في إحدى حواراته رفض الروائي الجزائري الشهير ياسمينة خضراء أن توصف رواياته بالواقعية.. موضحا أنها ليست تجارب ولا مجرد سرد.. كلماته هذه أجدها غريبة عن مبدع بقامته.. لا أدري لماذا يتملص ويغضب من الواقع مع أنه ومهما أبدع المخيال يظل الواقع هو المعين الأساسي لأي عمل إبداعي، لا يوجد شيء من فراغ.. وما الإبداع إلا إعادة إنتاج الواقع بشكل آخر.. ليس عيبا أن يشتغل الروائي على مكونات ومعطيات الواقع، بل ليس عيبا حتى لو اعتمد عليه كليا واستغنى على المخيال والرمزية والماورائية.. ليس المهم أن يشتغل المبدع على الواقع بل المهم أن يعرف كيف يغزل من ذاك الواقع ما يشتهيه القارئ . مهمة المبدع أن يغوص في الواقع بأقصى ما لديه من قوة حلم وقوة تخييل ليستخرج منه لآلئ الإبداع.. ليكتشف مكنوناته وأسراره.. استخراج الساحر والمدهش والصادم هو ما يجب أن يشتغل عليه المبدع والفنان.. وما قيمة الرواية إن لم تجعل الواقع في خدمتها ؟ كبار الروائين :همنغواي أورهان باموق هيرتا ميللر، كامو، الطيب صالح، دستويفسكي، ماركيز وغيرهم ممن نهلوا من ينابيع الواقع ما كانت روائعهم لتصل إلى مرتبة الخلود لو لم تكن راسية على أرضية الواقع الحي.. مكان وجود القارئ هوما يهم القارئ.. مكان حياته وحيرته، مكان أسئلته وغموضه، أحلامه وأوهامه هو الذي يعنيه ويفعل في مصيره.. مهما بلغت ثقة الكاتب في مخياله سيجد دوما نفسه محاصرا بلحظة الواقع. كل المتعة تنتج في النهاية من تفاعل قوى الواقع مع قوى المخيال الرمزي وهذا ما يسمح للمبدع باكتشاف نفسه وتشعره بتحقيق التفوق . الواقع ليس الدليل على العجز ولا على ضحالة ملكة الخلق لدى الروائي .. ياسمينة خضراء نفسه ما كان ليجني ثمار نجاحه وتفوقه ولما صار أحد أعلام الرواية التي شرحت المجتمع العربي ''أحلام الذئب'' صنفت ضمن أفضل 10 روايات في العالم العربي'' لولا الإمدادات التي تحصل من الواقع ولولا العناصر التي استمدها من الكائن والملموس.. أسماء أدبية كبيرة عالمية تدعو اليوم إلى الرأفة بقارئ اليوم والكف عن إغراقه بالقضايا الكبرى وتكليفه بالمهام تلو المهام.. القارئ ما عادت تهمه كثيرا الرمزيات والرؤى الفلسفية والمساءلات بقدر ما تهمه نفسه، وبقدر ما يعنيه مصيره وحياته كبشر يطمح لبعض الأمان، والحصول على مفاهيم واقتراحات أخرى لجماليات العيش.