يتميز النهار الرمضاني ببوادي تندوف الشاسعة بالرتابة، والهدوء والسكينة.. سماء زرقاء من فوقك، وأرض معشوشبة من تحتك، وقطعان من الماعز، ورؤوس من الإبل ترعى في هدوء وأمن دون أن تزعجك بأصواتها.. حاولنا أن نقرب الصورة من القارئ بشكل جلي، فتنقّلنا إلى حمادة ضواحي بلدية أم العسل، لنعيش هنيهة من الزمن، كيفية تحضير فطور رمضان في الوقت الذي تتزين موائد رمضان بالمدينة، وتتسابق الأسر إلى إضفاء طابع مميز للمائدة من كل ما لذّ وطاب من خيرات. تتولى الحاجة منتو وهي في العقد الرابع تسيير شؤون الأسرة بالخيمة الواقعة على ضفاف وادي أم العسل. أول محطة لتحضير وجبة الإفطار جمع الخطب من حواشي الوادي من طرف المرأة، والشروع في إعداد "الحسا"، وهو ما يشبه الحريرة أو الشوربة بالمدن. غير أن "حسا منتو" خال من التوابل تماما. يوضع دقيق الزرع وقليل من الماء في القدر المعروف باسم " المرجن". مدة الطهي لا تتعدى ساعة من الزمن. وفي انتظار استكمال منتو إعداد وجبة الإفطار، توجهنا مع محمد سالم نحو أطراف الوادي ليحلب الناقة، وهو الحليب الذي سنتناوله في فطورنا مع بضعة تمرات، كانت محفوظة في قعر "التزاية"، وهي حقيبة جلدية، تحفظ المتاع، وكل ما يلزم لحياة البدو الرحّل من سكر وشاي. بدأنا نتجول بين ربوع خضراء بالوادي مع مرافقنا الذي دعانا إلى زيارة خيمته الواقعة على ضفاف الوادي منذ زمن، بعد أن رفض أبواه العودة الى المدينة. فضلي أو كما يطلق عليه أبناءه "الداه"، شيخ طاعن في السن. فضّل البقاء في وسط فضاء صحراوي مفتوح بين أغنامه وجماله. حدّثنا عند العودة إلى الخيمة الكبيرة حيث يقبع فيها الداه وفي يده سبحة طويلة مزركشة. اجتمعنا حول موقد النار وكان الجو باردا، ننتظر طبق منتو .. "حسا بلى توابل" ولا خضار، دقائق قبل الأذان الذي يرفعه أحد شباب البادية على تلة قريبة من الخيمة، تم إحضار أواني الشاي، وهي أساس فطور سكان البادية، الذين يفضلون شرب الشاي على تناول الطعام. حان وقت الإفطار، فأذن المؤذن، وهممنا بالصلاة وراء الشيخ أمام الخيمة. وبعدها اجتمعنا حول أوان خشبية صغيرة على فراش متواضع... شرعنا في تناول الإفطار، وأكل تمرات ثلاث في انتظار أخذ كأس شاي. وبعد ذلك انتشرنا حول فضاء صحراوي شاسع نتأمل في خلق الرحمان؛ سماء صافية ونجوم متناثرة. نادانا نفعي لجلسة رمضانية مع الشيخ بالخيمة، تناولت فضائل شهر رمضان الكريم. الدرس الرمضاني الطبيعي والتقليدي دام ساعة من الزمن. وكان الشيخ ملمّا بالفقه وأصول الشريعة، فانتفعنا منه بشكل كبير. وبعد ذلك حان وقت العشاء، فصلينا العشاء، واجتمعنا على شكل دائري حول قصعة خشبية فيها خبزة الملة، وهي أحسن وجبة رمضانية لدى البدو الرحّل. وأجمل ما فيها أنها مرفوسة بالدهن. بعدها انصرفنا مودّعين أناسا لطفاء وطيبين وكرماء، بعد أن قضينا يوما رمضانيا بين ساكنة البادية، كانت حياتهم رتيبة وبسيطة وغير مكلفة. وكم حاول معنا الشيخ البقاء معهم ليذبح لنا جديا من بين أغنامه!.. قمة الكرم وحسن الضيافة هي صفة امتاز بها البدو الرحّل وسكان الصحراء. ونحن في الطريق للعودة إلى المدينة تصادفنا مع قافلة مكونة من عدة سيارات وسيارة إسعاف. توقفنا لنتأكد من وجود هذه السيارات في هذا اليوم الرمضاني. سألنا أحد سائقي السيارات: أين وجهتكم؟ فأجاب بلهجة حسانية: "نحن متجهون صوب البدو الرحّل لنوزع عليهم المؤونة، ونقدم لهم الإسعافات الطبية. هي لمسة تضامنية من لدن سلطات الولاية لرفع الغبن عن ساكنة البوادي، ونشر السعادة في نفوسهم رغم أنهم يعيشون عيشة هنية، ومليئة بالاطمئنان والأمن والسكينة.