صدرت عن منشورات "ميل فاي"، مجموعة قصصية لسعيد مقداد تحت عنوان"القصبة، اكتب اسمك" بديباجة للروائي مرزاق بقطاش ورسومات الفنان رمضان قاصر.قال سعيد مقداد في كلمة كتبها في مقدمة كتابه أن جميع قصص"القصبة، أكتب اسمك" مستمدة من الواقع مع تغيير في الأسماء وبعض الأحداث حفاظا على خصوصيات الشخصيات، مضيفا أن القصبة مدينته الخلابة استطاعت بأولادها الشجعان أن تتحدى الاستعمار الفرنسي بالرغم من الحاجة والفقر. مقداد أكد في السياق ذاته، أن القصبة أنجبت الكثير من الأبرار الذين لبوا النداء وحملوا السلاح سواء المباشر أو الفني منه لنصرة البلاد من الاستعمار الغاشم أمثال سعدي ياسف، سليمان قيتام، عبد الحميد قادري والحاج العنقاء. من جهته تناول الروائي مرزاق بقطاش في مقدمة المجموعة جاذبية وسحر القصبة اللذين جعلا منها مدينة لا تشبهها مدينة أخرى بعمرانها وشخوصها وتاريخها، مشجعا توجه صديقه مقبل في الكتابة في انتظار تحويل بعض هذه القصص إلى روايات. بالمقابل تضمن الكتاب ثماني قصص من بينها قصة تحت عنوان"حب بريئ في شارع صوفونيسب" وتحكي كيف كافح عمر لأجل حبيبته فاطمة الزهراء إلى درجة مواجهته وجها لوجه لأرزقي القوي وأمام أنظار أولاد الحي بما فيهم أخوة فاطمة الزهراء. لقد كانت حقا مواجهة حياة أو موت فالفائز فيها يطير بيد الحبيبة وإن كان قلبها قد أسر من قبل من طرف عمر، وبدأت المعركة وشدت أنفاس المتفرجين ما بين أنصار عمر وأنصار أرزقي لتكون النتيجة لصالح المحب وينتصر الحب ويتزوج عمر بحبيبة القلب فاطمة الزهراء ويقص لأبنائه بعد عشرين سنة وبكل حياء كيف انتصر على غريمه وحقق أغلى أمنية في حياته "العيش بين أحضان الحبيبة". قصة أخرى "عدالة سريعة ومستعجلة في حي زواف"، تناول فيها المؤلف قصة طفل فقير يشحذ مع والده الأعمى، يتعرض إلى السرقة من طرف "موح تيك"، ويشعر بالكثير من الأسى وحتى اليأس أمام ظلم الناس الذين لا يشعرون بألم الفقراء المحتاجين ولكن عدالة السماء لا يخفى عليها شيء، إذ يتعرض موح تيك إلى القتل من طرف غريمين وتنتهي حياة موح فهل ستنتهي معها أحزان الطفل وأبيه؟. قصة أخرى "صراخ ودموع وابتسامات في حي التيقر(النمر)" تحكي عن عائلة من القصبة تعاني الأمرّين بفعل سجن ابنها الذي قتل قاتل أخيه علاوة على المعيشة الصعبة التي تتخبط فيها مثل معظم عائلات القصبة، والبداية بفطومة الأم التي تأخذ ابنها الصغير إلى الكتاب ومن ثم تعود إلى المنزل لتجد زوجها متمعنا في مجلات الرسوم تاركا محله على حاله وهنا تنفجر فطومة غضبا وتصرخ في وجه زوجها الذي يهتم بالرسوم وينسى عمله علاوة على المشاكل الناتجة من أبنائها الصعاليك وفجأة يدخل عليهما ابنهم البكر علي الذي دخل السجن بعد أن قتل قاتل أخيه ويغشى على فطومة بينما يقف الوالد بوجمعة أمام ابنه ويطلب منه بصرامة أن يسير في الخط الصحيح وأن يبتعد عن الطريق السيئ فهل سيتبع علي نصائح والده بوجمعة؟ وكيف سيكون مستقبل علي؟ "الربح الكبير لعشة كناس غجري بحي مارمول" تحكي قصة الطفل سعيد الذي توفيت والدته وهو لا يتجاوز عمره أربع سنوات ويتزوج والده من امرأة أخرى ولحسن حظه تكون نعم الأم له ولإخوته وذات يوم تقص عليهم قصة "المعكرة" المعروفة بالقصبة وتدور القصة حول أختين واحدة في قمة الأخلاق والسيرة الحسنة والثانية سيرتها على كل لسان، وذات يوم تقصد جارتهما الحامل بيتهما وتطلب منهما حاجة وتعود أدراجها وبعدها ترجع من جديد في طلب حاجة أخرى وتدرك الأخت صاحبة السيرة السيئة أن الجارة تريد أكل شيء من طبق "البوزلوف" الذي حضرته الأختان فتقرر أن تعطي لها الطبق ولكن بشرط تقول أختها صاحبة السيرة الحسنة، والشرط هو أن تتخلى الأخت السيئة عن حقها في البيت لأختها ويقبل الشرط ويقدم الطبق للمرأة الحامل فهل توفي الأخت صاحبة السيرة السيئة بوعدها؟وكيف سيكون جزاء هذه المرأة أمام الله الذي لا تخفى عليه خافية؟ قصة أخرى "محن منحرفون صغار في حي ليبيراميد(الأهرام)" تحكي قصة أربعة أصدقاء يقضون أيامهم في التجول في أحياء القصبة من بينهم علي وأحمد ورشيد وعمر هذا الأخير كتب في يوم من الأيام في سبورة القسم الذي يدرس فيه أن الجزائر بلد حر وأن فرنسا استعمرته وبفعل ما كتبه طرد من مقاعد الدراسة رغم نجابته وماذا عن بابو شخصية أخرى والذي تحول إلى مجاهد ومن ثم إلى شهيد؟. لقد زج سعيد مقداد في حكاياته الثمانية الكثير من نكهة القصبة فتناول أزقتها والكثير من تقاليد سكانها في الفترة الممتدة من الحرب العالمية الثانية إلى الستينات، بلغة محلية عاصمية ممزوجة بالفرنسية، مضيفا إلى عمله هذا لوحات فنية عن القصبة دائما وطبعا بريشة الفنان رمضان قاصر. وقد تطرق الكاتب في مجموعته القصصية إلى جانب مهم من حياة القصبة ألا وهو الجانب النضالي لأولاد القصبة الذين عاشوا الحرمان وكانوا مجرد أطفال ومراهقين اتبع الكثير منهم طريقا غير حسن ولكن غالبيتهم سلكوا طريق الكفاح حينما سمعوا أول رصاصة في الفاتح نوفمبر من سنة 1954. مدينة القصبة عروس المجموعة القصصية لمقداد، والذي تناول بأسلوب مشوق شذرات من الحياة الشعبية لأناس طيبين، فقراء حقا ولكنهم صادقون ولم يتوانوا في رفع السلاح وبعضهم ترك مقاعد الدراسة لأجل حرية البلد وحرية الشعب. بالمقابل تمنى بقطاش أن يحوّل مقدادا بعض قصصه إلى روايات فقصصه في هذه المجموعة قد تكون مجرد بداية لروايات أمتع وأكثر تشويقا.