أكد اللواء عبد العزيز مجاهد، مدير المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، أن مفهوم الدفاع عن الدولة الجزائرية لا يقتصر على الأطر العسكرية الضيقة، بل يتعداها ليشمل مختلف مفاصل الحياة العامة، باعتباره مسؤولية جماعية يشترك فيها جميع أفراد المجتمع، كلٌّ من موقعه ودوره. وأوضح أن حماية الوطن تبدأ من وعي المواطن، وتمتد إلى الإعلامي والمثقف والأستاذ في المدرسة والجامعة، وصولاً إلى كل من يؤدي وظيفة أو رسالة داخل المجتمع. وشدد اللواء مجاهد على أن المواطنة الحقيقية لا تقوم فقط على المطالبة بالحقوق، بل ترتكز أساساً على أداء الواجبات، معتبراً أن تقديم الواجب على الحق هو جوهر الانتماء الصادق للوطن. واستشهد في هذا السياق بفكر المفكر الجزائري مالك بن نبي، الذي أكد أن نهضة المجتمعات تبدأ حين يعي الفرد واجباته قبل حقوقه، لأن الالتزام والمسؤولية هما أساس بناء الدول القوية والمستقرة. جاء ذلك خلال برنامج "فوروم الأولى" الذي تبثه القناة الإذاعية الوطنية الأولى، في عدد خاص خُصص لمناقشة الحصيلة السياسية والأمنية والدبلوماسية للجزائر مع نهاية سنة 2025، وموقعها في محيطها الإقليمي والدولي. وقد استضاف البرنامج إلى جانب اللواء عبد العزيز مجاهد، الدكتور محمد عمرون، عضو مجلس الأمة وعضو البرلمان الإفريقي، حيث تطرق الضيفان إلى مسار بناء القوة الوطنية وتحصين مؤسسات الدولة في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم. وفي قراءته للتاريخ وتجربة العمل المؤسساتي، أوضح اللواء مجاهد أن الدستور يجب أن يكون انعكاساً حقيقياً لطموحات الشعب وآماله وتطلعاته، وهو ما يستوجب إشراك المجتمع بمختلف فئاته في صياغته. واستحضر في هذا الإطار تجربة الحوار الوطني في منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين تم توجيه الإعلام للاستماع إلى المواطن ونقل انشغالاته وآرائه بكل حرية، دون رقابة أو تقييد، معتبراً أن هذه المقاربة تظل نموذجاً يحتذى به في تعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع. كما حذر اللواء مجاهد من استمرار تأثير بقايا الفكر الاستعماري، ممثلاً في بعض الدوائر السياسية بشمال المتوسط المرتبطة بأبناء منظمة الجيش السري (OAS)، مؤكداً أن الجزائر واعية بهذه التحديات وتتصدى لها عبر تقوية جبهتها الداخلية وتعزيز تلاحم الشعب مع جيشه، باعتبار هذا التلاحم صمام أمان حقيقي في مواجهة أي محاولات لزعزعة الاستقرار أو المساس بالسيادة الوطنية. من جانبه، تناول الدكتور محمد عمرون تطور مفهوم الأمن القومي في القرن الحادي والعشرين، واصفاً إياه بالمفهوم الشامل والمتعدد الأبعاد، الذي لم يعد يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يشمل الأبعاد الاستراتيجية، السياسية، المجتمعية والقانونية. وأكد أن المؤسسة العسكرية تظل العمود الفقري لهذا الأمن، وأن الجاهزية العالية للجيش الوطني الشعبي تشكل الضمانة الأساسية لحماية وحدة التراب الوطني واستقرار الدولة، مشدداً على أن كل استثمار في تعزيز قدرات هذه المؤسسة هو استثمار مباشر في الأمن القومي. وفي السياق السياسي، أوضح عمرون أن الإصلاحات التشريعية المرتبطة بقوانين الأحزاب والانتخابات تندرج ضمن مسعى بناء بيئة سياسية تنافسية ونزيهة، تعكس روح دستور 2020، الذي اعتبره من أكثر الدساتير تقدماً في مجال تكريس الحقوق والحريات وتعزيز الممارسة الديمقراطية. وعلى الصعيد الدولي، أكد الدكتور عمرون أن الجزائر استعادت مكانتها ومحور تأثيرها الإقليمي، لاسيما في القارة الإفريقية، مشيراً إلى أن سنة 2025 شهدت تصاعداً لافتاً في المطالبة الإفريقية بما يعرف ب"العدالة التعويضية" عن جرائم الحقبة الاستعمارية. واعتبر أن قانون تجريم الاستعمار الذي تبنته الجزائر يشكل خطوة استراتيجية لحماية الذاكرة الوطنية، ووضع القوى الاستعمارية السابقة أمام مسؤولياتها التاريخية والقانونية والأخلاقية، فضلاً عن قطع الطريق أمام أي محاولات لتزييف التاريخ أو التنصل من تبعات الماضي الاستعماري. وخلص المتدخلان إلى أن قوة الجزائر اليوم تستند إلى وعي جماعي متزايد، ومؤسسات دستورية قوية، وجيش محترف ومتماسك، ودبلوماسية نشطة، مؤكدين أن الدفاع عن الوطن ليس مهمة ظرفية، بل هو مسار دائم تشترك فيه الدولة والمجتمع، لبناء جزائر قوية، آمنة، وفاعلة في محيطها الإقليمي والدولي.