فرنسا: اعتقال نحو 500 شخص في احتجاجات "لنغلق كل شيء"    وزيرا البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والشباب يتباحثان حول سبل ترقية مجالات التعاون الثنائي    معرض التجارة البينية الإفريقية 2025: الجزائر تفتك حصة الأسد من الصفقات الموقعة    معرض التجارة البينية الافريقية: تتويج جناح زامبيا بلقب أفضل جناح خلال التظاهرة    الصين ترغب في تعزيز التعاون مع الجزائر في مجال تسيير الكوارث الطبيعية والمخاطر الكبرى    رئاسة الجزائر لمجلس السلم و الأمن الإفريقي: التزام ثابت و مقاربات فعالة لخدمة قضايا القارة    الخبير ميريفيروي يؤكّد ضرورة توحيد البيانات    تعاون جزائري نيجيري    الجزائر.. بوابة للقارّة    المعرض الإفريقي يصل للنهاية    معرض التجارة البينية الإفريقية: طبعة الجزائر تجاوزت كل التوقعات    بوغالي يواسي    وفد حماس في قطر ينجو من الاستهداف الصهيوني    بنديكتا لاسي تبرز دور الجزائر    كرة اليد (البطولة الأفريقية لأقل من 17 سنة إناث) : الكشف عن البرنامج الكامل للمباريات    المنتدى البرلماني العالمي للشباب: بوشويط يستقبل من طرف رئيس الكونغرس البيروفي    تهديدات بالقتل بسبب الكسكس!    شرطة العفرون تطيح ب3 متورطين    عرض شرفي لمسرحية جديدة حول غزّة    وفاة المغني حميد مدور    معرض التجارة البينية الإفريقية 2025: تنظيم حفل موسيقي ضخم بأوبرا الجزائرعلى شرف ضيوف المعرض    الجزائر تدعو في مجلس الأمن إلى إطلاق عملية تشاور شاملة لتعزيز فعالية عمليات حفظ السلام    إطلاق صندوق إفريقي لتمويل المؤسسات الناشئة والشباب المبتكر    بوغالي يدعو من القاهرة إلى جعل الاتحاد البرلماني العربي منصة لتعزيز التكامل بين الدول الأعضاء    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    فتاوى : زكاة المال المحجوز لدى البنك    عثمان بن عفان .. ذو النورين    مهرجان "ديزاد فيست": تكريم مرتقب للفنانة الراحلة حسنة البشارية    ولاية الجزائر: تنظيم حملة تنظيف تخص المؤسسات التربوية السبت المقبل    مجلس الأمة يدين بشدة الاعتداء الصهيوني الغادر على دولة قطر    المعرض الإفريقي للتجارة البينية: التوقيع على اتفاق تعاون جزائري-تونسي في مجال الطباعة وصناعة الورق    المجلس الشعبي الوطني يدين العدوان الصهيوني على قطر ويدعو إلى تحرك دولي عاجل    تواصل سقوط أمطار رعدية على عدد من ولايات شرق الوطن    خبراء الأمم المتحدة يتضامنون مع أسطول الصمود العالمي    إعادة هيكلة مواد ومواقيت ابتداء من هذا الموسم    حملات تضليلية تستهدف تشويه سمعة بلادنا    ورشات تكوينية حول المزارع الذكية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي    هذا آخر أجل للفلاحين والموّالين لتسديد اشتراكاتهم لدى "كاسنوس"    74 مداهمة أمنية لأوكار الجريمة    هلاك شخص وجريحان ببئر الجير    الإطاحة بعصابة تروج المهلوسات    شراكة جزائرية- نيجيرية في مجال الأدوية ب100 مليون دولار    مشاركة المحافظة السامية للأمازيغية في معرض الجزائر الدولي للكتاب..تقديم 16 كتابا جديدا ويوم دراسي حول المسائل اللغوية الحالية    جمباز: الجزائرية كيليا نمور تشارك في ثلاث محطات كبرى في نهاية 2025    أعربت عن تضامنها مع قطر..الجزائر تدين إعتداء الإحتلال الإسرائيلي على الدوحة    زهير بللو:الجزائر تزخر بتراث عالمي متنوع يشهد على غنى تاريخها    أشرف على افتتاح المعرض الفني الختامي للإقامة الإفريقية "حوار وإبداع إفريقي".. بللو: الجزائر تسعى لتكون مركزا جامعا لحماية الثقافة والتراث الإفريقي    درّاج جزائري يتألق في تونس    التأهّل إلى المونديال يتأجّل    التأهل إلى المونديال يتأجل وبيتكوفيتش يثير الحيرة    قطاع الصيدلة سيشهد توقيع عقود بقيمة 400 مليون دولار    الخضر يطرقون باب المونديال اليوم    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    بداية قوية ومحفزة لمحاربات الجزائر    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    الإعلان عن قائمة الوكالات المؤهلة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لست حيواناً".. رواية عن مجزرة صبرا وشاتيلا
نشر في الحياة العربية يوم 25 - 11 - 2024

رواية "لست حيواناً" لوليد عبد الرحيم قوساً كبيرة، حدها الأول يبدأ منذ ولادة الفلسطيني ووعيه للحال التي بات عليها، في المنفى، وحدها الأخير العودة، عبر الوعي الذي جسدته مقبرة الشهداءلم يكتب وليد عبد الرحيم رواية قبلاً. هذه الرواية التي قرأتها له تواً (لست حيواناً) هي روايته الأولى، وهي رواية تجريبية من أولها إلى آخرها، بمعنى أنها رواية جريئة في اختيار موضوعها (مجزرة صبرا وشاتيلا) التي استمرت طوال ثلاثة أيام على إيقاع الصراخ، والعويل، والاستنجاد.
وجرى نهر الدم الفلسطيني حتى أغرق المنطقة، وانتشرت رائحة الجثث حتى عمّت المنطقة كلّها، واندفع البكاء حتى ما عاد غب مقدوره القهقرى. تلك الأيام الثلاثة (15-16-17 أيلول 1982) هي قصيدة الفلسطينيين العزل في مخيمي صبرا وشاتيلا، الذين تعاونوا على كتابتها وهم في مواجهة حاملي السلاح الأبيض، والسكاكين، والسيوف، والبلطات، والسواطير، والذين قطعوا الرؤوس، والأيدي، والأرجل، والأثداء، وبقروا بطون الحوامل، وتفرّجوا على الأجنة وهي تودّع أرحام الأمهات الباكيات الصارخات.
وفي الموازي لهذا الموضوع المأَوي وما فيه من جرأة لإنتاج جديد لأحداث صبرا وشاتيلا، فإن رواية وليد عبد الرحيم جريئة أيضاً في تجريبها الفني لكتابة رواية يبدو فيها التراسل الأدبي بين اجناس الأدب كأنه تحليق لطيور لا توصيف لها سوى أنها طيور الدهشة.
في هذه الرواية الممتدة على 242 صفحة من الحجم الوسط، يبدي عبد الرحيم براعته الأدبية التي اكتسبها من كتابة القصيدة طوال سنوات، كما يبدي براعته الفنية التي اكتسبها من عمله مخرجاً سينمائياً طوال سنوات أيضاً، كما يبدي ثقافته الواسعة التي تبدأ من قوس الثقافة الإغريقية الأولى وصولاً إلى قوس الثقافة ذات الطعوم المرة التي كتبها الفلسطينيون في منافيهم، وقد أكلت كبودهم آهات الحنين إلى البيوت، والدروب، والحواكير، والحقول، والغدران، والبراري، والشوارع، والمدارس، والمدن التي هجّروا منها في ظروف لا يليق بها سوى التوصيف القائل إنها ظروف شائنة مذلّة.
اختيار وليد عبد الرحيم لمذبحة صبرا وشاتيلا ليكتب عنها ليس اختياراً اعتباطياً، بل هو اختيار للقلب والعقل اللذين عاشا أيام بيروت منذ أوائل عقد السبعينيات في القرن العشرين المنصرف إلى الفاصلة الزمنية الجارحة اجتياح بيروت عام 1982، والاختتام بالدم الفلسطيني للشيوخ والنساء، والأطفال الذين انطووا على أحزانهم ودموعهم السواكب في مذبحة صبرا وشاتيلا، بعد أن ودّعوا الآباء والإخوة الذين خرجوا، عبر سفن فيليب حبيب، إلى المنافي الجديدة لتصير اللوعة لوعات، والأحزان مناحات، والأسئلة حجارة كاوية.
وليد عبد الرحيم كتب كتابة العارف والرائي، والموجوع، ليصور لنا مشاهد الخذلان، والعجز، والأحزان التي توراتها الفلسطينيون جيلاً بعد جيل، والمقاومة التي صارت جزءاً رئيسياً من ثقافة السلوك الفلسطيني، لقد كتب وليد عن الماسي المتتالية تترى، والأحلام الفلسطينية التي لا تصير واقعاً، كتب عن الطلبة الذين هربوا من المدارس كي يصبحوا أهل مكانة عندما يلقّب أحدهم بلقب فدائي، الطلبة الذين فروا من مدارس وكالة الغوث، وكاسات حليب الصباح، وحبات زيت السمك، و2X2=4، فروا من خطابة الكتب والمعلمين إلى بلاغة القواعد الفدائية، والخنادق، ولباس الفوتيك، والجيوب التي ملئت بالرصاص والرسائل الراشحة بالحنين، مثلما كتب عن المجتمع الذي أسسه الفدائيون في قواعدهم، المجتمع الذي يشبه المخيم اجتماعياً، فالمخيم ليس قرية ولا مدينة، إنه مجتمع اسمه المخيم، مجتمع لا يشبهه مجتمع، ومكان غاص بخصوصيته التي لا تشبهها خصوصية، ومجتمع تروى فيه خيبات ما سبق من أيام وسنوات وأحداث، مثلما تروى فيه الأحلام.
ولعل أبداها وأكثرها توهجاً حلم الذات أن تصير صورة الفدائي (بوستراً) يعلق على أبواب البيوت والمدارس وأعمدة الكهرباء في المخيم، مجتمع المخيم الذي حقق الاجتماع على هدف واحد هو استعادة فلسطين تحريراً، وحقق أيضاً اجتماع الناس على الرضا بلقب الفدائية لأنها تجمعهم على أهمية الهدف والعمل والحلم والغاية، ففي مجتمع الفدائيين، اعني في قواعدهم، اجتمع الفدائي الفلسطيني والفدائي اللبناني، وأكل الاثنان من صحن واحد، مثلما اجتمع الفدائي الصيني والفدائي الياباني وأكل الاثنان من صحن واحد، وكذلك اجتمع الفدائي اليساري والفدائي المتدين، وأكل الاثنان من صحن واحد. ومثل هذا الأمر لم تعرفه مجتمعات أخرى، لقد فعل الوعي متعدد الرؤوس فعله، فأراد الجميع، على اختلاف جنسياتهم وتوجهاتهم ومجتمعاتهم، أن ينصروا الشعب الفلسطيني الذي طرد من أرضه جهاراً نهاراً وتحت سطوة الحراب الغربية.
بلى، تكاد تكون هذه الرواية (لست حيواناً) لوليد عبد الرحيم قوساً كبيرة، حدها الأول يبدأ منذ ولادة الفلسطيني ووعيه للحال التي بات عليها، في المنفى، وحدها الأخير العودة، عبر الوعي الذي جسدته مقبرة الشهداء بصفتها الحلم الأقدس قبل تحرير أرض فلسطين، ولكن بين القوسين اجتمعت الأحداث واحتشدت إلى حد الانفجار بسبب ما اشتملت عليه من النوائب والمصائب وخيبات الأمل، ويكاد يخترم هذه الرواية سطر واحد يبدأ من مخيمات المنافي في البلاد العربية، وما يعرّش فيها من الأخبار والأحلام، ثم المرور بالأمكنة الكريهة، مثل السجون التي هي مستعمرات للعقاب لأنّ النفوس عامرة بالوعي. وهي، لذلك، لم تمت بعد، ولأنها ما زالت تحلم، ولأنّ العقول والعيون ما زالت ترى الزلل يتوالد فتشير إليه لمحوه، وترى الخطى وهي تمشي في الدروب الجانبية فتصرخ بها راشدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.