اعتبر الخبير الاقتصادي أمحمد حميدوش، أن لجوء الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار إلى إلغاء مقررات الاستفادة من العقار الاستثماري للذين لم يجسّدوا مشاريعهم ولم يستكملوا إجراءات تسجيلها، قرارا صائبا يندرج ضمن استراتيجية أوسع لإصلاح منظومة الاستثمار في الجزائر، ويترجم الرغبة في الانتقال من نموذج "توزيع الامتيازات" إلى نموذج الاستحقاق القائم على الأداء. أوضح ضاف حميدوش، في تصريح ل"المساء" أمس، أن القرار الذي اتخذته الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، لإعادة توجيه هذه الأوعية العقارية لأصحاب المشاريع الجاهزين من أجل الانطلاق الفعلي في الانجاز، يعد رسالة إيجابية للمستثمرين الجديين، مفادها أن الدولة تتخذ خطوات فعلية لمحاربة البيروقراطية والمضاربة وتشجع الاستثمارات الحقيقية. وذكر بأن هذا القرار يعكس محاولة جادة لمعالجة ظاهرة "احتكار الأراضي الاستثمارية" دون استغلالها فعليا، في الوقت الذي تواجه فيه الجزائر ضغطا كبيرا لتنويع اقتصادها بعيدا عن المحروقات، ما يجعل كل قطعة أرض معطلة فرصة ضائعة لخلق الثروة وفرص العمل. وحسب الخبير، فإنه يمكن النّظر إلى هذا الإجراء كآلية لمحاربة المضاربة العقارية في القطاع الاستثماري، حيث يحصل بعض المستثمرين على الأراضي بقصد الاحتفاظ بها كأصول ثمينة دون نية حقيقية للاستثمار الفوري، ما يخل بالهدف الأساسي من توزيع هذه الأراضي. ومن النّاحية القانونية ذكر محدثنا، بأن هذا القرار يستند إلى القانون رقم 22-18 المتعلق بالاستثمار وهو ما يؤكد حسبه بأن الوكالة تتحرك ضمن إطار قانوني واضح، مشيرا إلى أن منح هؤلاء المستفيدين من العقارات غير المستغلة مهلة 8 أيام، تبدو قصيرة نوعا ما، لكنها في الحقيقة جاءت بعد "اتصالات متكررة وإعذارات"، مما يعني أن هذه ليست المرة الأولى التي يطلب فيها من هؤلاء المستثمرين استكمال إجراءاتهم. كما أكد أن هذا القرار يعكس تطور الفكر التنظيمي نحو ربط الحقوق بالالتزامات الفعلية، بدلا من مجرد الحصول على موافقات مبدئية دون تنفيذ حقيقي. كما يمكن قراءة هذا القرار وفقا لمحدثنا كمؤشر على تحسّن آليات المتابعة والرقابة في الإدارة، معتبرا التحوّل من الإنذارات المتكررة إلى الإجراء الحاسم، يظهر نضجا إداريا خاصة مع توفير منصة رقمية للمتابعة ونشر قائمة المعنيين بشفافية، حيث يساهم هذا النهج، حسبه، في ترسيخ مبدأ المساءلة والشفافية في قطاع الاستثمار، "وهو ما تحتاجه الجزائر لتحسين مناخ الأعمال وجذب استثمارات حقيقية". ومن زاوية تنموية يرى الخبير الاقتصادي، أنه عندما نتأمل في التأثير الاجتماعي للقرار، نجد أن كل مشروع استثماري معطل يعني فقدان فرص عمل محتملة في مجتمع يعاني من تحديات البطالة خاصة في أوساط الشباب، ما يؤكد لا محالة أن إعادة توجيه هذه الأراضي لأصحاب المشاريع الجاهزين يؤدي إلى تفعيل دورة اقتصادية أكثر نشاطا. ويرى حميدوش أن مثل هذه القرارات يمكن أن تكون جزءا من محاولة أكبر لتحسين ترتيب الجزائر في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، من خلال إظهار أن الدولة تكافئ المستثمرين الفعليين وليس فقط من يحصل على الموافقات الورقية. وبالتالي فإن هذا القرار "ورغم قسوته الظاهرية"، يعد حسب الخبير خطوة إيجابية نحو ترشيد استخدام الأملاك العامة وتحفيز الاستثمار الفعلي، مؤكدا أن نجاحه يعتمد على عدالة التطبيق وقدرة الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار على توفير بدائل سريعة للمستثمرين الجادين.