ينتظر الشارع المصري بكثير من الترقب، الموقف الذي ستتخذه قيادة الجيش المصري بانتهاء المهلة التي منحها للرئاسة المصرية مساء اليوم، من أجل "تلبية مطالب المحتجين والرد على انشغالاتهم" . أكدت تطورات الوضع المتوتر في مصر، أن الرئيس محمد مرسي لم يعد يتحكم في مقاليد سلطاته، وقد اشتد الخناق من حوله بما يزيد من احتمالات إذعانه للأمر الواقع المفروض عليه من طرف معارضة، لم يعد يهمها سوى إحكام قبضتها عليه أكثر فأكثر إلى غاية تحقيق هدفها النهائي. وتقاطعت عدة عوامل لدعم هذا الموقف لسوء حظ مرسي، بعد أن انضم وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو إلى قائمة وزراء حكومته الخمسة المستقيلين، قبل أن يلتحق به إيهاب فهمي الناطق باسم الحكومة وعلاء الحديدي الناطق باسم الرئاسة، اللذان قررا أيضا الانسحاب أمس. وجاء سيل هذه الاستقالات، في وقت قرر فيه 129 سفيرا مصريا في الخارج "انحيازهم الكامل للمطالب المشروعة للشعب المصري". وأكدوا في بيان أصدروه أمس، على ضرورة الاستجابة للمطالب العادلة للشعب. في نفس الوقت الذي قدم فيه 30 نائبا عن أحزاب التيار العلماني والمستقلين بمجلس الشورى استقالاتهم تضامنا مع مطالب المتظاهرين بإسقاط الشرعية عن مؤسسات النظام، حسب تعبيرهم. كما أن قرار المحكمة الدستورية العليا بإعادة المدعي العام السابق عبد المجيد محمود إلى منصبه، بمثابة طعن في قرار الرئيس مرسي بعزله. وحتى وإن أكد الرئيس المصري أن هذه الاستقالات المتلاحقة لا يعتد بها كونهم من التكنوقراط، فإن ذلك لا ينفي درجة التذمر وعدم الرضى التي دبت في دواليب الحكومة، بما يعني أن سياساتها المنتهجة لا تلقى الإجماع ويشكل ضربة قوية للصورة التي أراد الرئيس الاخواني تمريرها. وتأكد من خلال تطورات الساعات الأخيرة، أن الرئاسة المصرية أصبحت تتخبط في سوء تقديراتها للوضع، إلى درجة جعلتها تستغل قرار الجيش المصري لخدمة موقفها، في نفس الوقت الذي رفضت فيه الإذعان لمهلته الممنوحة لمختلف الأطراف لحسم خلافاتهم، وإنهاء سياسة الاحتكام إلى الشارع التي تحولت إلى موضة عند الطبقة السياسية في مصر. وألقت الرئاسة المصرية بطريقة ضمنية بالكرة في معسكر الجيش، بعد أن شددت التأكيد على ضرورة "المحافظة على الدولة المدنية"، في إشارة واضحة رفضها لأي دور للجيش فيما يجري في البلاد، بذريعة أنها "مكسب حققته ثورة 25 جانفي " . وتكون تخوفات الرئاسة المصرية هي التي جعلتها توجه تحذيرات مبطنة باتجاه قيادة الجيش، عندما اعتبرت أن بيان الجيش ومهلته حملت "دلالات " تتسبب في "حدوث إرباك للمشهد الوطني المعقد". وأشّر مثل هذا الموقف، على احتمال انتهاء علاقة الودّ بين الرئيس المصري وقيادة جيشه التي تكون هي الأخرى قد استشعرت خطورة الموقف، مما أرغمها على إصدار هذا البيان التحذيري في انقلاب على موقفها المبدئي الذي التزمت به منذ البداية بالبقاء على بعد مسافة واحدة من الفرقاء، حتى لا يقال إنها انحازت إلى هذا الطرف على حساب الطرف الآخر. ويبدو أن قيادة الجيش المصري لم تشأ تحمل تبعات السياسة التي انتهجها الرئيس المصري طيلة عام، وهي ترفض تكرار تلك الأحداث التي شهدتها البلاد في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، مما جعلها تقرر أمس تعزيز التواجد الأمني بأعداد إضافية من قوات الأمن والجيش تحسبا لأي انزلاق قد تفرزه تطورات الساعات القادمة، على خلفية المهلة التي منحتها المعارضة للرئيس مرسي للانسحاب. وتفاعلت هذه التطورات بشكل متسارع في الاتجاه السلبي، بعد أن شلت كل مظاهر الحياة في بلد منهك اقتصاديا ولم يعد يقدر على تحمل مزيد من الاحتقان، الذي انعكس بشكل مباشر على الاقتصاد المصري الذي دخل مرحلة كساد غير مسبوق. وهي كلها عوامل ستزيد من متاعب الرئيس محمد مرسي وتجعله يفقد شيئا فشيئا مبررات بقائه في السلطة، حتى وإن تحجج ب«الشرعية الديمقراطية".