عطاف يستقبل نظيره الجنوب إفريقي    السيد عرقاب يستقبل وزير خارجية نيجيريا لبحث تعزيز الشراكة في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة    الألعاب المدرسية الإفريقية اليوم الخامس : خمس ميداليات ذهبية للملاكمة النسوية الجزائرية    كرة القدم/شان 2024 :تعيين الحكم الجزائري بوكواسة لإدارة لقاء الافتتاح بين تنزانيا و بوركينا فاسو    الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني يستقبل سفيرة كندا بالجزائر    زيارة الرئيس اللبناني إلى الجزائر "كانت ناجحة ومميزة"    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر2025) / سباحة: حصاد إضافي من الميداليات للجزائر خلال اليوم الثالث من المنافسة    الدولة تولي "عناية بالغة" لتطوير السياحة عامة والداخلية خاصة    تنصيب رئيسة جديدة لمجلس قضاء بومرداس والنائب العام الجديد في إطار الحركة القضائية الأخيرة    استزراع 20 ألف وحدة من صغار سمك البلطي الأحمر بمزرعة وادي تليلات في وهران    عين تموشنت..محطة شط الهلال ببني صاف تتجاوز حاجز المليار متر مكعب من المياه المحلاة منذ 2009    زيتوني يعاين تحضيرات معرض التجارة البينية الإفريقية IATF 2025 بالصنوبر البحري    الحماية المدنية: 3682 تدخل خلال 24 ساعة بمعدل تدخل كل 23 ثانية    تمديد عطلة الأمومة إلى 150 يوماً مدفوعة الأجر بنسبة 100% في إطار قانون جديد للتأمينات الاجتماعية    السويد تطالب الاتحاد الأوروبي بتجميد الشق التجاري من اتفاقية شراكته مع الكيان الصهيوني    هاتف نقال: ارتفاع استثمارات "أوريدو الجزائر" الى 6ر8 مليار دج في السداسي الأول    الصحراء الغربية: الإعلام الدولي يواصل تسليط الضوء على تداعيات تصوير فيلم سينمائي في الداخلة المحتلة    تواصل موجة الحر بجنوب الوطن وارتفاع الامواج بعدد من الولايات الساحلية وأمطار في أخرى    فلسطين: ارتفاع حصيلة ضحايا مجزرة الاحتلال بحق منتظري المساعدات شمال غزة إلى 51 شهيدا    زيتوني يشدد على ضرورة تعزيز آليات التوزيع    استذكار مواقف أيقونة النضال والتحرر    رئيس لجنة تنسيق اللجان يشيد بالتنظيم المحكم    الموانئ المغربية في خدمة آلة الإبادة الصهيونية    زعلاني يرافع لقانون مكافحة الاتجار بالبشر    الجزائر لن تتراجع عن دعم فلسطين    ناصري يبرز جهود الجزائر لتكريس نظام دولي عادل    افتتاح صالون دعم الاستثمار    بللو يؤكّد الدور الاستراتيجي لمركزي البحث    رافد استراتيجي لصون التراث الثقافي الجزائري والإفريقي    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني    بن ناصر يغير وكيل أعماله    شاطئ "رشيد فلاح" وجهة بحرية من الطراز الأوّل    أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث في غزّة    القضية الفلسطينية أخذت حصة الأسد من النّقاش مع الرئيس    9 مراكز لتجميع الحبوب عبر البلديات    تحسين شروط الاستقبال والتواصل مع المواطن    مليون و900 ألف مقعد بيداغوجي في الدخول الجامعي المقبل    5 جرحى في انحراف وانقلاب سيارة    "نصف دلاعة" لا يزال يغري المستهلك الجزائري    مشروب المونجو يغزو تندوف    رئيس الجمهورية يعيّن عباس عمار عضوا بالمحكمة الدستورية    آيت نوري يعود للتدريبات مع مانشستر سيتي    إيقاعات بلا حدود في قلب الجزائر    بين عبق التراث ورهانات المعاصرة    تساؤلات وفرضيات حول خفايا موقعين أثريين    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    الطبعة الثامنة للمهرجان الثقافي الدولي "الصيف الموسيقي" من 7 إلى 14 أغسطس بالعاصمة    تيسير المعاني باختيار الألفاظ ليس إهانة لها بل وفاء لجوهرها    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    بوجدرة يفتح النار على مُمجّدي الاستعمار    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    تمنراست: سيشرع في الأيام القادمة في الإجراءات المتعلقة بفتح مصالح المستشفى الجديد بسعة 240 سرير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



-
نشر في الأمة العربية يوم 31 - 08 - 2009

"دلولة" امرأة جاوزت الستينيات من عمرها، قالت إنها لا تملك لا مأوى ولا معيلا، فهي تسترزق من صدقات المصلين الذين يترددون على المسجد لأداء الصلوات الخمس، بيد أنها لم تخف تأفف الكثير من رواد بيت الله من هذه الظاهرة، لتقسم لنا بأنها لو وجدت معيلا لما مدت يدها، لكن قضاء الله وقدره هو ما رمى بها إلى الشارع والاسترزاق من صدقات الناس.
أما "رشيد" الذي صادفناه بالقرب من أحد المقاهي المعروفة بكيتاني والذي حكى لنا عنه الكثير من أبناء "الحومة"، بأنه قادم من إحدى الولايات الجنوبية، وبأنه يملك أشجارا من النخيل وعتادا فلاحيا، بمعنى أنه لا يدخل في زمرة الفقراء المحتاجين، ولكنه يحترف هذه المهنة صباح مساء، موهما المارة بأنه محتاج ولا يملك ثمن التذكرة إلى بسكرة، وبأن زوجته مريضة وأولاده معاقون، كما أنه يعاني من ظروف اجتماعية صعبة، مما يجعل المارة يعطفون عليه فيهبونه بعض صدقاتهم. إلا أنه عند اقترابنا منه، رفض الحديث معنا، واصفا إيانا ب "الكذابين ومانا رايحين نديرولو والو".
وأن كانت السيدة "دلولة" عينة من المتسولات اللائي لا يملكن عائلا، ما أجبرها على الخروج إلى الشارع والتسول، فهناك نساء يملكن المأوى والأولاد العاملين، منهم من هو في وضعية اجتماعية لا بأس بها، ولكن تتفاجأ بهن أمام باب المسجد مادين أيديهن عسى أن يجود عليهم من رق قلبه لحالهن. السيدة "حورية" التي التقينا بها أمام مسجد "الرحمة" المجاور لسفارة فلسطين، والتي لمحناها ترتدي ثيابا محترمة ولا بأس بها، إلا أنها أخبرتنا بأنها صحيح تملك منزلا يأويها وأفراد أسرتها ورغم أن أبناءها عمال، لكن لا أحد منهم يصرف عليها أو يعطيها ما تشتري به خبزة، وهذا ما يضطرها ويدفع بها للخروج إلى الشارع وأمام بيوت طلبا للمساعدة، لترسل تنهيدة "... إيه كبرت وتعبت وربيت، وهاك تشوف أوليدي".
أما الحوادث التي يتعرض إليها هؤلاء المتسولون، فحدث ولاحرج، فمن الإبتزاز إلى النصب إلى الإحتيال عليهم، فهذا "جمال" الذي يسخر منه أصحاب المقاهي الذي أخبرنا بأن أصحاب المقاهي ينادون عليه عند مروره عليها ويطلبون منه أن يعطيهم أجزاء المئة ألف دينار.
حكاية حكاها لنا أحد الأصدقاء القاطنين بولاية الجلفة الذي أخبرنا عن فتاتين في مقتبل العمر، يتمتعن بجمال باهر، يمتهن هذه المهنة كل سنة أمام البنك المركزي لولاية الجلفة، في شهر رمضان الفضيل، ما يجعل قاصدي البنك من مقاولين وأرباب العمل يحسن إليهن، ولكن، هذا الصديق دفعه فضوله لتتبعهن وسؤالهن عما الذي ينقصهن كي يقدم لهن يد المساعدة، بيد أنهن لم يجبنه، مما دفعه إلى تتبعهن ومحاولة اكتشاف أغوارهن، فاكتشف بأنهن يحزن على هواتف نقالة وبأنهن من خارج ولاية الجلفة، فهن من ولاية تيسمسيلت ويملكن بها فيلا من أربعة طوابق وبها محلات بالأرضية، وأنهن يمتهن هذه المهنة برعاية والدهم الذي لا يبخل عليهن بالتوجيه والنصح قصد الربح السريع.
أما الغريب في الأمر والمثير للعجب، فهو مشاهدتنا لبعض المتسولات اللائي ألفن التسول أمام أبواب المساجد ليلا من فترة العشاء إلى ما بعد الانتهاء من صلاة التراويح، حيث يكثر عدد المصلين ويتزاحمون عند الخروج، حيث ترتفع أصواتهن راجيات المحسنين بالجود عليهن بما شاء الله، حاملات أطفالا رضعا أو يحيط بهن أبناء صغار مدعيات أنهن معيلات لهم وما من معين، لنفاجأ بهن فور انفضاض جموع المصلين، وهن يتصلن ب "الكلونديستان" قصد إعادتهن للمنزل، وهذا ما يعني أنهم أغنياء وليسوا بالفقراء. كما أن الكثير من المصلين الذين دردشنا معهم أمام مسجد "الرحمة"، فقد أكدوا لنا بأنهم انتبهوا للظاهرة وأضحوا يستغربون منها، خصوصا وأنها تتزايد يوما بعد يوم. وما يثير عجبهم أكثر، هو وجود بعض المتسولين الذين يملكون هواتف نقالة باهظة الثمن، ليس في وسع الفقير الذي لا يملك عشاء ليلة أن يشتريها. كما أن الكثير منهم شاهد هؤلاء المتسولين يدخلون المطاعم الفاخرة التي لا يدخلها إلا رجال الأعمال الأغنياء ويأكلون فيها وجباتهم اليومية، ومنهم من شاهدهم يبيتون في فنادق.
وفي محاولة منا لتقديم تفسير إجتماعي لهذه الظاهرة التي أخذت في نخر جسد المجتمع الجزائري، إتصلنا بالأستاذ توفيق قطوش، إخصائي في علم الاجتماع، والذي أوضح لنا أن عدد النساء المسنات في الجزائر العاصمة، مرتفع بالمقارنة مع النساء الشابات، وهذا يكمن في تطور وضعية المرأة. كما أن المجتمع لا يتفهم حاليا وضع المرأة المسنة مقارنة بالشابة، والدليل على ذلك اهتمام السلطات العليا بالشباب والشابات، فنجد إغفالا للمرأة المسنة التي غالبا ما يقذفها المجتمع وكذا عائلتها التي قد لا تقدر كل تضحياتها في ظل المشاكل والتحولات الكبرى، فتجد المرأة المسنة نفسها في محاولة نضال مزدوج يدفع بها للقيام بأفعال تثير الدهشة أو الاهتمام. وبما أن المرأة المسنّة تحتاج إلى مدخول يحقق نوعا من الحرية الاقتصادية، وبالتالي الحرية الشخصية، والسلطات الرسمية لا تعترف، فإنها تجد نفسها غير قادرة على تأدية واجبها العاطفي، كمنح النقود لابنها أو حفيدها... لذا، فإن توجهها إلى التسول هو نوع من الثورة على الوضع الاجتماعي والنكران والإجحاف الذي تلاقيه من طرف أبنائها والمجتمع بصفة عامة. أضف إلى ذلك، أنهم يستغلون ضعف الناس وتقربهم من بارئهم ومحاولتهم التقرب إلى المولى عزّ وجلّ بكل الطرق.
وفي ذات السياق، يقول الحاج عز الدين مناني، شيخ الزاوية الحجازية، بأن اليد العليا خير من اليد السفلى وبأن هذه الظاهرة ظاهرة التسول التي هي طلب الصدقات من الناس في الأماكن العامة والبيوت والمساجد، الذي قال عنه إن المتسول هو من يحترف مهنة التسول فأصبحت مهنته وصنعته، ومن المتسولين من يمضي حياته متسولا، ومنهم من تبين بعد موته أنه يملك أموالا طائلة، والحوادث في ذلك كثيرة. وقد انتشرت ظاهرة التسول وكثرت بشكل كبير ويعود ذلك لعدة عوامل، منها الأحوال الصعبة التي يعيشها الشعب الجزائري من ظروف اجتماعية صعبة وقلة فرص العمل وغير ذلك، حيث أوضح بأن الأصل في الشرع أن التسول حرام، إلا لضرورة أو حاجة ماسة وفق ضوابط معينة، قال أبو حامد الغزالي: "السؤال حرام في الأصل، وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة. فإن كان عنها بدٌ، فهوحرام، وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم، لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة‏:‏ الأول‏:‏ إظهار الشكوى من الله تعالى، إذ السؤال إظهار للفقر وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه، وهو عين الشكوى. وكما أن العبد المملوك لو سأل، لكان سؤاله تشنيعاً على سيده، فكذلك سؤال العباد تشنيع على الله تعالى، وهذا ينبغي أن يحرم ولا يحل إلا لضرورة، كما تحل الميتة‏. الثاني‏:‏ أن فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى، وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله، بل عليه أن يذل نفسه لمولاه، فإن فيه عزه. فأما سائر الخلق، فإنهم عباد أمثاله، فلا ينبغي أن يذل لهم إلا لضرورة. وفي السؤال ذل للسائل، بالإضافة إلى المسؤول‏.
‏الثالث‏:‏ أنه لا ينفك عن إيذاء المسؤول غالباً، لأنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه، فإن بذل حياء من السائل أو رياء، فهو حرام على الآخذ وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسه بالمنع، إذ يرى نفسه في صورة البخلاء، ففي البذل نقصان ماله وفي المنع نقصان جاهه، وكلاهما مؤذيان والسائل هو السبب في الإيذاء والإيذاء حرام إلا بضرورة ".
ليدعو في الأخير أئمة المساجد إلى توضيح الأمر حقيق التوضيح وتحمّل المسؤولية تجاه هذه الظاهرة، كما دعا السلطات المحلية إلى سن قوانين لحماية الفئات المحرومة والفقيرة من المجتمع الجزائري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.