يقف مرتفع سرايدي شامخا حيث يعانق الجبل أمواجه الزرقاء، ويعبق الهواء بنسمات البحر والغابات معا، كواحة طبيعية تستجمع كل ألوان الحياة ونقاءها. هنا تتداخل أصوات الطبيعة؛ من خرير الينابيع الباردة، إلى تغريد الطيور البرية، في سيمفونية متناغمة تعيد للروح صفاءها، وللجسد نشاطه... سرايدي ليست مجرد مرتفع عادي، بل هي مشهد حي يتنفس، وينطق بالجمال، ويمنح كل من يزوره فرصة للتواصل مع أعمق أوجه الطبيعة الخلّابة. يقع مرتفع سرايدي على قمة جبل أدوغ، على علو يفوق 850 متر عن سطح البحر. ويوفّر لزواره إطلالات بانورامية آسرة على غابات خضراء كثيفة من الصنوبر والأرز الأطلسي. وخلفها تتلألأ الخلجان الزرقاء التي تحيط بعنابة. هذا التنوّع الجغرافي والمناخي جعل من سرايدي مكانا يتجاوز كونه وجهة للاستجمام، ليغدو موئلًا للراحة النفسية، والشفاء الجسدي. هواء نقي... وراحة للأنفاس يُعرف عن سرايدي نقاء هوائه الاستثنائي، وهو ما جعله ملاذا لمرضى الربو والحساسية. كما يقصده من يسعون للتعافي من ضغط الحياة اليومية في ظل ما تشهده المدن الكبرى من تلوث متزايد. الهواء هناك يحمل خليطا من ندى البحر، ورائحة الغابة، وهواءً مشبعا بالأوكسجين النقي، يشحن الجسد بالطاقة، ويمنح العقل صفاءً فريدا. الينابيع الباردة... ماء من صخر واحدة من أبرز مميزات سرايدي هي الينابيع الطبيعية المتدفقة من بين الصخور، والتي تتحوّل في فصل الصيف، إلى قِبلة للزوار والعائلات التي تأتي لتشرب من مياهها الباردة العذبة، والتي تُعرف بخصائصها الصحية، ونقائها العالي. والأجمل أن هذه الينابيع تحتفظ بدفئها في الشتاء، وبرودتها في الصيف، في ظاهرة نادرة، جعلت منها نقطة جذب فريدة داخل المرتفع. سرايدي في الشتاء... بساط أبيض وهدوء مطلق ورغم أن سرايدي تشهد حركة سياحية كبيرة في فصل الصيف، فإنّ الشتاء يضفي عليها سحرا آخر. مع أولى تساقطات الثلوج تتحوّل إلى بساط أبيض ناعم يجذب محبي التزلج، والمغامرة. وتعيش المنطقة، أحيانًا، عزلة مؤقتة بفعل كثافة الثلوج، لكنها تحوّل هذا الانغلاق إلى فسحة للراحة والتأمل وسط صمت الطبيعة المذهل. ويؤكد أحد سكان المنطقة، الكهل "بو بكر"، أن كثافة الثلوج ليست عائقا بل نعمة: "ذوبانها البطيء يسقي الأرض من الأعماق، ويغذي شجر الزيتون، ويزيد من منسوب مياه الوديان"، في إشارة إلى البعد الفلاحي الذي يحتفظ به المكان. ثراء بيولوجي فوق الأرض وتحت الماء البيئة في سرايدي لا تقتصر على اليابسة فقط. الخلجان المحيطة بها تحتضن تنوّعا بيولوجيا، نادرا يشمل أسماك المرجان، والجمبري، والشبوط الملكي، والبوري، والمارو، إلى جانب الأصداف العملاقة (الباليت). أما في الأجواء فتزخر المنطقة بأنواع متعددة من الطيور البرية، أبرزها: البط البري، والحجل، واليمام، ودجاج الماء، ما يجعل منها مقصدا لعشاق مراقبة الطيور، والمصورين المحترفين. أكثر من وجهة سياحية... سرايدي تجربة حية زيارة سرايدي ليست مجرد نزهة إلى الجبل أو الغابة، بل تجربة متكاملة يعيشها الزائر بكل حواسه. هنا، الهواء يُستنشق لا يُشم فقط. والماء يُشرب من جوف الصخر. والمشاهد الطبيعية تُعاش لا تُشاهد فحسب. إنها فسحة للروح والجسد، ومكان يحمل كل مقومات السياحة البيئية المستدامة، التي أصبحت، اليوم، ضرورة حضارية. ويبقى مرتفع سرايدي أحد أبرز الكنوز الطبيعية في الجزائر، يحتاج إلى رعاية وتثمين أكثر مما يحتاج إلى اكتشاف؛ فهو شاهد على عظمة الطبيعة الجزائرية، ومرآة تعكس قدرة الجغرافيا على احتضان الحياة بكل تنوعاتها.