في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أم الشقاق إلى وادي الفراق
لواء المسيرة

إن تاريخ الجزائر حافل بالشخصيات الفذة والمجاهدة والمقاومة التي ما استكانت أو ضعفت أمام مقارعة ومكافحة العدو الفرنسي، فأبليت بذلك البلاء الحسن، وضربت للأجيال أروع المثل في التضحية والفداء، إيمانا بالقضية الوطنية وباستقلال الجزائر، وما الكوكبة من الفتيان الذين اجتباهم الله (عز وجل) من الرعيل الأول أمثال محمد العربي بلمهيدي، بوصوف عبد الحفيظ، العقيد لطفي، الرائد فراج، وأبطال الحمادة وأسد القعدة وأشاوس الظهرة وغيرهم من هؤلاء الابطال الصناديد الذين خلدوا اسماءهم في تاريخ الثورة النوفمبرية فكانوا نعم المثل للاجيال وأصدق خلف لخير سلف.
أعتقد أن على الجزائر كوطن (دولة وشعبا) دين اتجاه سي محمد العربي بلمهيدي قائد الولاية الخامسة التاريخية لأننا لم نف بعد الرجل حقه في إبرازه كعقل مدبر له استراتيجية محكمة وشاملة في أمور الحرب ونظرة ثاقبة لمجرياتها وتطلع واعد لمستحدثاتها لا يعلم عنه المجاهدون إلا القليل شأنه شأن خيرة أبناء الجزائر كالرائد فراج وفرطاس محمد وأبطال الحمادة وغيرهم من الابطال الاشاوس الذين صنعوا التاريخ ورحلوا عنا دون رياء أو استعلاء، سنحاول قدر الامكان اضافة ولو القليل عن هؤلاء القادة الذين نقشت أسماؤهم في خيال مجاهدي المنطقة وخلدتها الذاكرة الشعبية وتأثر بهم النشء وعلى المؤرخ ان يجمع هذا الزخم من الاستعلامات من أجل غربلتها والتحري فيها وتحليلها لأنها تاريخ شعب وحضارة أمة محمدية جديدة... وأن شعب بلا تاريخ لقيط... (الإمام الشافعي)
عملية المحول الأخضر
وفي الوقت الذي هبت فيه رياح الغدر والخيانة جراء ما وقع في جبل قروز الشامخ من تمرد وتملق نابع عن تنظيم مارق كلفت القيادة السياسية الملازم ابراهيم بلعربي (عقيد لطفي) والملازم شعيب (رائد سي قدور) بتشكيل لواء المسيرة، وظلا يتنقلان من جبل لجبل لإخماد نيران الفتنة واستقطاب واختيار الرجال حتى شكلا لواء المسيرة الذي سوف يقوده شعيب بهدف إدخال السلاح وتمريره من الحدود المغربية إلى قلب القعدة بغية لم الشمل وتوحيد الصفوف وتنقيتها من العناصر الخبيثة ودحر الانشقاق وتعزيز الجيش لمواجهة العدو في صدر الجزائر وعمقها ليهيء منذ ذلك الحين الطريق نحو دخول الولاية الخامسة التاريخية واختيار مقرها في قلب الونشريس، وحمل على متن 80 جملا السلاح المتكون من قطع جديدة Fusils BSA 303, Mitrailleuses Lewis, MG 42, Mortiers 45 pouces, grenades et munitions de tous les calibres سميت العملية ب»الموحل الاخضر« أو (LA ROCADE VERTE)
وفعلا كلف شعيب بتمرير السلاح من المغرب الى القعدة، قاد لواء المسيرة المتكون من 365 مجاهد وانطلق من شعبة أولاد جرير يوم 1957/01/01 بقافلة إبل عددها 80 جملا محملة بالسلاح مشيا ليلا حوالي 100 كيلومتر، انطلق اللواء من منطقة أم الشقاق وبالضبط من المكان المسمى شعبة أولاد جرير بجبل بشار متوجهين نحو وادي الفراق بالقعدة مرورا بوادي الناموس وجبل مزيمر، جبال حمام ورقة، متجها نحو جبل العمور، جبل تانوت، الارجام، الحمارة، ذراع الريش، بلاد السندوفة، الابيض سيد الشيخ، جبل تامدة، مرغاد، تنغردام، بوعلام مكتر، كسال، كاف ميمونة، غابة الليل، خناق عبد الرحمان... الى وادي الفراق على مشارف منحدرات الاغواط الى ما وراء مسعد.
وخاض لواء المسيرة مدعما بفصائل من الولاية الرابعة التاريخية والسادسة إلى أن وصل عدد أفراده إلى 500 مجاهد دخلت معارك طاحنة مع أبطال القعدة حتى استخلف العقيد لطفي بعد سقوطه جريحا فانتشله من المعركة وقادها شعيب بشهادة الأخت بريكسي خديجة، ثم جلس حول الديار الى مشارف مسعد والجلفة وربط الاتصال بالزيانيين الاشاوس في قلب الونشريس وعزز صفوف الجيش ثم رافق شوقي (فرحات حميدة) في مهمة تنظيم الولاية السادسة مع المرشح يوب والمرشح بوزيدي تحت حراسة كتيبة المنتصر الفذ الذي شق لهم الطريق وأمنها.
قاد شعيب عدة معارك ضارية بالمنطقة من تنزارة، وادي الكرمة، عين الشعير إلى أن عينه لطفي قائدا على رأس لواء المسيرة في يناير 1957لينتقل من الحمادة إلى القعدة بضواحي آفلو مقدما الدعم للمجاهدين وموحدا الصفوف ومقاتلا في معركة غابة الليل، معركة خناق عبد الرحمان ومعركة القعدة حيث أخذ اللواء بيده في أكثر من مشهد وكان أول المبارزين في ساحة الوغى بالصحراء الجزائرية شهادة أدلت بها المجاهدة بريكسي خديجة مؤكدة ذلك وهي لا تزال حية ترزق، أطال الله في عمرها.
واستنادا لشهادة المجاهد يسين رحمه الله بحضور زيدوري بشير رئيس منظمة المجاهدين لولاية بشار سابقا، أن الهدف المعلن كان إمداد المنطقة بالسلاح والرجال وتم ذلك فعلا لكن هدفها غير المعلن يتمثل في فك منطقتين من مخالب نزاع الإخوة الأعداد وبسط سلطة جيش التحرير الوطني في قلب الجزائر النابض يضم جزءا من الولاية الرابعة بشمال الولاية السادسة وإنشاء المنطقة التاسعة وضمها للولاية الخامسة ومرافقة تنظيمها حتى يتم تسليمها ولذلك الغرض بعث عبد العاطي سعيدي (دريس) موفدا إلى عمور دريس ثم بعث الضباط شعيب، أيوب، وعيسى إلى جبل كحيل للم الشمل تحت حراسة كتيبة المنتصر، وانعقد اجتماع المصالحة بالقعدة حضره مراد ممثل الولاية الخامسة إلى جانب لطفي ومن معه للمواجهة بإقناع أحمد بن عبد الرزاق (سي الحواس) ومساعديه الرائد عمور دريس والرائد طيب جغلالي مع تكليف فرحات حميدة (شوقي) بمصالح الاستخبارات ورافقهم الضباط الثلاثة (شعيب ،أيوب، عيسى) في مهمة تنظيم الولاية السادسة التاريخية.
لقد قطع لواء مسيرة المصالحة بقيادة شعيب 470 كلم انطلاقا من شعبة أم الشقاق إلى وادي الفراق بتعداد 365 مجاهد كونوا فيلقا مع اخوانهم في الشمال بعدد 500 مجاهد وخاضوا معركة خناق عبد الرحمن الشهيرة تكبدت فيها فرنسا خسائر مادية وبشرية سمحت هذه العملية التي حملت اسم المحول الأخضر بتصفية الصفوف من الخبث وتعزيزها بعناصر مخلصة ونشر التوعة وزرع الأمل في النفوس واتاحة الفرص لعروش القعدة من مكثر إلى جبل كحيل فمسعد وراء الجلفة على مشارف الأغواط ليعبر الشعب عن نخوته في البارود رنا وشجاعته وإخلاصها للوطن.
فمعذرة وألف معذرة إن عجزنا عن ذكر أسماء كل المجاهدين الذين شاركوا في معارك وملحمة القعدة خاصة منهم الشهداء والأمجاد الذين ضحوا بالنفس والنفيس ذلك لا يمكن في هذه العجالة ذكر 500 مجاهد وأن كلما تحدث عنهم مجاهد غمرت الدموع عيناه فضاق صدره ولن ينفلت لسانه من كاظمي الغيظ الذين أجبروا على إنهاء خلاف الأعداء بالسلاح وضاع الكثير.
لقد اخترنا من بين هؤلاء 10 بالمائة التي تكون الإطارات لتشكيلة اللواء مع ذكر أعيان المنطقة تقديرا لسنهم الطاعن و50 مقاتلا فذا من خيرة أبناء الجزائر القادمين من الهند الصينية ومدغشقر، الجنود الفارين، من ثكنة الفيلق 22 للمناوشين المتمركز بالقنيطرة وورزازاة بالمغرب الشقيق.
إطارات معارك القعدة
شارك معه أبناء الجزائر ونذكر من بين هؤلاء أبطال البواسل دون تميز ولا رياء ما استطعنا جمعه من الذاكرة الشعبية قبل اتلافه وتحت سائر التحفظات: تسعة مجاهدين من أعيان المنطقة منهم مسعودي خليفة ولد سالم، غرو العيد، دحان لعور، بن يحيى علال بلزغم وآخرين مدعمين بالجنود الفارين من ثكنة القنيطرة وكلهم ضباط محنكين في حرب الهند الصينية ومنهم على وجه الخصوص:
- الملازم ابراهيم بن العربي (دغين بن علي/ العقيد لطفي من تلمسان)
- الملازم شعيب (دحماني سليمان بلخديم / الرائد سي قدور من بشار)
- الرائد أحمد بن عبد الرزاق (سي الحواس)
- الرائد عمور دريس
- الرائد طيب جغلالي
- النقيب فرحات حميدة (شوقي)
- النقيب شكيب حركات (أحمد ) من القبائل
- الملازم عمر أوكيلي (رضا)
- الملازم مختار بوحيزم / رائد سي ناصر من تلمسان
- الملازم زابنة (صباحي عبد القادر)
- الملازم زارزي أحمد من فرجيوة ولاية ميلة
- المرشح الصايم بوزيدي (عيسى)
- المرشح سي دريس (عبد العاطي سعيدي من المشرية)
- المرشح إسمت (صديقيو طيب)
- المرشح أيوب (علالي قويدر) من بشار
- المرشح سي خالد
-المرشح زكرياء (مداني قويدر)
- بن سليمان محمد، من المشرية
سليماني محمد من المشرية
وسوف محمد، من المشرية
دربال سليمان (بوكروشة)
العيداوي عبد الحكيم (لمزكرم)
الطبيب دمارجي عبد القادر غليزان
زايت محمد من بشار
بوعزيز محمد
بن دخيس محمد (يسين من بشار)
قندة شعنبي متليلي
ويؤكد المجاهد بالقاعدة بعيدا عن حديث الصالونات أن العمل كان من تخطيط وأمر وإمضاء قائد الولاية الخامسة التاريخية سي محمد العربي بلمهيدي الذي استخلص الدروس من هجوم الشمال القسنطيني منذ 20 أوت 1955 وعلم كيف يفك الحصار على الأوراس الأغر، استطاع أن ينبل في عملية تقميش الوحدة الوطنية من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها وجلب قوات الجنرال صالون من العاصمة الى قمم الجبال للمواجهة الند للند فكانت الملحمة ولم يهدأ له بال حتى أمر بضرب منشآت البترول في قلب الصحراء بالعرق واستطاع قبل إستشهاده تفتيت قوات بجار في العرق على أيادي كتائب أبو رافع وحركاتي مصطفى.. للرجل مكانة عند ربه وعزة في نفوس شعبه، أفلال تفقهون؟
وفي النهاية شاءت الأقدار أن يتجه شعيب المدعو (الرائد قدور في خريف 1957 بعد تقلده رتبة رائد وتعيينه على رأس المنطقة السادسة خلفا للرائد فراج (لواج محمد الطاهر ) من وادي الشولي الى جبال تانيرة وتسالة الى أن استشهد بالمكان المسمى عين بن سلطان يوم 1958/09/28 وهو يقدم أروع هدية للحكومة الأولى الفتية التي نصبت يوم 1958/09/19 موقعا وجودها ميدانيا بالعمل العسكري لتثبت كلمتها بوزن السلاح لأنه كان يعلم علم اليقين أن للكلمة السياسية وزنها بالسلاح حتى لا تصبح جوفاء مجرد ديماغوجية، هو الذي قال ذات يوم: "نحن الدفعة الأولى المرشحة للإستشهاد لتحيى الجزائر حرة مستقلة" فما أروع هاته الكلمة من ذا الذي قال ففعل! رحمه اللّه.
من هو مهندس العملية؟
ولد محمد العربي بلمهيدي سنة 1923 بعين مليلة بالشرق الجزائري لأبيه ابن عبد الرحمان بن مسعود وأمه قادي عائشة شبّ وترعرع في أحضان عائلته المتواضعة الى أن زاول دراسته بالكتاتيب والمدارس الفرنسية وتعلم اللغتين العربية والفرنسية الى أن صار شابا متوسط القامة يهوى المسرح خاصة ومولع بالسياسة التي فرضتها الظروف المحاطة به من كل جهة.
وما إن بلغ سن 22 عاما حتى ألقي القبض عليه في مجازر 08 ماي 1945 التي أبى إلا أن يشارك فيها، فزجّ به في السجن دون مبرر مقنع وبعيدا عن إحترام قرينة البراءة التي كثيرا ما تتغنى بها عدالة فرنسا، اختار مباشرة بعد إطلاق سراحه أن يعيش في السرية حيث علمته مدرسة الصمت الصبر والاستقامة ودخل في النضال السري لتعبئة الشعب ضمن صفوف حزب الشعب الجزائري، مما جعله محل بحث حثيث من قبل مصالح البوليس الفرنسية سنة 1950.
ذلك يؤكد لنا أن الرجل كان عضوا في المنظمة السرية، مثله مثل كل إطارات المنظمة السرية الذين خدعوا في ربيع سنة 1950 وألقي القبض على البعض ثم قتل البعض الآخر وحكمت عليه محكمة الجنايات غيابيا بعشر سنوات حبسا نافذة بتهمة الأعمال المخالفة للقانون وتحريض على العصيان والتمرد، عندها فرّ هاربا بلمهيدي الى الغرب الجزائري وبالضبط الى مدينة وهران التي استقر بها لمدة طويلة حتى أصبح فيها المسؤول الأول للمنظمة السرية في منطقة كانت فيها الروح الوطنية أكثر إنتشارا وإحساسا، وذلك ما يثبت قدراته المتفوقة في التنظيم والتحرك والذكاء والمبادرة، استطاع أن ينشط أفواج ثلاثة من كومندوس الفداء، فوجان كان على رأسهم الرائد فراج ينشط بالتداول على رأس كل فوج والفوج الثالث نشطه الشهيد البطل زبانة ومع هؤلاء الأسود ساهم الزاوي دياب مع أفواج الفداء في مدينة وهران قبل أن يحل بمدينة بشار.
تقلد مهام الولاية الخامسة التاريخية منذ إندلاع الثورة سنة 1954 التي تغطي 9000.00 كم2 أي تقريبا نصف القطر الإقليمي الجزائري، ومن خلال الصورة التاريخية التي أمر بأخذها ويملك النسخة الأصلية منها لأسباب أمنية والتي تنشر لأول مرة النسخة الأصلية الثانية التي احتفظ بها شعيب ولا توجد نسخة ثالثة لقيادة منطقة الجنوب ككل تخلد نظرة هذا العبقري المحنك في أمور الحرب الذي استطاع في يوم نشر خبر إكتشاف البترول بفتح الجبهة الجنوبية بإنعقاد إجتماع قادة أركانها: شعب، قايد أحمد، عبد الغني، عقبي، سي محمد علاق وبوزيدي، ولازال والحمد للّه فردان على قيد الحياة يمكنهما تزويد الذاكرة الشعبية وإثرائها بأكثر التفاصيل دون الإحتفاظ بأسرار الدولة التي تجاوزها أمد التقادم.
وما إن قام بتنظيم الولاية الخامسة عسكريا بإنشائها في مدينة وهران ثم نقلها الى المكان المسمى الراحل قرب عين تموشنت ونقلها وراء الحدود حتى انشغل على رأس لجنة التسليح بمد الجيش وتجهيزه بأحداث العتاد والسلاح، والكل يعي أن أول دفعة لسلاح الإشارة تكونت بوجدة سنة 1956 والكل يعلم أن الولاية الخامسة التاريخية أعطت قائد الأركان العامة (العقيد بومدين) وبوصوف على رأس وزارة الجيش والإتصالات العامة (MALG) ثم أمر بتشكيل لواء المسيرة في يناير 1957 وأقحمه في معارك القعدة في عملية سماها "المحول الأخضر) ورصد لها جيش يفوق 500 مجاهد، ويبقى سي محمد العربي بلمهيدي القائد الوحيد الذي خطط وسمى عملية عسكرية نفذت بإحكام وحنكة وخبرة عالية.
بن مهيدي الموحّد
لقد وحد الصفوف ثم نظم الولاية السادسة التاريخية وقضى على جيوب بلونيس وتمرد القائد زيان شريف ودحر خيانة بلحاج وأدخل المصاليين الضالين السبيل الى صفوف الجيش وضمّد جراح الولاية الرابعة التاريخية واستطاع فك الحصار المفروض على المنطقة الحرة للجزائر العاصمة ثم أمر بفتح الجبهة الجنوبية لحماية البترول حتى تبعثرت وتشتت قوة صلان في الصحارى ومني بيجار بهزيمة نكراء في قلب العرق الغربي، فعل كل ذلك قبل أن يرحل عنا فجأة و"بالصدفة" كما يحلو للأوساط مخابرات فرنسا أن تردده متلاعبة بالألفاظ، فمن المستفيد من إغتيال بلمهيدي؟ وماذا وقع بعد إغتياله؟ ذلك هو السؤال المحير الذي يتطلع لإجابته كل المجاهدين، استشهد الثنائي العقيدين عميروش والحواس ثم العقيد لطفي والرائد فراج، الذي لا نعرف عنه الكثير.
قررت الولاية الخامسة تنظيم منطقة الجنوب الى أقسام وشكلت كتائب فوزعتها على ثلاثة أقسام جغرافية للمنطقة، بشار والجنوب الغربي تابع القسم رقم 13 وعلى رأسه سليمان بلخديم / شعيب يساعده فرحات، القسم رقم 14 يضم كل من العين الصفراء، المشرية وما جاورها ويرأسه العيدوني على يساعده غريب بينما أوكل القسم 15 أي يشمل منطقة البيض وما حولها قد عين على رأسه سي مراد (بن أحمد) وقد تغير إسمه الثوري ليصبح فيما بعد الرائد موسى يساعده شداد، وبعد تسلم المهام سافر كل رئيس قسم صحبة مساعده الى مواقع القتال ليجتمع بالمسؤولين المحليين للثورة قصد إطلاعهم على التعليمات الجديدة ومنها على وجه الخصوص الشروع في تنفيذ العمليات المسلحة في المواعيد المحدد لها.
وبالفعل فقد امتثل المناضلون واحترموا بكل دقة وانضباط الموعد المقرر مسبقا بعدما تم تنظيمهم في أفواج وفصائل وكتائب وظلوا ينتظرون على أحر من الجمر هذا الميعاد، وما ان أعطيت الإشارة لتنفيذ الأمر حتى تفجرت هنا وهناك العمليات الفدائية داخل المدن والهجمات العسكرية على مواقع العدو مع تنفيذ أعمال تخريبية على منشآت العدو كحرق محطات القطار ونزع السكك الحديدية وقطع الأسلاك الكهربائية وقد تطرقنا إليها أعلاه.
ومن بين هذا المناطق نذكر تيارت التي أصبحت تدعى في التقسيم الجغرافي الجديد ما بعد مؤتمر الصومام المنطقة السابعة للولاية الخامسة وكذا المنطقة التاسعة للولاية الخامسة التي تضم شمال الصحراء الكبرى قبل إلحاقها بالولاية السادسة وكأن سي ابراهيم أتى للمنطقة بغية تطبيق تعليمات مؤتمر الصومام نظرا لقدراته التنظيمية في هيكلة الجيش وتدريبه ثم الشروع في مناوشة العدو، مما يجعل القول بصفة قطعية لا تدع مجالا للشك أن دخول الملازم سي ابراهيم للمنطقة أرّخ دخول تلك المنطقة في صفوف جيش التحرير الوطني، غير أن هذا لا يعني ان المنطقة لم تكن منظمة ضمن خلايا نائمة قامت هي الاخرى وبمبادرة محلية بعدة عمليات سجلها التاريخ قد نتطرق إليها في نهاية هذا العرض.
ولا بأس أن نذكر بأشهرها، تلك المعركة التي وقعت في جبل العمور بتاريخ 1956/10/02 التي تحولت من كمين بسيط الى اشتباك بالمكان المسمى »شوابير« شارك فيها 500 مجاهد من الرعيل الأول ومن الرماة الذين لا يعترفون بالخطأ في التسديد بل أخطاء الهدف يعتبر عندهم عار وخزي، وخسر العدو في هذه المعركة المبكرة 1375 قتيلا بينهم 92 ضابطا وذلك باعتراف العدو نفسه وتابع سي ابراهيم رفقة مساعده الملازم سليمان بلخديم (شعيب) تنفيذ المهام الموكلة له في تنظيم أولوية الجيش الى أن عن عين قائدا على رأس المنطقة الثامنة للولاية الخامسة التاريخية في غرة جانفي 1957 ليتقلد رتبة نقيب وفي هذا التاريخ وصله أمر التحرك نحو القعدة، قام بتجهيز كتيبة من جيش التحرير الوطني بقيادة قويزم مختار المدعو / سي ناصر الذي كلف فيما بعد من قبل قيادة الولاية الخامسة بصفة قائد المنطقة السابعة، وتوجه الى القعدة بعناصر ما تبقى من محاربي الصحراء.
تنظيم فيلق المسيرة
تفرغ بعد ذلك النقيب سي ابراهيم ما سمي بفيلق المسيرة (BATAILLON DE LA MARCHE) ومن أجل ذلك هرع النقيب سي ابراهيم دائما رفقة الملازم سليمان بلخديم مهرولين من قمة جبل لآخر في مهمة اختيار أفواج من وحدات جيش التحرير الوطني المتاخمة للحدود الغربية الجزائرية، وذلك تنفيذا لمهمة تموين المنطقة الثامنة والمناطق المجاورة لها بعد تدفق السلاح واستلامه، إلا أنه اضطر الضابطان الى إخماد نار فتنة العصبية هنا وفتنة الزعامة هناك وشكلا فيلق المسيرة متكونة من 376 مجاهد موزعين على ثلاث كتائب لحراسة القافلة المتكونة من 70 جملا من الإبل الأصيلة محملة بالسلاح من نوع 303 الصنع الإنجليزي والمعروفة محليا »بالعشارية« مع الذخيرة واللباس.
وقاد الفيلق الملازم سليمان بلخديم (شعيب) بمساعدة سعيدي عبد العاطي المدعو/ ادريس واستعمل »شعيب« أسلوب حربي محكم يتمثل في السير ليلا لمسافات لا تقل عن 100كم وبتشكيلة مستعدة لأي مواجهة مندسة في وسط القافلة حيث قاد الفيلق على شكل رأس حربة فوضع الإبل وحمولتها في الخلف لتمحو آثار الجيش المتقدم نحو الأمام ثم دس في صدر الفيلق كتيبة من رجال الكومندوس أغلبهم جنود شاركوا في حرب الهند الصينية مدججين بالسلاح ومستعدين لصد أية هجوم.
واستطرد الراوي/ يسين قائلا: انطلقت هذه القافلة من المكان المسمى ب: شعبة أولاد جرير بجبل بني سمير حيث يقع مقر المنطقة الثامنة وذلك بتاريخ 1957/01/15 وعند وصولها الى المكان المسمى ب: تينقراظان والواقع جنوب مدينة البيض، حيث علمت قيادة المسيرة بوجود عناصر بلونيس بالقعدة، فبعث القائد شعيب كتيبة بقيادة زكريا (مدني قويدر) لاستطلاع الأمر ثم غيّر في نفس الوقت اتجاه القافلة من العقدة الى خناق عبد الرحمن حيث خزّن حمولة القافلة بمجموعها في هذا المكان.
ويضيف يسين بن دخيس الذي يروي القصة كمشارك في المسيرة بأنه لم يكن يعلم بأن السلاح متجه لفائدة المنطقة السابعة، وحضر وصول كتيبة بقيادة سي مصطفى بن عمار (بطل شاب لم نعرف عليه الكثير واسمه يتردد باستمرار) الذي يتوقع أنه كان قادم من المنطقة التاسعة، وكانت هذه الكتيبة في وضعية غير ملائمة تماما من حيث السلاح واللباس، فتمكنت هذه الأخيرة من أخذ احتياجاتها كاملة من السلاح والذخيرة واللباس وعلم الراوي حينها ان القافلة متجه الى تموين المناطق المجاورة مؤكدا درجة الحيطة والحذر الذي تحلى بها شعيب في كتمان السر حتى على أقرب المجاهدين له وداهم الضابطان »شعيب« و»زكريا« مركز حراسة للعدو في المكان المسمى زليج قرب مدينة بوعلام وقضوا على أفراد المركز وغنموا سلاح أمريكي: رشاش من عيار 30 بذخيرته.
اتصل أثناء حلوله بالمنطقة سي لطفي بالعديد من الشخصيات القيادية من هنا وهناك ومن بينهم سي مفتاح، سي عمر إدريس (فيصل)، سي عبد اللطيف من العاصمة وشخصيات أخرى من الأغواط ومناطق أخرى. إلا أن محدثنا لم يتمكن من الإطلاع على فحوى ما دار أثناء هذا اللقاءات التي استغرقت أحيانا أسابيع وذلك نظرا لضرورة السرية والإنضباط الثوريين، غير أنه علم أن سي عمر إدريس بعد إجتماعه بلطفي وفض النزاعات بتحديد صلاحيات الولاية السادسة سافر مع شوقي رفقة ثلاثة ضباط من المنطقة الثامنة في مهمات تنظيمية وأمنية تحت حراسة كتيبة المنتصر، وهما: شعيب، يوب (علالي قويدر) وعيسى في إتجاه المنطقة التاسعة للعمل معا في إخماد نار فتنة عرش شريف زيان وزعامته ودحر جيوب بلونيس مع تعبئة وتجنيد المصاليين الضالين السبيل. كانت المهمة صعبة للغاية إذ سقط عيسى في فخ نصبته المخابرات الفرنسية راح ضحيتها بينما رجع يوب مريضا ليوضع تحت العناية الطبية المكثفة بالرباط وتقلد شعيب رتبة نقيب.
تنفيذ تعليمات مؤتمر الصومام
في حين أشرف لطفي على تنظيم الوحدات العسكرية لجيش التحرير الوطني بمنطقة أفلو وتوغل في نفس الوقت في تعبئة التنظيمات الشعبية كما حدد طريقة الإتصال بين أفواج جيش التحرير والمسبلين والفدائين من المناضلين للمنظمة المدنية للجيش وضبط بحكمة هذه العلاقة فيما يخص التزويد بالاستعلامات والتموين والصحة وغيرها وذلك إنطلاقا من تعليمات مؤتمر الصومام. فكان لطفي حريصا جدا ودقيقا في تنفيذ تلك التعليمات التنظيمة التي أشرف بنفسه عليها.
وبعد أيام من وصول القافلة التحق سي ابراهيم الذي أصبح يسمى النقيب لطفي ليجتمع الكل من جديد في خناق عبد الرحمان الذي قاد فيه معركة ضد قوات العدو حيث جرح لطفي وأخرجه »شعيب« من وسط المعركة على متن نعش ليسلمه للعناية الطبية ويبقى في ساحة الوغى يقود شعيب المعركة حتى النصر المبين. وذلك ما أكدته المجاهدة بريكسي خديجة التي شهدت إسعاف لطفي وصرحت: »أننا بقينا تحت قيادة شعيب«، علما أن معركة خناق عبد الرحمان تعتبر من أهم المعارك في الجهة.
وإستمرت العملية منذ قدوم لطفي للمنطقة في أوائل فيفري 1957 إلى غاية شهر جوان 1957، حيث تم استدعاؤه من طرف قيادة الولاية الخامسة بعد ترقية إلى رتبة رائد عضو أركان تلك القيادة. وفعلا لقد التحق في نفس الشهر لمباشرة مهامه الجديدة. وبعد مرور سنة كاملة أي جوان 1958 عين قائدا على رأس الولاية الخامسة خلفا للعقيد هواري بومدين الذي عين هو الآخر لأركان قائدا لأركان جيش التحرير الوطني للجهة العربية (COM ouest).
إستطاع هكذا القائد الفذ محمد العربي بلمهيدي فك الحصار عن العاصمة بتشتيت قوات صلان (Salan) في بحر من الرمال مساحته 100.000 كم2، وتصرف مثل زيغوت يوسف في أوت 1955 الذي شن الهجوم على الشمال القسنطيني بغية فك الحصار المفروض على الأوراس الأشم، وفي ساحة الوغى التي لم يتحدث عنها أحد لعبت كتائب بلعيد أحمد (فرحات) في العرق الغربي بقيادة أبو رافع في الجنوب الغربي وحركاتي مصطفى في الجنوب الشرقي دورا هاما في حماية البترول والغاز والثروات النفيسة ونصبت وساهمت في توسيع رقعة جيش التحرير الوطني عبر الإقليم الجزائري وتواجده في كل مكان من صحرائنا المترامية الأطراف لتعطي لكلمة المفاوضة معنى المقاومة الحقيقية التي لمسها العدو في الميدان.
كانت ملحمة الصحراء ليثبت على البساط الأخضر الدبلوماسي تواجد جيش التحرير الوطني على كل شبر من هذا الربوع الغالي، وهكذا أصبحت الثورة تقاوم كأنها تفاوض وتفاوض وتقاوم الاثنين معا ولا يمكنها أن تفاوض دون مقاومة فذلك استلام، وأحسن مثال للرجل المقاوم والمفاوض معا عرفه تاريخ الإنسانية، الجنرال ديغول أبان الحرب العالمية الثانية والمجاهد عبد العزيز بوتفليقة أبان التحرير والتاريخ كرس هذا المبدأ بدليل أن إخماد فتيل المقاومة في لبنان وفلسطين أدى بالحكومات المحلية إلى تفاوض حواري في دائرة مفرغة لا مخرج منه لأن العدو لم يجد ما يرغمه على التنازل في غياب المقاومة، إذن قاوم كأنك تفاوض وتفاوض كأنك تقاوم،الاثنين معا لأن العدو اغتصب أرضك ونال كرامتك فذبح واستباح نسائك وسلب أموالك وهجر شرفائك وانتهك عرضك وتستحق أن تدافع عن نفسك وذلك أضعف الإيمان.
دحر بيجار في العرق
يشهد بيجار أن الجنرال »صلان« منحه قيادة أركان متكونة من 40 عنصرا مدعمة بأحدث وسائل الإتصال والمواصلات واعتمد على 1570 عسكري منها 1000 مظلي بعضها محمولة على الطائرات وأخرى متنقلة عبر سرايا جيب (Jeep) مع 100 كومندوس جو و200 مقاتل من اللفيف الأجنبي و100 رجل من المهاري و40 رجلا لحماية مركز تيميمون و50 رجلا لحماية مركز كرزاز، و80 رجلا لحماية مركز بني عباس، فإذا كان هذا هو عدد الموارد البشرية بشهادة العدو نفسه فماذا عن العدة يا ترى؟
يمكن التحدث عن إرسال قوات جوية متكونة آنذاك من 03 طائرات من نوع بيبرس (Piepers)، 03 طائرات شمال 2501، طائرتان 02 من نوع ج.إ (G.U) مختصة في الجسر الجوي، طائرات 52JU ، 06 طائرات مطارذة من نوع داسو (Dassault) وسرب من الهيلكوبتر ومعدات من وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي مدعمة بشبكات راديو عن التحكم الموحد (VHF)، لقد جندت فرنسا الاستدمارية كل ذلك لمواجهة مجاهدي العرق.
وظلت أفواج أبو رافع تتوسد الرمال وتتغطى بالسماء يتنقلون كالأطياف في بحر من الرمال يحتمون بضلوعه ويذوبون في بحره، يظهرون فجأة لينفذوا غارات خاطفة ثم يندثرون ويتبخرون فكانت معركة غنبو بتاريخ 1957/11/24 ومعركة بوخلالة بتاريخ 1957/12/03 ومعركة حاسي علي والقائمة طويلة وطويلة جدا ومتى ننصف إبادة القصور في وسط العرق من طرف قوات بيجار السفاح الذي أحرقها رجالها واستباح نسائها؟
وصفوة القول، لا يستعني إلا أن استغرب لأمر تاريخي عظيم اعترف به العدو قبل الصديق، وجحده »المؤرخ - التاريخ« الذي جعل من » المشاهد - المجاهد« دون كشوط (Don Quichotte) زمانة يصول ويجول في ثقافة النسخ والفسخ والمسخ ليمجد أهل الجور والفجور وقول الزور متناسيا أن الشعب له ذاكرة احتفظت بأدق التفاصيل التي نقشت في مخليته بالدم والدموع والآلام والآمال، ذلك ما نثبته بإخراج من طي النسيان البطلين الهاشمي محمد ( أبو رافع) وحركاتي مصطفى اللذان قدما للجزائر المستقلة أروع الصور في الكفاح والتضحية والبطولة ورحلا عنا في صمت إلى الرفيق الأعلى ولذلك أطريت أن استخرج من تقرير السفاح بيجار نفسه (Bigeard) الذي وضع تحت تصرفه الجنرال صلان (Général Salan) سنة 1957 قوات عددها 2000 عنصر من مجموع 8000 التي حاصرت الجزائر العاصمة والتي اعتقل فيها » بالصدفة« البطل الفذ محمد العربي بلمهيدي قاب قوسين أو أدنى، فمن قال أن الخطة لم تنجح؟ ومن استفاد من اغتيال هذا القائد المغوار؟ سوف يشكف التاريخ عن الحقيقة آجلا أم عاجلا.
في الوقت الذي كانت فيه المعارك طاحنة في العرق الغربي من بلادنا الشاسع خاضت قوات العقيد لطفي بقيادة الملازم شعيب معارك ضارية بالقعدة أثناء صيف 1957 في صدر الجزائر وعمقها وكانت معركة غابة الليل وكاف ميمونة وخناق عبد الرحمان لملمت الجراح ووحدت الصفوف ونظمت الولاية السادسة التاريخية بقيادة عمور دريس تلك هي استراتيجية محمد العربي بلمهيدي في دحر الاستعمار وتلقينه درسا لن ينساه أبدا.
وبقيت راسخة في الذاكرة الشعبية أسماء كتيبة المدعمة من العساكر الفارين من ثكنة القنيطرة وورزازات كلهم ضباط شاركوا في الحرب الهند الصينية أو مدغشقر ونذكر من بينهم الملازم الأول شكيب حرحات من تيزي وز، والملازم عمر أوكيلي (رضا) من دلّس، والملازم زارزي أحمد من فرجيوة، والملازم زبانة صباحي عبد القادر، المرشح صديقيو طيب (اسمت) المرشح (زكريا)، مداني قويدر( انهاري من سبدو)، المرشح علالي قويدر يوب (بشار)، من المشرية بن سليمان محمد، سليماني محمد، سوف محمد، ودربال سليمان (بوكروشة)، عيداوي عبد الحاكم (المزكوم) من العين الصفراء، ديواني جيلالي (الطيب) من العين الصفراء، ودعم بلعيد محمد (فرحات) وعزز الجيش بتسع مشايخ من قبيلة أولاد جرير وشعانبة وأولاد زياد كلهم صيادين ماهرين يصيبون الهدف في سم الخياط ولا يرضون بالإهانة ويعتبرون عار لمن يخطئ هدفه ونذكر من بينهم دحان لعور، مسعودي خليفة ولد سالم، غرور العيد، بن يحيى علال بلزغم، قاسمي عبد الرحمان وآخرين.
أبطال أشاوس
والثابت أن هذه الأعمال سواء كانت نابعة عن المقاومة الشرسة أو الكفاح المسلح إبان حرب التحرير المجيدة قد خلفت قوافل من الشهداء سقت بدمائها كل شبر من صحرائنا المترامية الأطراف ولملمت جروحه فوحدت صفوفه وأهدت للجزائر المستقلة أغلى وأثمن بقاع المعادن النفيسة وحقول البترول والغاز وبحر من المياه الباطنية ضمانا لمستقبل الأجيال، وإلى يومنا فإن سكان وأهالي المنطقة أولائك الأبطال ينتظرون إلتفاتة طيبة من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لتغمض جراحهم وتطمئن الأنفس.
ولا يمكن نسيان هؤلاء الأبطال الأشاوس الذين غادروا ديارهم ولم يعودوا إليها أبدا. لقد جندتهم فرنسا لتحتمي بهم وتحارب النازية ثم رمت بهم إلى مدغشقر والهند الصينية وتقطعت بهم السبل واعتبرتهم أسرهم بمثابة الغائبين لكنهم فروا من ثكنة القنيطرة وورزازات وهبوا للكفاح ليحطوا الرحال بأسلحتهم وخبراتهم وفنياتهم التي سخروها فداء للوطن وقدموا النفس والنفيس لتحيا الجزائر حرة مستقلة.
وصار على نفس النهج والمنطق السي عبد القادر المالي مترئسا قيادة أركان متنقلة ومتكونة من محمد شريف امساعدية، دراية محمد وبلهوشات محمد، نقلهم الى المطار المجاهد الملازم نعيمي (لازال على قيد الحياة) والسائق مزراق أحمد (رحمه الله) سنة 1960 من القاعدة الغربية الى المطار حيث سافروا على متن طائرة نقلتهم من مطار سلا إلى سالي بالمالي نحو قاو وكيدر ليجندوا جيش عرمرم في الحدود المالية الجزائرية من تيمياوين إلى تنزواتين.. واستطاع هذا البطل الفذ أن يثبت لفرنسا الغاشمة أقوال الدبلوماسية بأفعال حربية، مما يزكي الرجال في تشبثه بإقران الكلمة بالفعل ويجعله منه البطل التاريخي الرمز والمسؤول الحالي الذي يصغى إليه الشعب الجزائري بمختلف شرائحه وتنوع طلائعه وتلون مشاربه.
ذلك ما فعله ثلة من الرعيل الأول الذين اجتباهم اللّه ليحرروا بتضحيتهم شعبا بأكمله ولم ينالوا من شحومها ولحومها إلا رضى الله الذي منحهم الشهادة ونالوها عن جدارة واستحقاق تاركين حب الدنيا وخزي الآخرة لمن يريده، فأقبل عليهم في جنة الخلد فرحين بما آتاهم اللّه من خير.
فاسأل نفسك أنت أيها القارئ الكريم ماذا فعلت أنت لهذا الوطن العزيز حتى تنال رضى اللّه ولا تسأل نفسه عما فعله لك وطنك! لقد استشهد الكثير مما يتصوره العقل والمنطق ولازالت مجازر جماعية بشعة لاتعد ولا تحصى ارتكبتها أيادي العدو الملطخة بدماء الأبرياء تنتظر الباحث الذي ينفض عنها الغبار ويبرزها كوكبة للعالم الحر، عالم حقوق النسيان (عفوا الإنسان). قوافل من الشهداء تنام في كل شبر من هذاالوطن الجريح وعبر كافة الحقب الزمنية والمحطات التاريخية مرورا من المقاومة الشعبية الى الحركة الوطنية فالتنظيم الثوري ثم الكفاح المسلح حتى النصر أو الإستشهاد.
هناك في الأدغال والجبال والسهول والعرق والرق والحمادة، والفيافي والمداشر قبور تفتحت في منابرها ورودا زاهية الألوان، تنبعث منها روائح عاطرة وترتاح إليها الأنظار لجمالها، أزهار وورود بهية تكسو الجبال والمقابر وصدق الشاعر قائلا:
»صاح خفف الوطء.... هذه قبورنا تملأ الرحب
أظن أديم الأرض.... إلا من هذه الأجساد«
وصدق الإمام علي رضي الله عنه حين قال:
»نحن أمة نؤم نمط الوسطا...
... لسنا كمن قصر أو افرطا«.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، شهداء الجزائر الذين سقطوا في ميدان الشرف إبان المقاومات الشعبية وأثناء الحركة الوطنية وفي حرب التحرير المباركة في كل مكان وزمان، واجعل أرواحهم ترفرف في سماء الحرية واحمي وطننا من كل مكر وصون ابنائنا من كل مكروه وأحفظ عرضنا وتثبت أقدامنا واشدد على قلوبنا تطمئن نفوسنا وتزدهر بلادنا وثبتنا على القول الثابت: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! »ولله الحمد، رب السماوات ورب الأرض، ورب العالمين« اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا وأهدينا سبل الرشاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.