المؤتمر الإفريقي للمؤسسات موعدا سنويا هاما للتعاون البيني    بلمهدي يشرف على اجتماع لمتابعة الرقمنة بقطاع الأوقاف    ثورة التحرير الجزائرية تشكل نموذجا ملهما لحركات التحرر    تباحثنا حول آفاق تعزيز التعاون بين الطرفين و تبادل الخبرات    سفارة النمسا في الجزائر توجه رسالة مؤثرة للجماهير الرياضية    سعيود.. الطرقات مازالت تأتي على الأخضر واليابس    إصابة 13 شخصا بجروح مختلفة بالمدية    خنشلة: حملة تحسيسية خلال الفترة الشتوية    المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!    مرحلة جديدة للقضاء في الجزائر    الرئيس تبّون يستقبل عدّة سفراء    منحة السفر تُصرف مرّة سنوياً    الفرقاني.. 9 سنوات من الغياب    المفتاح تمثّل الجزائر    ناصري وبوغالي يترحّمان    بومرداس تحتضن الندوة الوطنية الأولى للهندسة المدنية    التباحث حول إقامة مصنع ل"صيدال" بعمان    فتح باب الترشّح للاستفادة من سكنات "أفنبوس"    "حماس" تحذر من التفاف الاحتلال الصهيوني على بنود الاتفاق    الرئيس الصحراوي يؤكد مواصلة النضال دون هوادة    وزير المجاهدين يكرّم المجاهدة الرمز جميلة بوحيرد    وزارة العدل تنظم دورات تكوينية للإطارات والقضاة    مواجهة العراق نهائي قبل الأوان    مخطط استعجالي لإصلاح قطاع النقل والخدمات بعلي منجلي    جائزة جديدة لمازة في ألمانيا    أشبال بوقرة في طريق مفتوح للتأهل للربع النهائي    محطة متنقلة لمعالجة المياه الملوّثة بسكيكدة    تخصيص 10 هكتارات لتوسيع مقبرة الزفزاف    مبادرات تضامنية لحماية الأشخاص دون مأوى    الكتابة مرآة المجتمع وسؤال المرحلة    تسخير قوة الشباب لإحداث الفرق داخل المجتمعات    حدادي تشيد بالنجاح التنظيمي للجزائر    إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج    خبير سياسي: الجزائر قبلة الأحرار وداعمة قوية لحركات التحرر في العالم    أقرها رئيس الجمهورية.. إجراء عملية القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حج إضافية    بوقرة يحقق من الهداف ما لم يكن منتظرا (5-1)    ماراثون إيكولوجي للشباب    مرحلة الانتظار الثقيل    جوع قاتل في السودان    المعروض على العرب: انتحروا... أو نقتلكم    بيتكوفيتش: بإمكاننا بلوغ الدور الثاني    حضور جزائري في مهرجان القاهرة    صحافة الأرجنتين تُحذّر من الجزائر    صور من الحب والإيثار بين المهاجرين والأنصار    أفضل ما تدعو به لإزالة الألم والوجع وطلب الشفاء    الجزائر تصطدم ببطل العالم    الشرطة تحيي يوم ذوي الاحتياجات    حساني شريف : الوحدة الوطنية صمام أمان لصون الجزائر من جميع المناورات    مقديشو تجدّد دعمها الكامل لجهود الأمم المتحدة    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    "في ملاقاة أناييس".. رحلة البحث عن الأصول    المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها    قرعة الحجّ الثانية اليوم    وزارة الشؤون الدينية تشدّد الرقابة على الفتوى وتحمي المرجعية الدينية الوطنية    معسكر تحتضن الطبعة الأولى من ملتقى "الأمير عبد القادر" لعمداء ورواد الكشافة الإسلامية الجزائرية    أقلام واعدة : تظاهرة ثقافية أدبية موجهة للأطفال والشباب    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في عنوان "عاصفة الجن" للروائي خليل حشلاف
نشر في الخبر يوم 10 - 01 - 2014

تطل بنا رواية ”عاصفة الجن” الصادرة عن دار طوى اللبنانية سنة 2013 للروائي خليل حشلاف، على حلم ممزوج برغبة جارفة في التغيير، وتفتح أقواسا لفترة زمنية وجيزة، هي الإرهاص الأوّل لاتجاه أحداث التسعينيات، ولحظة انفجار هائلة تمخضت عن اعتمال الأشياء المتناقضة في الذات، وسط عالم تداعت أركانه وتداخلت طبقاته، كما تقترح علينا صياغة عالم جديد ضمن المتخيل والفضاء السردي.. عالم تتداخل فيه الأشياء لتبرز في خلق جديد قوامه حبّ من نوع آخر، وتسلط من نوع آخر، كما تكشف النزعة الريبية لدى الكاتب الذي يقابل بين مفهومي الحب والتسلط عبر تمثيل العلاقة (الحب والنفور) وعبر اقتراحين قوامهما أن تعدّد النساء في حياة البشر لا يجعله بالضرورة من ذوي القلوب الرحيمة، والواسعة للجميع، وأن تسلّط السلطة ليس هدفا بحدّ ذاته بقدر ما هو صراع بقاء. في عالمه ”عاصفة الجن” الذي يستوعب كل المتغيرات وكفضاء جديد مسكون بالالتباس يمنحنا مساحة ممتلئة بفعل التأويل.
إن انشغالنا يتمحور أساسا حول العنوان (عاصفة الجن) كوحدة نصّية دالة، لها سلطة اللغة، وسلطة الصدارة. ولأن الإحاطة بالبعد الذي يتّخذه العنوان تزيد من كفاءته في الاستجابة لفعاليات القراءة،‏ وتبين وظيفته الدلالية التي تتمثّل في التّدليل على المحتوى، بوصف العنوان هو ”البنية الرحمية للنص، التي تشكّل سلطته وواجهته لما تحمله من وظائف جمالية/ تأثيرية/ إغرائية/.. ”لأن القراءة الفاحصة للعنوان يُبنى عليها التوقع الذي يقود القارئ إلى الكشف عن مفاتن النص، ودلالاته الجمالية، وهي التي تقلّص المسافة بينه وبين المكتوب بالكشف عن علاقته مع مكونات المتن النصي. يقول الدكتور محمد صابر عبيد: ”إن العلاقة بين عتبة العنوان ومكوناته المتن النصي علاقة تضافرية توليدية لا يمكن ضبطها على وفق سياقات ممنهجة، لأنها إنما تخضع لحالة شعورية وذهنية وبنائية وتشكيلية تأخذ لدى المبدع صيغاً متنوعةً يجب أن تُقارب دائماً من خلال مجمل المكونات البنائية للنص”.
لذا فسنستهدف العنوان (عاصفة الجن) كوحدة للتحليل اللغوي دون إهمال العناصر السياقية. مع توظيف أدوات إجرائية تتلاءم مع تحليل عتبة العنوان. معتمدين في ذلك كعادتنا على اللغة كأساس لتفكيك اللفظ، وتبيان مراميه بوصف العنوان أقصى اقتصاد لغوي في النص الأدبي. وآخذين بقصدية الكاتب لافتراضنا سلفا أنه قد شيد العنوان في لحظة واعية.
يقول الكاتب عن روايته ”إنها تفتح أقواسا لفترة زمنية وجيزة هي الإرهاص الأول لاتجاه أحداث التسعينيات إلى العشرية السوداء”، وهذا كفيل بأن ينير لنا جانبا من القصدية، لأننا نضع في الحسبان أنّ ”مقاصدَ المتكلم مؤشراتٌ حاسمةٌ في عملية التأويل، وإلغاءَها إلغاءٌ لجزء معتبر من معمار المعنى النصي إن لم يكن إعداما مطلقا”، وهذا الجزء من المعمار يخضع ”لحالة شعورية وذهنية وبنائية وتشكيلية تأخذ لدى المبدع صيغاً متنوعةً يجب أن تُقارب دائماً من خلال مجمل المكونات البنائية للنص”.
وإذا كان ”وراء كل كتابة محترمة فلسفة وتخطيط” وهو ما يبيح لنا محاولة تفكيك العنوان كوحدة نصية متضمنة في النص، لا تخرج عن إطار هيكلة المتن، وتنعكس على البنية الدلالية العامة في المتن عموماً.
تفكيك بنية العتبة الأولى
باعتمادنا على الجملة (العنوان) كآلية التعيين والتحديد والتصوير، فإنه يمكننا أخذ فكرة حول النص، فتثيرنا إغرائية العنوان التي تكمن بدايةً في الجمع بين (العاصفة والجن)، فالعلاقة بين الجن والعاصفة علاقة مخلوق (جنس) مستتر بظاهرة مرئية، والجمع بالطبيعي بما وراء الطبيعة من جهة، وبالمرئي بغير المرئي من جهة أخرى. يولّد رغبة لدى القارئ للدخول إلى النص والإبحار في محيطه الفني، واقتحامه برؤية مسبقة قوامها هذا التوليف، فالكلمات كائنات تحمل إلينا المعارف كما تحمل تحولات عميقة، وبقايا من اعتقاد الإنسان ومن خوفه من المجهول والمستتر.
فالكلمة الأولى (عاصفة) تحيلنا إلى الطبيعة والغضب، وإلى قيمة سلبية.. كما تحيلنا إلى المكان، فهي لا تحدث إلا في مكان جغرافي طبيعي، والثانية (الجن) مخلوق مخيف نجهل شكله وظاهره، يحيلنا إلى عالم آخر، ويمثل كذلك قيمة سلبية، والمعنى الكلي للفظتين يحيلنا إلى الخروج عن المألوف ما قد يولّد الإثارة والدهشة لدى متلقي النص.
عاصفة الجن جملة اسمية، تثير ارتباكا في المعنى نظرا لبنية الإسناد النحوي، فمن جهة يمكن التعويل على الابتداء في مقابل الإخبار المضمر، وهنا يتّسع المعنى بتوقّع جملٍ أخرى من قبيل: قادمة.. فاتت.. مرعبة.. الخ.. ومن جهة أخرى يمكن التعويل على الإخبار، فيصبح الإسناد متكئا على المحذوف القبلي، والذي يفتح التأويل على الضمير، أو الفعل الغائب لاستواء القصد كأن نتوقع: هذه عاصفة.. أو حلت عاصفة الجن.. وفي هذا وذاك ينفتح المعنى على أكثر من قصد، وإن كانت الجملة الاسمية تحيلنا إلى الثبات، فإنّ السياق يفيد أن العاصفة تتنافى مع الهدوء، فالهدوء يسبقها أو يليها، والجن مخلوق لا يثبت على هيئة، والجملة ابتدائية تتكون من (عاصفة) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه و(الجن) مضاف إليه والمجموع وحدة نصية ذات سمك دلالي قوي يحيلنا إلى شساعة لا متناهية بفعل التأويل.
أمّا لفظة عاصفة فتعني ثورة وهياج واضطراب يحدث في البحر أو البر وجمعها عاصفات وعواصف وهي صيغة المؤنَّث لفاعل عصَفَ. وتؤججها الرياح أو تنسب إليها جاء في القرآن الكريم ”وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ” الآية 81 من سورة الأنبياء، والعاصفة تحيل إلى الثورة، وإلى عدم الاستقرار والاضطراب المؤدي إلى الخوف والتدمير، كما تطلق على كل هيجان مادي، أو معنوي ويحدّد معناها الدقيق ما تضاف إليه (كعاصفة شمسية وعاصفة ثلجية وعاصفة الجنّ وعاصفة حبّ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.