يُعد شاطئ لاكاروب في مدينة عنابة، أحد أبرز المعالم التاريخية والسياحية التي تزخر بها هذه المدينةالجزائرية. ويمتاز الشاطئ بوجوده في موقع استراتيجي على شواطئ الجزائر الساحرة، حيث ارتبطت به العديد من الأحداث التاريخية والثقافية، ليظل شاهداً على تاريخ طويل من الصيد، والمقاومة والنضال. وهذا الشاطئ من أعرق شواطئ المدينة. وقد عرف عبر العصور تطورا في نشاطات الصيد البحري. وأصبح موطنًا للعديد من الثقافات والحضارات. لطالما كانت السواحل الجزائرية عامرة بالموانئ والمرافئ التي شهدت تطورا حضاريا وتجاريا على مر العصور. شاطئ لاكاروب لم يكن استثناءً من هذه القاعدة، بل كان واحدا من المراكز التي توافدت عليها السفن من مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسط. في العصور القديمة كان يُعرف الشاطئ باسم "مرس السبع"، وهو اسم ارتبط بتقاليد الصيد، وأسطول البحر الذي كان يقوده الصيادون القادمون من صقلية ومالطا، فكانوا يشتهرون بجودة أسماكهم، ووفرة محاصيلهم البحرية. وفي وقت لاحق تم تسمية الشاطئ ب "Plage Fabre" نسبة إلى الصياد الفرنسي فابيانو فابر، الذي أسس فيه مسمكة على الطراز الحديث. كما ارتبط اسمه بشكل وثيق، مع الشاطئ منذ ذلك الحين. وكانت تلك الفترة شاهدة على تطور صيد الأسماك في المنطقة، ما جعل الشاطئ يكتسب شهرة محلية، ودولية. حصن تاريخي ودور الشاطئ في الثورة التحريرية لا يقتصر تاريخ هذا الشاطئ على كونه موقعا لصيد الأسماك أو استراحة للسياح، بل كان له دور محوري في تاريخ الجزائر. ففي العهد الحفصي في القرن الثالث عشر، شُيد على الشاطئ حصن تاريخي مهم يُعد جزءا من شبكة الحصون التي كانت تحمي السواحل الجزائرية من الهجمات البحرية المحتملة. كان الحصن يُستخدم كقاعدة استراتيجية للجنود؛ لمراقبة السفن القادمة عبر البحر الأبيض المتوسط. كما كان رمزا للسلطة المحلية والحماية أمام غزوات البحر. لكن ما جعل هذه المنطقة أكثر شهرة هو دوره المهم إبان الثورة التحريرية الجزائرية. وخلال تلك الفترة كانت المنطقة محورا للنشاطات الثورية، حيث استخدمها المجاهدون كمركز إمداد، وأحد نقاط الانطلاق لتنفيذ عمليات ضد الاستعمار الفرنسي. وكانت الأمواج العاتية والشواطئ الوعرة بمثابة درع حام للثوار من مضايقات الاحتلال الفرنسي، الذي سرعان ما فرض حصارا على المنطقة بعد اكتشاف أهمية الموقع في مقاومة الاستعمار. وقد أدى التضييق الذي مارسه الاستعمار إلى تهجير السكان المحليين. ولكن رغم ذلك لم يفقد هذا المكان طابعا رمزيا لمجاهدات الشعب الجزائري ضد الاستعمار. منطقة سياحية بامتياز على البحر الأبيض المتوسط في الوقت الحالي أصبح هذا الشاطئ وجهة سياحية بامتياز، يتوافد عليها الزوار من مختلف أنحاء الجزائر وخارجها. ويتميز المكان بمياهه الصافية، ورماله الذهبية، حيث يُعد مثاليا للسباحة، والاستجمام. وهو يعكس مزيجا رائعا بين الجمال الطبيعي والتاريخ العريق، ما يجذب السياح الذين يبحثون عن الراحة والهدوء بعيدا عن ضوضاء المدن الكبرى. كما إن الموقع الجغرافي للمكان قريبا من وسط مدينة عنابة، يُضفي عليه طابعا مميزا، مما يجعله مكانا مثاليا للأنشطة البحرية؛ مثل رياضة الغطس، وركوب القوارب، فضلًا عن كونه موقعا ممتازا للمشي على طول الواجهة البحرية التي تحيط بها الأشجار، والمسطحات الخضراء. إرث الصيد البحري وتأثيره على المنطقة لايزال الصيد البحري جزءا من الحياة اليومية على هذا الشاطئ، حيث تستمر الممارسات التقليدية التي عرفتها المنطقة على مر العصور. وتظل التجمعات الصغيرة من الصيادين المحليين مستمرة، وهي تُضيف طابعا فريدا إلى المنطقة، ما يتيح للزوار فرصة التعرف على طريقة الصيد التقليدية، التي كانت تُستخدم في الماضي. وتستمر هذه المهنة في التأثير بشكل كبير على الحياة الاقتصادية المحلية، حيث يتم بيع الأسماك في الأسواق القريبة. ويظل الصيادون يُحافظون على تقاليدهم، التي شكلت جزءا من هوية المنطقة. الرمزية الثقافية لهذا الموقع التاريخي يُعد هذا الشاطئ رمزا من رموز الهوية الثقافية لمدينة عنابة، التي تجمع بين التاريخ العريق والتراث البحري العميق. وبالنسبة للسكان المحليين، لا يمثل الشاطئ مجرد مكان للاسترخاء أو قضاء العطلات، بل هو مكان يجسد تاريخا طويلًا من الكفاح والتضحية. ومن خلال العودة إلى أسمائه القديمة وصولًا إلى دوره في الثورة التحريرية، يُمكن الزائر أن يشعر بحضور التاريخ في كل زاوية من زوايا المكان. ومن خلال تاريخه العريق وأهميته الاستراتيجية يُعد هذا الشاطئ أكثر من مجرد وجهة سياحية؛ إنه رمز للهوية الثقافية والتاريخية لمدينة عنابة. ومع استمرار تطوير المنطقة لتلبية احتياجات السياحة الحديثة، يظل الشاطئ محافظا على طابعه الخاص الذي يربط بين الماضي والحاضر، ما يجعله مقصدا مثاليا للمسافرين الباحثين عن الجمال التاريخي والطبيعي في آن واحد.