شجن الهامش يسين بوغازي خامسا: شبقية شعر شعبي ماجن منذ أواخر القرن التاسع كان للشعر الشعبي، والذي يعرف في البوادي الغربية على الساحل الوهراني بالشعر الملحون، واكتسب شهرة تسميته من لحن بدوي يوضع له ليُغنى، وقيل من لحن قولي لطالما ترادف مع نطق مقاطع ذلك الشعر الذي ما يزال يبهر كما كان، وفي هذا الشعر هنالك تيارات ومدارس، و ما يهمّنا هو المعطى الرايوي الذي عاصره، فالشعر الشعبي الملحون شكّل عمادة أساسية في ميلاد أغنية ʺالرايʺ، وهو تحديدا شعر شعبي ملحون وماجن؟. ورغم أن هذا النوع الأخير كان محدودا في أثره وتراثه، غير أن كتابات عن الرايوية تحدثت عنه، وبأنه فتح شهية تناولية في معطى الأغنية البدوية في صنفها الملحون الماجن المتغنى بالمرأة، فلم يكن سوى ما سيسمى ʺالرايʺ بجرأته أن يؤدي مقاطع غنائية عن صبابيات وشباقيات عذرية ربما وأحيانا كثيرة كانت ماجنة، مما يفسر تلك الحاضنة من الملحون الملهم منذ أول أغاني ʺالراي في تلك الكازينوهات ونوادي الليل للقمار والخمر، شعر ملحون جريء وماجن حملته سيرة وتجارب شياخات "الراي" بمن سبق ومن جاء؟. فمنذ القرن التاسع عشر كانت موجة من الشعر الملحون بدأت تبرز، وقد أعلت كتابة شعرية شعبية مؤسسة تجربة كانت مختلفة قليلا في وصف المرأة والتغني بأسرارها، وأن الشاعر مصطفى بن إبراهيم، يسرد نموذجا بغزله ودانياته وحزنه الظاهر، وهو شاعر سيد قومه سكن المنفى، وتائب في أواخر أيامه عن غوياته، كان نصه ملحونا مؤسسا يميل إلى وصف متجرئ بإيحاءات غزلية وجنسية، لكنها لا تفضح ما يراد؟. هذه الموجة من الشعر الشعبي أخذت في الوضوح منذ مطلع القرن العشرين وقبله بعقد أو عقدين، وهي من فتحت شرخا عموديا مع الأغنية البدوية، ليصير الشرخ فراغا مليئا بأغنية جريحة حقا، أغنية تعلى بالإيحاءات والرموز الجنسية، وبالمباشرة أحيانا في القول والتوصيف، لعل نماذج شياخته من النساء كأنها خرجت من بوتقة شعر ملحون يليق به وصف الإيروتكيا الكلامية فيما قلصت تجارب لاحقة ذلك الحفر، الذي تلقفته بقليل من الفضح تجربة ʺالشيخ حمادةʺ في أصالة أغنيته البدوية المُعلية لتلك الشاعرية الشبقية غير الفاضحة. ʺالشيخ حمادة ʺ بما لا يدري كان مبشرا وتجربته مكتملة بنيانها الغنائي بالرايوية التي لم تكن بعد قد اتضحت، فما تزال رهينة ملحون وقافيته، فكانت أغنيته مميزة فتحت الطريق أمام "الراي" منذ الأربعينيات في مقاطع الغانيات والشيخات، وكأنهما كانا ربما معا ممهدان لما سيأتي، وصولا إلى النصف الثاني من عقد الستينيات، ومع بزوغ أسماء تركت أثرها لعل ʺ بلقاسم بوثلجةʺ صبي "الراي" منذ مراهقته، وʺبلموʺ أول من استدخل الآلات الموسيقية كالجيتار الكهربائي، الذي بلور صورة أغنية الراي باتجاه النضج، لتتضح مكامن ملحمته المتجرئة منذ جرأة الشعراء الشبقيين وشياخته المتمردات وغانيات وأسماء جديدة وبما نفذ من توظيف عصري في الاستفادة من التيارات الغريبة في الموسيقي والغناء حتى تلك المستقدمة من أمريكا اللاتنية، كلها كانت أمام الأجيال الرايوية الجديدة منهل وجب الارتواء منه في الثلاثينيات والأربعينيات والستينيات إلى عصر ʺ بلاوى الهواريʺ و عياره الموسيقي الرايوي المبدع، فقد كان مجدّدا ومعه اكتملت صورة الأغنية واتضح صدحها الرايوي في ليالي المدن وساحاتها، وفي النوادي و"البارات المغلقة" والكازينوهات وأعراس الأغنياء وعلية القوم في المدن الكبرى وفي قاعات الفنادق ذات النجوم المثقلة كانت تصدح، وتحت أضواء هذه الفضاءات المغرية جميعا كان ʺالراي" أغنيته حقا جريحة ومأساوية ومتمردة بحناجر من هدمهم هامش بالخيبات والشبقيات والإدمان، وأولئك الأغنياء الذين يستهويهم صرف المال على الغانيات للظفر بمقاطع شعر شبقي أوحركات ربما هؤلاء هم من أعلوا ʺالرايʺ كثيرا بما لا يعرف أحد؟. لقد كانʺ بلاوي الهواريʺ رجل "الراي" المستنير المحافظ، فلم تتلوث موهبته بفظاعات غنائية حقا جاءت صادمة ولا تطاق؟. عنده اكتمل الجهد الرايوي بآهاته وشعره الملحون ونمادج نجومه، إلى أن أغشته السبعينيات والثمانينيات التي أضافت مزجا للأغنية البدوية الأصيلة وتكنولوجيات الصناعات الموسيقية والتيارات الجديدة، والتي تمادت مبالغاتها في عصر التسعينيات الذي شهد انفجارا تجاريا كبيرا مع الأسماء، أمثال الملك خالد، والثنائي فضيلة وصحراوي، الشاب أنور، و"بلمو" صعودا إلى ملكا "الراي" العاطفي الشابين ʺحسنى ونصروʺ، وهنا يفتح قوس الصنوف الرايوية الأخرى كالعاطفي واللايف والعروبي والمهاجر، كلّها شكّلت مخيالا حزينا سنده "الراي" منذ القديم وأعلاه لليوم. وʺالرايʺ في موسيقاه بدأ شرقيا، فالمقامات الشرقية ʺكالنهاود والحجاز والكردʺ، لطالما سيّجت مقدمات أغانيه ʺالتسخبيرات،ʺ تلك المستدخل عليها الجيتار الكهربائي والأكورديون، فيما تجلت هذه العصرنة برمتها فيʺفرقة "راينا راي ʺ البلعباسية كأروع تجليات تلك الاستفادة التكنولوجية منذ منتصف السبعينيات. لقد ملك ʺالراي ʺ قلوب بادية الغرب وساحلها الوهراني، وبعد وقت ملك قلوب المغرب العربي الكبير كله، ليقفز إلى جادة الشمال الأوربي، أين ملك قلوبا هنالك، وممتدا إلى بقية قارات العالم، فلقد غُني بشتى لغات الدنيا، فالذي كان منبوذا في موطنه فتك مهرجانه الأول سنة 1985 بضغوطات رئاسية، وبرعاية الحزب الواحد، بأشد أعدائه، ويحسبه كثيرين مازال كذلك؟، لقد اشترك مع الإسلاموية الجزائرية في كره، فهما معا يعتبرانه خدش على جدار طهر الأغنية الجزائرية التي لا يفهمها أحد.