عطاف يلتقي غوتيريش    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    لعقاب يقرر إنهاء مهام المدير العام لجريدة "الجمهورية"    تسقيف هوامش الربح على اللحوم المستوردة    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    أمريكا تجهض فرصة السلام..؟!    الأئمّة بالمرصاد لكل المؤامرات التي تحاك ضد البلاد    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    حجز 837 ألف كبسولة مهلوسات نوع بريغابالين 300 ملغ    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    الدورة الوطنية لسيدي بلعباس: فوز الدراج الدولي حمزة ياسين بالسرعة النهائية    هذا جديد صندوق دعم الصّحافة.. ومجلس أخلاقيات المهنة    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    حركة البناء الوطني تنظم ندوة لشرح خطتها الإعلامية الرقمية تحسبا للانتخابات الرئاسية    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    إيران تنفي تعرضها لهجوم خارجي    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    وزارة الثقافة تقدّم ملف "الزليج" ل "اليونسكو"    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    المغرب: هيئات نقابية تدعو إلى الانخراط في المسيرة الوطنية التي يخوضها المتصرفون بالرباط    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    إيطاليا تضمن 5 مقاعد في دوري أبطال أوروبا الموسم المقبل    إندونيسيا: إعلان حالة التأهب تحسبا لمزيد من الثورات البركانية    تفاصيل بطاقة الشفاء الافتراضية    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 323 آخرين في حوادث المرور خلال أسبوع    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    مسار إستحداث الشركة الوطنية للطباعة جاري    أكاديميون وباحثون خلال ملتقى وطني بقسنطينة: الخطاب التعليمي لجمعية العلماء المسلمين كان تجديديا    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان في ظلّ الثورات العربية
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 07 - 2014

ليس فصل العبادة عن الحياة من الإسلام في شيء، بل هو نسق كنائسي تسعى العلمانية العربية _ السياسية والثقافية - إلى استنساخه وفرضه على الناس لإفراغ دين الله من مُحتواه الاجتماعي وبُعده الحضاري وتهميشه حتّى لا ينافس أطروحاتها المستوردة التي يرفضها كلّ مسلم متمسّك بالشريعة والأخلاق والمقاصد ، وإذا كانت العلمانية (تسمح) بالصوم ما دام شعيرة فردية فإنّ المسلمين يعتبرون الصيام أكثر من طقوس تعبّدية منحصرة في علاقة الإنسان بربّه، إنّما هو مدرسة تربوية مكتملة الجوانب والمحتوى تُلقي بظلالها على حياة الفرد والأسرة والمجتمع، وتجمع بين القيم الروحية والمواقف الحياتية المختلفة لتعيد صياغة الأفكار والمشاعر والسلوك، وتجدّد الإيمان وتحفّز على أنواع الخير جميعا وتزيد من متانة الدين في القلوب والعقول ومجالات الحياة السياسية والاجتماعية، تماما كما تفعل الصلاة والزكاة والحجّ.
ولا شكّ أنّ حصر الصيّام في خانة التعبّد الفرديّ انتقاص من هذه الشعيرة العظيمة الّتي تهتزّ لها مشاعر المسلمين كلّ سنة وتغيّر حالهم وتبدّلهم تبديلاً، وهذا في حدّ ذاته دليل على بُعدها الاجتماعي وامتدادها في المستويات الذهنيّة والسلوكيّة العامّة، فضلاً عن مجال العواطف والمشاعر.
ولنا وقفات سريعة مستوحاة من الصيام ومن حال الأمّة:
تناقض مرفوض: إن أوّل ما يستوقفنا في شمول الصيّام أن آياته _ في سورة البقرة _ جاءت بصيغة (كتب عليكم) وتوسّطت أحكاماً شرعيّةً متعدّدةً:
1 . (يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) - الآية 178.
2 . (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين) - الآية 180.
3 . (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) - الآية 216.
فالّذي كتب صيام رمضان وفرضه هو _ سبحانه وتعالى _ من كتب وفرض أحكام القصاص والوصيّة والقتال، فما بالنا نلتزم _ كأمّة ومجتمع منظّم _ بأداء فريضة الصيام والوصيّة ونتجاهل فريضة القصاص مع أنّها ضمان للحياة: 0ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلّكم تتّقون) - الآية 179، وأصبحنا نحتكم في الجرائم المختلفة إلى القوانين الوضعيّة، ويعتبر كثير من سيّاسيينا ومثقّفينا القصاص قانون غاب وأحكاما همجيّة لا تقرّها الحضارة والإنسانيّة؟ !!!
ولو التزمنا بأحكام الشريعة كلّها كما نلتزم بصوم رمضان لما غدت مجتمعاتنا مرتعاً للجريمة المنظّمة واختلاس المال العام والرشوة المقنّنة وخطف الأطفال والاغتصاب والزنا والحرابة وغيرها من الآفات المدمّرة للمجتمعات.
أمّا قتال الأعداء الّذين يحتلّون أراضي المسلمين ويسيمونهم أنواع الهوان فقد كدنا نتخلّى عنه هو الآخر لأنّ ثقافة الاستسلام طالته بأمواجها فغدا الجهاد إرهاباً يندّد به ساسة ومفكّرون وإعلاميّون (مسلمون) في لحن يتعاظم رجعه إرضاء للغرب العدواني المتغلّب الّذي يبشّر بثقافة (السلم واللاعنف والإخاء الإنساني)، ويعاملنا بضد هذه المعاني تماماً، والمصيبة أن فينا سمّاعين لهم !
الحجاب والأخلاق: من جهة ثانيّة، أيّ تناقض تعيشه المرأة المسلمة الّتي تصوم النّهار وتقوم الليل، ثم تخرج إلى الشّارع وتقتحم مجالس الرّجال بحجاب (الموضة)، هذا اللباس المتبرّج الّذي يصف ويشفّ ويلفت الانتباه، وهو بكلّ تأكيد مظنّة الشبهة والرّيبة؟ فهي كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، بل يصدق فيها قول الله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) - سورة البقرة 85.
وكيف يستسيغ الأب والزوج والوليّ هذا التناقض في بيته وعرضه؟ (أم على قلوب أقفالها؟) - سورة محمّد 24.
ومعلوم أن فرض الحجاب جاء في خطاب للرّجل باعتباره قوّاماً على المرأة: (يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهن) سورة الأحزاب 59.
إنّ إشاعة الفاحشة أصبحت شيئا مألوفا في ظلّ العولمة الطاغية التّي جعلت من المرأة أداة لاختراق الدين والأخلاق، وكان من المفروض أن يقف المسلمون _ ذكورا وإناثا _ سدّا منيعا أمام هذا المخطّط لكنّ المصيبة أن كثيرا منه صاروا سندا له وكأنّهم لا يحسّون بالتناقض الصارخ بين انتمائهم الديني وسلوكهم الداعم _ بشكل من الأشكال _ للرذيلة والفاحشة والانحلال الخلقي.
والشهر الفضيل فرصة للتوبة الواعية النصوح والانخراط مجدّدا في صفّ التزام المرأة بدينها لتكون عامل بناء لا عنصر هدم.
الجرح الفلسطيني وغيره: يحتفل المسلمون بقدوم رمضان ويجعلون منه شهراً متميّزاً، وحقّ لهم ذلك، لكنّ الفرحة لن تكتمل مادامت بلاد إسلاميّة شتّى تحت الاحتلال الأجنبيّ وأهلها يعانون الإذلال والحبس والحاجة ويفتنون في دينهم وينظرون بلا حول ولا قوّة إلى أرضهم تخرّب ويعيث فيها المحتلّون فساداً، يحدث فيها في فلسطين _ والأقصى قاب قوسين أو أدنى من الهدم _ وفي بورما وإفريقيا الوسطى أفغانستان والعراق والشيشان وكشمير وجنوب الفيليبين وغيرها... وكان ينبغي أن نجعل من رمضان محطّةً للتنادي القوي بتحرير بلاد الإسلام، وقد أكرم الله تعالى المسلمين بانتصارات باهرة عبر التاريخ في شهر الصيام، مثل غزوة بدر وفتح مكّة والأندلس وعين جالوت وحرب رمضان.
فكان إذاً شهر تضحيّة وبذل ونصر لدين الله ورفع لراية الإسلام، كأنّ الله تعالى أراد أن يظهر فيه البعد الاجتماعي بكل وضوح حتّى لا ينكفئ فيه المسلم على نفسه رغم ما هو عليه من عبادة وتبتّل وترتيل وذكر وصدقة.
درج المسلمون على ربط رمضان بانتصارات التاريخ المجيدة مثل بدر والفتح وما بعدهما من أيام الله والفتوحات الكبيرة، ولقد ثاروا في السنوات الأخيرة ليصنعوا فتوحات جديدة ستمكّن لدين الله ولمعاني الحرية والانعتاق من الدكتاتورية الجاثمة على البلاد العربية، من تونس ومصر إلى ليبيا وسورية والعراق، وقد أطاح الربيع العربي بعروش طاغية وهدّد أنظمة مستبدّة ظالمة وحرّر شعوبا وأعاد لها الكلمة والكرامة، ومهما كادت له الأطراف الإقليمية والعالمية كيدا كبّارا وتلبّدت سماؤه فإن حركة التاريخ ستمضي قدما بإذن الله حتى تحقّق امتداد نسائم الحرية إلى كلّ قطر يعاني من حكم الفرد والأسرة والعسكر والبوليس، لنعود إلى الحياة الطبيعية التي أفسدتها الأنظمة المستبدّة وننعم بالحرية والعدالة والمساواة.
مدرسة فريدة: إنّ رمضان مدرسة تربويّة فريدة تشدّ المسلم إلى ربّه تائباً منيباً خاشعاً كما تشدّه إلى أمّته ومحيطه في توبة جماعيّة مرجوّة: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيّها المؤمنون لعلّكم تفلحون) سورة النور 31، توبة تجدّد الانتماء لدين الله وأمّة الإسلام فيمتدّ التزام المسلم عموديّاً يبتغي رضا الله وأفقيّاً يلتحم مع قضايا أمّته فيشحذ عزيمته ليندمج في الإصلاح والتغيير الإيجابي دفعاً للمعتدي وجلباً للمصالح ومساهمة في جهود التنميّة الروحيّة والاقتصاديّة.
بهذه الاستفاقة الرمضانيّة والحركة الإيمانيّة يستحقّ المسلم الفرحتين والدخول مع الوفد الكريم من باب الريان، وشتّان بين من يعيش لنفسه _ ولو متعبّداً لله _ ومن يعيش لأمّته ودينها وقضاياها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.