بين التخلّي والتمسّك.. فريدة حدادي تُعتبر التصديرة من أهم أركان العرس وتحضيرات العروس الجزائرية كونها من التراث العريق والتحضير لها قد يستغرق وقتا طويلا كون أنّ هناك من تفضل خياطتها عند مختصة في خياطة ملابس العروس وهناك من تفضل شراءها جاهزة. العرس الجزائري كغيرة من أعراس الدول العربية الأخرى يتميز بجملة من التقاليد التي تجعله متميزا جدا ومختلفا ومن بينها التصديرة التي تتألق بها العروس يوم الزفاف أمام أعين المدعوين،والتصديرة هي عرض لتشكيلة متنوعة من الألبسة التقليدية لكل منطقة في الجزائر وكل عروس وما تختاره فقد تتراوح بين خمسة إلى سبعة ألبسة متنوعة من مختلف المناطق وتبدأ العروس العرض باللباس الذي يمثل منطقتها وتخرج به من المنزل حين قدوم موكب الزفاف وبعدها تستكمل بقية العرض بلباس من مناطق أخرى طيلة الحفل قبل أن تختم التصديرةبالفستان الأبيض. ومن أشهر ألبسة التصديرة الكاراكو العاصمي الذي لا يكاد يغيب عن قائمة اختيارات أي عروس كيف لا وهو الذي ثَقُل وزنه وثمنه ولا يمكن الاستغناء عنه وهو يمثل منطقة الجزائر العاصمة وما جاورها ويكون مصنوعا من قماش القطيفة ومطروزا بالخيط الذهبي الفاخر المسمى الفتلة و المجبود و الشعرة ويتكون من قطعتين: القطعة الأولى المتمثلة في السترة تكون مطرزة في الصدر والكتف والظهر واليدين والثانية تدعى سروال الشلقة أو سروال مدور ويتلازم لباس الكاراكو بأكسيسوار يدعى خيط الروح وهو مشهور جدا. ومن غير المعقول أن لا نذكر القفطان الجزائري العريق الذي يعد إحدى أهم القطع في خزانة العروس الجزائرية بشكل خاص والمرأة الجزائرية بشكل عام وهو ينقسم إلى أنواع منها: قفطان القاضي قفطان الداي قفطان الجوهرة قفطان قطيفة الهوا قفطان الشرط العنابي قفطان القرنفلة… وبتنوعه هذا فهو يمثل الجزائر عامة. وهناك اللباس الشاوي أو الملحفة الشاوية التي تتميز بها منطقة الأوراس وكذلك البلوزة الوهرانية التي تشكل جزءا من ثقافة وتاريخ مدينة وهران العريقة وأيضا الجبة القبائلية التي تميز منطقة القبائل بالإضافة إلى البدرون البليدي والشدة التلمسانيةالتي تتكون من 12 قطعة ويصل وزنها تقريبا إلى 14 كيلوغرام والتي تُعد موروثا ثقافيا صنفته منظمة اليونيسكو ضمن التراث الإنساني المشترك. وكل لباس تقليدي مما سبق يأتي التصدّر به مرفوقا بوصلة موسيقية خاصة وقد تتشارك أخوات العروس وأمها وأفراد عائلتها ارتداء نفس اللباس في العرس مما يتشكل صورة جميلة من التراث التقليدي الجزائري. كورونا وتأثيراتها على التصديرة بعد انتشار فيروس كورونا في الجزائر وفرض الحجر الصحي ومنع التجمعات والمناسبات الاجتماعية وجدت العديد من العائلات الجزائرية المقبلة على إقامة أعراس أفرادها نفسها في مأزق وحيرة بين تأجيل موعد العرس إلى أجل مرتبط بالوضع الصحي في البلاد وبين الالتزام بموعد العرس وعدم تأجيل الفرح والعديد من هذه العائلات اختارت إقامة العرس بين أفراد قليلة من عائلة العروس والعريس بعيدا عن العادات المتوارثة حيث إن العروس تخلت عن التصديرة والشكليات الأخرى المكلفة واكتفى العرس بموكب زفاف صامت وصغير يكاد يقتصر على سيارة العروس فقط وهو الأمر الذي لاقى استحسانا لدى الكثير بعد أن كانت الأعراس قبل مدة قصيرة تقتضي إنفاق تكاليف خيالية. وحتى بعد انقضاء عهد كورونا وعودة التجمعات ظلت بعض العائلات متمسكة بتلك القيود بحجة أن هذه التقاليد مكلفة جدا ومن بينها التصديرة فالكثير من العرائس تخلين عنها وصرن يكتفين بلباس واحد أو اثنين على الأكثر مع إقامة حفل بسيط في المنزل في حين هناك من ظلت متمسكة بهذه التقاليد ولم تستطع التخلي عن التصديرة التي تعتبرها ضرورية في يوم مهم مثل هذا اليوم باعتباره يوما هاما في حياتها تعيشه على الأغلب مرّة واحدة في العمر. وبين هذه وتلك تبقى التصديرة الجزائرية بتنوع تشكيلاتها من أهم التقاليد والموروثات الثقافية لبلادنا.