تفاجئنا التكنولوجيا يوميا بالجديد في مجالات عدة، وتحيرنا في أخرى، لاسيما بعد أن أصبح للسحر والشعوذة أبواقا تعزف عبر الفضاء الأزرق وكل الفضاءات الاجتماعية وإن كان "التيك توك" ينفرد بالعجاب، اليوم وفي قلب العصرنة والتكنولوجيا، يمارس بعض الأشخاص أنواعا مختلفة من الشعوذة والسحر آخرها "الثاروت"، أو قراءات البطاقات بالاعتماد على التنجيم... بطاقات هاربة من العصر الخامس عشر من أروبا، كانت في البداية لعبة ترفيهية تحولت إلى أداة للتنبؤ تستخدمها "العرافات" من مناطق مختلفة من الوطن العربي وحتى من الجزائر، ركبن الموجة للضحك على العقول وابتزاز أموال السذج من الناس. المتصفح لهذه المواقع الاجتماعية، يلاحظ الجلسات المفتوحة التي تمارسها النساء بوجه خاص في هذا النوع من الدجل، منهن من استطعن أن يحصلن على قرابة مليون متابع، وأخرى ترسم معالم الطريق لبلوغ عدد مشابه على المدى المتوسط، منهن من "تمكيجت" كالكاهنات، من العصور الغابرة، بالأسود على العيون بالكحل والفم بأسود الشفاه والاظافر من الطلاء، ولبست عقود الغجر، المختلفة الألوان وإن كان عمادها الأسود، ووضعت أمامها بطاقات أو "الكروت" وعددها 78 بطاقة، تتواصل مع المتابعات والمتابعين، الذين ينتظرون بشغف أدوارهم في "اللايف المفتوح"، لمعرفة ما تخبئه لهم الأيام وفق ما جاء في " البطاقات". وسط طقوس خاصة، تمارسها المشعوذة وتطلب من كل من اتصل بها القيام به، على غرار إشعال الشموع والبخور بعطر معين، ثم تنطلق في سحب البطاقة الخاصة بالشخص الذي يود معرفة المستقبل، ومنه سحب ثلاث بطاقات حول الماضي، الحاضر والمستقبل لعرض العلاقات، القرارات، كما تقوم المشعوذة بإعطاء توجيهات للشخص لبلوغ أهدافه او طموحاته. بالنسبة للبطاقات، فلكل واحدة اسم ورسوم وتعابير تعكس ماهيتها أو الشخصيات المهيمنة فيها أو الدلالات على غرار القوة، الحب، الموت، الشمس والمال، وكذا الشخصيات القوية كالملك والملكة والفارس وكذا العاشق، الى جانب اختلاف الألوان والرموز على غرار السيوف، النقود، العصي وهي عبارة عن طاقات مختلفة، فمثلا السيوف ترمز الى الفكر والعقل والتحديات، والعصي تشير الى الطاقة والابداع، أما الكؤوس، فهي دلالة على المشاعر والعلاقات، هذه الدلالات المذكورة اصل اللعبة، التي تحولت بمرور الوقت من لعبة للتسلية والترفيه و خلق أجواء آنية مثيرة ومليئة بالشغف، الى بحث عن المجهول ومحاولة معرفة الغيب، الذي استأثر به الله تعالى لوحده، فهو من علمه وله ولا يطلع عليه أحد. المتصفح للكم المعتبر من التعاليق والتصديق لما جاءت به المشعوذة، يدفع للتساؤل عما إذا كان هؤلاء يتمتعون بعقل طبيعي للتفريق بين الصح والخطأ ومن يستغل سذاجتهم للحصول على المقابل المادي. حذار.. "الثاروت" يفقد الثقة في النفس ويقود للشرك أكدت المختصة النفسية رتيبة حفني، في حديثها ل"المساء"، أن تشابك مسارات الحياة، جعل بعض الناس، لاسيما من لديهم تعلق شديد بالدنيا والمال وهوس بمعرفة المستقبل، لخوفهم من الفقر أو فقدان شخص، يبحثون عن أجوبة تروي فضولهم، كما يعتقدون، لبلوغ الأهداف المتجاوزة لحدود المنطق، منهم من يعتقد ان "الثاروت" او "الكارطة"، تجيب على الأسئلة الغيبية، وان المشعوذة او المختصة في "الثاروت"، لديها القدرة على معرفة ذلك من خلال التنجيم، وكله تفكير خاطئ، روجت له وسائل التواصل التي باتت تعكسه شاشات الهواتف الزرقاء، وسط أجواء الفراغ والوقت الذي لا يستغل بشكل جيد". وأضافت المتحدثة، أن التعلق ب"الثاروت"، وراء فقدان الثقة في النفس والقرارات، اذ يتحول الانسان الى متلقي ساذج، يتحكم في مصيره الغير، من خلال الاعتماد على البطاقات بدل التفكير الواقعي، وعيش تفاصيل الحياة كما شاءت الإرادة الإلهية لكل مخلوق. كما أشارت المختصة الى ضرورة التنشئة السليمة للأبناء من خلال تعليمهم الصح والخطأ والحلال والحرام، وتصحيح عقيدة الأبناء وكل افراد المجتمع، والتأكيد على ان التعامل مع السحرة من الكبائر بأي وجه كان. من زار كاهنا أو عرافا.. فقد كفر بما أنزل على محمد من جهته، أشار الإمام عبد الرحمن بسكر في تصريح ل"المساء" أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "من زار كاهنا او عرافا لم تقبل صلاته أربعين يوما"، وفي حديث آخر، "من زار كاهنا او عرافا وصدّقه يكون قد كفر بما أنزل على محمد".