداف
الوطني
اليوم
أخبار اليوم
ألجيريا برس أونلاين
آخر ساعة
بوابة الونشريس
سطايف نت
صوت الأحرار
صوت الجلفة
ماتش
وكالة الأنباء الجزائرية
موضوع
كاتب
منطقة
Djazairess
اللقاء يعكس التزام الدولة بإعطاء الأولوية لمسألة التشغيل
وقوع 3.223 حادث مرور في الجزائر، بين جانفي وأكتوبر
الجزائر تدشن المعهد الإفريقي للتكوين المهني ببومرداس
أصحاب المناورات لن يتمكنوا من إيقاف مسيرة الجزائر الجديدة
المباراة المفصلية لكأس العرب بين الجزائري والعراقي
توقيف 5 أشخاص وحجز750 مليون مزورة
انتخاب الجزائر لمدة سنتين باللجنة الدائمة لحقوق المؤلف
الأدب الجزائري باللسان الفرنسي..!؟
هذا برنامج مباريات الدور ال16
BOIKII بميناء الجزائر
عطّاف يلتقي غروسي
الخطّ الأصفر.. حدود الموت
أسعار الخضر تلتهب عبر الأسواق
غزوة ترامب الفنزويلية
إشادة لبنانية بالدور الجزائري
نحن بحاجة إلى الطب النبيل لا إلى الطب البديل..
الجزائر وجهة استثمارية صاعدة في منطقة المتوسط
استحداث شبكة خبراء لاعتماد المنتجات الرقمية
الجزائر لا تتلقى الدروس من أحد
لا تعاطف مع المحبوسين في قضايا ترويج المخدرات
تنظيم صالون للحمضيات قريبا
جهود لتسوية الاعتراضات المسجلة
مسار الزراعات الاستراتيجية تحت المراقبة
احتياطات الأدوية والمستلزمات الطبية تتراجع إلى مستويات الكارثية
الرئيس الصحراوي يطالب الاتحاد الأوروبي بالكف عن التحايل
أبو جزر يحتفي بإسعاد الجماهير الفلسطينية
نخوض كل لقاء كأنه نهائي
بلغالي سعيد بمستوياته مع نادي هيلاس فيرونا
عرقاب يلتقي نائب رئيس البنك الدولي
نحو إطلاق مصنع صيدال بعُمان
هذا برنامج مباريات الخضر في مونديال 2026
حجز 100 كغ من اللحوم الفاسدة
الجزائر تؤكد التزامها بحرية ممارسة الشعائر الدينية وحماية أماكن العبادة
كأس العرب فيفا قطر 2025 / الجزائر- العراق:"الخضر" على بعد نقطة واحدة من الدور ربع النهائي
وزير الشؤون الدينية ووالي ولاية الجزائر يعاينان مشاريع ترميم معالم دينية وتاريخية بالعاصمة
انتخاب الجزائر نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة لحقوق المؤلف بالويبو للفترة 2026-2027
توقيع بيان لتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بين الجزائر والوكالة الدولية للطاقة الذرية
بلمهدي يشرف على اجتماع لمتابعة الرقمنة بقطاع الأوقاف
المؤتمر الإفريقي للمؤسسات موعدا سنويا هاما للتعاون البيني
ثورة التحرير الجزائرية تشكل نموذجا ملهما لحركات التحرر
سفارة النمسا في الجزائر توجه رسالة مؤثرة للجماهير الرياضية
المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!
الفرقاني.. 9 سنوات من الغياب
المفتاح تمثّل الجزائر
منحة السفر تُصرف مرّة سنوياً
رئيس الجمهورية يعزّي..
ناصري وبوغالي يعزّيان
نظام أجور خاص لحماية القضاة من الإغراء والتأثير
وزير المجاهدين يكرّم المجاهدة الرمز جميلة بوحيرد
الكتابة مرآة المجتمع وسؤال المرحلة
إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج
أقرها رئيس الجمهورية.. إجراء عملية القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حج إضافية
صور من الحب والإيثار بين المهاجرين والأنصار
أفضل ما تدعو به لإزالة الألم والوجع وطلب الشفاء
إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية
المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها
قرعة الحجّ الثانية اليوم
ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
عبْدُ الْمَلِك مُرتاض .. حَبيبُ اللغة العربية
محمد عدلان بن جيلالي
نشر في
الجمهورية
يوم 06 - 12 - 2021
(الجزء الأوَّل)
بأيِّ (ضادٍ) أستطيعُ الكتابةَ عن العلاَّمة: عبدِ الْملِك مرتاض؟، بأيِّ فُصْحى يَليقُ الكلامُ بالمقام العظيم لِهذا الرَّجُل العظيم ؟بأبْجديَّةِ ناثرٍ أم بأبْجديَّةِ شاعرٍ؟ بأبْجديَّةِ النَّار والْحِنْطة، أم بأبْجديَّة الماء والياسَمين؟. لا الوقتُ يُسْعِفنِي، ولا القريْحةُ تُلْهِمُنِي الآن اختراعَ لغةٍ تكون فِي مستوى استغراق أحاسيسي، وأفكاري الْمُرتعِشات .. وإنِّي لأُدْرِك سلَفاً يا مُعلِّمي أنِّي لن أسْطِعَ مع سُؤالات عوالِمِكَ الأدبيَّة، والنقديَّةِ، والفكريَّةِ صَبْرا.
الكتابةُ عن العلاَّمة عبد الملِك مرتاض عسيرةٌ، بَلْ مستحيلةٌ كالإقامة على سَطْح القَمر. والأدهى أنَّ من يُحاول الكتابةَ عن كتابَتِه هو كمَن يُحاول اقتناص الضوءِ بيَديْه، أوِ الْمَسْكَ بومْضة برقٍ خاطفة .. وأنا ها هُنا، إذ قرَّرتُ الوقوف فِي مِحرابِه البَريك، وقرَّرتُ أن أسْفِر بشأنه العظيم بعضَ الأسْطار الْخَجولات، الْمُرتَبِكات، فلأوَّل مرَّةٍ فِي حياتِي أقرِّر أن أقْتنِص الضوء، وأتلَمَّسَ وَمْضة برْقٍ بيدَيَّ الرَّاجِفتَيْن، القانتتَيْن !
كان يوماً تاريْخيًّا فِي حياتِي الرتيبة، ذلك اليومُ الذي فيه راسَلَنِي على الهاتف المحمول أستاذيَ الغالِي، وصديقيَ العزيز؛ الشَّاعرُ المُفْلق، والأكاديْميُّ المرموق الدكتور " يوسف وَغْليسي"، مُقترِحاً أن أفعلَ ما أنا الآن فاعِلُه. فما أنِ انتهيتُ من قراءة رسالته ، حتَّى عَرَتْ جسدي – كما تَعْروهُ اللَّحظةَ – قُشْعريرةٌ خضراءُ، بل زرقاءُ .. بل ملوَّنةٌ بألوان قوس قُزَحٍ، لأصالة الْمُبتغى، وقُدسيَّة الْمَقام.
سأكتبُ، إذَنْ، ما يُمكن لِي أن أكتبَ عن هذا الرَّجُل النبيل: عبدِ الملك مرتاض. ولْيَأذنْ لِي سيِّدي يوسفٌ وغليسي، و سادتِي القُرَّاء الأكارِم ، بأن أغْمِس لُغتِي فِي قاعٍ سَحيقةٍ من الذاتيَّة .. علَّ أن ألامس ذروةً من ذُرى الْتجَرُّد، والْحِياد !
فلَرُبَّ ذاتيةٍ صادقةٍ أحْيَدُ من موضوعيَّةٍ زائفة !
@@@
عبد الْمَلِك مرْتاض .. هذا الرجُل أحَدُ الأحَدَيْن.
رجُلٌ يقَعُ خارجَ التصنيف، والْمَوْضَعة؛ أناقِدٌ ومنظِّرٌ هوَ أم هوَ روائيٌّ، وقارِضُ حكْيٍ، وسَرْد؟ وهو الذي أنتَج كتابَيْ نقْدٍ، وتنظيرٍ فريدَيْن يُبَشِّران بنظريَّة نقدٍ عربيَّةٍ جديدةٍ من حيثُ الأصالةُ المنهجيَّة، وعبقريَّة اللُّغة الْمصطلحيَّة الواصفة: (نظريَّةُ النقد)، و(فِي نظريَّة الرواية). وهو الذي، أيضاً، نَجَل، في دنيا السرد ، ثلاثيةَ
الجزائر
: (الطوفان/ الْملحمة/ الخلاص)، ورباعيَّة الدم والنَّار: (نارٌ ونور/ دماءٌ ودموع/ حيزية/ صوتُ الكهف)؟.
وهو العالِم الأكاديْميُّ الذي أشْرف، ولا يزالُ، على آلاف الأطاريْح الجامعيَّة الْجزائريَّة، والعربيَّة معاً، حتَّى باتَ له من الطلاَّب، والأساتيذ الذين رضَعوا حليب البحث العلميِّ الأصيل من يديْه الْمُبارَكتَيْن حفَدةٌ، ومُريدونَ، وأتباعٌ، وأشْيَاعٌ، وجَماهيرُ غفيرة ...
لطالَما كنتُ ألْمَحه من بعيدٍ قائماً كنخلةٍ باسقةٍ تَحت ظلِّ نَخلةٍ من نَخيل حديقة جامعة وِهرانَ العريقة، فكان يَحْلو التمْيِيزُ لِي بين النَّخلتَيْن: نَخلةٍ يائسةٍ، بائسةٍ .. ونَخلةٍ مفْعمةٍ بالحياة، ما تزال تُعطي أُكُلَها من بلَح الفصاحة، وعثاكيلِ الْمعرفة ...
عبد الْمَلِك مرْتاض .. هذا الأديبُ النَّاقدُ القادِمُ من كوكبٍ غيرِ كوكَبِنا.
بل إنَّه الكوكبُ نفْسُه !
ناقدٌ شديدُ العارِضة، راجِحُ العقل، طافِحُ القلب، مُجنَّحُ التفكير، متَفتِّحُ التعبير .. من ذا يراوِد العربيَّةَ على جَديلتِه ؟ لا أحَد. من ذا يعْشَق لغةَ الضاد كما يَعْشَقُها عبد الْملِك مرتاض؟ لا أحَد. من ذا خدَم لغة الله بِمقدار ما خدَمَها عبدُ الْملِك مرتاض فِي زمَنٍ تكاد تنقرض فيه اللُّغة العربيَّةُ على طريقة أروع الفصائل النباتيَّة، وأروعِ الفصائل الحيوانيَّة ؟ لا أحَد. لا أحَد.
أليس عبدُ الْمَلك مرتاض من تغنَّى كمُطرِبٍ أوبِيْرالِيٍّ بعظَمة اللُّغة العربيَّة فِي كتابه البَجيل: (نظريَّة اللُّغة العربيَّة) ؟
- بلى. بلى.
ذلكم هو مانيفِسْتو اللُّغةِ العربيَّة يا عرَب !
ما طويتُ الصفحةَ العاشرةَ من كتابِه العملاق: (الشِّعرُ الأوَّلُ) الصادرِ عن دار البصائر عام 2016، حتَّى ألْفَيْتُنِي أقرأ زمناً غابراً بعينَيْ زمنٍ حاضرٍ؛ ألْفَيْتُنِي أصُول، وأجول فِي أروقة سوق عكاظ، فأغْمِز غمْزاً بِحاجبِي الأيْمن إلى امرئ القيس الْمُتَطَيْلِسِ، فيومئ إلَيَّ مُنشِداً:
- قِفا نضْحكُ !...
وأغْمِز غمْزاً بِحاجبِي الأيْسر إلى زهيرَ بنِ أبِي سُلْمى .. فلا يرُدُّ إلَيَّ إيْماءتِي، إنَّه منهَمِكٌ كامرأةٍ تُطرِّز ثوباً فِي تشْذيبِ قصيدةٍ شرَع فِي كتابَتِها الْحَوْلَ الماضي!
أدْخلَنِي عبدُ الْملِك مرتاض مَدْرسةَ الثُّريا، بعْدَ أن سلَّحنِي بِجُملةٍ من التسويغات النظريَّة، والبُرهانات النقديَّة ..
لَمحْتُ امْرَأ القيس هناك مُعْتليًّا منصَّةً عاليةً فِي إحدى القاعات الرسْميَّة؛ دلَحْتُ نَحو الْمنصَّة ويدي على قلْبِي الرَّهيف:
- سيِّدي .. أتأذنُ لِي بأن أهْمس فِي أذنكَ بِخبَرٍ يسُرُّك ؟
- يشرئبُّ كزرافة، ويفْتح عينيه أكثر: أي نعَم. هاتِ ما عندك.
- النابغةُ الْمرتاضي قد أبْقاكَ الشَّاعرَ الأوَّل فِي ترتيب شُعراء الثريا. لكَ أن تُطلق العنان لكبريائكَ، ونرجِسيَّتك .. فمقصلة الترتيب الْمرتاضيَّةُ لَم تطَلْكَ يا ملِك الشِّعر الجاهلِيِّ بلا مُنازع ..
ما أن تلقَّى امرؤ القيس خبَري حتَّى وقفَ ضاحكا .. غبْطةً وحبُورا.
ألتفِتُ إلى قاعةٍ أخرى، فألْمحُ زهيرًا قابعاً فِي ركْنٍ ركين .. كان يُطرِّز قصيدةً أخرى على نَحو ما تُطرَّز عندنا الشَّدةُ التِلِمْسانيَّة .. ربَتُّ على كتفِه بغتةً، ولَم أستأذِنْه الكلام:
- يا زُهَير .. لَم تعُدْ مصنَّفًا مع امرئ القيس فِي طبقةٍ واحدة. قد أنزلَك النابغةُ الْمرتاضيّ طبقةً أدنَى.
أوشَك ينتفض لكنَّنِي قطعتُه، إذ قلت:
- معي من الدلائل القطعيَّة، والمقاييس الْجَماليَّة ما يُقنعكَ، ويُلْجِمك، حتْماً. عليكَ، بقراءة هذا الكتاب: (الشِّعر الأوَّل) لصاحبه الناقد النابغة عبد الْملك مرتاض، وستفْهم القصد كما يقتضي الحال ..
منَ اليوم، لكَ أن تسْأم (التكاليف) مرَّتَين: تكاليفَ الحياة، وتكاليفَ تطْريز القصائد.
أهِمُّ بالخروج من المدرسة، إذا بِي أصادف عمرو بنَ كلثوم واقفاً عند العتَبَة:
- لَم يَعُد مسموحاً لك يا عمرو بالدخول.
- لِماذا ؟!
- لأنَّك لَم تعُد واحداً من شُعراء المدرسة كما قضَتْ حكومةُ الناقد النابغة الْمرتاضي.
أنت مُعلَّقاتِيٌّ كثيرُ الكُلْفة، والْجَعْجَعة، والقَعْقَعة ..
لذلك قرَّر عبد الْملك مرتاض باسْم الْجماليَّة النقيَّة أن يطْردك من مدرسة الثريَّا ..
تَماماً كما طُرِد بعض الشُّعراء الإغريق من جُمهوريَّة أفلاطونَ الفاضلة.
ولو باسْم الأخلاق !
من رامَ قراءةَ هذا العصر مُكوَّمًا، مرْكومًا، مُختزَلاً بين يديْه، فيكْفيه أن يقرأ كتاباً واحداً من الكتبِ النقديَّة مِمَّا جادتْ به بناتُ خيال عبدِ الْملك مرتاض، ونضحَتْ فلذاتُ قريْحتِه الْمُلتهِبة.
فلْيقرأ، مثَلاً، (نظريَّةُ النقد)؛ لا مَحالةَ، يَختزل هذا الكتاب الإبِسْتيميَّةَ النقديَّة لعصرٍ كاملٍ، بل يُطارح نَقْدانيَّة النقد فِي شتَّى تَحوُّلاته النظريَّة، والمنهجيَّة نسَقًا، وسياقا: عصْرٌ من النقد مُكوَّمٌ فِي كتاب .. ولْيقرأ، أيضاً، (عِلْمُ السياسة وقوام الرئاسة): وجَعُ العالَم مفتوحٌ بين دفَّتَيْ كتاب، عرَبًا وغرْبا ...
ولكَ أن تُطالِع عصراً غيرَ عصرِكَ فِي مؤلَّفٍ واحدٍ من مؤلَّفات عبد الْملك مرتاض: (الشِّعر الأوَّل) إنَّما يَختصر الجاهليَّة اختصارا ..
من ذا قرأ كتاباً يُساوي عَصْرا !
@@@
عبد الْمَلِك مرتاض .. هذا الكائن الإنسانِيُّ الحضاريُّ الفريد.
كوكبُ بلاغاتٍ يسْعى على الأرض؛ بلاغةُ اللُّغة، وبلاغةُ الفكر، وبلاغةُ السُّلوك.
لغةٌ خُرافيَّةُ الفصاحة، أسطوريَّةُ الْمُعجَم .. كلَّما قرأتُ له، وجَدتُنِي أصافِح ابنَ قُتَيْبةَ مرَّةً، ومرَّةً أقبِّلُ جبِينَ أبِي عثمانَ الجاحظ، ومرَّةً أتوسَّد ذراع عبد القاهر الْجُرجانِي، ومرَّةً أُمَسِّح وجْهي على كفِّ الْمتنَبِّي ..
لا تُحاولْ أن تُجاريَ فصاحةَ الرجل. لأنَّك وُشْكانَ ما تَجد نفسكَ تواجِه تنِّيناً بِسَبْعينَ رأساً، وتسعينَ ذراعا !
الفصاحةُ الْمرتاضيَّةُ فصاحةٌ لن تأتيَكَ سِنَّ الْحِسْل !
فِكْرٌ أصيلٌ عميق .. وتفكيرٌ شاقولِيٌّ يَخترق الْحُجُب، ويَحْفِر الذهَب ؛ تُراثِيٌّ ومعاصِر، تقليديٌّ وجديد، استبطانِيٌّ واستشرافِيٌّ ... ضربةً واحدة.
سلوكٌ بليغٌ كذلك. وبلاغةُ السُّلوك التِي أقصُدها هنا هي تواضُعه. لَمْ أرَ، فِي حياتِي أنا على الأقلِّ، تواضُعاً يُشْبه تواضعَ عبد الْملك مرتاض: يومَ الْتَقيْتُه أوَّل مرَّةٍ، شعرتُ أنَّ لِي معه صداقةَ عشرينَ عاما. يُجاذبكَ أطراف الْحديث بابتسامة نبِيّ، ويُصْغي إلى خطابِكَ إصغاءَ تلميذٍ مُجتَهدٍ حتَّى وإن كان خطابُكَ مَحْضَ هذيانٍ .. لا يَمتُّ لفكرة الحوار بأيَّة ماتَّة !
التواضعُ فِي شخص عبد الْملك الكريْم نظامٌ سلوكيٌّ ما أحوجَه إلى أطروحةٍ جامعيَّةٍ، أو دراسةٍ مستقلَّة بذاتِها تكْلَف باستقرائه، بِمعزلٍ عن مُنتَجه الفكريِّ، كما تستقرئُ العدسةُ الخليَّةَ، عسى أن ندرك جَميعاً أنَّ علاَّمتَنا إنَّما من هذا التواضع الْمَعين ما لبِث يَمْتح عِلْمَه الغزيرَ الكبير ...
مؤتَمراتٌ وطنيَّةٌ، ودوليَّةٌ لا تُحصيها أصابعُ اليدَيْن قد أُقيمَتْ على شرَفه، وحَوْل أدبه ونقْده .. وهو شَرفٌ تنقطع دونَه أعناقُ الأدباء، والنُّقَّاد فِي الوطن العربِيِّ قاطبة. مع ذلك، لَم يتسلَّلِ الغرور إلى روحه بِمثْقال ذرَّة، لَم تتسرَّب قطْرةُ خُيَلاء واحدةٍ إلى بَحر تواضُعِه العميق ..
بل إنَّ من أرقى تَجلِّيات تواضعه العالِي، أنَّه فِي مَعْرِض ردِّه على بعض الشَّباب الموريتانِيِّين الحاقدين عليه، والْمُتحاملين على عبقريَّة لغته، لَم يبْرَحْ مذكِّراً نفْسَه، وإيَّاهم دونَما تشخيصٍ، أو تَجريحٍ .. بقوله: " فليت هؤلاء الشباب يعلَمون أنّا مضَّيْنا العمر كلّه ونحن نتعلّم العربيّة. ولا يكاد يمضي علينا يوم – إلى اليوم – إلاّ ونتعلّم فيه شيئاً جديداً من دقائقها وجلائلها ووجوهها، وحفظ الشواهد الشعريّة الفصيحة على استعمالها ..."، وبقوله، أيضاً: " وما أنا إلاّ طالبُ علمٍ، وما أنا إلاّ متعلّمُ عربيَّةٍ ...". (هؤلاء أصدقائي: ص: 13/ 14).
حقّاً، إنَّها لَنُعْمى .. لا يُؤتاها إلاَّ ذو حظٍّ عظيم !
----------
المقطَع الأوَّل من (شهادتي الذاتيَّة) في مَقام العلاَّمة عبد الملك مرتاض التي ضمَّها كتابُ (عاشقُ الضَّاد) للأكاديميِّ، والناقد
الجزائريِّ؛
البروفسور يوسف وغليسي. كُتِبتِ الشَّهادةُ في 14 أيلول 2017.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
عاشق الضاد كتاب يرصد مسارات مرتاض
عاشق الضاد. كتاب جديد للعلامة عبد المالك مرتاض
جمع الأعمال السردية الكاملة لعبد المالك مرتاض بجامعة قسنطينة
جمع الأعمال السردية الكاملة لعبد الملك مرتاض بجامعة قسنطينة
الأعمال السردية الكاملة لعبد المالك مرتاض
البروفيسور يوسف وغليسي يقدم لجامعة قسنطينة :
أبلغ عن إشهار غير لائق