كرة القدم/نهائي كأس الجزائر-2025 (اتحاد الجزائر-شباب بلوزداد): طرح 20 ألف تذكرة للبيع يوم غد الاربعاء    عنابة: التأكيد على ضرورة مرافقة الشباب وتعزيز برامج الوقاية من آفة المخدرات    عيد الاستقلال : يوم السبت 5 يوليوعطلة مدفوعة الأجر    وزير الثقافة والفنون يشيد بنتائج دراسة هادفة لإنعاش الصناعة السينمائية الجزائرية    جرائم الاستعمار: الجزائر تؤيد كل المساعي المطالبة بالعدالة    الاتحادية الجزائرية تقرر تقليص الطاقة الاستيعابية لكل الملاعب بنسبة 25 بالمائة عن النسبة المعتادة    الرابطة الأولى موبيليس 2025-2026 : افتتاح الميركاتو الصيفي    طاقة و مناجم: عرقاب يتباحث مع السفير السعودي لدى الجزائر فرص التعاون و الاستثمار    قسنطينة: إعادة فتح مصالح مستشفى "محمد بوضياف" بالخروب بعد تأهيلها بالكامل    حوادث المرور: وفاة 37 شخصا وإصابة 1915 آخرين خلال أسبوع    المغرب: أحزاب وجمعيات تطالب بضرورة قطع كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني    خنشلة: الطبعة الثانية للمهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الشاوية من 6 إلى 9 يوليو    تأكيد أهمية التشاور للوصول إلى حلول ناجعة    الجريمة الإلكترونية تستنفر البرلمان    تدشين الواجهة البحرية الجديدة ليفلاز صلامندر بمستغانم    حملة وطنية للوقاية من حوادث المرور    غزّة تنزف حتّى الموت!    إيساكوم تندد بالخطوة الانتقامية للاحتلال المغربي    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    بورصة الجزائر: إدراج سندات قرض الشركة العربية للإيجار المالي بقيمة 3 مليار دج    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين إلى 228    المغير: استفادة التلاميذ النجباء من رحلة استجمامية إلى ولاية وهران    المهرجان الدولي للإنشاد بقسنطينة: الأصالة والتجديد في اختتام الطبعة ال11    الأمين العام للأمم المتحدة يعرب عن القلق إزاء أوامر إخلاء جديدة أصدرها الاحتلال شمال غزة    نتائج مُشرّفة لعسكر الجزائر    المشاريع المُصادَرة.. العودة؟    العرباوي يتحادث مع رئيسة حكومة تونس    عطّاف يستقبل غواريليا    هذا جديد الوفاق    غوتيريس وملك إسبانيا يحمّلان العرباوي نقل تحياتهما للرئيس تبون    خطوة هامة في مسار استرداد أموال الجزائريين    السيادة على ثرواتنا الطبيعية مبدأ مقدّس    النعامة.. تدشين وإطلاق عدة مشاريع تنموية    رفع قابلية توظيف متخرّجي التكوين المهني ب50 %    سفينة "الفينيزيلوس" تستأنف نشاطها    دورات تكوينية لمتصرفي الشواطئ بوهران    فتح المسبح الخارجي لمركّب "ميلود هدفي" أمام المواطنين    عرض عراقي خيالي لضم بغداد بونجاح    بن دبكة باق في السعودية.. والوجهة مزاملة سعيود في الحزم    ثلاث ميداليات للجزائر في المرحلة الثانية    "قطار الصيف" ينطلق نحو شواطئ سكيكدة    برنامج خاص بالعطلة الصيفية    "الغابة النظيفة" أولى ثمار تكوين مسرحي بالقليعة    المنافسة على "العنقود الذهبي" تنطلق    مرضى السكري أكثر عرضة لانسداد الشرايين    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    بللو يشرف على إطلاق برنامج "هي"    أورنوا : نظام توزيع المساعدات للفلسطينيين بقطاع غزة    تصعيد خطير يستهدف الطلبة الصحراويين    قضية الصحراء الغربية واحدة من أكبر المظالم    بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.. صوت الإسلام الأول    الدعاء وصال المحبين.. ومناجاة العاشقين    فتاوى : حكم تلف البضاعة أثناء الشحن والتعويض عليها    التاريخ الهجري.. هوية المسلمين    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    صناعة صيدلانية: تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الوزاري الافريقي المرتقب نوفمبر المقبل بالجزائر    يوم عاشوراء يوم السادس جويلية القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطاهر جاووت كما عرفته
مرايا
نشر في الخبر يوم 16 - 05 - 2013

تعرّفت على الطاهر جاووت في عز صيف تسعين. لاتزال تلك اللحظة السعيدة راسخة في ذاكرتي لا تنمحي. والغريب أني تعرّفت عليه في مستشفى بينام، وهناك كذلك حضرت لحظة رحيله التعيسة بعد أن تعرّض للاغتيال. إنه لشعور غريب أن تتعرّف على شخص، ويصلك نبأ رحيله في نفس المكان.
شاهدته وهو واقف إلى جانب سيدة عجوز بقسم الطب الداخلي بمستشفى بينام، حيث كان يسكن. السيدة هي أمه. كانت ترتدي لباسا قبائليا. كنت قريبا منهما، وبدا لي أننا بانتظار نفس الطبيب. تجرّأت، بعد طول تردّد، على التقرّب منه، فجرى التعارف بسهولة، ودار حديث قصير بيننا، وطلب مني زيارته بمكتبه بجريدة ''الجزائر الأحداث''.
كان جاووت، حينها، روائيا ذائع الصيت، شكل رفقة رشيد ميموني طليعة جيل ما بعد رشيد بوجدرة. لكن الاختلاف بينهما، من حيث الحساسية الأدبية، كان واضحا. وقد اعترف لي جاووت بذلك لاحقا، حيث قال لي ذات مرة خلال أحد لقاءاتنا: ''ميموني يفضل الكتابة السياسية التي تكاد تكون مباشرة، بينما أفضل شخصيا الاشتغال على اللغة والرمزية. أنا شاعر قبل كل شيء، وأظل دائما منجذبا لعوالمي الشعرية التي أحاول أن أجد لها مكانا في رواياتي. أرفض خيانة الشعر''.
أذكر أنني عدت إلى البيت سعيدا. بحثت في مكتبتي عن رواية ''ابتداع القفار''، فعدت إلى عوالم دولة الموحدين، وشخصية المهدي بن تومرت. عدت إلى الصحراء من مدن البرد، وإلى طريقة إعادة لمّ أشلاء الذاكرة المضطربة بواسطة الكتابة. وهذا بالضبط ما كان يعجبني عند جاووت: الكتابة كخلاص من التيه، وكوسيلة للانتقام من جبروت الزمن. لقد ارتسم هذا الموضوع لديه منذ روايته الأولى ''المستصفى''.
بعد بضعة أيام، قرّرت الذهاب إلى أسبوعية ''الجزائر الأحداث'' لزيارة صديقي الطاهر جاووت. استقبلني بسرور، وبتواضع كبير. نزلنا إلى الطابق الأسفل حيث كانت توجد ''كافيتيريا''، وجلسنا هناك. أذكر أنني حملت معي في محفظتي مقالا (كنت حينها أكتب بالفرنسية) حول نقد الأدب الإسلامي. وكان يروّج آنذاك في أوساط المثقفين المعرّبين ظاهرة ''أسلمة الأدب''، على شاكلة ''أسلمة البلديات'' التي كان ينادي بها أنصار التيار الإسلامي. قدمت المقال للطاهر، وقرأه في الحين. وبعد أن فرغ من القراءة، شرع في الحديث عن خطورة التطرّف، والسير نحو آفاق معتمة، ينعدم فيها ضوء العقل والحداثة.
أصبحت ألتقي بجاووت مرات عديدة في الأسبوع. كنت أنتظره في الصباح الباكر قرب مقر سكناه في بينام، ويقلني معه بسيارته ''بيجو ''309 البيضاء، ويتركني في وسط البلد عند النفق الجامعي. مرة، دار حديث بيننا عن الروائي الطاهر وطار. أذكر جيدا أنه نصحني بقراءة رواية ''الحوّات والقصر''، فهي أحسن أعمال وطار حسب اعتقاده. ثم حدثني عن الخلافات التي بدأت تبرز بينه وبين وطار. وحسب جاووت، فإن صاحب رواية ''الزلزال'' يكون قد أدرج اسمه (جاووت) ضمن قائمة أعضاء تحرير مجلة ''التبيين'' التي بدأت جمعية ''الجاحظية'' في إصدارها آنذاك، وقال: ''بعثت له كلمة هادئة، أخبرته بواسطتها أنه ليس بإمكانه إدراج اسمي في هيئة تحرير دون استشارتي. لكن اتضح، في ما بعد، أن وطار لم يستسغ موقفي''.
والحقيقة أن جاووت لم يتصرّف حيال هذه المسألة نظرا لموقف من المعرّبين ومن اللغة العربية، بدليل أنه كان عضوا في هيئة تحرير مجلة ''الرواية'' التي شرع صديقه جيلالي خلاص في إصدارها سنة .1989 وقد نشر فيها جاووت قراءة في إحدى روايات رابح بلعمري، وكتب النص القصير مباشرة باللغة العربية. وبإمكان جيلالي خلاص أن يشهد بأن جاووت كان قد شرع في تعلم الكتابة بالعربية، كما أن قربه من الوسط المعرّب لا يمكن نكرانه. وكان مقرّبا من جيلالي خلاص، ومن أحميدة العياشي، وآخرين. ورغم هذا، أعلن وطار الحرب على جاووت بعد اغتياله، فوضعه في خانة المعادين للعربية. وأشهد أن جاووت عرف كيف ينأى بنفسه عن مثل هذه الأفكار، واقترب بواسطة حسه الإنساني من مختلف الحساسيات الثقافية الجزائرية.
لم يكن جاووت يعرف التملق أبدا. مرة، اتصل بي بالجريدة عبر الهاتف، فقط كي يشكرني على مقال كتبته بعنوان ''الاحتراق الداخلي''، تناولت فيه مسألة التطاحن الثقافي الذي أصبح عبارة عن صورة مطابقة للتطاحن السياسي.
كان يسعد كطفل وديع لما يهتم أحد بأعماله. أجريت معه، مرة، حوارا مطولا (رفقة صديقي الصحفي شوقي آمين المقيم حاليا في باريس)، فخص له رئيس تحرير ''الخبر''، الراحل عمر أورتيلان، مكانة في الصفحة الأولى وبالصورة، فعبّر لي عن سعادته البالغة. لقد عرفته هكذا، إنسانا، أصيلا، وكريما.
هكذا، تعاودني صورة جاووت يوميا تقريبا. فزيادة عن كوننا أبناء الحي الواحد، وأبناء نفس المنطقة تقريبا في القبائل، فهو من قرية ''أولخو''، وأنا من ''آيت منديل'' على بعد مرمى حجر، يبقى ارتباطي بذكراه يشكل لحظة توافق فكري من حيث المبادئ، ومن حيث التزام المثقف بقضايا التاريخ والذاكرة التي أخذتها منه. لقد أخذت منه الهوس بالتاريخ والذاكرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.