في هذا الحوار الشيق مع أحدى المجاهدات اللواتي ضحين بحياتهن في سبيل الوطن الذي أرتوى بدم البعض منهم و البعض الآخر بقي ليكون القلم الذي يكتب على كل شبر من أراضي الوطن و يدون فيها تاريخ الجزائر و الصوت الذي يصل إلى كل مناطقها و لتسمع صداه الأجيال القادمة المسار العربي: بداية سيدتي من هي باية مروك؟ باية مروك هي مجاهدة جزائرية من مواليد 1941 بحجوط بولاية تيبازة، كانت تعمل بالتنسيق مع المناضلين المتواجدين في المنطقة، و المكلفة بربط المعلومات بين العناصر القيادية المتواجدة بولايتي تيبازة و الجزائر المسار العربي: بما أنك كنت تتقلدين منصبا حساسا و المتمثل في نقل المهلومات،حدثينا عن بداياتك في العمل النضالي دخلت ساحة الكفاح سنة 1956 و عمري يناهز 14 سنة، حيث كانت بداياتي في العمل النضالي بسيطة ولم تكن معقدة و المتمثلة في مجال الإستعلامات أي إيصال المعلومات إلى الجهات القيادية المنتشرة بين ولايات تيبازة و الجزائر العاصمة، كما كانت تقتصر أعمالي النضالية كجميع المنخرطين الجدد في الكفاح و المتمثلة في جمع الأموال و التبرعات لتمويل المجاهدين حتى يتسنى لهم تنفيذ مخططاتهم كما كنت أقوم بالتحري عن المشكوك فيهم هل ما إذا كانوا عملاء فرنسا وترقب كل تحركاتهم و التفاصيل المتعلقة بساعات دخولهم و خروجهم و مع من يلتقون و ما غير دلك من التفاصيل المتعلقة بهم ليتم جمعها و إيصالها إلى الهيئات المهنية و أصحاب القرار. و شيئا فشيئا بعد اكتساب الخبرة أصبحت أتصل شخصيا مع المسؤولين وربط العلاقات فيما بينهم أي بين المسؤولين المتواجدين في الجزائر العاصمة و المتواجدين في تيبازة و المنتشرة أيضاعلى حجوط،شرشال، مليانة من بينهم السي منور و محافظ الشرطة محمد جبور و غيرهم من المسؤولين الكبار و أصحاب القرار المنتشرين في الجبال إلا أنهم كانوا ينسقون فيما بينهم لتنفيذ عملياتهم النضالية. المسار العربي :يعني حدثينا عن الدور الذي لعبته المرأة آنذاك و الأخطار التي كانت تواجهها في بدايات الأمر المرأة كانت بنسبة جدا، و حينما دخلت الساحة النضالية إقتصرت أعمالها على أدوار ثانوية كالحياطة و التمريض و إخفاء المجاهدين و القيام بالتحريات حول الأشخاص المشكوك فيهم وكذا جلب النساء الراغباقليلة ت في الإنحراط في الساحة النضالية. إلا أن التنسيق بين الفئة النسوية كان بشكل شبه منعدم بالمقارنة مع الرجال الذين كانوا أخذون المناصب الحساسة التي تتطلب القيام بالعمليات الخطيرة و الصعبة، كما ان سبب غياب التنسي النسوي فيما بينهن كان أحد السياسات التي كان ننتهجها القيادات بحيث لا يمكن لأي أمرأة ان تعرف اكثر من 5 اشخاص مجاهدين، و ذلك لتجنب كشفهم لدى القيادات القرنسية في حال ما إذا تم القبض عليهم. المسار العربي: بما أنك قلت بأن المرأة كانت تشارك بنسبة قليلة في العمليات النصالية، ماهي العمليات التي كلفت بها باية مروك؟ أثناء العمليات كنت أرتدي الحايك و آخذ معي القفة التي تحتو على الأسلحة و المغطاة بالخضر و مواد غذائية لخداع العساكر الفرنسية حتى نتمكن من المرور و إعطاء الأسلحة التي كانت بحوزتنا إلى المجاهدين لتنفيذ عملياتهم الجهادية، وبعد الإنتهاء من تنفيذ العمليات يتم استرجاع تلك الأسلحة بالطريقة نفسها التي تم أخذها. و في سنة 1958 كنت أبلغ من العمر 16 سنة، جاء المسؤولون إلى البيت الذي أقطن فيه ليتحدثوا مع والدي حول تربصي بأحد المستشفيات، إلا أن هذا التربص لم يكن تربص من اجل إكتساب خبرة التمريض فقط و إنما من اجل الحصول على الأدوية لإسعاف المجاهدين المصابين بالرصاص الفرنسي و كذا ترقب الحركى الذين يتم نقلهم للمستشفى الناجين من رصاص المجاهدين. و اثناء آدائي لتربصي الذي دام 7 أشهر، كلفت بمراقبة الحركى و الخونة الذين كانت تستغلهم فرنسا كمصادر معلومات تخص كل ما يتعلق بتحركات و مخططات المجاهدين مقابل إغرائهم بالماديات و نيلهم مناصب شرفية لدى الفرنسيين من بينهم " عمر البياع" الذي كلفت بقتله آنذاك ، حيث كنت ذات يوم أقوم بالمناوبة الليلية و هو اليوم الذي أتت سيارة الإسعاف " بعمر البياع" لأترقببعذ ذلك الغرفة التي وضعوه فيها، و بالفعل تسللت إلى الحجرة أين قمت بفصل كل الآلات الطبية عن الخائن "عمر" ليموت، إلا أن هذا ألأخير نجا منها بفضل المراقبة الطبية التي قامت بها إحدى الممرضات ليكتشفوا بأنه عمل عمدي الذي إستدعى التحري ليتم التعرف على الفاعل، وبالفعل تم التعرف عن الغاقل ليتم بعد ذلك إرسال العساكر الفرنسية إلى البيت الذي لم يتركوا فيه شيئا لم يكسر، إلا أنهم لم يستطيعوا القبض علي لأني بعد أن قمت بالعملية التي فشلت أدركت أنهم سيقومون بالبحث عني لقتلي. المسار العربي: بعد أن نجا الحركي همر من الموت و بعد أن فلتت باية من قبضة الفرنسيين القالة ماذا حدث بعد؟ بعد فشل العملية الأولى، كلفت مرة أخرى بقتله لكن هذه المرة بوضع قنلة في بيته، و بما أنني كنت أعرف زوجته الثانية التي درست معي في صف واحد، إذن كانت مناسبة لضمان تصفية ذلك الخبيث، إلا أن هذا ألأخير و هو عمر البياع قد أقفل الباب على زوجته من الخارج حتى لا تتمكن من الإتصال مع أي كان، لينجو بذلك من مقصلة المجاهدين لمرة الثانية. أريد أن اضيف أن هذه العملية قد شكلت منعطفا مهما في مساري النضالي لأصبح بعد ذلك عونا للإتصال و ألإستعلام ، أين كنت أقوم بإيصال و ربط المعلومات بين كل المجموعات المتواجدة بين ولاتي تيبازة و الجزائر. المسار العربي:بعد كل هذه المعاناة و التهديدات التي عشتموها من ويلات الإستدمار الغرنسي كيف كنتم ترون 19 مارس و هو عيد النصر؟ قبل أن أحدثكي عن ملامح الغرحة التي كانت ترتسم على أوجه كل الجزائريين ليس المجاهدين فقط ، أتركوني أعرج إلى المعاناة الفعلية و الحقيقية التي مرت بها المرأة خصوصا و تجرعت ليس كآسا بل كؤوسا من المرارة التي صنعتها فرنسا. المسار العربي: يعني أراك انك تقولين بان المرأة هي التي قادت الثورة في حين أنك قلت في السابق بأن وجودها كان ضئيل جدا نعم في البدايات فقط من إندلاع الثورة، لكن بعد ذلك شهدت لها الساحة النضالية إشتراك كبير في التنسيق في العمليات خصوصا على الساحة الميدانية من بينها مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي ضحيتها المرأة، لأنها هي التي خاطت العلم الجزائري و هي التي واجهت به العساكر الغرنسية بعد أن رمت بعضهن بالحايك لترتدي العلم و تلفه حولها و خناك من كانت تلوح به فخرا و إعتزازا لأستفزاز فرنسا و هي الصورة التي لن أنساها، بعد ذلك استوعبت فرنسا الرسالة التي بعث بها الشعب الجزائري من مظاهرات 11 ديسمبر و المتمثلة في المطالبة بالإستقلال التام و تصفية الإستعمار من ألأراضي الجزائرية. و حتى لا ننسى فإن المرأة الريفية هي التي عانت بقوة بأكث قدر من المرأة التي تقطن بالمدينة، بحيث كانت تدفن الشهداء حين يتعذر ألأمر على الرجال، إلى جانب ذلك الخياطة الطبخ، والتمريض فضلا عن توفير المخابئ لهم إلى غير ذلك من الأعمال التي كانت تقوم بها كتكلة للعمل النصالي الرجالي. و بالتالي كل هذه المعاناة التي ذكرتها لك و المخاطر التي واجهتها المرأة و كل المجاهديم بصفة عامة كانت تحتاج إلى نهاية و نهايتها كانت مع بداية يةم 19 من مارس و هو اليوم الذي بدا فيه الجزائريون يشتمون رائحة الإنتصار و الفوز في اليوم العظيم المسار العربي: ككلمة أخيرة يا ايتها المجاهدة و المناضلة في سبيل الوطن أريد ان أبلغ رسالة هامة إلى كل القراء، ان الجزائر أولا شهدت اكثر من مليون و نصف المليون شهيد، لأن البعض الاخر الذي لم تدونه السجلات لم يتعرف علي هويتهم بعد أن حرقت فرنسا جثثهم و نكلت بها، و هناك من أكلته الذئاب في الغابات بعد أن يتم قصفهم من قبل العساكر الفرنسية هذا من جانب و من جانب آخر فإن الثورة الجزائرية المباركة لم تندلع على يد جكاعات معدودة و عي التي نراها دائما على وسائل الإعلام و الكتب التاريخية، و بالتالي فعلى الهيئات الخاصة أن تراعي هذه النقطة قصد التعريف بالمجاهدين و الشهداء الاخرين الذين لم يعرفهم الشعب الجزائري و هذا بسبب غلبة القلة على الكل ، فضلا عن نقص المؤرخين المتخصصين في هذا المجال الذين من واجبهم أن ينقلوا الأحداث بمصداقية و امانة بالإستعانة بالمجاهدين و الثوريين الحقيقيين الذين شاركوا في الميدان، و ليس استنطاق من سمهوا عنها او من أتروا بعد الإستقلال ، و ذلك لإيصال الرسالة الحقيقية للأجيال القادمة قصد غرس الروح الوطنية فيهم.