لم تكن تعتقد (فاطمة) صاحبة 20 سنة أنها ستكون واحدة من فتيات الشوارع، لم تكن تفكر أن تجاربها في خوض مغامرة في الحب سيجرها لعالم المخدرات ويدخلها عالم السجون ويتركها تدفع الفاتورة غالية، فقدان الشرف وإنجاب طفلة غير شرعية لتتخلى عليها في آخر المطاف لعائلة مجهولة بغية حماية فلذة كبدها من الضياع الذي تجرعت مرارته وتحميها من كلام الناس الذي لا يرحم مهما طال الزمن. (فاطمة. م) فتاة من الجزائر العاصمة فقدت والدتها وهي لا تتعدى سن الخامسة بسبب مرض السل، لها أخت واحدة وثلاثة ذكور، وفاة الوالدة جعلتهم يعيشون مشتتين، الأخت الكبرى تكفل بها الخال والطفل الأصغر الذي لم يتعد عمره السنة تبنته عائلة ميسورة الحالة، لتبقى فيما بعد فاطمة، عبد القادر وعادل الثلاثة يعانون من مرض السل ليتم إدخالهم للمستشفى للعلاج مدة شهر ونصف. بعد الخضوع للعلاج والخروج من المستشفى وجد الأشقاء الثلاثة أنفسهم في البيت يعانون ألمين، فراق الوالدة وفراق الإخوة، ليعيشوا بعدها ثلاث سنوات وكأنهم من شجرة مقطوعة لا خالة تسأل ولا قريب يحن عليهم، ماعدا الجيران ممن كانوا يغسلون لهم، الأب مشغول بالعمل محطم القلب بعد فقدان رفيقة دربه وحبيبة القلب (ظريفة). لم يستطع الأب (عمر) تربية أبنائه منفردا ورغم أنه يكره التفكير في إعادة الزواج لكن الظروف دفعته لهذا، فقام بعض المحسنين من الجيران بتزويجه، كانت (فاطمة) صغيرة السن حينها لم تع شيئا سوى أنها يوميا في الشارع لا يسيطر عليها أحد لا تدخل للبيت مطلقا إلا في الليل، حتى الدراسة لم تكملها فقد توقفت عندما حصلت على شهادة التعليم المتوسط. بقيت تتنقل من بيت لبيت ومن جارة لجارة، لتكبر بعدها وتبلغ سن ال15 هنا بدأت مشاكل زوجة الأب من جهة ومعاناة نفسية من جهة أخرى، الضرب يوميا، الشجار يوميا والفراغ كلها أسباب جعلت من (فاطمة) فتاة متهورة لا تقدر الحياة ولا تحترم أحدا ولا تضع حدا لدوافعها التي أصبحت تسبب المشاكل يوميا. حين بلغت (فاطمة) 16 ربيعا ازدادت جمالا وبدأت أنوثتها بالظهور لم تجد من ينبهها وينصحها من العالم المجهول خاصة وأنها أنثى، لتتعرف (فاطمة) على شاب صاحب محل خاص ببيع الملابس النسائية بالقرب من بيتهم فبدأت تتردد عليه لتعجب به بعدها، مع الأيام تدرك أنها أصبحت حاملا، فتهرب من البيت وتلتحق بحبيبها الذي أسكنها عنده بالمحل، لكن الحياة تغيرت فقد أصبح الحبيب وحشا بشريا يعرضها للضرب والشتم اليومي ليطردها فيما بعد وتجد نفسها في الشارع. طال تشرد فاطمة لأكثر من شهرين في شوارع العاصمة لتتعرض على إثرها لضربات بالسلاح الأبيض على مستوى الوجه من طرف جماعة أشرار تنقل على إثرها للمستشفى، وتتلقى الدعم النفسي من طرف أعوان الأمن الذين بحثوا عن عائلتها وأرجعوها إلى البيت بالدار البيضاء، رغم رفض عودتها من طرف الأب والأخ (عادل) وحتى زوجة الأب التي رفضت بقاءها معها تحت سقف واحد، لكن في الأخير يتم قبولها من طرف والدها الذي رفع قضية لدى مصالح القضاء لمتابعة المجرم لينال جزاءه. تأزمت المشاكل وتعقدت قبل الوصول إلى أروقة المحكمة أين يرتبط (خالد) ب(فاطمة) بعقد شرعي فقط للتستر على جريمته، رغم رفض عائلته الفكرة من أساسها خاصة مع علامة الجرح التي تحملها فاطمة على خدها، لم تكتمل الفرحة ويتم طردها من طرف أخ خالد الذي منح أخيه مبلغا ماليا ضخما ودفعه للسفر إلى تونس،لتبقى فاطمة تعاني من جديد لكن هذه المرأة مع ابنتها التي ولدت دون وثائق ولم تتقبلها العائلتان. بعد مضي أسبوعين على وضع فاطمة مولدتها الصغيرة تهرب مجددا من البيت وتحمل ابنتها معها، لكن الشارع لا يرحم فقد تعرفت على صديقة أخذتها معها للعيش لكنها لم تدرك ماذا كان ينتظرها، دخول عالم التهريب، المخدرات والدعارة، هذا العالم الذي تقول عنه فاطمة كانت ترفض أن تعيش ابنتها فيه، لتتعرف بعدها على عائلة ميسورة الحال وتصدقت بابنتها لحمايتها من العالم الذي لا يرحم. سكتت (فاطمة) برهة لتبدأ فيما بعد تحكي لنا تفاصيل دخولها إلى السجن وما حل بها في هذا المكان الذي لم تكن تتخيل يوما أنها ستدخله، لكن شاءت الصدف وهي تحمل في حقيبتها كمية من المخدرات قبض عليها متلبسة من طرف أعوان الأمن، ليتم نقلها إلى مركز إعادة التربية بالأبيار ثم تحوّل إلى سجن الحراش بعد إصدار الحكم عليها بخمس سنوات، تقضي فيه سنتين ونصف ويتم الإفراج عليها بعد منح رئيس الجمهورية قرار العفو بمناسبة عيد الاستقلال لسنة 2011. (سجن الحراش كان المدرسة التي منحتني الشهادة لمواجهة الحياة تقول (فاطمة) ربما شاء الله أن أدخل هذا المكان من أجل أن أنال شهادة أستطيع بها العيش بعد الخروج وأكافح بها عالم الوحوش الذي لا يرحم خارج السجن وليس داخله، فقد نالت شهادة تكوين في الحلاقة بتقدير ممتاز لتخرج من السجن وهي تحمل شهادة أهلتها للعمل في محل مع إحدى السيدات بالحميز تتقاضى أجرا مقبولا. عند سؤال فاطمة عن الأسباب التي دفعتها لدخول هذا العالم كانت إجابتها أنه كانت تشعر أنها ليست مثل البقية، إن كان الآخرون يوجد من يسأل عنهم فهي لم تجد، تقول (فاطمة) هي كانت تخرج كما تشاء وتعود في الوقت الذي تريد، لا أحد يسأل عنها مريضة أو لا، والأهم من هذا حين عودتها من المستشفى وهي لا تتعدى الست سنوات لم تتحمل فراق أخيها الصغير ووفاة الوالدة، والأكثر تقول لا وجود لطعم الحنان لا من قريب ولا من بعيد، كانت أهم الدوافع التي جرتها لركوب أخطر سفينة دفعت ثمنها وهي لا تتعدى ال20 سنة.