وزارة التربية تُقيّم الفصل الأوّل    ناصري يؤكد أهمية التنسيق البناء بين المؤسّسات الوطنية    إحباط محاولات إدخال 26 قنطاراً من الكيف    توفير 500 منصب عمل جديد بتندوف    تنظم منتدى التربّصات بحضور أكثر من 150 مؤسّسة    نقطة تحوّل في المسيرة النضالية للجزائريين    خيام النازحين تغرق في الأمطار    التصعيد العدائي الفرنسي يتزايد    هل يُقابل ميسي رونالدو في المونديال؟    خُطوة تفصل الخضر عن المربّع الذهبي    الوالي يأمر بمضاعفة المجهودات وتسليم المشاريع في آجالها    نجاح أوّل عملية استبدال كلي لعظم الفخذ    بوعمامة في طرابلس    جداريات الأندية الرياضية تُزيّن الأحياء الشعبية    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    قمع غير مسبوق يتعرض له الصحفيين وكذا ازدواجية المعايير    إطلاق خدمة دفع إلكتروني آمنة من الخارج نحو الجزائر    الإطاحة بشبكة إجرامية من 3 أشخاص تزور العملة الوطنية    خنشلة : توقيف 03 أشخاص قاموا بسرقة    رئيس الجمهورية يبعث برسالة تخليدا لهذه الذِّكرى المجيدة    سعيود يترأس اجتماعا تنسيقيا مع مختلف القطاعات    إجماع وطني على قداسة التاريخ الجزائري ومرجعية بيان أول نوفمبر    اللقاء يدخل ضمن الحوار الذي فتحته الرئيس مع الأحزاب    المنتخب الوطني يفوز على منتخب العراق 2- 0    عطاف يستقبل من طرف رئيس الوزراء اليوناني    اليمين المتطرّف الفرنسي يتمسّك بنهج المشاحنة مع الجزائر    تبادل الخبرات في المجال القضائي بين الجزائر والكويت    مواضيع مطابقة لريادة الأعمال كمذكرات تخرّج للطلبة    تأكيد على دور ريادة الأعمال والابتكار    موقع سكني بحاجة لثورة تنموية    "الخضر" في طريق مفتوح للمربع الذهبي    قمة واعدة بين "الصفراء" و"الكناري"    المجتمع الدولي مطالب بالتدخل العاجل    الجنوب.. مستقبل الفلاحة والصناعات التحويلية    إلغاء عقود امتياز ل 15 مشروعا لتربية المائيات بوهران    نقاش الإشكاليات بين التاريخ والمعرفة    إزالة 80 توسعة عشوائية بوادي تليلات    بين الأسطورة والهشاشة والهوية الأصلية    حملة تحسيسية لتعزيز وعي المستهلك    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    فتاوى : اعتراض الأخ على خروج أخته المتزوجة دون إذنه غير معتبر    إصرار لدى لاعبي منتخب العراق    مجموعة العمل المعنية بحقوق الإنسان في الصحراء الغربية..المجتمع الدولي مطالب بالتدخل لوقف قمع الصحراويين بالمدن المحتلة    ملتقى حول قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية : تغييرات جوهرية في التعامل مع قضايا المخدرات    مولودية الجزائر تُعمّق الفارق في الصدارة    ملتقى علمي حول أصالة اللغة العربية ومكانتها العالمية    إطار جبائي للشركات والبحث في إفريقيا    هل الشعر ديوان العرب..؟!    المنتخب الجزائري يحسم تأهله إلى ربع نهائي كأس العرب بعد فوزه على العراق    3 رؤى سينمائية للهشاشة الإنسانية    عندما يصبح الصمت بطلا    نحن بحاجة إلى الطب النبيل لا إلى الطب البديل..    المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!    إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها    قرعة الحجّ الثانية اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استجيبوا لربكم
نشر في الحياة العربية يوم 05 - 10 - 2022

إن الله جل جلاله خلق الخلق فرزقهم وأنعم عليهم بنعم لا تُعد ولا تُحصى، فكان حقًّا على العباد أن يعبدوه ويوحدوه، ويستجيبوا لأمره؛ قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
فالاستجابة لأمر الله وطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم شرطُ الإسلام، ودليل الإيمان، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
لذا كان الإيمان الصادق مقتضيًا للانقياد لأمر الله والاستسلام له.
..وجوب الانقياد لله ورسوله:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
ففي هذه الآية يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؛ أي: إذا حكموك، يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمتَ به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة.
فلا إيمانَ بلا انقياد لأمر الله، والاستجابة لحكمه؛ قال جل جلاله: ﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الفاتحة: 47 – 52]؛ ففي هذه الآيات دليل على أن الإيمان ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل، ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة، ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، وأن من لا ينقاد له دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة.
وإن التولي عن طاعة الله ورسوله، وعدم الاستجابة للأمر والنهي سبب لحبوط العمل وذهاب ثوابه؛ قال جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]؛ ففي هذه الآية الكريمة يقول تعالى ذكره: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ بالله ورسوله، ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ في أمرهما ونهيهما، ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾، يقول: ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهما، وكفركم بربكم، ثوابَ أعمالكم؛ فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح، فطاعة الله ورسوله فيها الفلاح والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
..آثار وثمار الاستجابة لأمر الله ورسوله:
إن الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها الخير والبركة، وفيها الأجر والثواب والفلاح، وإن المؤمن الصادق هو الذي يسارع إلى طاعة الله ولو في أحرج الأحوال، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سارعوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بهم من الجراح، وذلك لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد همُّوا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج مع ما أصابهم من جرح عظيم وإرهاق شديد في غزوة أحد، فخرجوا استجابة لله ولرسوله، وطاعة لله ولرسوله، فوصلوا إلى حمراء الأسد وجاءهم من جاءهم وقال لهم: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾ [آل عمران: 173]، وهموا باستئصالكم؛ تخويفًا لهم وترهيبًا، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانًا بالله واتكالًا عليه؛ قال ربنا جل جلاله: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 172].
والمعنى: أن الله تعالى لا يضيع أجر هؤلاء المؤمنين الصادقين، الذين أجابوا داعي الله وأطاعوا رسوله، بأن خرجوا للجهاد في سبيل عقيدتهم بدون وهن أو ضعف أو استكانة مع ما بهم من جراح شديدة، وآلام مبرحة، ثم بيَّن سبحانه جزاءهم فقال: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 172]؛ أي: الذين أحسنوا منهم بأن أدُّوا جميع المأمورات، واتقوا الله في كل أحوالهم بأن صانوا أنفسهم عن جميع المنهيات، لهؤلاء أجر عظيم لا يعلم كُنْهَهُ إلا الله تعالى.
اعلموا أنه لا حياة للقلب ولا للروح إلا بطاعة الله ورسوله، والمسارعة إلى ذلك في العسر واليسر، والمنشط والمكره، فإن غذاء الأرواح بالتعلق بوحيِ الله النازل من السماء؛ قال ربنا عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]، والمعنى: استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهٍ؛ ففيه الحياة الأبدية، والنعمة السرمدية، ومن المعاني التي تحتملها هذه الآية أن فيها حثًّا على المبادرة إلى الطاعة، قبل حلول المنيَّة، فمعنى ﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾: يميته، فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهو التمكن من إخلاص القلب، ومعالجة أدوائه وعلله، ورده سليمًا، كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوها لطاعة الله ورسوله، فشبَّه الموت بالحيلولة بين المرء وقلبه، الذي به يَعْقِل، في عدم التمكن من علم ما ينفعه علمه.
وإن المؤمن المستجيب لأمر الله ورسوله أهلٌ لإحسان الله إليه بأن يجزيه خير الجزاء ويدخله الجنة؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [الرعد: 18]؛ ففي هذه الآية غاية البشرى لأهل الاستجابة؛ ففيها يقول تعالى ذكره: أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به، وأطاعوه فاتبعوا رسوله وصدقوه فيما جاءهم به من عند الله، فإن لهم الحسنى، وهي الجنة.
فمن سارع إلى طاعة الله ورسوله، واستجاب للأمر والنهي، وحكَّم كتاب الله تعالى وشرعه في حياته، فقد ظفر بالجنة، ونجا من النار. فعلى العبد – أيها الإخوة – أن يبادر إلى التوبة والعودة إلى الله، وأن ينضم إلى قافلة أهل الاستجابة ويردد مع المؤمنين الصادقين: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الندم، ويتمنى الرجوع للدنيا فلا يُجاب إلى ذلك؛ قال الحق تبارك وتعالى: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ﴾ [الشورى: 47]؛ ففي هذه الآية الكريمة يأمر تعالى عباده بالاستجابة له، بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وبالمبادرة بذلك وعدم التسويف، من قبل أن يأتي يوم القيامة الذي إذا جاء لا يمكن رده واستدراك الفائت، وليس للعبد في ذلك اليوم ملجأ يلجأ إليه، فيفوت ربه، ويهرب منه.
بل قد أحاطت الملائكة بالخليقة من خلفهم، ونُودوا ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ [الرحمن: 33]، وليس للعبد في ذلك اليوم نكير لِما اقترفه وأجرمه، بل لو أنكر لشهدت عليه جوارحه، وهذه الآية ونحوها فيها ذم الأمل، والأمر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرض للعبد، فإن للتأخير آفات.
وإن من أعظم ثمار الاستجابة لأمر الله أن يهديَ الله أهل الاستجابة للخير، ويرشدهم إليه، ويجيب دعاءهم، ويصرف عنهم الغي والضلال؛ كما قال جل ذكره: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فمن دعا ربه بقلب حاضر، ودعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه، فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصًا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء؛ وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية، والإيمان به، الموجب للاستجابة؛ فلهذا قال: ﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]؛ أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة؛ ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره سبب لحصول العلم؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29].
أيها المباركون: إن الخير كل الخير في طاعة الله ورسوله، والعيش في رحاب شرع الله، فالله هو الذي خلقنا، ويعلم ما يصلحنا وينفعنا، وقد شرع لنا أحسن الشرائع واصطفى لنا أحسن الأديان؛ دين الإسلام، فلا صلاح لأمورنا وحياتنا إلا بالاعتصام بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
..في بستان أهل الاستجابة:
تعالوا بنا – أيها الكرام – نشنف أسماعنا، ونطيب قلوبنا بذكر حال أهل الاستجابة لأمر الله ورسوله، ونرى كيف كان إيمان هؤلاء المؤمنين الصادقين، الذين برهنوا على إيمانهم ويقينهم بالمسارعة إلى أمر ربهم وطاعة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
..قلوب تتسابق إلى كل طاعة:
عن البراء رضي الله عنه، قال: ((لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحب أن يُوجَّه إلى الكعبة؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ [البقرة: 144]، فوُجِّه نحو الكعبة، وصلى معه رجلٌ العصر، ثم خرج فمرَّ على قوم من الأنصار، فقال: هو يشهد أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وُجِّه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر)).
الله أكبر، ما أسرع استجابتهم! وما أصدق اتباعهم لرسولهم صلى الله عليه وسلم! بمجرد أن سمعوا رجلًا واحدًا يخبرهم بأن القبلة قد حُوِّلت، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى الكعبة، فتحولوا في حال ركوعهم، ولم ينتظروا حتى ينتهوا من صلاتهم.
..ذلك مال رابح:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرَحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أُنزلت هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92]، وإن أحب أموالي إليَّ بَيْرَحاء، وإنها صدقة لله، أرجو بِرَّها وذخرها عند الله، فضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)).
..طاعة بلا تردد ولا سؤال:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقَوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: ما حملكم على إلقائكم نعالَكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذًى فليمسحه وليصلِّ فيهما)).
فهنا الصحابة رضوان الله عليهم لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه، خلعوا نعالهم في الحال، دون أن يعرفوا سبب ذلك، وما حملهم على ذلك إلا شدة متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحبهم الصادق له.
..اذهب فأهرقها:
فعن أنس رضي الله عنه: قال: ((كنت ساقيَ القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديًا فنادى، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت، قال: فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حُرِّمت، فقال لي: اذهب فأهرقها، قال: فَجَرَتْ في سكك المدينة، قال: وكانت خمرهم يومئذٍ الفَضِيخَ[13]، فقال بعض القوم: قُتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾ [المائدة: 93])).
يا ألله! يا له من مشهد مهيب عظيم! سرعة استجابة لأمر الله ورسوله ليس لها مثيل، الخمر التي كانت عندهم كالماء، لما نزل تحريمها انتهوا في الحال، ولم ينتظروا حتى يفرغ ما عندهم منها، بل كسروا آنيتها وأهرقوها على كثرتها، حتى جرت في سكك المدينة.
إنها الاستجابة يا سادة، إنه الإيمان في أجل صوره، ولأجل هذا أعزهم الله ورضي عنهم، فيا ليتنا نمتثل الأمر ونجتنب النهي ونسارع إلى ذلك كما كانوا يفعلون.
يرحم الله نساء المؤمنات:
أيها الإخوة الأكارم: إن صور الاستجابة العظيمة لأمر الله ورسوله لم تقتصر على الرجال فحسب، بل كانت نساء المؤمنات يذعنَّ لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ويسارعْنَ إلى الطاعة إذا دُعِينَ إليها؛ تأمل معي هذا الموقف العجيب الجميل؛ فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَلِ، لما أنزل الله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31] شَقَقْنَ مُرُوطهن فاختمرن بها)).
وإذا كان هذا حال نساء المهاجرين فإن نساء الأنصار قد بادرن قبلهن لذلك؛ فعن صفية بنت شيبة قالت: ((بينا نحن عند عائشة، قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلًا، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقًا بكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل؛ لقد أُنزلت سورة النور: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، انقلب إليهن رجالهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطِها المرحل فاعتجرت به، تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان))، فيا ليت نساءنا وبناتنا وأخواتنا يستجبن لأمر الله في الحجاب، وفي كل أمر، ويسارعن لذلك كنساء المهاجرين والأنصار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.