مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    جهود مميزة للجزائر لوضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح    المياه الجوفية لإنطلاق التكامل الثلاثي المغاربي    مسرحية "المتّهم"..أحسن عرض متكامل    في عمليات عبر النواحي العسكرية من 18 إلى 23 أبريل الجاري: إحباط محاولات إدخال 78 كيلوغراما كيف قادمة من المغرب    أبو عيطة وعقب استقباله من قبل رئيس الجمهورية،عبد المجيد تبون: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل إصرار الجزائر    سفير مملكة ليسوتو يثمن مساعدة الجزائر لدعم جهود التنمية في بلاده    الجزائر-تونس-ليبيا : التوقيع على اتفاقية إنشاء آلية تشاور لإدارة المياه الجوفية المشتركة    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالناحية العسكرية الثالثة    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    قسنطينة: تدشين مصنع لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    بروتوكول تفاهم مع الشركة العمانية للطاقة    دراسة مشاريع نصوص قانونية والاستماع الى عروض عدة قطاعات    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    شبيبة سكيكدة تستعد لكتابة التاريخ أمام الزمالك المصري    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    مصادرة 441 كلغ من أحشاء البقر الفاسدة    29 جريا خلال 24 ساعة الأخيرة نتيجة للسرعة والتهور    عنابة: مفتشون من وزارة الري يتابعون وضع بالقطاع    الجزائر تشارك في اجتماع إفريقي حول مكافحة الإرهاب    "عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي تعكس الإرادة الجزائرية لبعث وتطوير السينما"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    الصّهاينة يواصلون جرائمهم بالقطاع وعمليات إخلاء بالشمال    "العفو الدولية": إسرائيل ترتكب "جرائم حرب" في غزة بذخائر أمريكية    فلسطين: ترحيب بقرار حكومتي جامايكا وباربادوس الاعتراف بالدولة الفلسطينية    الجزائر/تونس: الاتفاق على تنظيم يوم إعلامي حول الصيد البحري لفائدة المستثمرين من البلدين    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    وزير التربية انتقل إلى عين المكان والعدالة فتحت تحقيقا: إصابة 6 تلاميذ في انهيار سقف بمدرسة في وهران    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    غائب دون مُبرر: إدارة لاصام مستاءة من بلحضري    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    مدرب اتحاد الشاوية السعيد بلعريبي للنصر    وزير الخارجية أحمد عطاف يصرح: الوضع المأساوي في غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    وزير الداخلية يكشف: تخصيص أزيد من 130 مليار دينار لتهيئة المناطق الصناعية    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    تأسيس جائزة وطنية في علوم اللغة العربية    مولودية الجزائر تقلب الطاولة على شباب قسنطينة وتبلغ نهائي كأس الجزائر للمرة العاشرة    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف استرجاع بابا مرزوق كامل وننتظر رد ساركوزي
نشر في المستقبل يوم 04 - 07 - 2009

اهتم بالتاريخ وبالبحث في خبايا الماضي، أخذته رائحة المحروسة إلى أعماقها فلم يرجع إلا بحقيقة كبيرة عن عهد ذهبي عاشته الجزائر على واجهتها البحرية، المؤرخ والباحث بلقاسم باباسي أخذ على عاتقه مهمة نبيلة هي استرجاع مدفع "بابا مرزوق" الحارس والمقاتل الذي هزم جيوش فرنسا ورد أميرالاتها وضباطها خائبي الرجاء، حطم غرورها، واستفز جبروتها وقبر حلمها لسنوات، لكنه سقط أسيرا بسقوط مدينة الجزائر، ونفي إلى موطن غير موطنه، بلقاسم باباسي نفض غبار النسيان عن هذه الحقيقة، مؤكدا في حوار خص به المستقبل سعيه من خلال لجنة إلى استعادة‮ هذه‮ الآلة‮ الحربية‮ النادرة‮ التي‮ مازالت‮ قابعة‮ بانكسار‮ في‮ إحدى‮ ساحات‮ فرنسا‮.‬
في‮ سنة‮ 1999‮ شكلتم‮ لجنة‮ لاستعادة‮ مدفع‮ بابا‮ مرزوق‮ لماذا‮ هذه‮ اللجنة‮ وما‮ الأهمية‮ التاريخية‮ التي‮ يكتسيها‮ مدفع‮ بابا‮ مرزوق‮ ؟
في سنة 1999 لما كنت أبحث في تاريخ الجزائر خاصة الفترة العثمانية وكنت قمت بإعداد حصص إذاعية ليلية مع السيدة" ليلى بوطالب" حيث حكينا عن تاريخ ما يسمى بين قوسين بالقرصنة الجزائرية، لأني لا أحب هذا الوصف. فالجزائر كانت تملك رياس البحر معتمدين من طرف الدولة، وعثرت على الوسائل الدفاعية التي كانت مستعملة آنذاك خاصة في عهد خير الدين بارباروس ثم حسن باشا، واكتشفت أنه كان هناك مدفع ضخم يمكن اعتباره من عمالقة المدافع في ذلك الوقت لان طوله كان سبعة أمتار ويطلق قنابل ب80 كلغ إلى غاية تامنفوست بما يعادل تقريبا الخمسة كلم، وهذا بالنسبة لي كان مفاجأة نظرا لان بناء المدفع في سنة 1542 كان فريدا من نوعه في ذلك القرن، فحتى البلدان الأوروبية كانت لا تحوز على مثله من الآلات والمدفع الكبير الذي كان في ذلك الوقت كان بطول أربعة أمتار أو ثلاثة، وإذا كان ضخما فلم يكن يتعدى الخمسة أمتار، وهنا كانت المفاجأة التي دفعتني للبحث كيف تم بناؤه ومن بناه وأين تم ذلك؟ واكتشفت بعض الأماكن بما يسمى دار النحاس ودار الذوابين حيث كانوا يذيبون المدافع التي يسترجعونها أثناء المعارك والهجومات التي كانت تتعرض لها الجزائر، ونعرف أنه وقت عروج وخير الدين كان هناك أسطول ضخم ترك مئات المدافع التي تصلح للذوبان. وكان خير الدين قد استقبل مهندسا من البندقية المدينة الايطالية يسمى "سيباستيانو " الذي كشف له عن امتلاكه مخططات لمدفع من النوع الضخم والذي سيجعل الجزائر محروسة بمعنى الكلمة، ولما اطلع خير الدين عن المخططات كلف حسن أغا ابنه الذي رباه لمتابعة صناعة هذا المدفع ولهذا جعلوا دار النحاس تحت إشراف هذا المختص في صناعة المدافع واستغرق صناعته قرابة الثماني سنوات نظرا للتجارب، وفي سنة 1542 تم إخراجه إلى الرصيف قبالة البحر وهناك أصبح رمزا وسمي "بابا مرزوق" يعني رزق الله والله رزقنا بوسائل دفاعية قوية، وحقيقة أن خمسين سنة كانت الجزائر محمية وهذا المدفع قاوم حتى 1816 حيث استعملوه بصفة فوق العادة فسخن وذاب، وهم يقولون أنه انفجر ولكنه ذاب، هذه الحكاية أدهشتني كيف أن الجزائر تصنع آلة لم تكن موجودة في العالم واكتشفت فيما بعد أن حتى الدول الأجنبية استنبطت منه صناعة المدافع، ولهذا أول مدفع من ذلك النوع وحتى أقل منه شارك في الحرب العالمية الأولى بما يسمى لاقروسبرت الألماني ثم جاءت في الحرب العالمية الثانية مدافع نافارون التي كانت من النوع الكبير، وأنا أظن أن الجزائر قدمت مثالا في هذا الميدان، وتساءلت أين هو، بحثت وبحثت عنه ووجدت أن الأميرال" دوبري" أخذه في سنة 1830الى بلاده براست في فرنسا كرمز احتلال الجزائر، ذهبت إلى هناك وأخذت صورا وبدأت مع مجموعة من المهتمين بالتاريخ وعمداء الكشافة ومؤسسة القصبة والتي أنا أحد أعضاء مكتبها واتفقنا على تشكيل لجنة لمطالبة فرنسا باسترجاع هذه الآلة كرمز لأننا لا نمك رموزا ظاهرة، وهذا يصلح أن يكون جانبا من جوانب تاريخ الجزائر، واللجنة سميت لجنة لاسترجاع "بابا مرزوق" المحجوز في براست وبدأت عملية الإمضاءات بدون انقطاع وفكرت في الكتابة إلى السلطات الفرنسية وحقيقة أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أجاب وقال "أنه يجب على الدولة الجزائرية أن تبذل مجهودا في هذا الميدان "، وكان موافقا نوعا ما لأنه في البداية أظهر في أول خطوة إعادة ختم الداي حسين وأهداه للرئيس بوتفليقة ولو بقي الرئيس شيراك لكنا ربما نسترجع كل الأشياء الموجودة لديهم. هناك أكثر من 180 قطعة التي تهمنا وكتبنا آنذاك أيضا إلى وزيرة الدفاع ماري أليوت التي قالت "أنا لا أمانع ولكن ربما سيكون هناك جو سيئ في أوساط الذين ما زال في أذهانهم الانتصار". وأنا أظن أن هذه القضية انتهت لأنهم لا يستطيعون الاحتفال باحتلال الجزائر بعد أن فقدوها ولم يصبح لهم أسباب لمواصلة الاحتفاظ بها، وحتى الذين كانوا متزمتين أغلبهم ماتوا. وواصلنا الكتابة إلى بعض الشخصيات، فتلقينا ردودا مثل رجل الأعمال الذي أبدى استعداده لتحمل كافة تكاليف استرجاع بابا مرزوق وأيضا هناك من كتب مثل "روبارت فردين" وهذا ما يعني أن الامور بدأت تتحرك حتى من الجانب الفرنسي، لكن الرئيس نيكولا ساركوزي لم يجبني ربما لالتزاماته. الآن لم يبق إلا أن نتحرك عن طريق الدبلوماسية، لدينا الوثائق الكافية وهذا سيكون بداية لصداقة بين فرنسا والجزائر وهكذا تدريجيا نسترد بابا مرزوق ثم نطلب شيئا أخر، ولكن الهدف الرئيس الذي سطرته هو معرفة تاريخ الجزائر وماذا حدث على غرار مدفع بابا مرزوق حتى نظهر للرأي الفرنسي ماذا فعل الاستعمار، ولما نذكر المجازر وكل شيء حول حكاية المدفع، ولما يكتشف الرأي العام الفرنسي وجود حقائق أخرى مرة ربما يوافق‮ على‮ إعادة‮ كل‮ الأشياء‮ إلى‮ الجزائر‮ .‬
أنتم‮ تفكرون‮ في‮ توسيع‮ هدف‮ اللجنة‮ إلى‮ المطالبة‮ بالقطع‮ الأخرى؟
لم نرغب في الكلام عن الأشياء الأخرى حتى لا يقولوا "نعطي شيئا فيطالبون بالباقي"، أنا قلت المرحلة هي بابا مرزوق كرمز ثم يأتي مفتاح الاغواط الذي يبلغ طوله 50 سنتيمترا من الذهب الموجود بالمتحف بفرنسا، هذا المفتاح سيسمح لنا بالكلام عن مجزرة الاغواط التي سقط فيها 2500 شخص من مختلف الشرائح على يد الجنود الفرنسيين، حتى يتأكد الرأي العام العالمي لماذا يطالب الجزائريون بهذا الرمز الذي يمثل أشياء بشعة، بالإضافة إلى وجود مدفع آخر ومسدسين للأمير عبد القادر وسيف حسين و180 قطعة أخرى .
قلتم‮ إن‮ هناك‮ رجل‮ أعمال‮ فرنسيا‮ مهتما‮ بإعادة‮ المدفع‮ إلى‮ الجزائر‮ من‮ طرف‮ الجزائريين‮ ألا‮ توجد‮ مبادرات‮ من‮ هذا‮ النوع‮ ؟
بدون افتخار أنا أول من تكلم عن هذا المدفع في 1999 في الوقت الذي كان فيه هناك من لا يفرقون بين بارباروس والقرصان، الحمد لله أن هذا المدفع هو من تراث الوطن ولكن هناك بعض الأوساط حاولوا اغتنام الفرصة، مقابل ذلك هناك من لا يحب التأريخ انزعجوا حتى أن واحدا من المسؤولين خاطبني قائلا :"أنت واش كلفك في هذا الأمر "، لكن اللجنة وجدت صدى لدى بن أعمر زرهوني مستشار رئيس الجمهورية ونحن في اتصال مستمر وأظن أنه هو من سيكتب المقدمة للكتاب الذي أنا بصدد إنهائه، فترة فقط مازالت لان في حياة هذا المدفع مرّ دايات وباشوات وكان لزاما‮ الحديث‮ عنهم‮ بإعطاء‮ لمحة‮ عن‮ كل‮ واحد‮ وعن‮ العلاقة‮ التي‮ كانت‮ موجودة‮ بينهم‮ وبين‮ بابا‮ مرزوق‮ .‬
ألا‮ تعتقدون‮ أنه‮ حان‮ الوقت‮ لان‮ يكتب‮ تاريخ‮ هذه‮ الفترة‮ المهمة‮ ويدرّس‮ للأطفال‮ حتى‮ ينشأ‮ جيل‮ مشبع‮ بالحقائق‮ التاريخية‮ ؟
حقيقة قمت بتأليف كتاب وإن شاء الله سأبسطه وأضيف له الرسومات حتى يكون في متناول الأطفال، لكن قبل بابا مرزوق هناك أشياء أخرى ضروري أن يعرفها الأطفال، أولا تاريخ الجزائر بصفة عامة، الشخصيات البارزة، الأحداث الهامة وهذا واجب علينا، حتى لا نبقى محصورين في مواضيع. يجب على الطفل الجزائري أن يفتخر ويعرف أن هذه البلاد لم تسم المحروسة هكذا، رغم الوجود التركي لان هذا التواجد منع عنا الاستعمار الاسباني الذي هو أقوى وأقسى من الاستعمار الفرنسي، وما أرتكبه في أمريكا الجنوبية واللاتينية دليل على ذلك حيث شعوب بأكملها أبيدت، على الأقل الأتراك كانت فيهم منفعة خصوصا نحن من طلبهم ولم يأتوا من أنفسهم، وفي عهد خير الدين تأسس ما يسمى دولة منظمة على مستوى العاصمة، كما يجب أن نعرف أنه كانت لدينا بحرية عظيمة ومسيطرة على البحر الأبيض المتوسط 300 سنة، رياس وبشاوات الذين برزوا في معارك عديدة وهذا ما يحلم به الطفل، أما اللجوء إلى القصص الأجنبية، فكثيرا من الآباء يشترون في أعياد الميلاد قصصا فرنسية، لماذا لا يشترون قصة عن الرايس حميدو والحاج مبارك وهي الشخصيات التي أتكلم عنها باستمرار .
فكرتم‮ في‮ توجيه‮ نداء‮ لرئيس‮ الجمهورية‮ لطرح‮ هذا‮ الموضوع‮ خلال‮ اللقاء‮ المرتقب‮ الذي‮ سيجمعه‮ بالرئيس‮ الفرنسي‮ في‮ الأيام‮ القادمة؟
لقد بدأنا بالكتابات الصحفية للفت الانتباه، ونحن حضرنا الآن برقية تسلم لفخامته قبل ذهابه إلى فرنسا حتى يتطرق إلى هذه المسألة ولو على هامش اللقاء، نحن نعلم أنه ليس طلبا رسميا، ربما يحضر الرئيسان المناخ أو الجو حتى تعود هذه الآلة كعربون لاتفاق، وهذه الدبلوماسية؛ لا يمكن أن نطالب بأمور قد ترفض من طرفهم لان الجو غير مهيأ لذلك، يجب إثارة الرأي العام هناك حتى يصبحوا هم من يطالبون سلطاتهم بطلب السماح والاعتذار للشعب الجزائري نظرا لما سمعناه وما رأيناه .

أجرى‮ الحوار‮ نادية‮ زيات
سنين‮ الأسر‮ لم‮ تغير‮ من‮ شموخه‮
بابا‮ مرزوق‮ .....‬هل‮ ينعم‮ يوما‮ بالاستقلال‮
إن في دفاتر التاريخ تنام دائما الحقائق، تنتظر بصبر من ينفض الغبار عنها، حقائق قد تغيب لسنين طويلة ولكنها أبدا لن تموت ولا تنسى ولا تسقط بالتقادم. وإن مات صانعوها، إلا أن شواهد كثيرة تظل قائمة ولا يمكن ولا يحق لأي كان أن يغطيها بستائر الزيف والتحريف ويقف في‮ وجه‮ ظهورها،‮ لان‮ التاريخ‮ لا‮ يخاف‮ ولا‮ يستحي‮ ولا‮ يجامل،‮ وقد‮ يتأنى‮ ولكنه‮ يكشف‮ في‮ الأخير‮ عن‮ الحقائق‮ فقط‮ يكفي‮ أن‮ نفتح‮ دفاتره‮ .‬
وتاريخ الجزائر يخبئ الكثير الكثير من الحقائق عن حقب كانت فيها عذراء العواصم مدينة الجزائر سيدة البحر البيض المتوسط، تسيدت وتحكمت بفضل أسطولها وتفوقت في صناعتها الحربية عن جارتها من الضفة الأخرى، وأصبحت العدو رقم واحد الذي تجمع من حوله الفرقاء وتوحدت الضربة‮ وصار‮ لزاما‮ التخلص‮ منه‮. فتكررت‮ الهجومات‮ من‮ طرف‮ الاسبان‮ والفرنسيين‮ وغيرهم‮ ولكنها‮ ظلت‮ واقفة‮ تصد‮ وترد‮ من‮ جاؤوها‮ محتلين،‮ خائبين‮.‬
‬بابا‮ مرزوق‮ ..‬أحبها،‮ صان‮ شرفها‮ وأسر‮ من‮ أجلها‮
الشريف لا يركع والأصيل لا يخون والشجاع يبقى وإن تخاذل الجميع. هكذا كانت حال المدفع بابا مرزوق وهكذا حاله عندما خرج إلى الحياة في سنة 1542 ولم يجد حضنا آخر غير حضن الجزائر دون اغتصابها فأصبح الحارس الذي وقف في وجه الحملات العسكرية التي قادها الفرنسيون الذين‮ أصروا‮ على‮ دخولها‮ وتحقيق‮ النصر‮ وكسر‮ الشوكة‮ التي‮ زرعها‮ في‮ حلوقهم‮ وجعلتهم‮ أضحوكة‮ بين‮ بني‮ عمومتهم‮.‬
ولكن قبل الحديث عن هذه الآلة الحربية النادرة يجب الحديث عن الظروف التي أحاطت بصناعتها، فالجزائر كانت ملزمة بتطوير ترسانتها الحربية للدفاع عن نفسها ولرد هجومات الحملات الصليبية التي نظمها الفرنسيون والأسبان خاصة بعد أن لمست إلى أية درجة كانت محط رغبة هؤلاء. وحسب ما ورد في كتب التاريخ فان الدول الأوروبية شجعت إلى حد كبير أعمال القرصنة ولكنها ألصقت هذه الأعمال بالبحارة الجزائريين وجاء في كتاب " مع تاريخ الجزائر " للدكتور يحي بوعزيز أن وصف البحارة الجزائريين بالقراصنة هو "ادعاء مغرض عن الحقيقة والواقع لان أول من مارس أعمال القرصنة وتوسيع تطبيقها بكل وحشية وشراسة هم الأوروبيون في أعقاب الحروب الصليبية وبداية التراجع الإسلامي في الأندلس"، وكان لهذه الممارسات أسبابها حسب ما ورد في ذات الكتاب ومنها دافع الحقد الديني وروح الانتقام والرغبة في الفوز بالغنائم، ولم تتم هذه‮ الأعمال‮ إلا‮ بمباركات‮ الحكومات‮ الأوروبية‮ التي‮ قدمت‮ الحماية‮ والعون‮ المادي‮ لهم‮ .‬
هجمات القراصنة احتشدت ضد الجزائر في العصر الحديث بعد أن استرد الأسبان الأندلس وهو ما فتح شهية هؤلاء على التمادي في أعمالهم، فما كان من الجزائر إلا العمل على تقوية أساطيلها البحرية لترد العدوان وتدافع عن نفسها بعد أدركت قوة الخطر القادم إليها من الجهة الشمالية، قوة عسكرية بحرية ساعدتها على فرض إرادتها على الخصوم وتمكنت بفضلها من القيام بدور موجه في الأحداث العالمية على مستوى البحر الأبيض المتوسط بحيث لم تكتف بالدفاع عن نفسها وعن جاراتها من دول المغرب العربي وانتقلت إلى مرحلة الهجوم وأصبحت تترصد تحركات القراصنة وتوجه ضرباتها إلى أوكارها إلى أن حتمت على الحكومات الأوروبية الركوع وطلب السلم والأمان عن طريق إبرام معاهدات وتبادل الأسرى. وعندما نتحدث عن الأساطيل البحرية التي كانت تمتلكها الجزائر نتحدث أيضا عن الرجال الذين قادوا هذه الأساطيل حتى ذاع صيتهم في كل العالم‮ مثل‮ صالح‮ رايس‮ والعلج‮ والرايس‮ حميدو‮ والرايس‮ عمر‮ وغيرهم‮ كما‮ اشتهر‮ الأسطول‮ بعدة‮ سفن‮ حربية‮ مثل‮ "‬ديك‮ الحصن‮" و‮ "‬الجناح‮" و‮"‬الغزالة‮ " و‮"‬نفير‮ الاسكندر‮ " وغيرها‮ .‬
وعلى الرغم من حالة اللاسلم التي كانت تسود البحر الأبيض المتوسط وتطبع العلاقات بين دوله، إلا أن الجزائر تعدت هذه الحالة وحافظت على علاقات اقتصادية قوية لم تستطع أوروبا الإفلات من تبعيتها للجزائر، وإلا كيف نفسر تراكم ديون هذه الدول التي مازالت عالقة حتى الآن‮ كما‮ كانت‮ وراء‮ احتلالها‮.‬
وكانت فرنسا من أكثر الدول احتكاكا بالجزائر حيث عقدت خلال الفترة الممتدة من1619 إلى 1830 ما يربو عن 58 اتفاقا ومعاهدة حيث تولى رعاية مصالحها بالجزائر 60 قنصلا ونائب قنصل وتردد على الجزائر 96 محافظا ومبعوثا وأول القناصل الفرنسيين هو" بارتول bartholle " وآخرهم " دوفال duvalle" الذي كان هو محرك الآلة الحربية ضد الجزائر، ذلك أنه كان رجلا مشبوها، وأول المحافظين المبعوثين هو "دولافوريست delaforest " وأخرهم "دوبري" وأشهر الحملات التي تصدت لها الجزائر كانت حملة دوكين عامي1682 و1683 بأمر من لويس الرابع عشر وكذلك حملة‮ المارشال‮ دوستري‮ عام‮ 1688‮ بأمر‮ من‮ نفس‮ الملك‮ .‬
والأكيد أن فكرة احتلال الجزائر لم تكن وليدة الصدفة حتى أن حادثة المروحة مشكوك فيها، بالنظر إلى من اختلقها الذي كان رجلا مشبوها ورجل فحشاء، وأن ضربة الداي لم تكن موجعة ولم تلمسه بالمرة. وحسب ما جاء في كتاب تاريخ الجزائر في القديم والحديث للمؤرخ مبارك بن محمد الهلالي الميلي في جزئه الثالث فان " التفكير في احتلال الجزائر يعود إلى القرون الوسطى وأن القنصل الفرنسي "كيرسي " اقترح احتلال الجزائر في سنة 1782وجدده في 1791 ، لكنه اعترف بصعوبة ذلك حين قال :" إن الجزائر هي المدينة في العالم التي تستحق أن تسحق بواسطة آلة جهنمية، لكننا لسنا متأكدين من تأثير ذلك لكي نقدم على المحاولة" وكان وراء هذا التردد وجود مناعة ومقدرة دفاعية تسقط كل المحاولات عندها، ذلك أن الميناء كان يحرسه مدفع خارق للعادة هو "مدفع بابا مرزوق " الذي دفع بالقادة الفرنسيين إلى التفكير في تحطيم مدينة الجزائر‮ لكن‮ عن‮ طريق‮ جيش‮ بري‮ .‬
وظل بابا مرزوق واقفا يرد محاولات الجيوش الفرنسية ويلغي في كل مرة أحلامهم بالانتصار على مدار 274 سنة وهي الفترة التي فاقت فترة احتلال فرنسا للجزائر، وهو ما يعني أن بابا مرزوق ظل هازما ومتفوقا على الفرنسيين ب142 سنة من الصمود وهذا ما يجعله يستحق السعي من أجل‮ استعادته‮ وكسر‮ القيود‮ عنه‮ ورفع‮ حالة‮ الذل‮ التي‮ مازال‮ الفرنسيون‮ يشربون‮ نخبها‮ حتى‮ ألان‮ .‬
بابا‮ مرزوق‮ دوخ‮ القادة‮ واستفز‮ الكتاب
وكما اهتم القادة الفرنسيين بهذا الحارس الذي حرمهم وحطم غرورهم وجعلهم يدورون في فلك أسئلة عن كيفية التخلص منه وكسره، اهتم أيضا كتابهم به. ففي كتاب "تاريخ الجزائر" الذي ألفه كل من الأستاذ G.sell s. وG marcais وG yver وهم أساتذة في جامعة الجزائر والصادر في سنة 1927، جاءت إشارة إلى المدفع الذي ربط فيه الداي الأب "لوفاشي " على فوهته وأطلقه باتجاه السفن الحربية التي كان على متنها القائد الفرنسي دوكين بعد فشل المفاوضات التي قادها لوفاشي حيث لمح الكتاب إلى أن المفاوضات كانت ايجابية لولا الانقلاب الذي حدث في الجزائر وأدى إلى سقوط الداي ومجيء أخر ، والحقيقة أن مجيء ميزومورتو وإقدامه على إعدام الأب لوفاشي بوضعه على فوهة المدفع مع مجموعة من الفرنسيين كان بعد أن تبين له أن لوفاشي كان يتلاعب، ومساعيه مع الجانب الفرنسي لم تكن صادقة وأنه كان يعمل لصالح احتلال الجزائر ودخول القوات الفرنسية مدينة الجزائر ، غير أن مقتل الأب لوفاشي حمل دوكين على التراجع ومن ثمة أطلق اسم " لاكونسولار" على هذا المدفع كما أصبح موضع حقد دائم من طرف الفرنسيين، أما في الكتاب المدرسي الذي ألفه "بيار برنارد "مدير سابق للمدرسة العادية بوزريعة الجزائر و" ف. ريدون" مفتش الابتدائي بالجزائر سنة 1949 في طبعة جديدة تحمل عنوان " الجزائر التاريخ الاحتلال الجغرافيا والإدارة " وهو كتاب موجه إلى تلاميذ الأقسام الابتدائية وجاء فيه أن الأب لوفاشي ذهب ضحية غل الداي ميزمورتو وأنه كان رجل سلم وجابه الموت بشجاعة وأنه لم يعبأ للموت على فوهة البركان، كما حمل هذا الكتاب لمحة عن تاريخ الجزائر وجغرافيتها لكن بكثير من الزيف والتحريف، أما في العصر الحالي فلقد تناول بعض الكتاب والصحفيين الفرنسيين المدفع الرمز الذي مازال يتوسط ساحة الترسانة في مدينة براست الفرنسية حيث كتب أليفي بولار "إن ملفا تم رفعه إلى وزيرة الدفاع آنذاك ميشال أليوت ماري التي أبدت رفضا على اعتبار أن عناصر البحرية يكنون تعلقا خاصا بهذا النصب الذي يعكس مشاركة البحارة الفرنسيين في حلقة مشهورة من تاريخ الجيش الفرنسي ".
واليوم‮ قبل‮ أن‮ نطوي‮ دفاتر‮ التاريخ‮ علينا‮ أن‮ نسجل‮ فيها‮ عودة‮ هذا‮ البطل‮ المقاوم‮ وأصبح‮ ضروريا‮ أن‮ نسعى‮ لاسترجاعه‮. فمرور‮ 47‮ سنة‮ من‮ الاستقلال‮ كافية‮ لأن‮ يطلق‮ سراح‮ المقاتل‮ الأسير‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.