كثيرون من الأفارقة الذين امتهنوا المسرح في المهجر، لكن القلة القليلة منهم من سعوا في نقل خبراتهم لبني جلدتهم، وجعلوا سعادتهم في تحريك عجلة الثقافة في أوطانهم، إنه الممثل والمسرحي البوركينابي "حسان كاسي كوياتي" المقيم بفرنسا، والذي اختار أن يشق طريقه في عالم المسرح بعد أن ساقه القدر لتحصيل علمي في مجال التجارة، فزواج بين الحنكة الاقتصادية والفكر الإبداعي، فأسس مسرح الدوامة بجنيف وتعاونية « deux temps trois mouvements »، في سنة 1998، كما أخرج أكثر من عشرين عملا مسرحيا وشارك في العديد من الأفلام السينمائية. "الأمة العربية" التقت بالفنان حسان كاسي كوياتي أحد أعضاء لجنة تحكيم الطبعة السادسة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف المنظم بالجزائر العاصمة في الفترة الممتدة من 24 ماي إلى 7 من جوان، وعادت لكم بهذا اللقاء. "الأمة العربية": كونك أحد أعضاء لجنة التحكيم، كيف وجدت العروض المسرحية الجزائرية التي عرضت في إطار الطبعة السادسة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف؟
حسان كاسي كوياتي: كوني عضوا من بين أعضاء لجنة التحكيم لا يمكن أن أعطي انطباعي عن العروض الجزائرية التي مرت، لأنني لا أقيم العرض من الناحية اللغوية أو النصية بحكم اعتمادي على ملخص المسرحية المترجم باللغة الفرنسية لأعرف المضمون العام، وعليه فرؤيتي النقدية للعروض تقتصر على الناحية التقنية كالصوت، الموسيقى، السينوغرافيا، وغيرها من أداء الممثل فوق الخشبة، التجميل، طبعا هذا لا يعني أنني أنقص من أهمية اللغة ودورها في تقييم العرض المسرحي. خضت تكوينا جامعيا في مجال التجارة لتلج بعدها إلى عالم المسرح، ما سر اختيارك للفن الرابع وهو الذي يفر منه الكثيرون بحكم أنه لا يمثل مصدر رزق لهم؟ أنا من عائلة فنية ببوركينا فاسو والفن يسري في دمي وهوكل حياتي، بالنسبة لتخصصي الجامعي فلقد كان نابعا من إحساس في نفسي يدعوني بعدم شق نفس مسار عائلتي الفنية، فأحببت التجارة وحاليا أمارسها في الفن وأرى بأن هناك علاقة وثيقة بينهما، فالفن لا يمكن أن يعيش من دون 'اقتصاد الفن' كما يدعى، وهو أمر مستحيل لأن إنتاج عروض جيدة يتبعه التسيير الجيد للموارد المالية، ومن ثم عملي الفني مبني على معارفي الاقتصادية. وبخصوص الشق الثاني من سؤالك والمتضمن بأن الكثيرون يفرون من المسرح ، ذلك أن الفن من أجل الفن في عالم اليوم أصبح صعب المنال، إلا إذا كان الممثل لا يريد العيش أولديه موارد أخرى للإسترزاق أويملك الملايير، فالفن من دون الاقتصاد لا يمكن أن يحيا. من خلال تجاربك المسرحية والسينمائية في العديد من الدول الأجنبية، ماذا قدمت لموطنك الأصلي؟ صحيح، أنا مقيم حاليا بفرنسا وأعمل باستمرار في دول عديدة من العالم، وبالنسبة لي الدول الأجنبية هي بمثابة منظار أرى عبره إفريقيا وأبحث عن سبل نقل بعض التجارب الثقافية الهامة وتطبيقها في بلدي، ومن هذا المنطلق فأنا أولي اهتماما كبيرا لإفريقيا وبالتحديد موطني بوركينافاسو الذي حملني على أرضه وارتويت من ثقافته، ومن دونه لم أكن لأصل إلى ما أنا عليه اليوم، فالحمد لله أنا أعيش من فني ويمكنني أن أنقل مهاراتي وتجاربي من خلال ا لمركز المسرحي للشباب الذي أنشأته، ومهرجان المسرح ببوركينافاسو الذي أسيره وهوحاليا في طبعته 15، كما أقوم بعدة تكوينات وورشات، وكل سنة أقدم عدة عروض لممثلين شباب في إفريقيا وأوروبا، ومن ثم فأنا أحاول أن أخلق جسرا بين الشمال والجنوب، والغرب والشرق، وهذا عبر الإنتاجات الإبداعية المعاصرة التي أقوم بها مثلا في البرازيل والصين، وأسعى دوما كوني إفريقي لتوثيق الصلة بين الثقافة الإفريقية والغربية وهذا ربما الذي جعلني أبرز أكثر. أفهم من كلامك أنك تستثمر في مسرح الشباب؟ نعم، أسعى لتكوين ونقل الخبرات للشباب حتى يبرزوا، وهذا بالنسبة لي أمر ممتع للغاية لأن المستقبل للشباب والشيوخ معا، أقول للشيوخ لأننا لا يمكن الاستغناء عنهم فهم يمثلون الحكمة والتاريخ وأساس التسيير العقلاني لتقدم الأمور في البلاد. كيف تقيم الحركة المسرحية في بوركينافاسو؟ بوركينا فاسوهي واحدة من الدول الأكثر ديناميكية في إفريقيا السوداء خاصة على مستوى المسرح، هناك العديد من الجمعيات المسرحية التي لها إبداعات احترافية تعرف في عديد من دول العالم، وبصورة عامة الثقافة في الوقت الراهن تعتبر من أولويات التطور في البلاد، وهنا أفتح قوس لأدعوكل الفاعلين في المجال لرؤية التجربة الثرية التي يمر بها بوركينافاسوعلى المستوى الثقافي والفني. هل يمكن القول أن الأعمال المسرحية في بوركينا فاسو تتأرجح بين تيارين أحدهما متعلق بالتراث والآخر بإعادة إنتاج أعمال قديمة مقتبسة؟ هذا صحيح، فنحن نشتغل على نصوص مستمدة من التراث والكتابات الكلاسيكية، ولكن لا يمكننا القول عن العروض المسرحية أنها قديمة لأن طريقة العمل هي القديمة، والمشكل في رأيي يكمن حول الطريقة أوالكيفية التي نعيد من خلالها صياغة وإنتاج المسرحيات القديمة بما يتوافق مع الواقع المعيش، وأظن أن هذا هو الأساس الذي يجب مراعاته. إضافة إلى ذلك، فنحن نشتغل في مسرح بوركينافاسوعلى نصوص معاصرة تعود لكتاب كلاسيكيين، وبالنسبة لنا تبقى العروض المهمة هي تلك التي تقدم نصا كلاسيكيا بطريقة إخراجية معاصرة. تعالت بعض الأصوات الداعية إلى تجاوز قاعة العرض والنزول إلى الساحات العامة، هل أنت مع هذا الطرح؟ أنا لست مع هذا الطرح، لأن الجمهور يختلف باختلاف البلد وتاريخ مسرحه، تعلمين أن الجمهور يجب البحث عنه والعمل على كيفية الحفاظ عليه وكسب رضاه، أنا أظن أن هناك ديناميكية في المسرح، ففي بوركينافاسومثلا تجدين بعض قاعات العرض ممتلئة عن أخرها وأخرى فارغة، طبعا هذا يعود لنوعية العمل المعروض، والكيفية التي طرح بها والمكان الذي عرض فيه، فالمسرح مرتبط بأشياء كثيرة حتى نصنع لحظات مسرحية إبداعية ممتعة.
برأيك، هل بالإمكان إبداع مسرح في وسط يشوبه التآكل السياسي ؟ هذا الأمر يطرح بشدة، فالسياسيون غالبا ما يفكرون أن الفن والثقافة أشياء ثانوية، لكن في الواقع ثقافة الشعوب هي حصون الهوية وموطن القوة، فمعرفة جذورنا التاريخية هي المنطلق نحو التقدم، وأرى أن نضوج الفكر السياسي ووعيه بأهمية الثقافة يسمح بإعطاء الإمكانيات المادية للتعبير في جل الفنون، إضافة إلى ذلك تصبح الممارسة النقدية أكثر فاعلية ووضوحا، ومن ثم فمن واجب السياسيين إدراك أن الفن ليس عدوا بل هوشريك مهم في دفع عجلة التنمية الإجتماعية والاقتصادية. هل من إنتاج مسرحي مشترك يلوح في الأفق بين بلدينا ؟ سؤالك مهم، حقيقة أنا فكرت في الأمر وبصدد عمل مسرحي مشترك يجمع الجزائر وبوركينا فاسو، ويرتقب أن تشارك فيه فرق مسرحية من المالي والطوغو، وأعمل في القريب العاجل من أجل تحقيقه، ولا يمكنني أن أقول لك أكثر لأننا حاليا بصدد الإتفاق على طبيعة هذا العمل، وريثما تتضح الأمور ستكون جريدتكم هي السباقة في أخذ المعلومة. ماهو نداؤك للمعنيين بالفعل الثقافي المسرحي ؟ ندائي أعطوا الإمكانيات للمبدعين، لا أقصد الموارد المالية فقط ولكن توفير مساحة الوقت وهوالعامل المهم في مختلف الأجناس الأدبية أوالفنية، فالمبدع لا يجب التضييق عليه وتقييده بمسألة الزمن، لأن الإبداع ليس حسابات رياضية. أقول أيضا أعطوا إمكانية التكوين الجدي والعميق في حقل التمثيل والإخراج وليس للعمليات الاصطناعية الترقيعية كما أسميها، أين يقوم بعض الأشخاص مما يسمون أنفسهم بالمحترفين بتقديم دروس لفائدة بعض الهواة والممثلين في ظرف أسبوعين أوأكثر ثم يتبعهم أشخاص آخرون وينتقدون التكوين الذي قدمه الأولون وهكذا، وعليه أرى أن تأهيل المبدع الجيد هي مسألة تحتاج للوقت لا للتكوين الآني، وذلك حتى نتمكن من تحقيق منجز إبداعي ابتكاري مؤسسا للقيم الإنسانية الحقيقية.