كذلك قلت بيني وبين نفسي حين بلغني نعي زميلي الأديب مصطفى نطور بعد شهرين كاملين من رحيله. ثم إنني رددت قائلا: لعل أصعب ما في الأمر كله وأقساه هو أننا ننتمي إلى نفس القبيلة، قبيلة الأدب دون أن تكون لنا الفرصة للتلاقي بين الحين والآخر. وأنا في هذا الشأن لا أحب أن أتساءل عن السبب، إذ رب عذر أقبح من ذنب. كنا نجتمع مرتين أو ثلاث مرات في العام الواحد في نطاق لجنة القراءة التابعة لوزارة الثقافة، وكان آخر لقاء فيما بيننا خلال شهر رمضان من عام ,2010 كان يجيء من قسنطينة وليس له من هم آخر سوى خدمة الثقافة والأدب في هذه الجزائر. وإني لأحتفظ بصورة طيبة عنه، لا لأنه كان أديبا دمث الأخلاق فحسب، بل لأنه كان يزداد صمتا على صمت وكأنه راهب متبتل مرتحل إلى عالم الفناء في الله كما يقول المتصوفة، في لقائنا الأخير، جاء متعبا، يكاد يكون مغمض العينين، والسبب هو أننا كنا في الشهر الفضيل، ورائحة السجائر تنقصه نقصا يؤثر على توقده الذهني، نظرت إليه مبتسما وقلت له: يا مصطفى، سأرفع نداء إلى منظمة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لكي ترسل إليك بشاحنة من السجائر الأمريكية حتى تعود إلى نشاطك الذي أعرفه عنك. وانفجر ضحكا رغم تعبه، وكانت تلك آخر صورة رسخت في وجداني عن زميلي مصطفى نطور، عليه رحمة الله الواسعة. لقد أهداني قبل رحيله عن هذه الدنيا الفانية روايته ''عام الحبل''، وقدمت له بعض ملاحظاتي عليها، لكنني لم أتمكن من مشاهدتها حين نقلت إلى المسرح في مدينة سكيكدة، وهذا دليل آخر من دلائل التنائي والتباعد بين المثقفين الجزائريين برمتهم وعلى اختلاف انتماءاتهم الفكرية. وها أنذا اليوم بعد غيابه، أستعيد صور الأدباء الجزائريين الراحلين الذين عرفتهم عن كثب: مالك حداد، الشاعرة صفية كتو، الشاعرة نادية قندوز، يوسف سبتي، عمار بلحسن، عبد الله ركيبي، أبو العيد دودو، جمال مقناشي، الطاهر وطار، عبد الحميد بن هدوقة، جمال عمراني وعدد كبير من الذين أعطوا صورة مشرفة عن الوجدان الجزائري باللغتين العربية والفرنسية. فليرحم الله مصطفى نطور وليستقبله في فسيح جنانه، فهو أرحم الراحمين.