(توطئة: "دلوني على فريق جيد لكرة القدم وأنا سأشتريه من أجل الجزائر" الرئيس بوتفليقة/ مارس 2009 سيدي بلعباس) كنت في تلمسان عشية لعبت الجزائر مع زامبيا، ومع سابق الإصرار والترصد، قررت أن أشاهد المباراة في المقهى مع الشباب، أو بالأحرى أن أتابع الشباب وهم يشاهدونها، فتمركزت باكرا في المقهى المقابل لقصر المشور التحفة الأثرية التي تركها لنا أجدادنا الزيانيون، بحثا عن مكان استراتيجي للتأمل. قال لنا صاحب المقهى: من أراد أن يشرب شيئا فليطلبه الآن، قبل أن تبدأ المقابلة، لأنني لن "أسربي" أثناءها، فالانشغال عنها بغير مشاهدتها حمق عظيم، وإذا كتب الله الفوز لنا، فأنتم في حلّ من ثمن ما تشربون. بدأت المقابلة فتغيرت الوجوه، إنه الشعور بالخوف على الفرحة، ثم كأنهم اكتشفوا أن هذا الخوف لن يتلاشى إلا بالتفاعل مع الفريق، فراحوا يتقافزون ويتصايحون ويصفقون ويدعون ويسبون ويعلقون، كأنهم في الملعب لا في مقهى يبعد عنهم بآلاف الأميال، إذ لم يعد لديهم شعور بالحواجز، خاصة لحظة التسجيل، هل هناك كاتب أو سينمائي أو مصور يستطيع أن يرصد مشاعرهم وهم يتفاعلون مع تسجيل الهدف؟، إنهم جميعا في حالة حب، بحيث يتبادلون السجائر ورشفات القهوة بدون أي بخل، وهذا الحب هو الذي جعلهم يشبعون العلم الوطني قبلات، العلم الذي أصبحت له سوق في كل مكان، من تاء تيزي وزو إلى تاء تمنراست إلى تاء تبسة إلى تاء تلمسان، والبائع والشاري في هذه السوق شاب طالما قيل عنه إنه فقد الصلة بعلم بلاده، آه لو كان العلم الوطني ينطق، لا شك في أنه سيعبر عن فرحته العظيمة بذلك، وهو الذي لم يقبل بهذه الحرارة منذ سنوات، يتيمة هي الأعلام التي لا يقبلها شبابها، لأن القبلة في حقيقتها انتماء، ورضا تام بهذا الانتماء، بعيدا عن أية مظلة ما عدا مظلة الجزائر. قال لي وسيم طالب الإلكترونيك: كلما قدمت الراية الوطنية مقترنة بأحداث لم يشارك فيها شباب اليوم، كلما زهدوا فيها، لأنهم يحسون بأنهم غير معنيين بها لاحتكارها من طرف جيل معين، أما عندما تقدم لهم مقرونة بأحداث شاركوا فيها كجيل ومنها ما يحدث مع الفريق الوطني، فإنهم يكونون في مستوى الاحتفاء مثلما كان آباؤهم في مستوى بها، ومنه علينا أن نحرر العلم الوطني من الاحتكار السياسي والتاريخي، بأن نجعله رمزا مشتركا ليس لأحد مهما كان انتماؤه السياسي أو جيله أن يهينه أو يستغله. هل تساءلت لماذا لم يخرب الشباب بعد مباراة مصر مثلما كانوا يفعلون بعد كل مباراة محلية؟، قلت: لماذا؟، قال: لأن العلم الوطني جعلهم يحسون بجزائريتهم وبالتالي تصرفوا باعتبارهم مواطنين صالحين، يرون في المرافق العمومية مرافقهم، ولا يجب أن يخربوها، وهنا علينا أيضا أن نباشر نقاشا شفافا حول علاقة الشاب الجزائري بالمرفق العمومي. تم تسجيل الهدف الثاني، فاشتعلت المقهى بالصياح والتصفيق، وعلت الرايات الوطنية الرؤوس والتصفيق. اقتراح: لو يدشن صديقنا عز الدين ميهوبي وزير الاتصال حملة ثانية من أجل علم في كل بيت.