قدّمت الدكتورة ليندة شويتن لوحة أدبية في روايتها الأخيرة "الصراصير الفخورة" الصادرة عن دار "القصبة"، تناولت فيها دور المثقف في تنمية وتطوير البلاد رغم التحديات التي تواجهه في سبيل تحقيق العدالة والحرية. كما أكدت أهمية الاعتراف بالتنوع كعنصر غنى للمجتمع. في حين رفعت راية الجزائر عاليا ونوّهت بقوة الشعب الجزائري الذي طالما عاش القهر لكنه خرج منتصرا من كل المعارك بفخر وكبرياء.. "المساء" تواصلت مع الكاتبة ليندة شويتن وأجرت معها هذا الحوار. ❊ تناولت في روايتك الأخيرة الموسومة ب"الصراصير الفخورة" دور المثقف في تنمية وتطوير البلاد، حدثينا عن ذلك؟ المثقفون لا تحرّكهم المصالح الشخصية بل شعورهم بالعدالة ❊ إنه موضوع أوسع من أن نخوض فيه هنا، يعرّف جان بول سارتر المثقف بأنه شخص يتدخل في أمور لا تعنيه، أي شخص لا يكتفي بالكتابة في مجال تخصصه، بل يدلي برأيه بانتظام في مواضيع الساعة وبصفة عامة حول العالم الذي يحيط به. في رواية "الصراصير الفخورة"، تدلي شخصيات الرواية، وجميعهم تقريبًا من أساتذة الجامعات، رأيها دائمًا في ما يجري في الجزائر وغيرها. مثلا يشارك هؤلاء الأساتذة بفعالية في مسيرات الحراك ويوقّعون على عرائض ضدّ القرارات المعادية للإسلام التي تتّخذ أحيانًا في أوروبا، رغم أنهم غير مهتمين شخصيًا بالأمور الدينية. فالمثقفون لا تحركهم المصالح الشخصية بل شعورهم بالعدالة. لكن للأسف، ليس من السهل دائمًا تطبيق هذا الشعور النبيل على أرض الواقع، لأن الرقابة وسوء الفهم والخوف من العواقب تتربص بهم. ❊ تطرقت في روايتك هذه أيضا لقضية الهوية، إلى ما يعود ذلك؟ ❊ أعتقد أنّه لا يمكن لأيّ بلد أن يمضي قدمًا دون التفكير في مسألة الهوية وحلها. في بلدي، استغرق الأمر نضالًا طويلًا حتى بدأ الاعتراف بالأمازيغية، وحتى اليوم، لم تتوقف التوترات بين المكونات العرقية واللغوية المختلفة. وللتغلب عليها، من المهم فهم وقبول فكرة أن بلدنا متعدد. وأن فسيفساء "الأعراق" (رغم رفض هذا المصطلح الآن) واللغات والثقافات والمدارس الفكرية التي تشكل بلدنا هي ما يجعلها غنية، وأنه لا ينبغي إنكار أو احتقار أي من هذه المكوّنات. هذه هي إلى حد ما الفكرة التي تم تطويرها بطريقة معقدة ودقيقة في روايتي "الصراصير الفخورة". ثراء بلدنا في تنوّع مكوّناته التي لا يجب إنكارها ❊ "الصراصير الفخورة" رواية مندمجة في رواية أخرى، لماذا هذا الخيار ولماذا هذا العنوان؟ ❊ تحكي روايتي قصة شخصيات "ضائعة" بعض الشيء، رغم كونهم أساتذة وطلاب جامعيين. فيحكم أكلي ونورا على نفسيهما بأنهما قبيحيّ الشكل، فمثلا يرى أكلي نفسه قصير القامة، أما نورا فتعتقد أنها غير ذكية، في حين تعتبر روزا نفسها سريعة التأثر، أي أن لديهم صورة سيئة عن أنفسهم، لهذا السبب هم صراصير، مجرد مخلوقات ضائعة وبدون أهمية، لكنهم في نفس الوقت، صراصير متكبرة، لأنهم يرفضون الانغماس في الإحساس بالضآلة، ويحاولون التغلب على عُقدهم بالعمل وتنمية أنفسهم وتعليمها وتشجيعها، لذلك يشير عنوان الرواية إلى صراع الشخصيات المستمر لتقبل أنفسهم وإثبات جدارتهم. لكن العنوان هو أيضًا نوع من التخييل لأنّ شخصية بوسعد، وهو كاتب أيضًا، اختار العنوان نفسه لروايته الثانية. أما هنا فالعنوان له دلالة أكثر وطنية، لأنه يشير إلى شعب - شعبنا، الذي كثيرًا ما تعرض للقهر و/أو الازدراء، لكنه لم يتخلَّ أبدًا عن كبريائه ونضاله. تعرض الشعب الجزائري للقهر، لكنّه لم يتخلَّ أبدًا عن كبريائه ونضاله ❊ روزا هي الجزائر، أليس كذلك؟ ❊ بالتأكيد، ترمز روزا إلى الجزائر بتناقضاتها العديدة، بمزيج من المقاومة والشجاعة؛ من الجرأة والخوف، بقوة شبابها وخضرة عينيها الهائلة. لم يتم اختيار أي من ذلك عن طريق الصدفة، وهو ما ظهر جليا في نهاية أحداث الرواية من خلال شخصية أحمد الذي "رسم" هذا التشبيه بين روزا والجزائر. لم أكتب سوى عن الجزائر، على الرغم من منحي لشخصياتي بعداً عالمياً يتجاوز الحدود ❊ بدأت نشر أعمالك برواية ساخرة وعميقة في نفس الوقت، ثم انتقلت للكتابة عن مواضيع أكثر حساسية، هل كان ذلك متعمّداً؟ ❊ في الحقيقة لا، أكتب ما تمليه عليّ مخيلتي وإحساسي في ذلك الوقت، لكن قبل كلّ شيء، لست متأكّدة من وجود فرق كبير بين روايتي الأولى "رواية الشعرة المسكينة" والروايات التي تلتها، فروايتي الأولى في ظاهرها خفيفة تحمل روح الدعابة، لكن ذلك لا يمنعها من تناول قضايا اجتماعية وسياسية وفلسفية عميقة - تمامًا مثل روايتي "رقصة الفالس" والصراصير الفخورة"، حتى وإن ظهرتا أكثر جدية. في الواقع، لا يوجد الكثير من الفكاهة في رواية "رقصة الفالس"، لكنّها أقرب إلى السخرية اللاذعة مثلما الأمر في رواية "الصراصير الفخورة" لاسيما في الحوار بين الشخصيات الذكورية الأربع (أكلي وأحمد وبوسعد وسالم). ❊ ما الذي تستمتعين به أكثر، كتابة المقالات والدراسات أم إنتاج الأعمال الأدبية؟ ❊ لكلا النشاطين معاييرهما ومتعتهما، وأنا أستمتع بكليهما، في الكتابة الأكاديمية، هناك متعة تشريح النص، واكتشاف المعاني الخفية أو الجديدة، والاستدلال والبرهنة والدخول في حوار مع نقّاد آخرين من خلال مقالاتنا. في الكتابة الروائية أيضًا، ندخل أحيانًا في حوار مع مؤلفين آخرين، لكن العملية تكون أحيانًا أكثر رقة وأقلّ خضوعًا للتقاليد مما هي عليه في الإنتاج الأكاديمي. ربما لهذا السبب لا أزال أفضّل الكتابة الإبداعية التي أراها فضاءً أكثر حرية، وأقلّ تقييدًا، حتى وإن كنا هنا أيضًا مقيّدين بحتمية المحتوى النفسي والتناسق . علينا أن نكتب بأكبر قدر من الأصالة، وأن نكتب ما نعتقد أنه جدير بالقراءة ❊ هل أثّر فوزك بجائزة آسيا جبار على مسيرتك الأدبية؟ ❊ لم يكن لجائزة آسيا جبار تأثير كبير على كتاباتي أيضاً، بالطبع، كنت سعيدة وفخورة بالفوز بها، لكنّني لا أعتقد أننا نكتب واضعين الجوائز نصب أعيننا، لأنّ الكتابة حينها لن تكون مساحة الحرية التي ذكرتها في السؤال السابق. علينا أن نكتب بأكبر قدر من الأصالة، وأن نكتب ما نعتقد أنّه جدير بالقراءة. في حال فوزنا بجائزة فهذا جميل فعلا وإذ لم نظفر بها سيكون لدينا ردود فعل القراء النبيهين لما نكتب وتقييمنا الخاص حول استحقاق نصنا للنشر. ❊ هل تغيرت طريقة تفكيرك وحتى كتابتك بعد تخرجك من جامعة إيرلندية حيث تحصلت على دكتوراه في الأدب؟ ❊ ليس تماما، صحيح أنّ إقامتي الطويلة في إيرلندا أثّرت على طريقة رؤيتي وتفكيري من خلال تعايشي مع أساليب أخرى للوجود والذهنيات المختلفة. لكنّني منفتحة على العالم منذ زمن نتيجة تعلّقي بالمطالعة التي بدأتها في سن مبكرة جدًا، وتتبعي لمحتوى وسائل الإعلام الأجنبية؛ لكن هذه التجربة كانت بمثابة تغيير حقيقي في المشهد، لأنّ ايرلندا بلد لا نتواصل معه إلاّ قليلاً، وطريقة الحياة فيه تختلف عن طريقة الحياة في البلدان الأخرى التي نعرفها أكثر مثل فرنسا. ربما كل هذا يظهر في سلوكي وطريقة تعبيري والأفكار التي أدافع عنها ولكن لا أعتقد أن الفترة التي قضيتها في ايرلندا كان لها تأثير كبير على كتاباتي. حتى الآن، لم أكتب سوى عن الجزائر، على الرغم من منحي لشخصياتي بعداً عالمياً يتجاوز الحدود. آمل أن تترجم أعمالي مثلما حدث مع روايتي "رقصة الفالس" ❊ ماذا عن ترجمة روايتك "رقصة الفالس" التي نلت بها جائزة آسيا جبار عام 2019 في فرع الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية الى اللغة الإنجليزية؟ ❊ ترجمت رواية "رقصة الفالس" إلى الإنجليزية المترجمة الأمريكية سكايلر ميرين أرتس، التي سبق لها أن ترجمت روايات لفوزية زياري وليلى سيبار. أودّ أن أشكرها هي وميلدريد مورتيمر، الأستاذة الفخرية في جامعة بولدر (كولورادو)، التي لولاها لما كان هذا المشروع ممكنًا. كما أودّ أن أشكر البروفيسورة مورتيمر على الكلمة الختامية التي رافقت هذه الترجمة. نُشرت ترجمة "رقصة الفالس" في 30 جانفي 2025 عن مطبعة جامعة فرجينيا. آمل أن يلقى نفس الحماس على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي مثلما وجده في الجزائر، وآمل أيضًا أن تتبعها ترجمات أخرى لأعمالي.