لاتزال العديد من العائلات تشد الرحال إلى وادي حمام ملوان جنوب شرق ولاية البليدة، للاستجمام والسباحة، والاستمتاع بمناظر المنطقة الغابية والجبال التي يقع بسفحها الوادي ذي المياه الصافية الرقراقة التي لا تنضب، والتي تجلب بدفئها وخريرها العديد من العائلات، خاصة الأطفال الذين يفضلون الماء العذب، ويجدون ضالتهم في ممارسة صيد الأسماك به، حسبما لاحظنا في زيارتنا للمكان، الذي وجدناه يعج بالسياح وينبض بالحياة. لم تصبح الشطآن وحدها تستهوي الزوار، ولم تبق مياه البحر المالحة ونسماته وأمواجه الوحيدة التي تسحر الوافدين عليها، لأن هناك مَن يريد التمتع بأكثر من شيء، بالجمع بين جمال الطبيعة والخُضرة والمياه المتدفقة والهدوء، وملاذ الفارين من لفح الصيف وروتين الحياة، حسبما ذكر لنا بعض مرتادي المكان، حيث قال أحدهم اصطحب زوجته وأبناءه الأربعة، أنه يفضل وادي حمام ملوان على الشاطئ، لأنه مكان للعائلات المحافِظة الباحثة عن الحرمة والسترة، والرافضة للتبرج والعري. وأكد أنه صار منذ سنوات يرتاد المكان كلما كان في عطلة، مثمّنا دور السلطات العمومية التي تدخلت لتنظيم هذا المرفق وضبط نشاطه بعدما كاد ينحرف ويصبح مرتعا للرذيلة، يقول محدثنا، مشيرا في هذا السياق إلى أن إزالة الغرف والأكواخ والخيم التي نصّبها مستغلو الوادي وتعويضها بشمسيات وطاولات وكراسي، حافظت على عذرية المكان ونقاوته، لكن المصدر لم ينف أن بعض "الأزواج" لايزالون يحاولون تلويث الأجواء بتصرفاتهم المخلة بالحياء، وهو ما وقفت عليه "المساء" بالوادي، حيث اضطر مؤجّر تجهيزات الاصطياف وبعض أرباب العائلات، لطرد شابين اصطحبا معهما فتاتين ونصبا خيمة قبالة العائلات الحاضرة بالمكان، مما كاد أن يحدث فتنة وشجارا لا يُحمد عقابه. الأمن مطلوب لفرض الاحترام.. قال لنا مؤجّر التجهيزات إن مثل هذه المحاولات يتكرر باستمرار، مما يستوجب تأمين المنطقة عن طريق دوريات للدرك الوطني، قصد التدخل وقت الحاجة، خاصة عند تسجيل اعتداءات أو تصرفات مشبوهة. ويؤكد محدثنا أن حضور أعوان الدرك ضروري مادامت السلطات العمومية نظمت عملية استغلال ضفاف الوادي، وجعلته مصدر رزق لمستغليه، ومساهما في جباية البلدية، تماما مثلما يوجد بالشواطئ التي تضمن لها الدولة توفير الأمن من الشرطة والدرك الوطنيين. من جانب آخر، دعا محدثنا العائلات إلى التحلي بالوعي والمساهمة في استتباب الأمن وضمان الحرمة والهدوء. وفي هذا الشأن أكد المصدر ضرورة استغلال الرقم الأخضر 1055 للاتصال بالدرك، والمساهمة في التبليغ عن كل ما يخل براحة وأمن رواد المكان. شمسيات وطاولات بدل الخيمات "المشبوهة" كما لاحظنا بعين المكان أن مستغلي ضفاف الوادي استجابوا للسلطات العمومية من أجل إزالة عشرات الغرف والخيمات والمَخادع التي كانت منصبة على طول الوادي لتأجيرها للوافدين، لكن هذه الأخيرة تحولت إلى بيوت للدعارة وممارسة الرذيلة، مما نفر العائلات وجعل مصالح الأمن تتدخل لضمان حرمة المكان. وقد استبدل مستغلو الوادي ذلك بتوفير طاولات وكراسي وشمسيات بشكل مفتوح لا يخفي شيئا، ولم تبق من آثار تلك الخيمات حسبما شاهدنا إلا الهياكل المعدنية. ويذكر أحد المستغلين أن المنحرفين عديمي الضمائر حرموا العائلات من التمتع أكثر بهذا المرفق الاستجمامي الهام، مفيدا بأن الخيمات والغرف المشيّدة بالقصب كانت تعرف إقبالا منقطع النظير، حيث تمكن العائلات خاصة النسوة، من الاستتار واتقاء أشعة الشمس، ومساعدتها في تبديل الملابس، والخلود إلى النوم، في جو هادئ لا تسمع خلاله إلا أزيز صراصير أشجار الصنوبر التي لا تنقطع، وقهقهات الأطفال وهم يلعبون ويمرحون ويقفزون داخل مسار الوادي. باعة متجولون يعرضون لذيذ المأكولات المحلية عندما تصل إلى مدينة حمام ملوان ذات المحيط العمراني البسيط، والمغروسة بين جبال شامخة تكسوها أشجار الصنوبر والبلوط في فج يطل على الوادي، يعترض طريقك أطفال من الجنسين يعرضون عليك ما لذّ من البيض المغلى و«المحاجب" والجبن المحلي والتين العادي والشوكي، ويحملون أرغفة خبز "المطلوع" المطهو في أفران الطين التقليدية، وتنتشر بالمدينة محلات بيع اللبن والمخّاضات الآلية التي تدور بدون انقطاع، كما لا تخلو ضفاف الوادي من الباعة المتجولين، حيث يقوم العديد من الأطفال المترجّلين بحمل "البينيي" والشاي والفول السوداني إلى العائلات المصطافة التي لا تتردد في اقتنائها رغم أن معظمهم يجلبون طعامهمم معهم. صناعات تقليدية تضفي نكهة على المنطقة وتشتهر مدينة حمام ملوان ببيع مختلف التحف والمصنوعات التقليدية، خاصة أداة "الدربوكة" الموسيقية المصنوعة من الطين، والتي يتفنن مصنعوها في تزيينها بأبهى الألوان، وعرض أوان فخارية أخرى تستهوي الزوار. ذكر لنا أحد التجار أن أغلب المنتجات التقليدية يتم جلبها من حرفيي المناطق الأخرى، خاصة السلال المصنوعة من الألياف النباتية، التي يتم جلبها من القليعة، والأواني الفخارية التي تأتي من البويرة، تيزي وزوز وبجاية، وبعضها من البليدة، وأن الصناعات المحلية تكاد تكون منعدمة إذا استثنينا بعض الجِفان والطَوَاجِن البسيطة، التي يساهم في صناعتها أهل المنطقة، ويجلبون أخرى من الولاية المجاورة المدية. المكان بحاجة إلى تثمين إن ما يستخلصه زائر هذا المكان الساحر أن الطبيعة العذراء الموجودة بحمام ملوان لاتزال بدون استغلال يليق بحجمها، خاصة أمام مشاريع شق الطريق وتوسيعه، لاسيما النفق الكبير الذي تقوم بإنجازه شركة كوسيدار لتفادي اجتياز الوادي عبر جسر ضيق لا يفي بالغرض المطلوب، وأنه يتطلب تثمين المنطقة وإدماجها ضمن المواقع السياحية التي يجب دعم من يستغلونها الاستغلال الحسن، لتوفير الراحة للمواطنين وتوفير اليد العاملة وزيادة جباية البلدية.