بدخلة عاصمية خالصة، وعلى وقع أنغام الزرنة، افتتحت الفنانة القديرة فريدة كريم فعاليات تظاهرة ”الزواج في احتفالية” الذي احتضنته ساحة المركز التجاري ”أرديس” مرتدية الزي التقليدي الممثل في ”الجبة السطايفية”، موشحه ب”حايك المرمة” في إشارة منها إلى أن عادات زمان لا تزال حاضرة، رغم تخلي عدد كبير من الأسر عنها سعيا إلى مواكبة العصرنة. ”خالتي بوعلام” نزلت ضيفة على زينة القعدة بالتظاهرة، حيث أمتعت زوار المعرض بحديثها عن عادات زمان في الزواج بكثير من التحسر. أصرت فريدة على توجيه دعوة إلى الأسر الجزائرية، تحثها من خلالها على الرجوع إلى عادات زمان في تنظيم الأعراس بكل ما تتطلبه الحفلة من تحضيرات، وأرفقت دعوتها ب«بوقالة” طلبت من كل الحاضرين أن ”يعقدوا وينووا”، جاء فيها؛ ”بعض الناس هما هما كالعسل في القرجومة...والبعض يا لطيف كالحبة اللي مسمومة... أنا اخترت في الدنيا ديك الفويمة المختومة... خير منها ما صبته في جميع بنات الحومة... فيها سمايم الخير دارها دايما مرحومة..”. ”الجديد حبوه والقديم ما اتفرطو فيه”.... تقول الفنانة فريدة ردا على سؤالنا حول رأيها في الطريقة التي باتت تقام بها الأعراس، وتضيف: ”الجري وراء كل ما هو جديد وعصري جعل (البركة) تغيب عن أعراسنا. حقيقة شيء جيد أن نحاول تغيير بعض الأمور لتسهيل الأعراس التي تتطلب الكثير من الجهد والتكاليف، لكن دون أن يمس ذلك بأصالتنا وتقاليدنا، غير أن ما حدث أن البعض تخلى عن هذه التقاليد كليا، وخير مثال على ذلك (العرضة)، ففي الماضي كان أصحاب العرس يتنقلون إلى منازل المدعوين ويقدمون لهم الدعوة، فيسألهم من قصدوهم إن كانوا في حاجة إلى تقديم العون سواء من حيث دعمهم بالأواني أو الأفرشة وما إلى ذلك، لكن اليوم للأسف الشديد، (العرضة) أصبحت تتم عن طريق إرسال رسالة قصيرة عبر الهاتف، مما يجعلها جافة، قتلت صلة الرحم، وهذا عيب، إذ يحط من قيمة من وجهت إليه الدعوة، خاصة إذا كان من المقربين. وهناك شيء آخر؛ فأعراس اليوم أصبحت تعتمد كليا على ما يباع في الأسواق، بدءا بالكسكسي، وصولا إلى الحلويات التي فقدت بنتها لكثرة الزركشة والألوان، دون الحديث عن تكاليفها التي أصبحت جنونية، بينما في الماضي كان يتم التحضير للعرس بدعوة العمات والخالات لفتل الكسكسي في جو يسوده الفرح والغناء والزغاريد التي تبين بأن بيت العائلة الفلانية يحضر للعرس، بينما كانت الحلويات تصنع بأيادي المقربين من أفراد العائلة، وكان (المقروط) و(التشاراك) من الحلويات الأساسية”. من بين العادات التي تراجعت أيضا في مفهوم العصرنة؛ حمام العروسة، حسب محدثتنا، فبعدما كانت العروس تأخذ حقيبتها مجهزة بكل لوازم الحمام من مناشف مزينة ب”الدنتال” وصابون وعطور وطاسة نحاسية وحلويات لتوزعها على المتواجدات في الحمام، حيث كانت تدخل وتخرج من وإلى الحمام على أضواء الشموع وزغردة المرافقات لها من العازبات، أصبحت عروس اليوم تأخذ ملابسها في كيس بلاستيكي وتذهب بمفردها، وتستعمل طاسة الحمام البلاستيكية كغيرها من المتواجدات هناك، مما يجعل خصوصية العروس غائبة. ومن أكثر العادات التي اغتاظت الفنانة فريدة لتخلي العائلات عنها لعدة اعتبارات، منها الخوف من السحر، أو عزوف البنات عن الوضع من منطلق أنها لا تواكب الموضة وتم تعويضها ب”الحرقوس” وهي الحناء، حيث قالت: ”من المفترض أن وضع الحناء فأل جميل للعروسة، وكما يقول ناس زمان؛ الحناء تحن على الفتاة المقبلة على الزواج، فكيف نتخلى عنها اليوم؟ وحسبما أذكر، يوم حناء العروس مميز، بل ويعتبر عرسا في حد ذاته، لأنه اليوم الذي يتم فيه إحضار الأضحية، وبعد ذبحها يأكل المدعوون من (طبق البكبوكة) و(البوزلوف) والفلفل المشوي والكسكسى في جو يسوده الغناء والرقص على وقع الأغاني التقليدية التي ترددها النساء المتقدمات في السن. أعراس اليوم ضيعت بنتها وبركتها بعدما أصبحت العائلات تفضل قاعات الحفلات وترفض أعراس السطوح، إذ ينتابك شعور بالانزعاج- تقول فريدة - وأنت جالس تراقب العروس وهي تأتي وتروح لتغيير الأثواب، كأنك تشاهد عرض أزياء، بعدها توزع بعض الحلويات ويتم تصريفنا، بينما فيما مضى كانت الأعراس تقام على وقع ”البندير” وأغاني المداحات، وفي الليل كنا نلتف جماعات ونعقد ”البوقلات” في جو حميمي، وتختم حديثها بتنهيدة طويلة قائلة؛ ما أحوجنا إلى العودة إلى عادات وأيام زمان.