إلى مدى ديمقراطية التعليم حق متأصل!.. ؟    الوزير الأول, سيفي غريب يترأس اجتماعا هاما للحكومة    ضرورة إيداع طلبات منح التقاعد عن بُعد مطلع 2026    تجاوز قيمة الصادرات 4 مليارات دولار خلال الأشهر 10 الأخيرة    100 ألف بطال استغلتهم الوكالات السياحية    حادث مرور خطير نتيجة لاصطدام عنيف ببريكة    الوزير الأول يستلم رسالة الرئيس التشادي للرئيس تبون    الكيان الصهيوني يستفيد من نظام عالمي لا يعترف إلا بالقوة    كرة القدم / الرابطة الثانية /الجولة ال13 : مواجهات حاسمة على مستوى الصدارة وتنافس كبير في ذيل الترتيب    شبيبة القبائل توقع عقد شراكة مع مستثمر جديد    كأس الجزائر المدرسية:المرحلة النهائية ستتواصل إلى غاية يوم السبت    18 مركز امتياز في الصناعات الاستراتيجية    لا تراجع عن صرف منحة السفر    الجزائر تؤكد دعمها للصومال وجهود إحلال السلام    دعوة ملحة لإعادة إعمار غزّة    "أنسريف" تطمئن بشأن خط السكة لمشروع غارا جبيلات    تحسين الإطار المعيشي بخطى مدروسة    مصادرة حلويات فاسدة    ملتقى دولي طبي جراحي يومي 20 و21 ديسمبر    توقيع اتفاقية شراكة مع اتحاد إذاعات الدول العربية    محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإسلام    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    إنه العلي ..عالم الغيب والشهادة    تعزيز التعاون الجزائري–الإيطالي في مجال التكوين العملياتي للحماية المدنية    لقاء وطني لتعزيز الصناعات الإبداعية الرقمية وتأهيل كفاءات الشباب    الاحتلال ارتكب 813 خرقا لسريان اتفاق وقف النار : قصف إسرائيلي متفرق وتوغل محدود شرق دير البلح    اليوم العالمي لمناهضة الاحتلال:دعوة بباريس لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    فنزويلا ترفض تهديدات ترامب وتؤكد سيادتها على ثرواتها    انطلاق الطبعة الأولى للمهرجان الثقافي الدولي لموسيقى الجنوب بتمنراست    تفكيك 32 شبكة إجرامية في النصب الإلكتروني وتوقيف 197 متورطًا    واقعية ترامب    تاشريفت يبرز الدور المحوري للمجاهد بن بلة    كوريا: الجزائر شريك استراتيجي    كيفيات جديدة للتسديد بالدينار    شبكات إجرامية تستهدف الأطفال    الخضر يشرعون في التحضيرات    من يحرس مرمى الخضر ؟    مؤهلات معتبرة تجعل الأغواط قطبا اقتصاديا واعدا    دور محوري للجامعات الحدودية الجزائرية والتونسية    قرار أممي لفائدة فلسطين    لا تساقط ولا تقادم للجرائم الماسة بكرامة الشعوب    تعزيز دور البحث العلمي والابتكار كقاطرة للتنمية    منصة لاكتشاف تجارب سينمائية شابة    "رُقْية" يدخل قاعات السينما ابتداء من 22 ديسمبر    بودربلة في مهمة تعبيد الطريق نحو أولمبياد ميلانو    العناصر الوطنية في تربص إعدادي ببجاية    كأس إفريقيا فرصة إيلان قبال للانتقال إلى نادٍ كبير    اتفاقية شراكة بين قناة "AL24News" واتحاد إذاعات الدول العربية لتعزيز التعاون الإعلامي    الجزائر تفوز بمنصب مدير المركز العربي لتبادل الأخبار والبرامج لاتحاد إذاعات الدول العربية    هل هناك جريدة كبيرة عندنا..؟!    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    تتويج صرخة صمت    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"النظام يسير بمنطق أنا وبعدي الطوفان"
نشر في الخبر يوم 25 - 02 - 2019

يرى محرز بويش أستاذ الفلسفة السياسية، بأن الجزائر تعيش مرحلة مفتوحة على كل التكهنات، بما فيه سيناريو توقيف المسار الانتخابي أو سحب ترشيح الرئيس، خاصة في ظل تعاظم الحراك الشعبي السلمي.
ما هو تقديرك للحراك الشعبي الذي تعيشه البلاد حاليا؟
أن ما يحدث حاليا من حراك شعبي سلمي مناهض للعهدة الخامسة، ورفض منطق النظام السياسي، كما شهدناه في العديد من مناطق الوطن، هو تعبير طبيعي، نتيجة منطقية للسياسات القمعية للنظام السياسي، ولفرضه منطق المرور بالقوة. لحظة تاريخية لوعي الشعب. فالنظام السياسي لم يبال بتاتا بالشعور النفسي الجمعي للجزائريات والجزائريين. إن تغلغل الشعور بالذل، وانتهاك الكرامة..الخ، جعل الوعي والغضب الشعبي ينتشر بسرعة. المسألة تعدت من أن تكون سياسية، بل أصبحت وجودية ونفسية، ومتعلقة بالكرامة الإنسانية. الشعب طاقة خام يمكنها أن تكبر مع الوقت لتحقيق التغيير. وفي ظل الثالوث المتكون من: القوة الاستبدادية، الأوليغارشية السياسية، والعُصب المدمرة للاقتصاد، من دون أي شك، المرحلة التي تعيشها الجزائر هي مرحلة حساسة وخطيرة جدا، وبالتالي فهي مرحلة مفتوحة على كل التكهنات، بما فيه سيناريو توقيف المسار الانتخابي أو سحب ترشيح الرئيس، خاصة في ظل تعاظم الحراك الشعبي السلمي. مرحلة خطيرة لأن الدولة اُختزلت في منطق أهواء وصراعات عصب السلطة حول السلطة. اليوم نلاحظ بأن النظام السياسي متعنت يعمل وباستخدام كل الطرق، بما فيها القمعية، على بسط ورقة الطريق التي تبناها سابقا، التي تسمح باستمراره، وتوزيع مراكز القرار بين العصب المتناحرة المكونة له. فمنطق النظام مبني على مبدأ: أنا وبعدي الطوفأن.
لماذا في اعتقادك أصر بوتفليقة ومحيطه على العهدة الخامسة رغم احتمالات رفضها شعبيا؟
شخصيا، لم أتفاجأ أبدا من ترشح الرئيس بل تفاجأت ممن تفاجأ من ترشحه. لم أتفاجأ وذلك لسببين رئيسيين، الأول مُتعلق أساسا بطبيعة النظام السياسي الجزائر المُنبني أساسا على جوهر شمولي، وذلك منذ تأسيسه الفعلي مع بدايات الاستقلال. فالجوهر الشمولي الذي ما يزال يُحدد طبيعة وتوجهات النظام السياسي نفسه إلى يومنا هذا، يجعلنا نتأكد بأنه من الصعب أن يتنازل على السلطة بالبساطة التي يراها العديد من السياسيين والمحللين. لقد عمل النظام السياسي الجزائري، الذي يعيش جيله الثالث، منذ الاستقلال الحفاظ على السلطة، وذلك من خلال مقاربة جد دقيقة وهي إعادة إنتاج نفسه من خلال إعادة أإنتاج الشروط التاريخية التي أعطت ميلاده، ومن بين هذه الشروط نجد : الشمولية، الشرعية التاريخية، الأبوية، المركزية، الجوهر العسكري للنظام السياسي، الارتكاز على الريع البترولي، استخدام العنف والمؤسسات الأمنية،السيطرة على عملية التشريع ووضع القوانين، منع الظهور الطبيعي للسلطة المضادة وللمعارضة السياسية الحقيقية وللمجتمع المدني وللمتعاملين الاقتصاديين الأحرار، التخويف من العدو الداخلي والخارجي، عدم احترام حقوق الإنسان، الرشوة، الجهوية، البيروقراطية، تحريك الحساسيات ونظرية المؤامرة...الخ، أما السبب الثاني فهو متعلق أساسا بالتركيبة التي تُشكل التحالف الرئاسي الذي فرض ترشح الرئيس، ففي ظل اشتداد الصراع الدائر بين عٌصًبٌ السلطة، التركيبة المتعددة المكونات لديها مصالح عديدة وجد حساسة، وهي تعرف جيدا بأن بقائها ودوام مصالحها مرتبط أساسا ببقاء واستمرار الرئيس في الحكم. إن ترشيح بوتفليقية هو تحصيل حاصل لوضعية سياسية معقدة ومركبة. هذا ”ترشيح المرور بالقوة” يُمثل مشروع انتحار جماعي. سيقضي تماما على الأمل الذي طالما راود الشعب الجزائري في تغيير ديمقراطي سلمي.
ما هو تحليلك لمضمون رسالة بوتفليقة في الترشح؟
أعتقد بأن الرسالة التي قرأت باسم الرئيس تعكس الحالة التي توجد عليها السلطة السياسية بشكلها العام، فهي تُمثل من جهة أولى محاولة إعادة تفعيل الأساليب الخطابية القديمة التي ترتكز أساسا على دغدغة مشاعر وشعور الجزائريات والجزائريين من أجل تفهم ترشح الرئيس، ومنه استمراره في الحكم لعهدة خامسة، على الرغم من مرضه الذي يٌعيق القيام بمهامه ونشاطاته الدستورية. فالشعب الجزائري يٌدرك جيدا الحالة الصحية للرئيس، وبالتالي واع بالنتائج المنجزة من هذه الحالة. فالمخيال الاجتماعي يحمل في جوهره رمزيات عاطفية. فمخاطبة الضمير الجمعي العاطفي للشعب وتذكيره بالمرحلة الدموية التي عاشتها الجزائر في التسعينات، والتركيز على مكاسب المصالحة الوطنية هي وسيلة من الوسائل التي استعملت في الرسالة من أجل تبرير الترشح ومنه استدراج الرأي العام. من جهة ثانية الرسالة التي تُعتبر برسالة التعبير عن ”إرادة الترشح”، هي في حقيقة الأمر ورقة طريق. على اعتبار أنها فسرت أكثر الورشات الكبرى (الندوة الوطنية الشاملة، تغيير أو تعديل الدستور، القيام بإصلاحات عميقة...الخ) التي من أجلها حُسِمَ مبدأ الاستمرارية في الحكم. ومن جهة ثالثة الرسالة موجهة أيضا إلى العصب المكونة للنظام، التي ترفض ترشح الرئيس لعهدة خامسة، كما تقول به بعض الأطراف والصحف، فسواء كتبرير لأسباب الترشح أو كتطمين للعصب بعدم المساس بمصالحها ومنطق تفكيرها ووجودها. ومن جهة رابعة نجد بأن السلطة الحاكمة، بما فيها حاشية الرئيس، تريد إعطاء وَهمُ بأن العهدة الخامسة ستكون مرحلة انتقالية سلسة، ومنه التحضير لمرحلة ما بعد البوتفليقية. أن رسالة الترشح جعلت من الجزائريين يتساءلون حول مسألة لماذا لم تجر جل الإصلاحات التي دعا إليها الرئيس في الرسالة في خضم العهدة الرابعة، هذه الأخيرة هي ”مرحلة سياسية بيضاء وصماء”.
ما هو الموقف الأنسب بالنسبة لبقية المترشحين بعد ترشح بوتفليقة.. هل بإكمال السباق أو الأنسحاب؟
أعتقد أن الإجابة عن سؤالك ينبني أساسا على الإجابات الفعلية لسؤالين مهمين. السؤال الأول يتمثل في: هل الظروف الحالية (السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والاقتصادية...الخ) التي تعيشها الجزائر تسمح بتنظيم انتخابات شفافة، حرة ونزيهة ؟ أما السؤال الثاني فهو: ما هي الرهانات الجوهرية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 18 أفريل المقبل؟ فالإجابات الدقيقة لهذين السؤالين يحددان بالضرورة المواقف السياسية. إن الانتخابات بصفة عامة والانتخابات الرئاسية بصفة خاصة في أي بلد، أي كانت طبيعة نظامه السياسي، وتركيبته الاجتماعية، ليست غاية في حد ذاتها، ولا وسيلة تقنية، بل سيرورة تاريخية للممارسة الديمقرطية، وللحريات، ولمبدأ التداول على السلطة بطريقة سلمية...الخ. إن الجو العام الذي تعيشه الجزائر، يجعلني أقول بأن الانتخابات في الجزائر لا تعدو أن تكون عبارة عن ”تقنية سياسية” لاستمرار النظام نفسه، وحل من الحلول التي تُعيد السلطة إنتاج نفسها..
لماذا فشلت المعارضة في الوصول إلى موقف موحد في الرئاسيات؟
سؤالك جد مهم، لكن من الصعب الإتيان بإجابة دقيقة هنا، لأن الأمر يحتاج إلى دراسة عميقة جدا. من الواضح اليوم أن المعارضة السياسية في الجزائر تعاني من العديد من الأزمات والنقائص، وضعيتها ما هي سوى نتيجة من نتائج تسلط النظام، ومن وضع سياسي فرضته جل السياسات التي اتبعتها السلطة، وهو وضع سياسي غير متحرك.
العديد من البديهيات المتعلقة بالمعارضة في الجزائر يكون اتخاذها بعين الاعتبار أكثر من مهم لبناء مقاربة دقيقة، البديهية الأولى هي أن المعارضة الجزائرية لا تُمارس نشاطاتها في السويد، أو في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في ألمانيا، بل في جو يتسم بالشمولية، جو تنقصه الحريات الديمقراطية. البديهية الثانية تنبني على أساس أن النظام السياسي في الجزائر عمل كل شيء من أجل عدم بروز معارضة قوية تمثل السلطة المضادة. البديهية الثالثة هي أن المعارضة في الجزائر هي ضحية مشاكلها التنظيمية وجمود خطابها السياسي. البديهية الرابعة هي أنه توجد في الجزائر معارضات وليس معارضة واحدة ومتكاملة، تختلف إيديولوجيا وتنظيميا، تتناقض في الآليات العملية وفي الغايات. ففي الجزائر توجد أربع معارضات. الأولى معارضة مُهيكلة داخل النظام تنتقد برامج ومشاريع بعض الوزارات والمديريات، وهي معارضة شكلية ووهمية. المعارضة الثانية هي المعارضة الديمقراطية الراديكالية التي تسعى إلى تغيير النظام كلية وفرض القطيعة بطريقة سلمية، ومنه إرساء معالم الجمهورية الثانية. المعارضة الثالثة هي معارضة تسعى إلى تبديل أسلوب الحكم وفرض التغيير من داخل النظام وبالتعامل مع أطراف السلطة نفسهم، كما نجده في تصور بعض الأحزاب الإسلامية. أما المعارضة الرابعة فهي تتكون من شخصيات وطنية سياسية وفكرية...الخ، تحاول بناء تصورات حول تشييد معالم القطيعة مع نمط الحكم في الجزائر. اليوم وأكثر من الماضي، مُلزم على المعارضة السياسية الجزائرية بكل أقطابها، أن تقوم بمراجعة وانتقاد نفسها، وتفكيك خطاباتها وممارساتها التنظيمية والسياسية، وتقييم تجاربها السابقة من أجل فهم وإدراك أسباب الفشل في بناء سلطة مضادة، وعدم قدرتها إدخال مشروع ”التغيير السلمي” في الساحة السياسية الوطنية. بكلمة واحدة المعارضة يجب أن تخرج من التكتيكي لبناء الإستراتيجي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.