تعيش العلاقة الزوجية، اليوم، تحولات واضحة في موازين السلطة داخل الأسرة. ويبدو أن ما كانت عليه عادات وتقاليد الأسرة القديمة لم يعد، حتما، بنفس الصورة التي نشهدها. وتتجلى هذه التغيرات في من يأخذ زمام القرار داخل الأسرة؛ إذ لم يعد الرجل وحده صاحب القرار كما كان في الماضي، فمع توسع التعليم ودخول المرأة سوق العمل واستقلالها المادي، أصبح لكل طرف قدرة على التأثير في إدارة شؤون البيت. هذا التحول وضع العادات والتقاليد أمام تحد جديد، يحوّل العلاقة الأسرية تدريجيا، إلى شراكة قائمة على الحوار والتفاهم بدل الهيمنة والسيطرة من طرف واحد. في زمن تتلاحق فيه التغيرات وتتشابك المؤثرات الجديدة مع الموروث القديم، مازالت العادات والتقاليد تحتل مكانة قوية في حياة الناس، فهي تشكل إطارا عاما يحدد سلوك الأفراد، وطريقة تعاملهم مع بعضهم، وتمنح المجتمع شعورا بالتماسك والاستقرار. لكن هذه العادات لم تعد ثابتة كما كانت، فقد أصبحت تخضع لتأثيرات خارجية عديدة؛ كالتعليم، والعمل، والتكنولوجيا، ما جعل الأجيال الجديدة تتعامل معها بوعي مختلف، أو بالأحرى بتفكير مغاير، يجمع بين احترام الماضي ومحاولة مواكبة الحاضر. ومع التطور الذي شهدته الحياة اليومية، بدأ الفرد ينظر الى مفاهيم مثل السلطة داخل الأسرة بشكل جديد. ففي السابق كان من الطبيعي أن يكون الرجل هو صاحب القرار الأول والأخير في الشؤون الزوجية، وذلك لاعتبارات اجتماعية واقتصادية كانت تمنحه هذا الدور تلقائيا. أما اليوم فقد تغير المشهد بفعل متغيرات عديدة، أهمها صعود دور المرأة، وتحسن مستويات التعليم، وظهور قيم جديدة، تجعل المشاركة والحوار أساسا للعلاقات الإنسانية. ولفهم هذا التحول بصورة أوضح كان ل"المساء" حديث مع حسن مراخي، خبير في علم الاجتماع، الذي أكد أن التحول في العلاقة الزوجية لم يكن نتيجة صراع بين الرجل والمرأة، بل نتيجة تطور طبيعي فرضته الظروف الحديثة، مضيفا أن الأسرة لم تعد تعتمد على دخل الرجل وحده. ولم تعد المرأة محصورة في دور منزلي ثابت، بل أصبحت شريكا فعالا في العمل، والقرار. وهذا التغير جعل عملية اتخاذ القرار داخل البيت تقوم على النقاش، وتقاسم المسؤوليات، لا على فكرة أن طرفا واحدا هو الذي يحدد كل شيء، ويتخذ كل القرارات. ويشير الخبير إلى أن المرأة منذ القدم، لها جانب من المسؤولية في اتخاذ القرارات، لا سيما ما يتعلق بالأطفال، وإدارة شؤون البيت. ويبقى للرجل الكلمة الأخيرة ولكن لا يتخذ أبدا القرار دون استشارة الزوجة أو أعضاء الأسرة. واليوم تغير المشهد كثيرا، وتحوّل الى أن الأزواج أصبحوا يدركون أن نجاح العلاقة لا يرتبط بوجود رئيس داخل البيت، بل بوجود توازن يحترم رأي كل طرف. وكلٌّ يعطي رأيه المهم لبلوغ القرار الصواب. وأكد المتحدث أن المجتمعات التي لاتزال تتمسك بفكرة أن القرار يجب أن يبقى بيد الرجل وحده، تعيش نوعا من الحنين للماضي أكثر مما تعبّر عن واقع فعلي، لأن الحياة الجديدة بما تحمله من تحديات مادية ونفسية، تحتاج إلى جهد مشترك، وتعاون مستمر، وتوزيع عملي للمسؤوليات. ويؤكد الخبير الاجتماعي أن التحول نحو المشاركة لا يعني إلغاء دور أحد، بل يعني أنّ لكل من الزوج والزوجة مساحة للتأثير حسب خبرته، وقدرته، وظروفه، ورؤيته؛ فهناك أسر تكون فيها المرأة أكثر قدرة على إدارة شؤون معيّنة. وأخرى يكون فيها الرجل هو الأكثر خبرة. وأحيانا يتقاسم الطرفان القرار بشكل متساو. وفي كل الحالات يبقى الأساس هو التفاهم لا التفوق، يشدد محدث "المساء". ومع هذه التغيرات، يقول خبير الاجتماع، باتت الأسرة الحديثة أكثر مرونة في توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الزوجين، فلم تعد التقاليد وحدها ما يحدد من يقرر، بل أصبح الحوار والاتفاق المشترك هما الأساس في اتخاذ القرارات اليومية؛ مثلا في إدارة الشؤون المالية، أو تربية الأطفال، أو إدارة المنزل. وهكذا تتحول العلاقة الزوجية تدريجيا، الى تعاون مستمر، يوازن بين احترام الماضي ومتطلبات الحاضر. ويمنح كل طرف مساحة للتأثير، والمساهمة في بناء حياة أسرية مستقرة، ومتفاهمة.