النشر في الجزائر بات فزاعةً تخيفُ الكاتب، وحجرَ عثرةِ يحول دون وصوله لمبتغاه،ويبقى المجال سانحا لبعض الكتّاب فقط، نفسهم يتحرّكون على الساحة منذ الأبد... وكأنّها التّجارة أو السياسة تطال ميدانا من المفروض أن يتعلّق بأفكار الكاتب ومشاعره من جهته، وبالذوق ومدى تأثير النصّ من جهة القارئ، أمّا الدولة فمن الأجدر أن تلعب دور المنظّم للأمور والمسهّل لسيرها. وتظلّ بعض فتحات النور ومخارج النّجاة مُتاحة، قد تُركت والحمد لله على ذلك! صمّامات أمان، وأقصد بهذه الصمّامات،المسابقات الوطنية التي تقام هنا وهناك، والتي تصيب البعض ببركاتها،هنا فقط يظهر الكاتب فلان الفلاني و يسطع نجمه للحظات، وتكون هذه بمثابة الفرصة الوحيدة تقريبا أمام الكتاب الشباب لتتفجّر مواهبهم، وتنطلق أصواتهم المبحوحة والمكتومة لتُسمع على أكبر مدى، ويُشهر لها ويعلن عنها في الصحافة وشتى وسائل الإعلام. يَذِيعُ صيت هذا الكاتب لمدّة قصيرةأمام الملأ، يظهر صاحب النصّ الفائز ويبقى النص بعيدا عن المتناول، وهذا ليس راجع لنقص التوزيع فقط، بل لندرة الإقبال على الكتاب من طرف النخبة والعامّة كذلك، وهذه معضلة كبرى، تلمحُ أعراضَها جليّةً في كل مكان، ومن هذه الأعراض أن يختار صاحب المكتبة بين قائمة الكتب التي يقدّمها له الناشرون، كتباً جديرة بالبيع، أو لنقل مطلوبة في السوق، حتّى صارت أغلب المكتبات سوقا استهلاكية لبعض الأصناف المألوفة من الكتب، وهي تمسُّ بعض الحقول التي تتهافت عليها بعض الشرائح.، وفي ظِلِّ هذا الكساد في سوق الكتب، يضمحلّ أغلب الكتّاب والقليل منهم فقط يواصل رحلة السلمون، جرياً عكس التيار متأقلما مع الوضع وبصعوبة. دور النّشر والتي صارت بالمئات، هي نفسها تعاني، وقد ساءت طباع بعضها فاستحالت مطابعَ تصنع الكتب وتبيعها، بغضّ النظر عن ماهية هذه الكتب أو صحّة محتواها، ولقد صادفتُ ناشرا في معرض من معارض الكتاب لا يجيدُ القراءة فضلا عن النشر والتوزيع!، وتحرّيا للعدل، فهذه الدور معذورة، فهي تأبى تحمّل تكاليف النشر للكتّاب الشباب المغمورين لأسباب منطقية،فدور النشر تخشى خوض السوق الاستهلاكية المذكورة آنفا، ب "منتوج" غير معروف،وهذا ما يُعدّ في التجارة ب" المغامرة "،وبدل أن يكون نشر الكتاب استثمارا لدى دور النّشر بات تضحية بالأموال وانتحارا تجاريا، ولهذا صارت تجنح هذه الدور للنشر مقابل المال، وهكذا فهي تتجنّب الرهان على مستقبل غامض، أمّا الكتّاب الشباب فلا يبدو في أُفقهم إلّا خيار الكفاح بأعمالهم وعرضها على مستويات محلّية، علّهم ينجحون في استقطاب القرّاء من خلال التقديمات والبيع بالإهداء،وتبقى هذه الطريق الوحيدة أمام منتهجي هذا السبيل الوعر المليء بالممهّلات والحفر والأشواك واللّهب،ويبقى النّشر محاصرا بين مطرقة السياسة الوطنية الانتقائية، وسندان المقروئية الضعيفة! .