❊ قاعات أعراس ب200 مليون ❊ الكيوي والأناناس والمانجا تزين الموائد ❊ 400 دينار لقطعة الحلوى بأشكال وأنواع مختلفة طغت خلال السنوات الأخيرة، بعض مظاهر البذخ والمبالغة في ولائم الأعراس وحفلات الزواج، ساهمت في خلق خلل في توازن المجتمع، وأدّت إلى عزوف الشباب عن الزواج وتكوين أسرة، أيّدها آخرون من باب المفاخرة والتباهي، وخلق جوّ من المنافسة بين العائلات الغنية التي باستطاعتها استئجار قاعة ب200 مليون وآخرون لا مشكلة لديهم في الاستدانة حدا ل«القيل والقال" وترك بصمة "أفخر زفاف" وسط المدعوين، كما تعدّ المفاخرة في بعض الأحيان، إساءة لحسن الضيافة والترحيب بالمدعوين. المؤسف أنّ هناك تقاليد دخيلة أصبحت متوارثة بشكل مثير للقلق في المجتمع الجزائري، بسبب المغالاة في المهور، والبذخ في حفلات الزواج، وهو ما أدى، حسب من مسّهم استطلاع "المساء"، إلى ارتفاع مقلق لمعدّل العنوسة، فالحياة الخيالية والمثالية التي تتصوّرها بعض الفتيات والمتمثّلة في أن ينظّم لهن وليمة زفاف من أجواء "ألف ليلة وليلة"، ولا يتردّد بعض الشباب في تقديم ذلك إذا تيسّر الحال، في حين يتردّد فريق ويعجز آخر، فيتخلى نسبة كبيرة من متوسطي الحال والفقراء تماما عن نية الزواج بسبب ما يكلّفهم الزفاف من مصاريف ويتركون فكرة الارتباط وتكوين عائلة. العرس "المطنطن" عن هذا الموضوع، كان ل"المساء" حديث مع منظمة الأعراس والحفلات سارة آيت قاسي، التي قالت إنّ الأعراس في الجزائر، أصبحت تنافسية بين العائلات، خصوصا في بعض الولايات الوطن، وأضحت "المفاخرة والتباهي" شعار البعض، والجميع يحاول تنظيم حفل أفضل من غيره، ويتم ذلك من خلال تنظيم ما لم تستطع عليه عائلة أخرى. تلك المظاهر قالت عنها المتحدّثة التي لديها تجربة 20 سنة في مجال تنظيم الأعراس، إنّ الأمر لم يعد اليوم في طلب المهر العالي، بل باتت بعض العائلات تشترط أمورا لم نعهدها من قبل، على حدّ قولها، كتنظيم عرس زفاف "مطنطن"، حتى يتحدّث عنه المدعوون طول السنة، وحتى سنوات بعد، موضّحة أنّها شهدت أعراسا لم تعكس العلاقة الزوجية القائمة على الحب والمودة وتكوين أسرة بسيطة، بل تشعر وكأنّها صفقة أبرمها زوجان أو عائلتيهما. تقول آيت قاسي "انتقلت العادات من دف ووليمة غداء أو عشاء، وتقديم الحلويات، إلى التنويع في أصناف الأكل بتقديم اللحم والسلطات بتشكيلات مختلفة من الخضار والفواكه حتى غير الموسمية منها كالكيوي والأناناس والمنجا باهظة الثمن، والأجبان والمكسرات، إلى جانب المقبلات، وسلال الفواكه المشكّلة، لتليها تشكيلات الحلويات، من اللوز والجوز والفستق والبندق، التي يكلّف البعض منها 400 دينار للحبة الواحدة، إلى جانب الإقبال على قاعات الفنادق لتنظيم الأعراس التي تكلّف 200 مليون سنتيم، مع طلب خدمات منظّمي الأعراس ما يزيد من التكاليف، فضلا عن كراء سيارات فاخرة لموكب الزفاف، وطلب خدمات "الزرنة" أو "القرقابو"، و«الماشطة" الخاصة، ومغني راي وفرق غنائية من شتى الطبوع أو "الآلي" و"الأندلسي"، وغيرها، كما باتت بعض العائلات تقدّم هدايا للمعزومين، دون الحديث عن "تصديرة العروس" باهظة الثمن، إذ أنّ ثمن أبسط زيّ تقليدي قد يكلّف 10 ملايين سنتيم وكلّها مصاريف قد تجعل الوليمة تكلّف أكثر من 500 مليون سنتيم. وقالت المتحدثة إنّه رغم أنّ عملها يتمثّل في تنظيم تلك الأعراس، إلّا أنّها لا تؤيّد، أبدا، هذا النوع من التبذير والبذخ والمبالغة في تكاليف العرس، مشيرة الى أنّ هذه المتطلّبات الدخيلة، تعمل على محو عاداتنا الجميلة، والأمر المؤسف جدا، حسبها، تحوّل الأفراح إلى نقيض ما كان عليه سلفنا الصالح، من تيسير وقلة الكلفة والمساعدة المالية والمعنوية، وأضافت "ما نحن عليه اليوم، يترجم كلّ معاني الإسراف والتبذير والمغالاة مع التفنّن في النفقات والمصروفات والأقساط والديون وخلق تفاصيل لا معنى لها فقط من أجل "كلام الناس". وزادت آيت قاسي "البذخ والإسراف في الاحتفاء بالأعراس، غيّر الكثير من المفاهيم في الأعراس وحتى في العلاقات العائلية، وكأنّ الوليمة تحوّلت إلى صفقة تجارية بين العائلتين لا أكثر، وهذا غيّر كثيرا من أساسها، إذ تلمس في بعض الأعراس جمودا عاطفيا ولقاء باردا بين أهل العريسين، حتى أن بعض العائلات لا تحسن استقبال ضيوفها، بل تكتفي بتفاخرها بما نظمته لا غير، وكأنها نوع من مجاراة مراسيم الوسط المجتمعي، أو ما الت إليه العادات في السنوات الأخيرة، والتي لم تعد تقتصر على الأثرياء والقادرين ماديا فحسب، بل تسرب إلى فئات محدودة الدخل كبلت نفسها بحكم التقليد الأعمى، والغيرة الاجتماعية بالتزامات ومظاهر تباهي ومفاخرة لا معنى لها. في هذا الصدد، كان ل"المساء" لقاء مع الأستاذ الجامعي الشيخ محمد علي فركوس، الذي استنكر الكثير من العادات الدخيلة التي تتبناها بعض الأسر الجزائرية، التي ما هي إلاّ نوع من أنواع الإسراف والتبذير في تكاليف الزفاف، لاسيما وأنّ جزءا كبيرا منه لا داع له، فربط القران يعدّ شرعة الله ومن أقدس الروابط البشرية، التي تقوم على الرغبة والرضا بين الزوج والزوجة، والتي لابد أن تبنى على أسس سليمة ومتينة، وقوية من أجل بناء مجتمع سليم. وأضاف "لقد حثّنا ديننا الحنيف على الزواج، ووصفه بنصف الدين، وجعله حفظا للنفس من النزوات والانحراف، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ". وشدّد الإمام على أنّ المغالاة والمبالغة وتبذير المال من الطرفين، أو إعجاز طالب الفتاة بمهر كبير ليس من سمات المسلم، فالتيسير في الزواج أمر جيّد والاقتصاد في التكاليف أمر مطلوب، لتسهيل زواج الشباب والقضاء على العنوسة التي تعاني منها المرأة والرجل على السواء وليس الفتاة فقط، مشيرا إلى أنّ تلك المبالغة اليوم نلمسها حتى في العائلات متوسطة الدخل، والذين قد يعانون عجزا في التوفيق بين ما لديهم وما عليهم من إنفاق.