توسّعت دائرة النشاطات التجارية التي اقتحمتها المرأة الجزائرية مؤخرا، حيث صار تواجدها في كل الميادين، حتى تلك التي كانت في وقت قريب جدا حكرا على الرجل، ومنها قيادة شاحنات البضائع من الوزن الثقيل أو تسويق الخضر والفواكه أو حتى أشغال الكهرباء والغابات.. تحدثت “المساء” إلى فاعلين في مجال التجارة وتسويق الخضر والفواكه عن نظرتهم لاقتحام النساء لمثل هذه المجالات، والتمست تثمينا من طرفهم لهذه الخطوة، بالنظر إلى التوجه العام لطالبي مناصب الشغل نحو التجارة الحرة، بعدما كانت الوظيفة العمومية تستقطب نسب توظيف هامة قبيل سنوات. وبالرغم من أن تواجد المرأة في الساحة الاقتصادية في مجتمعنا ما يزال محتشما، إلا أن النظرة تغيرت تماما تجاه العنصر النسوي الذي دخل المعترك الإنتاجي والاقتصادي بخطوات جد ثابتة، بل أن الآراء تستقرِىء ثبات المرأة في مجالات “رجالية” بامتياز، مثل تسويق الخضر والفواكه وقيادة شاحنات الوزن الثقيل. وفي هذا السياق، أكد لنا السيد حاج الطاهر بولنوار، الناطق الرسمي للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، أن نسبة النشاط التجاري النسوي لا يمثل سوى 10 % من مجموع الأنشطة التجارية بتراب الوطن”. وهذه النسبة ضئيلة جدا مقارنة بدول المنطقة العربية، خاصة مصر، الأردن، لبنان، تونس والمغرب، فالمرأة في المجتمع الجزائري لم تصل بعد إلى الاندماج الحقيقي في الحياة الاقتصادية، والسبب في ذلك يعود إلى العقلية السائدة في المجتمع ككل، وحتى لدى المرأة ذاتها، القاضية بأن مكان المرأة في الوظيفة العمومية، أي الإدارة، باعتباره الأنسب. لكن هذا لا ينفي حقيقة تواجد المرأة الجزائرية في ميادين نعتبرها نحن فاتحة خير لها ولمجتمعها ككل”، يقول المتحدث ويضيف شارحا بقوله؛ إنه بالنظر لعدد سكان الجزائر، فإن عدد التجار الرسميين الذي يضاهي مليون و600 ألف تاجر يعتبر قليلا، لذلك فإننا من منبرنا هذا، ندعو النساء إلى التفكير جديا للدخول بقوة في المجال التجاري والاقتصادي. ونسوق هنا أمثلة للنجاح الاقتصادي الذي حققته المرأة الجزائرية، ومن ذلك عينة من ولاية سكيكدة لامرأة في عقدها الرابع، ربة بيت، تقود شاحنة لنقل البضائع نحو عدة ولايات. وعينة أخرى لامرأة من ولاية جنوبية تزاول نشاطا تجاريا يتمثل في تسويق الخضر والفواكه. في الإطار، يؤكد السيد فريد توامي رئيس التنسيقية الوطنية لممثلي أسواق الخضر والفواكه، أنه لاحظ شخصيا تزايدا في عدد النساء العاملات في المجال الفلاحي، وبالتالي في تسويق الخضر والفواكه. وإن لم يقدم المصدر عددا معينا، لكنه يؤكد أنه في ارتفاع قياسا بعدد السجلات التجارية المستخرجة من طرف نساء فلاحات، “لاحظنا مؤخرا تزايدا في عدد النساء الناشطات في مجال تربية الحيوانات وفي مجال البيوت البلاستيكية وغرس الحبوب، خاصة في الولايات الجنوبية، ولا يقتصر هذا النشاط أو ذاك على النساء الفلاحات بالوراثة، كما يقال، وإنما حتى على المهندسات والجامعيات ممن يحاولن الاستثمار في مجال دراساتهن”، يقول السيد توامي، الذي أوضح في جانب آخر أن أغلب النساء العاملات في تسويق الخضر والفواكه لديهن وسطاء من الرجال الذين يتفاوضون مع تجار الجملة أو التجزئة في الأسعار وتسويق المنتوجات عامة. وإلى ذلك، يشير السيد نور الدين نويوة، المنسق الولائي لاتحاد التجار بسطيف، إلى أن الولاية تعرف حقيقة توسعا كبيرا في مجال ولوج المرأة عالم الاقتصاد والتجارة، وقال؛ إن العلمة مثلا المعروفة وطنيا بسوقها الكبيرة للجملة والتجزئة لكل المنتوجات، تعرف محليا بكونها سوق النساء، “على اعتبار أن نسبة التجار والحرفيين بها من فئة النساء ملحوظة جدا، خاصة في مجال تسويق الألبسة النسوية وتلك الخاصة بالأطفال، وكذلك المواد الغذائية ومواد التجميل”، هذا دون إغفال المقاولات النسائية المتعددة التي يصل عددها، حسب السيد نويوة في ولاية سطيف، إلى 50 مقاولة تهتم بمجال البناء والتعمير وحتى الكهرباء، إلى جانب عدد من المؤسسات التي تهتم بمجال الغابات والتشجير تديرها نساء. وهي الخطوة التي يعتبرها السيد نور الدين نويوة عادية جدا، بالنظر إلى أن النشاط التجاري والاقتصادي النسوي في سطيف معتبرا وفي تزايد ملحوظ، مع الإشارة إلى “أن المرأة في المجالين الاقتصادي والتجاري تتسم بالصبر وحلاوة الكلام، مما يفتح أمامها آفاقا واسعة للتجذر أكثر في العالم الاقتصادي”، يقول محدثنا.
الراحة عامل أساسي للتخصص النسوي في التجارة أما من جملة الأسباب التي يسوقها محدثو “المساء” لاتساع التواجد النسوي في المجال الاقتصادي، تظهر التسهيلات التي منحتها الدولة للشباب كافة لفتح المؤسسات المصغرة، هذه الأخيرة الخاصة بالنساء تتلخص أساسا في وكالات الاتصال والإشهار، الوكالات العقارية، وكالات السفر والسياحة وحتى تجارة التجزئة لملابس النساء والأطفال، وكذا نسبة متزايدة للناشطات في مجال وكالات العبور والجمركة. هذا إلى جانب توجه نسبة ملحوظة لحاملات الشهادات الجامعية نحو التخصص في مجال دراستها، وفتح نشاط تجاري خاص بها للراحة الكبيرة التي تجدها شخصيا في ذلك. كما يظهر عامل آخر، يتمثل في الإرادة الكبيرة الملموسة لدى المرأة، عموما، في تحدي البطالة والرغبة على الاعتماد على النفس لتحقيق الاكتفاء الذاتي، “وعامل قهر البطالة برفع التحدي لا يلمس عادة عند الرجال، كما لمسنا كذلك تنامي روح إدارة النشاط التجاري لدى المرأة، لأنه مجال مربح ضمن نشاطاته المتنوعة”، يقول بولنوار. جدير بالذكر أن عدد السجلات التجارية المستخرجة باسم نساء يتراوح ما بين 110 آلاف إلى 120 ألفا. ومن المنتظر أن يعرف العدد ارتفاعا ملحوظا، خاصة مع التسهيلات الممنوحة في المجالين التجاري والاقتصادي، وكذا بالنظر إلى ظهور جمعيات النساء صاحبات المؤسسات والمقاولات التي تعتبر بمثابة الدعم الحقيقي للمرأة الجزائرية، للمغامرة في فتح منافذ على الحياة التجارية والاقتصادية بالجزائر.