رغم خسارته لأوراقه السياسية مازال اليمين المتطرّف يسبح عكس التيار، من خلال إصراره على الترويج لأفكار عدائية ضد الجزائر، من خلال زرع المزيد من المشاحنة للتشويش على أي محاولة للتطبيع بين البلدين، إذ تجلى ذلك في تصريحات وزير الداخلية المطرود من الحكومة برونو روتايو الذي مازال يدلي بتصريحات استفزازية عبر وسائل الإعلام الفرنسية للتهجّم على الجزائر. بدا روتايو وكأنه لم يهضم فكرة استبعاده من الحكومة لاستكمال مهمته في نفث سمومه على كل ماهو جزائري وإفساد العلاقات الثنائية، حيث عاد من نافذة القناة الفرنسية "بي أف أم" للدفاع عن فكره الكولونيالي والتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، لدرجة أنه عبّر عن حسرته لتراجع استخدام اللغة الفرنسية في بعض المؤسسات، واصفا ذلك بالسياسة المعادية لباريس. ولم يتوقف اليميني المتطرّف عند هذا الحد بل تجرأ على وصف "النظام الجزائري بالنظام المضاد لفرنسا"، ما يعكس حقيقة عدم رضاه للندية التي اختارتها الجزائر في التعامل مع شركائها بمن فيهم فرنسا التي كانت تحظى بالصفقات الاقتصادية التفضيلية في وقت سابق. وتعد التصريحات الجديدة لروتايو بمثابة تحريض للمسؤولين الفرنسيين من أجل الإبقاء على الانسداد الذي كرّسه في علاقات بلاده مع الجزائر عندما كان يشغل منصب وزير الداخلية، بل إنه لم يجد بدا من التدخل في عديد المرات في صلاحيات وزير الخارجية والرئيس ايمانويل ماكرون، حيث يفترض أن السياسة الخارجية من صلاحياتهما. ويظهر جليا أن التجاهل الذي اعتمدته الجزائر تجاه الاستفزازات الفرنسية بات يقلق التيار اليميني الذي أضحى يتخبّط وحده في المستنقع الذي أوقع نفسه فيه، ضاربا مصلحة فرنسا الغارقة في الأزمات عرض الحائط، كما ظهر روتايو وأتباعه من دوائر القرار الفرنسية الرافضة لأي تقارب مع الجزائر، وكأنهم لم يهضموا خسارتهم في التعامل مع مستعمرتهم السابقة مثلما خسروا نفوذهم في القارة الإفريقية التي طردتهم شر طردة. غير أن هذه الدوائر لا تكف عن البحث عن منافذ جديدة من أجل افتعال مشاحنات جديدة في إطار ما يسمى بحرية التعبير، على غرار الحملة التي تشنّها من أجل إطلاق سراح الصحفي الفرنسي كريستوف غليز، الذي دخل إلى الجزائر بتأشيرة سياحية والمتهم بتمجيد الإرهاب وحيازة بغرض الدعاية منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية. وفي سياق تحويل الأنظار تحاول السلطات الفرنسية، إعطاء هذه القضية صبغة حرية التعبير، في حين أنها لم تتردد منذ يومين في توقيف الصحفي والمحلل في قناة الجزائر الدولية (AL24 News) مهدي غزار، بالقرب من منزله في باريس قبل الإفراج عنه صباح أمس، بحجة ما اعتبرته إضرارا ب"أمنها القومي" . وكان الصحفي الجزائري مهدي غزار، قد أُبعد سابقا عن إذاعة "آر أم سي" الفرنسية، على خلفية مواقفه بشأن الإبادة في غزّة ودعمه المعلن للشعب الفلسطيني، بل إن الأمر طال أيضا الصحفيين الفرنسيين، حيث سبق أن تعرض الصحفي الفرنسي المعروف بمواقفه المناهضة للاستعمار جان ميشال أباتي، لعقوبة من قبل إذاعة "آر تي آل" بسبب تنديده بالجرائم الاستعمارية الفرنسية في الجزائر.