عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من وزير خارجية سلطنة عمان    محمد لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي في كافة وسائل الإعلام    سعيدة: تشجيع ومرافقة أصحاب المستثمرات الفلاحية للانخراط ضمن مسعى تربية المائيات    المغرب: المخزن يستمر في الاعتقالات السياسية في خرق سافر لحقوق الانسان    منتدى الدوحة: إشادة واسعة بجهود الجزائر لنصرة القضية الفلسطينية    إبراز جهود الدولة في تسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    عطاف يدعو لتوجيه الجهود المشتركة نحو نصرة القضية الفلسطينية    قوجيل: مواقف الجزائر تجاه فلسطين "ثابتة" ومقارباتها تجاه قضايا الاستعمار "قطعية وشاملة"    وزير الداخلية يستقبل المدير العام للديوان الوطني للحماية التونسية    بورصة الجزائر: النظام الإلكتروني للتداول دخل مرحلة التجارب    كريكو تؤكد أن المرأة العاملة أثبتت جدارتها في قطاع السكك الحديدية    تيسمسيلت: إلتزام بدعم وتشجيع كل مبادرة شبانية ورياضية تهدف "لتعزيز قيم المواطنة والتضامن"    اتصالات الجزائر تضمن استمرارية خدماتها غدا تزامنا واليوم العالمي للعمال    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: الجزائر تشارك بثلاثة مصارعين    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    حوادث المرور: وفاة 38 شخصا وإصابة 1690 آخرين خلال أسبوع    نجم المانيا السابق ماتيوس يؤكد أن بايرن ميونخ هو الأقرب للصعود إلى نهائي دوري الأبطال على حساب الريال    تندوف: شركات أجنبية تعاين موقع إنجاز محطة إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاواط    عقب شبهات بعدم احترام الأخلاق الرياضية :غلق ملف مباراة اتحاد الكرمة - مديوني وهران    تاقجوت يدعو إلى تأسيس جبهة عمالية قوية    نظام إلكتروني جديد لتشفير بيانات طلبات الاستيراد    نحو إنشاء بنك إسلامي عمومي في الجزائر    هل تُنصف المحكمة الرياضية ممثل الكرة الجزائرية؟    طاقة ومناجم: عرقاب يستقبل المستشار الدبلوماسي لرئيسة الوزراء الإيطالية المكلف بخطة ماتي    مشعل الشهيد تحيي ذكرى وفاة المجاهد رابح بطاط    رئيس الجمهورية يُبرز الدور الريادي للجزائر    الجزائر معرضة ل18 نوعا من الأخطار الطبيعية    درك بئر مراد رايس يفكّك شبكة إجرامية دولية    ملتقى وطني عن القضية الفلسطينية    أوسرد تحتضن تظاهرات تضامنية مع الشعب الصحراوي بحضور وفود أجنبية    منح 152 رخصة بحث أثري في الجزائر    المغرب: مركز حقوقي يطالب بوقف سياسية "تكميم الأفواه" و قمع الحريات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي/منافسة الأفلام القصيرة: أفكار الأفلام "جميلة وجديدة"    المجلس الأعلى للشباب/ يوم دراسي حول "ثقافة المناصرة" : الخروج بعدة توصيات لمحاربة ظاهرة العنف في الملاعب    حلف دول شمال إفريقيا..العمل يهزم الشعارات    منتجات البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    سياسة الاحتلال الصهيوني الأخطر في تاريخ الحركة الأسيرة    بهدف القيام بحفريات معمقة لاستكشاف التراث الثقافي للجزائر: مولوجي:منحنا 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    الاحتلال يفشل في تشويه "الأونروا"    "حماس" ترد على مقترح إسرائيل بوقف إطلاق النار 40 يوما    محرز يقود ثورة للإطاحة بمدربه في الأهلي السعودي    اتفاق على ضرورة تغيير طريقة سرد المقاومة    إبراز أهمية إعادة تنظيم المخازن بالمتاحف الوطنية    بلومي يُشعل الصراع بين أندية الدوري البرتغالي    شباب بلوزداد يستنكر أحداث مباراة مولودية وهران    الشرطة تواصل مكافحة الإجرام    لا أملك سرا للإبداع    مصادرة 100 قنطار من أغذية تسمين الدجاج    إخماد حريق شب في منزل    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    استئناف حجز التذاكر للحجاج عبر مطار بأدرار    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعرة والروائية الدكتورة رفيعة مزاري
«المثقف استقال وتقاعد وكأنه أصيب بجرثومة الهروب والخوف»
نشر في الجمهورية يوم 24 - 06 - 2013


بنت العالمين.. إبحار في رمزية الواقع والخيال
الأديب يؤرخ شيئا عن واقعه بأسلوب المخيال
الشاعرة والروائية الدكتورة رفيعة مزاري، ابنة تلمسان عشقت الحرف الأدبي لتنتج العديد من الأعمال الشعرية والروائية والقصصية، فهي خاضت غمار التجربة في العديد من الفنون الأدبية، رغم أن هذه المرأة التي تسير في خجل في ممرات عيادتها الطبية وتستمع لمعاناة مرضاها وتكشف عنهم آلامهم بوصفات طبية في تخصصها الأنف والأذن والحنجرة، هي كذلك زوجة البروفيسور الدكتور الحاج علال فؤاد الذي زرع الأمل في الكثير من مرضاه بإجراء العديد من العمليات الخاصة بزرع القوقعة. رفيعة مزاري الأم الحنونة التي لا تبخل عن أبنائها بالمحبة والتوجيه والتربية، رفيعة الطفلة التي عاشت في كنف عائلتها وعمتها وجدتها وأمها اللواتي زرعن في مخيلتها حب الاستماع إلى الحكايات القديمة المستوحاة من أساطير الأدب الشعبي. عالم الطب، لم يكن حاجزا لينمو في عقل الدكتورة رفيعة مزاري عشق الكتابة الذي كان متنفسا جميلا لينتج عدة إصدارات منها رائعتها «بنت العالمين» و«لالا ستي» و«إلياذة تلمسان» و«كلنا في الدائرة» و«أين أنت يا امرأة» و«بدون تأشيرة» و«ألف.. ويوم بالمشور» وغيرها من الأعمال الجميلة التي تعززت بها المكتبة الوطنية خلال الأعوام الأخيرة ومن أجل الحديث عن محطات كثيرة في مساره الإبداعي وعن واقع المثقف في الجزائر ونظرتها حول العديد من المسائل كان لنا معها هذا الحوار:
كان أول إصدار لك ديوان شعري عن العراق، فكيف يتعامل الأديب مع قضاياه العربية الإسلامية؟
^ بالرغم من أني كنت في تلك الحقبة سأنشر أعمال أخرى، إلا أن مأساة العراق وما كان ولا زال يعانيه لحد الآن جعلني أصدر أول عمل لي بدار الغرب سنة 2003 عن العراق والمثقف بصفة عامة، إذا لم يتفاعل مع القضايا الراهنة فإنه حتما يكون ناقص جدا، لأن الكاتب بالدرجة الأولى يتفاعل مع الواقع والأحداث المعاشة، ولقد كتبت عن فلسطين ومأساة شعبها، فالصور التي كانت تبث عبر الفضائيات، كانت جد وحشية والكل يتمنى لو يعود السلام لأرض القدس، إضافة عبرت بكل وجداني عن رفض الإساءة لسيد الخلق سيدنا محمد (ص) ولقد صدر لي كتاب شعري مستوحاة من الآيات القرآنية كتعبير وإحساس من أن العبد يجب أن يمجد ربه ويشكر نعمه التي أعطاها الله له لأن الإيمان المغروس في القلب نعمة من عند الله سبحانه وتعالى والكاتب يجب أن يقدم هذه الروائع للناس حتى ولو كانت بأسلوبه الخاص ليعبر عن سر هذا الوجود وعن هذا الجمال الذي يعم هذه الدنيا والله جميل يحب الجمال.
على ذكر هذا العمل الذي حمل شعاعا إيمانيا كتب بلغة السهل الممتنع، كما طلبت أن يكتب تقديمه الدكتور أبو بكر دليل بجامع باريس وقابلك كيف كان رأيه حول الديوان؟
^ في أول الأمر، كنت في ملتقى علمي بباريس يخص اختصاصي الطبي واغتنمت الفرصة لطلب موعد والحضور إلى مكتبه من أجل أن يتفضل بكتابة مقدمة الديوان، ورحب بي كثيرا، وأعجب كثيرا بطريقة القصيدة التي تترجم عمق الآيات القرآنية والهدف من هذا العمل كان إعطاء الصورة الحقيقية لسماحة الإسلام ونوره إلى الغرب وأن لا يأخذون في لباس الإرهاب.
العشرات من المؤلفات التي صدرت لك سيدتي وكلها قمة في الإبداع لكن اعتبر رواية «بنت العالمين» من أروع ما قرأت لك من إيحاء و مخيال و واقع وكان بإمكانها أن تتحصل على جائزة دولية لو صدرت على سبيل المثال في دار أجنبية فماذا تقولين عن هذا العمل خاصة للقارئ الذي لم يطلع ربما عليها ؟
^ بنت العالمين رواية صدرت عن دار الغرب بوهران سنة 2006 وهي بالفعل لها وقع الأسطورة المستوحاة من عبق التاريخ وهي تعكس أحداث مملوءة بروح الواقعية المتشبعة بالخيال العاكس للحقائق التي يعيشها كل واحد منا في مشهده اليومي فمن خلال 29 مشهدا هناك الفرح والحزن والمغامرة والحكمة مجتمعين معا، والقصة تدور حول ريتا الصغيرة عندما تموت والدتها لحظة عودتها من المدرسة فتجد الدموع في منزلها والكل يتحدث عن رحيل الفقيدة، فتدرك في لحظة أنها فقدت الحضن الدافئ ، ووسط تلك الظلمة تجد نورا ينبعث من عالم موازي آخر يأتي ليطبطب عليها وتتحول تلك المرأة من نور إلى أم حقيقية تعطيها الحب في حين لم يفهم أفراد عائلتها ما أصاب الطفلة الصغيرة “ريتا “وظن الجميع أنها مست بحالة هذيان من الفاجعة وفكر والدها في عرضها على مختص نفساني لكن عودة الهدوء على وجه الطفلة يهدأ قليلا لكن مع مرور الأيام لا يستطع أن يفهم من أفراد العائلة حكايات الطفلة ريتا التي كانت تتحدث عن عرباتها “ نور” بمحبة وعن رحلاتها إلى عوالم أخرى وكان يظن الجميع أن كل ما تقوله من وحي خيالها لكن الأدوات الموجودة في غرفتها والدلائل المتعددة جعلت حتى الوالد يعتقد أن هناك أمر في القضية.
ورغم ابتعاد أصدقائها عنها في المدرسة إلا أن اجتهادها في الدراسة ترجمته النتائج ، ونموها في السن جعلها تلفت الأنظار بعدما أصبحت شابة متميزة وجميلة يطمح لصحبتها كل الشباب، لكن ابن عمها الذي كان يحمل لها الحب والحماية وجد نفسه لا يطيق عدم تجاوبها خاصة بعدما تعلقت الشابة بشمس ابن عرباتها “ نور” الآتية من عالم آخر الموازي لعالمنا، و كان حبها يكبر كل يوم بعد يوم خاصة وأنه كان يهديها الهدايا والمجوهرات النادرة إلى غاية أن يخطفها “دخان “ ملك الشر إلى عالم مظلم بعدما فتن بجمالها ومن هنا يبدأ الصراع في الرواية هذا ملخص قصير عن رواية “ بنت العالمين “ الذي تحمل عدة رموز من حياتنا ووجودنا في هذه الحياة.
الرواية تحمل تراجيديا التي ترتكز على الصراع بين الخير والشر، بين الحقد والحب، بين الواقع والخيال، بين عالمنا والعالم الموازي، كيف تعاملت مع هذه الثنائية الموجودة في حياة كل إنسان؟
^ فعلا، إنها تناقضات تجد نفسها في محيط الاستفهام الكبير التي نحمله أولا في حياتنا وثانيا في مشاهد الرواية التي جاءت بلغة جديدة في الطرح وبسحر ألف ليلة وليلة في العمق وعمق اللغة العاطفية في تجسيد مشاهد الحب النبيل الذي ذهب في عصور مضت لكنه لا يزال موجودا في قلوبنا العذارى التي تنتظر مسح الغبار والصدأ عنها فمنارة شمس الذي يقترن بحياة البطلة وإقرارها بحبها الكبير له ومخاطبته بسؤال عن تحطيم الحلم الذي سكن وجدانها ومع ذلك تحتفظ بهذا العشق الأبدي إلى الأبد.
أنا أتمنى أن تجد هذه الرواية مثل باقي أعمالي الدراسة من قبل النقاد لأنها تحمل الكثير من المصطلحات الرامزة لهذا الوجود رغم أنه على مستوى معهد الكراسك للبحوث الاجتماعية والأنتروبولوجية بوهران أعطي اهتماما لأعمالي كما شاركت في العديد من الأيام الدراسية والتي تم تخصيصها لمؤلفاتي وأشكر كل من الأستاذة الدكتورة بوجليدة و الدكتور محمد داود وأساتذة آخرين الذين أولوا اهتماما كبيرا لأعمالي الروائية والشعرية.
بعد رائعتك الروائية «بنت العالمين» أصدرت رواية أخرى لا تقل روعة عن الأولى بعنوان «ألف... ويوم في المشور» وكأنك تأخذيننا من جديد إلى عالم «ألف ليلة وليلة» من خلال سردك الذي اخترق الأيام والقرون في زمن الرواية فماذا تقولين عن هذا الإيحاء المخيالي؟
^ صدقيني إن قلت لك بأنني لم أقرأ رائعة «ألف ليلة وليلة» لكن أعرف أن شهرزاد كانت تروي قصصها لشهريار حتى تحافظ على حياتها، وربما هناك تقارب في معنى العنوان لكن قصة الرواية تختلف تماما، فهي واقع طفولتي في تلمسان، فالمكان موجود والناس كذلك وحتى «المشور» رمز المدينة هذه التفاصيل كلها واقعية لكن الخيال يبدأ في داخل الجدران القديمة والأثرية مع الحكايات التي كانت تقصها عمة والدي (رحمها الله) وتركت في شخصيتي أثرا كبيرا جدا.
ترتكز الرواية هذه على ثلاثة شخصيات محورية «رفيعة الطفلة» و«لالة بايا» و«نانا العمة»، ثلاث قصص وثلاث مراحل من الزمن، وما هو الهدف الرئيسي من الرسالة التي تمر عبر هذه الأجيال؟
^ أردت من خلال هذه الشخصيات الغوص في تقاليد الجزائر القديمة، تقاليد تلمسان على وجه خاص، تلك التقاليد التي اختفت مع مرور الزمن، ومنها الاحترام الكبير، فبعدما ترملت عمة والدي (رحمها الله) عاشت عند أبي مثل والدته وكانت الآمرة والناهية لكل أفراد العائلة، فكانت تربي الأطفال بطريقة الحكايات وترشد الصغار إلى أخطائهم بوسائل تربوية ربما يعجز عنها حتى علماء النفس والاجتماع وبقيت هذه المرحلة مغروسة في وجداني فعندما كنت طفلة صغيرة وأذهب إلى المدرسة، كنت أمر يوميا على «المشور» وأمسح الجدار بيدي الصغيرة التي تحمل التراب، كان شعورا غريبا آنذاك وأنا أرى على بوابته حارسا وكان الفضول يقتني لمعرفة ما كان بداخله.
وهل عرفت لغز « المشور» آنذاك؟
^ لا، إطلاقا، بل الحكايات التي كانت تقصها علينا «العمة نانا» وهي تحيك الصوف، كانت تجعلنا نتخيل داخل هذه الجدران قصورا وبها أميرات وحكايات.
الرواية تحمل قسمين من العمل، منه الواقعي والخيالي، فكم تطلب منك من وقت لإكمال هذا الإنجاز الأدبي؟
^ لقد استغرق مني هذا العمل مدة خمس سنوات لأنه عبارة عن بيوغرافيا للمكان وللتاريخ وأيضا للتقاليد والأعراف التي كانت موجودة في الماضي وهذا هو الشطر الحقيقي والواقعي في الرواية لكن الجميل في الرواية هو جزء الأسطورة الممزوج بحكايات «العمة نانا».
كيف تعاملت مع الشخصيات في الرواية؟
^ لقد وجدت نفسي سجينة هذه الشخصيات، التي مع الوقت أصبحت جزء مني وأثرت على حياتي اليومية، فبعد صلاة الفجر، كنت اتجه إلى جهاز الحاسوب وأبدأ في مواصلة كتابة رواية «ألف.. ويوم في المشور» وأعيش مع شخصياتنا ومع الوقت وجدت نفسي داخل هذا القالب الذي صنعته بنفسي.
بعد الانتهاء من كتابة الرواية، كيف كان شعورك؟
^ شعرت بالحزن قليلا، لأنني عشت خمس سنوات في عالم هذه الشخصيات وبالطبع كان ذلك ليس بالسهل علي، لأن الرواية في عمقها كانت جزء هاما من طفولتي، من ذكرياتي مع «العمة نانا» من الحياة البسيطة الرائعة، التي كانت تعايشها العائلات فيما بينها ومع ذلك كنت سعيدة بإنجاز هذا العمل لأنه جزء من أحاسيسي العميقة في الوجدان.
سيدتي لم يقتصر قلمك على الحرف الشعري والروائي بل خضت تجربة كتابة القصة القصيرة وهذا من خلال مجموعتك القصصية بعنوان «حوادث وغرائب» الصادر عن دار الرضوان بوهران وهو إضافة لرصيدك الكبير فماذا تقولين عن هذه التجربة؟
^ هذه المجموعة بقيت لمدة طويلة في الرف والكتابة مثل المرأة التي تحمل في بطنها جنينا وتتألم كل يوم من أجل أن يولد ويرى النور وبالتالي فكرت في تنقيح هذه المجموعة وإضافة بعض الأشياء لها حتى تكون متناسبة مع الحدث الآتي وبالفعل أعطيت الروح لهذه المجموعة لترى النور وتنشر بدار رضوان بوهران.
تحمل مجمل قصصك التي جاءت في «حوادث وغرائب» لمسة شعرية جميلة وأسلوب راقي يتزاوج بين الواقع والخيال فهل قريحتك الشعرية تتغلب على قلمك دائما؟
^ أجل قبل كل شيء أنا شاعرة وأول ديوان لي صدر كان في الشعر وأجد سهولة في تطعيم الجملة القصصية بالرتم الشعري الذي يعكس قلمي الإبداعي.
قصة كتابك «بدون تأشيرة» أخذ اهتماما كبيرا من قبل الإعلام والنقاد لأنه جاء في فترة عانت منها الجزائر من ظاهرة «الحرڤة» والهجرة غير شرعية للشباب من أجل الضفة الأخرى كيف كان تفاعلك مع هذا الوضع الاجتماعي؟
^ لقد تأثرت كثيرا بالقصص اليومية التي كنا نقرأ عنها في الجرائد أو القصص الحقيقية التي لمستها في معاناة الكثير من المرضى الذين عاشوا عن قرب هذه المآسي الاجتماعية لذا قررت أن أكتب قصة من الواقع المعاش وحاولت أن أعالج الظاهرة من خلال أنه الحل الذي لا يفيد الشاب في أي شيء بل يجعله يخسر حياته في وسط البحر ويغرق، ويكون قد ضيع نفسه وأهله ومستقبله واستعملت لغة الشباب في التعبير.
خلال تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية صدر لك رواية «لالا ستي»، حديثينا عن هذه الرحلة إلى زمن لالا ستي؟
^ بعدما تحدثت عن سيدي بومدين في رواية «ألف.. ويوم في المشور» قررت التحدث عن لالا ستي وضريحها حيث يقولون كأنها العين التي تحرس تلمسان، أسطورة تتلخص في أنها تنام بعين وتحرس بالعين الأخرى في الصخرتين التي تخرج منهما العين المائية وهي التي أهدت الماء لتلمسان ووعدت بأن تحرسها ولالا ستي كانت أميرة موعودة لأمير في فاس وجاءت من تركيا في القرن ال 13 ميلادي من أجل الزواج وبعدما مرت بتلمسان، سحر بها أمير المنطقة لجمالها وفتنتها حيث كانت ضفائرها صفراء ذهبية لكنها عشقت المدينة وقررت البقاء بهضبتها وأن لا تتزوج لا هذا ولا ذاك وتزوجت عشق تلمسان.
في هذا العمل تعودين إلى بعض الأسماء التي صنعت الجانب الثقافي والاجتماعي إلى جانب ذكرت لبعض الصناعات التقليدية وتركزين على التزاوج بين الواقع بالخيال، فماذا تقولين حول هذه النقطة؟
^ سهل جدا أن نكتب الحياة اليومية لتلمسان لكن القالب الروائي يحتاج لتزويج الواقع بالخيال.
ماذا كان هدفك من هذا العمل الذي جاء في مناسبة معينة؟
^ كان هدفي من هذا العمل الروائي الذي جاء في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية أن يتطلع أي سائح عن كتابي ويستطيع أن يتعرف على تلمسان وعن تقاليدها العريقة من خلال العادات في صناعة الزرابي واحترام الجيران ومكانة العجائز في العائلات، التعرف على هذا التلاحم والمحبة بين أفراد المجتمع الواحد.
من خلال قراءتك واحتكاكك وأنت تجيدين اللغتين، ما هو واقع الأدب النسوي وأنت خصصت ديوان شعري للمرأة؟
^ قطع الأدب النسوي شوطا كبيرا خاصة في الجزائر سواء أكان مكتوبا باللغة الفرنسية أو العربية لكن المشكلة الحقيقية لا يوجد اتصال بين الكاتبات مما يجعل فرصة اللقاء والاحتكاك وتبادل التجارب الإبداعية في الكتابة والنقد في إطار الموضوعية قليل جدا فيما يخص تطور الأدب النسوي في الجزائر ما عدا بعض المبادرات الشخصية لكاتبات استطعن اختراق العالمية ولقد خصصت ديوان شعر «أين أنت يا امرأة» كتكريم للمرأة على تضحياتها المتعددة سواء في الأسرة أو المجتمع وأعتقد أن الإبداع بصفة عامة عند الجزائريين من خلال مطالعاتي جد مرتفع سواء في الأسلوب أو المعالجة فعلى سبيل المثال دعتني إحدى الصديقات الفرنسيات إلى بيع بالتوقيع لكتابها بباريس خلال معرض لكتاب بفرنسا واندهشت عندما وجدت الكتاب يحتوي على 20 صفحة فقط لا تمثل إلا مقدمة في إحدى رواياتي لكن المدهش هو الدعاية والإعلام وطريقة الإخراج لهذا المنتج يجعل من الكتاب له اسم وشهرة عكس أدباءنا الذين يتمتعون بالموهبة ولكن يجدون العراقيل في النشر وتبقى إبداعاتهم حبيسة الرفوف.
هل تعتقدين سيدتي أن هناك تمييز بين الأسلوب الكتابي بين الرجل والمرأة المبدعة؟
^ أعتقد أن المرأة المبدعة أحسن من الرجل في شيء واحد وهو الإحساس والعاطفة التي تخون الرجل في بعض الأحيان ولكن هذا لا يمنع من أن البعض لديه هذه القدرة في كسر طابوهات العاطفة، كما أنني تقمصت مشاعر الرجل في كثير من أعمالي واستعملت لغة أخرى في الحوار وهناك أمثلة كثيرة قبلي قام بها كتاب وكاتبات.
ما هي نظرتك الحالية حول رسالة الأدب؟
^ أعتقد أن رسالة الأدب عظيمة ولكن يجب أن تستثمر جيدا وهذا في المدارس، مع شريحة الأطفال التي يجب أن تغرس في عقولهم موهبة القراءة والكتابة وتذوق الأجناس الأدبية والفنية بصفة عامة، وأنا شخصيا قمت بعدة تجارب من خلال كتابة أشعار موجهة خاصة للطفل الصغير لأن يمثل عالما جميلا ويجب على المبدع أن لا ينساه ويعطيه حيزا هاما من مساره الأدبي.
في رأيك ما هو دور المثقف بما أننا نحتاج إلى رؤية جديدة من أجل مستقبل زاهر لهذه البلاد؟
^ أعتقد أن المثقف قد استقال عندنا وتقاعد وتوارى عن الأحداث الجديدة وكأنه أصيب بجرثومة الهروب والخوف الموهوم من التفكير، إن المواطن ليس في حاجة لمثقف يأتي بعد فوات الأوان ليقول له وقع هذا وكان يجب أن يكون كذا ولكن نحن بحاجة للمثقف الذي يساعد النفوس على اختيار القائد القدير الذي سلمت أخلاقه ويكون قدوة حسنة ونموذجا حيا يعمل على تغيير النفوس والعقول لعل الله يغير حال الجميع إلى الأفضل، فالجزائر أمانة الأجيال وعلينا جميعا المساهمة في الحفاظ عليها لأن ثمن تحريرها كان غاليا، فكل بقعة منها مطهرة بدم الشهداء والبلاد في حاجة إلى وحدة حقيقية وغرس حب الجزائر والوطن في قلوب الشباب الذين كبروا دون تطعيم حقيقي اسمه حب الوطن وهذه مهمة الجميع وعلى رأسهم المثقف.
كيف تنظر الروائية والشاعرة مزاري إلى هذا الواقع خاصة في الجزائر وهل تعتقد أن هناك عملا ينبغي انجازه في هذا المجال؟
^ خارج المقارنة بين الواقع الثقافي الذي يسود بلادنا والدول الأجنبية الأخرى، فإن الواقع الثقافي في الجزائر بدأ يتحرك قليلا بداية من السنة الثقافية بفرنسا ثم تلتها السنة الثقافية العربية بالجزائر ثم تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية إلى جانب بعض الملتقيات الدولية والنشاطات في مختلف المشارب الفنية ونحن كمثقفين نطمح إلى أن يكون هناك برنامجا طموحا من أجل الإبداع الفكري، فنجد هناك اهتمام بالطرب والفلكلور والرقص وكلها فنون نحترمها ولكن الفكر هو الأساس ويجب تدعيم عملية النشر بالنسبة للمؤلفين الذين يجدون صعوبة في ذلك، فالمؤلف يعاني في الجزائر، فهو يبدع ويجب أن يجمع مالا لكي ينشر عمله لأن الناشر يخشى المغامرة رغم أن الوزارة الوصية قامت بخطوة جبارة في نشر وإعادة نشر أعمال العديد من الكتاب لكن تبقى مقتصرة على بعض الأسماء وآخرون لم يستفيدوا من هذه العملية رغم إنتاجهم الفكري القوي.
هل من أعمال جديدة في الأفق؟
^ أجل، فالكاتب لا يتوقف عن الكتابة، لكن الأدباء الحقيقيين يعملون مدى المخاض المتعسر الذي يتطلبه أي عمل ليولد ويرى النور في صفحات يقرأها القارئ.
محطات كثيرة توقفنا عندها في مسارك الإبداعي، فما هي كلمتك في مسك الختام؟
^ أتمنى أن يجد الكاتب أرضية مناسبة للإبداع وفضاء لتبادل الآراء وفرصة لاستثمار هذه المحطات الفكرية التي يحتويها أي كتاب بين صفحاته كما أتمنى أن يكون فضاء إبداعي في وهران من أجل التواصل في مجال الحرف يكون ذا مستوى مميز وليس مجرد فضاء لا يحمل من الجودة إلا لقاءات تحمل الرداءة كما أتمنى أن ما قدمته طيلة مساري الإبداعي للمكتبة الوطنية يلقى ذات يوم اهتمام وتميز، وفي الأخير أقول أن الأدب يؤرخ جزء من الذاكرة الشعبية عن طريق حروف أدباءها فكل واحد منا يحلم بشيء جميل داخل أسوار حروفه وذكرياته وأحلامه العميقة التي لا يدخلها إلا القارىء وأقدم شكري الجزيل لكل عاشق حرف أعطى وقته الثمين لقراءة هذا الحوار الذي استمتعت بأسئلته التي حركت في داخلي محطات من ذكريات تجسدت في عدة أعمال أفتخر بإنتاجها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.