مسؤول أممي: نشعر بالذعر من تقارير عن وجود مقابر جماعية في غزة    الخطوط الجوية الجزائرية : عرض جديد موجه للعائلات الجزائرية في العطلة الصيفية    الجالية الصحراوية في فرنسا تندد بمواصلة المغرب إنتهاكاته الممنهجة للقانون الدولي في كل الاراضي الصحراوية    أرمينيا وأذربيجان تعلنان عن بدء عملية تحديد الإحداثيات لترسيم الحدود بينهما    موسم الحج 2024: يوم تحسيسي لفائدة البعثة الطبية المرافقة للحجاج    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    فرصة جديدة لحياة صحية    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    السيد طبي يؤكد على أهمية التحكم في الرقمنة لتحسين خدمات قطاع العدالة    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    القضاء على إرهابي واسترجاع مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف بمنطقة الثنية الكحلة بالمدية    لعقاب: ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات التي تواجهها الجزائر    في اليوم ال200 من العدوان الصهيوني: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة بقطاع غزة    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    صعلكة    ارتكب فيها مذابح مروعة : الاحتلال الصهيوني يحوّل مستشفيات غزة إلى مقابر جماعية    الصهاينة يستبيحون الأقصى    "التاس" ملاذ الفاف وسوسطارة: الكاف تدفع لتدويل قضية القمصان رغم وضوح القانون    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    فيما انهزم شباب ميلة أمام الأهلي المصري: أمل سكيكدة يفوز على أولمبي عنابة في البطولة الإفريقية لكرة اليد    دورة اتحاد شمال افريقيا (أقل من 17سنة): المنتخب الجزائري يتعادل أمام تونس (1-1)    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    سطيف: تحرير شاب عشريني اختطف بعين آزال    مرشح لاحتضان منافسات دولية مستقبلا: تحفّظات حول دراسة لترميم مركب بوثلجة في سكيكدة    للقضاء على النقاط السوداء ومنعرجات الموت: إطلاق أشغال ازدواجية الوطني 45 بالبرج قريبا    بسكرة: وضع حجر أساس مشروعي إنجاز محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية ومحول كهربائي ببلدية لغروس    زيارة موجهة لفائدة وسائل الإعلام الوطنية    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    المكتبات الرقمية.. هل أصبحت بديلا للمكتبات التقليدية؟    انطلاق الحفريات بموقعين أثريين في معسكر    رئيس الجمهورية يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته بتونس في الاجتماع التشاوري    نحو تعميم الدفع الآني والمؤجّل    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    سنقضي على الحملة الشرسة ضد الأنسولين المحلي    بنود جديدة في مشاريع القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    محافظة الغابات تقرر الإغلاق الجزئي لغابة "ساسل"    سطيف تنهي مخططاتها الوقائية    على راسها رابطة كرة القدم و الأندية الجزائرية: حملة مسعورة وممنهجة .. العائلة الكروية الجزائرية تساند اتحاد الجزائر ضد استفزازات نظام" المخزن "    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    رئيس بشكتاش يلمح لإمكانية بقاء غزال الموسم المقبل    تنظيم الطبعة الرابعة لجائزة إفريقيا "سيبسا اينوف"    تمديد اكتتاب التصريحات لدى الضرائب إلى 2 جوان    بعثة برلمانية استعلامية بولاية النعامة    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    إقبال كبير على الأيام الإعلامية حول الحرس الجمهوري    وفد برلماني في زيارة إلى جمهورية أذربيجان    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    248 مشروع تنموي يجري تجسيدها بالعاصمة    حملة واسعة للقضاء على التجارة الفوضوية ببراقي    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في فلسفة العولمة
نشر في الجزائر نيوز يوم 25 - 09 - 2012

فالجالية المسلمة في الغرب الأوروبي تعيش مُعاناة قاسية، بسبب اتِّهامها بالعنف والإرهاب، وبالجريمة بمختلف أنواعها، ويقوم في فرنسا المعاصرة حوار الهُويَّة الوطنية، لا لسبب سوى لارتداء المسلمة الفرنسية لباسها الإسلامي، الذي يستر جسمها وعوراتها، فتتحرك الحكومة ويتحرك البرلمان، وتتحرك جميع الأحزاب والمنظمات الوطنية المعادية للإسلام، وترفع شعار العلمانية في حق من الحقوق الأساسية، ومن الحريات التي يحميها ويصونها الدستور العلماني الفرنسي، وكأن فرنسا تنقض على نفسها، فتضع القوانين وتحدد المبادئ، وفي الوقت ذاته تنقض على هذه القواعد والمبادئ فتدمرها، ففي حوار الهوية يدعو الكثير إلى منع النِّقاب على المرأة المسلمة، وإلى طرد كل من ترتديه زوجته، وحرمانه من الإقامة في فرنسا، وتم استغلال وسائل الإعلام والاتصال الخاصة والعمومية بكيفية رهيبة، وتوظيف مراكز ومؤسسات البحث والدراسة في المجتمع، ذلك لأسباب أيديولوجية وأمنية ظاهرة، لكن في الحقيقة توجد أسباب خفية عقدية نصرانية ويهودية، وهذا يتعارض تماما مع التوجه العلماني لسياسة الدولة، ففرنسا ليست دولة دينية، حتى تطرح وتناقش قضية البُرقع في حوار وطني، وتستغلُّ في ذلك وسائل الإعلام الرسمي، فالدين والتعبد والمُعتقد، والحجاب وغيره شؤون فردية ذاتية شخصية بحتة، لكن العولمة المتوحشة الشرسة أتت على الأخضر واليابس، ولَم تَتْرك مجالا في الحياة الإسلامية في الدول الكبرى، أو خارج هذه الدول إلاَّ دهسته، غير مبالية بمُقَدَّسات المسلمين، أو بالقِيَم الإنسانية العُليا، التي كانت وراء الظروف والأوضاع التي صَنَعَت توجُّه العولمة وفَرَضته.
3 - الصِّهْيَونية والعولمة وآثارهما:
ومن جهة أخرى نجد للعولمة أصولاً عقديَّة يهوديَّة غير نصرانيَّة، ارْتَبَطت بها على المستوى الاقتصادي والثقافي والسياسي والاجتماعي، تؤثِّر هذه الأصول العقدية في توجُّه العولمة بصفة مباشرة، وبصفة غير مباشرة، من خلال ما تقوم به العديد من الحركات والتيارات الدينية اليهودية، وكذلك الأحزاب السياسية وعددٌ من الحاخامات في إسرائيل، وفي الغرب الأوروبي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها، من نشاطات مختلفة في السرِّ والعَلن، مستعملة وسائل الإعلام المختلفة، والاقتصاد والسياسة، والمال والأعمال، ووسائل أخرى غير مشروعة، مثل: المتاجرة بأعضاء البشر وغيرها كثير، نشاطاتها تَستهدف بالدرجة الأولى فرْضَ نَمَطٍ فكري وثقافي، واجتماعي وسياسي واقتصادي، وحتى عقدي واحد، يتميَّز باحترامه المطلق للديانة اليهودية، وتفضيلها على غيرها من الديانات الأخرى، واحترام الشعب اليهودي وتفضيله عن غيره من الشعوب الأخرى، لأنَّ الله اختارَه من بين شعوب الإنسانيَّة والتاريخ، وقدَّمه في درجة التفضيل، فهو شعب الله المختار، وهي فكرة ثابتة ومبدأ لا يَقبل المناقشة، واحترام دولة إسرائيل وأراضي إسرائيل، فهي هَديَّة إلهيَّة كرَّم الله بها الشعب اليهودي، الذي كثيرًا ما عانى من التشتُّت والتمزُّق والفُرقة، بسبب مَكْر الأعداء وظُلمهم، وفكرة تفضيل اليهود عن غيرهم وحِرصهم الدائم على التقليل من قيمة الشعوب الأخرى، ومن أهمية دياناتها وثقافاتها، ورَدّ كلِّ الثقافات والديانات - التي فيها التنوير والإشراق والقوَّة - إلى مصادر وأصول يهودية، ليْسَت جديدة، بل تحدَّث عنها القرآن بإسهاب وفي أكثر من سورة، وعرَفها التاريخ منذ القِدَم، لقد تصدَّى اليهود ووقَفوا في وجه الأنبياء، وفي وجه رسالاتهم، فقَتَلوا الأنبياء، وألْحَقوا بهم كلَّ أنواع الأذى والظلم، كما جَحدوا على الحضارات والثقافات التي عرَفتها الإنسانيَّة عبر تاريخها الطويل أصالَتها وخصوصيَّاتها وقوَّتها، فالثقافات والديانات الشرقية القديمة ذات مصادر يهوديَّة عبرانيَّة، والتراث الفكري والعلمي والفلسفي اليوناني من أصول يهوديَّة، وحضارة الإسلام مدينة للديانة اليهودية وللفكر اليهودي السابق على كلِّ نهضة في الشرق أو في الغرب، أو في غيرهما، وكذلك الأمر مع الحضارة الحديثة والمعاصرة، فهي مدينة لإسهامات اليهود فكريا ودينيا، واقتصاديا وماليا في النهضة الأوروبية الحديثة، وفي الانفجار العلمي والتكنولوجي، وفي الثورة الصناعية، وفي التأسيس لليبرالية وللحداثة، وفي التأصيل للحرية والديمقراطية والتعددية، إذ تحولت أوروبا وغربها عموما، والولايات المتحدة الأمريكية، إلى قوة كُبرى تقود العالم، ومن وراء هذا كله اليهود والديانة اليهودية، والثقافة اليهودية، الأمر الذي ينبغي أن تستوعِبَه شعوب الدنيا، وتَقبل اليهود وفكرَهم وسياستهم، وكلَّ مُخطَّطاتهم في إسرائيل وخارج إسرائيل، وهو شَكْل من أشكال التسلُّط الذي تُمارسه دول المركز، وإرادة فَرْض الهيمنة وبَسْط النفوذ في العالم، ولَمَّا صارَت دولة إسرائيل تنال من الحظوة ومِن الدعم ومن المساعدة من قِبَل القوى العظمى المُهيمِنة على العالم، ما لا تَناله أيَّة دولة في العالم، وذلك لأسباب عديدة أيديولوجية وسياسية واقتصادية، ومن ورائها عواملُ دينيَّة، ولأنها الشريك والحليف الأول الذي يَحفظ مصالح دول المركز في المنطقة، ومنه صارَت إسرائيل تتصرف كأي دولة من دول المركز، لا تَعنيها سوى مصالحها، وتَضرب بقوة أية مُعارضة من أية جهة، كما صارَت تُصدر العولمة وتفرضها.
ترتبط العولمة بمُخَططات الصِّهْيَونية العالمية، وبممارساتها السرية والعَلنية، وبالكِيان الصِّهْيَوني، وما يُبديه تُجاه العالم بصفة عامة، وتجاه العالم العربي والإسلامي بصفة خاصة، وبما يُعرف بالمسألة اليهودية في العصرين الحديث والمعاصر، إذ انصب الاهتمام بأوضاع اليهود في الغرب بالدرجة الأولى وفي غيره، وطُرِحت قضية وجودهم واضطهادهم على مستوى الفكر الغربي، وتعالَت صيحات المفكرين الغربيين للكفِّ عن اضطهادهم وضرورة تحريرهم، ففي الفكر الليبرالي الألماني يكون تحريرُهم عن طريق الوحدة القوميَّة والفكر الإيديولوجي الألماني، وعن طريق الحرية والانتماء للجماعة، وفي الفكر الماركسي الاشتراكي الشيوعي يكون تحريرُ اليهود من خلال تحرير جميع المضطهدين في العالم، فالحرية والتحرر مِلْك للجميع، وليس لليهود وَحْدهم، ولا يكون ذلك إلا بالقضاء على البرجوازية، ولَمِّ شَمْل المقهورين في العالم، والقضاء على كلِّ صنوف الاستغلال، أمَّا الفكر الفلسفي الوجودي، فمن جهته يسعى إلى الغاية ذاتها، ليس من خلال الأنا اليهودي أو الذات الصِّهْيَونية، أو الأنيَّة المُتَصَهْيِنَة، بل بواسطة الآخر، لأن اليهود هم يهود من منظور الآخر، وإذا كان الآخر هو العدو وهو الجحيم، فلا ذنبَ لليهود في ذلك، ولا ذنب لليهود في كون الآخر يُشيِّئُهم ويَقهرهم، فتحريرُهم لا يكون من الداخل، بل من الخارج، والعامل الأساسي في قضية الصِّهْيونية واليهودية، هو إعلان العداء للساميَّة، وإذا كانت الثقافة الغربية والأمريكية علمانيَّة، فهي من حيث المبدأ والنظر تُعارِض الدين بما في ذلك الدين اليهودي، لكن في الحقيقة والواقع أنَّ الفكر العلماني له أصولٌ دينية يهوديَّة، لأن اليهود لا يَعنيهم تناقُض مبادئهم، وتحالُفهم مع الشيطان، وقوى الشرِّ والعدوان، فعندهم الغاية تُبرِّر الوسيلة، لا تَعنيهم سوى مصالحهم، ولا تَهمُّهم سُبل ووسائل الوصول إليها، “إنَّ اليهودية أنشأت العلمانية في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، لتخريب الشرائع السماوية، والعَبَث بالثقافات، لإفساد الجيل الناشئ بالمبادئ والنظريات التي يَدُسُّونها له في التعليم والإعلام والصحافة، والنوادي الثقافية، وإنَّ كلمة العلمانية لا علاقةَ لها بالعلم، وإنما هي “اللادينية"، فالعلمانية والدين مُتضادَّان على الدوام، وتطوَّرت العلمانية في مرحلة فصْل الدين عن الدولة، أي: مرحلة القضاء على الدين غير اليهودي، وكان من نتائجها في الغرب تدميرُ الفرد والأسرة والمجتمع أخلاقيًّا ورُوحيًّا، والذي ساعَدها على ذلك أنَّ النصرانيَّة تَسمح بقَبول العلمانية الفاسدة: “أعطِ ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، بعكس الإسلام الذي لا يسمح بوجودها، لأنه لا يتَّفق معها في أي مرحلة من مراحل تطورها..". والهجمة الشَّرسة المتوحِّشة التي تَشنُّها اليهودية الصِّهْيونية العالمية باسم العلمانية وغيرها في السر والعَلانية على الثقافة الإسلامية، تتطلَّب العودة إلى واقع العالم الإسلامي بأكْمله، وفي كافة مجالاته، وتصحيح ما ينبغي تصحيحه، وتقديم الإسلام في صورته الصحيحة، من مَنطق النهوض الحضاري المطلوب في ظلِّ عولمة لا تعترف إلا بالأقوياء، وتَسحق الضُّعفاء، لأنَّ “المقومات الثقافية والقِيَم الحضارية التي تشكِّل رصيدَنا التاريخي، لن تُغني ولن تَنفع بالقَدْر المطلوب والمؤثر في مواجهة العولمة الثقافية، ما دامت أوضاع العالم الإسلامي على ما هو عليه في المستوى الذي لا يَستجيب لطموح الأُمة". ارْتَبَطت قضية اليهود في العالم - وفي الفكر الأوروبي الشرقي والغربي بالدرجة الأولى - بتهميش اليهود من جهة، وبحركة اضطهادهم في البلدان القومية، مثل: روسيا وفرنسا وألمانيا، وتنامَت الهُويَّة اليهودية في البلدان التي تعيش ضَعْفًا في قوميَّتها، كشعوب أوروبا الشرقيَّة، ففيها تعاظَم شأنُ الصِّهْيونية، وظهَر الكثير من دُعاتها، ونشأت العديد من الحركات الصوفية اليهوديَّة، لتدلَّ على درجة الانطواء والتقوقع في الأنا، لحِفظ الهُويَّة اليهودية، ولليهودية توجُّه ذاتي ضَيِّق - ديني وسياسي - يقوم على أفكار خطيرة، أهمُّها أنَّ الله أبْرَم عهدًا بينه وبين اليهود، ووعَدَهم بالأرض المُقَدَّسة الكاملة، وبالنصر الكامل دون مقابل، لأنهم أبناؤه وأحباؤه، وشَعْبُه المختار المفضَّل على كل شعوب الدنيا، وما دام في اليهود مؤمنون متعبِّدون: أسلاف وآباء وأجداد وأوائل، أو أخلاف وأبناء وأحفاد، فالله لا يعذِّبهم جميعًا، حتى ولو اغْتَصَبوا الأراضي، وسَفَكوا الدماء، ونَهَبوا ممتلكات غيرهم ظُلمًا وجَورًا وعُدوانًا، ويوجَد توجُّه آخرُ يتميَّز عن التوجُّه الخاص بكونه عامًّا، يَنفعل ويتفاعَل مع الثقافات والديانات والفلسفات الأخرى منذ القِدَم حتى الآن، فمِن عهود الأنبياء ودَحْض النزعة الخاصة، ورَدِّ الاعتبار للاتجاه العام، إلى غاية عهد الإسلام، ومن قَبْله عهد المسيح واليونان، إلى الفكر الغربي الحديث والمعاصر، هذا الاتجاه العام يَضيق ويَتَّسع بدرجة تجاوب اليهود مع الثقافات والفلسفات والديانات التي احْتَكُّوا بها. إنَّ لنموذج الدولة اليهودية في فلسطين أسبابًا عقديَّة، ارْتَبَطت بالنزعتين الخاصة والعامة، الخاصة لحِفظ الهُويَّة، والعامة للتواصُل مع الآخر: العدو والصديق، وله ظروف تاريخية تجلَّى فيها الوعي القومي بشدَّة في الغرب الأوروبي وفي أمريكا، فتعاظَمت القوميَّات، القوميَّة الألمانية والروسية، والإيطالية والفرنسية، والأمريكية القائمة على تعدُّد المقوِّمات: اللغة، والأرض والتاريخ الثقافة، والمصير المشترك وغيره، وفي هذا الجو تعاظَمت رغبة اليهود ومن ورائهم الحركة الصِّهْيونية التي تحوَّلت من حركة تراثية تاريخية دينية مُتعصِّبة وخطيرة، إلى حركة صِهْيَونية سياسية في إنشاء وطنٍ قوميٍّ لليهود على نموذج الأوطان القومية في أوروبا الغربية، تُصدره العولمة ويُصدره النظام العالمي لجهة في إفريقيا، مثل الغابون، أو في أمريكا اللاتينية، مثل: الأرجنتين، أو في آسيا، وفي الوطن العربي، مثل: فلسطين، مثلما صُدِّر الاستعمار البريطاني إلى مصر والسودان، وفلسطين والعراق، واليمن والخليج، بعد انهيار الخلافة العثمانية في هذه البلدان، والاستعمار الفرنسي لبلاد المغرب العربي، ولسوريا ولبنان، والاستعمار الإيطالي لليبيا والصومال، كلُّ هذا في ظلِّ الحضارة الغربيَّة الحديثة وتفوُّق الغرب ماديًّا وعلميًّا، وتكنولوجيًّا واقتصاديًّا، وانتصاره على الشعوب الأخرى بقوَّة الحديد والنار التي صدَّرها باسم الحرية الديمقراطية، وحقوق الإنسان والإعمار، ونَقْل التكنولوجيا وغيرها، فكان من نتائج توجُّه العولمة ونظامها العالمي في ذلك الوقت - وتحت مطالب اليهود والصِّهْيونية التي كانت مُتغلغلة في أوساط رجال المال والأعمال، وصُنَّاع السياسة في الغرب وفي أمريكا - تشجيعُ الهجرة إلى فلسطين، إلى أنْ جاء وَعْدُ وزير خارجية بريطانيا بلفور المتضمِّن الموافقة على إنشاء وطنٍ قومي لليهود في فلسطين، وأُنْجِز الوعد، وتأسَّس الكِيان الصِّهْيوني، وتوالَت النَّكبات والنَّكسات على فلسطين وعلى العالم العربي والإسلامي ككلٍّ، فمن تنفيذ وعد بلفور إلى قيام دولة إسرائيل، وحرب 1948 إلى هزيمة 1967 إلى نكسة 1973 إلى استسلام الأنظمة العربية للأمر الواقع، والخضوع لمشاريع التسوية منذ معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل حتى الآن، لكن الصِّهْيونية والنزعة اليهودية الخاصة مُمثَّلة في التيارات الدينية والأحزاب السياسية، وفي الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على السلطة، تَمنع كلَّ بريق أملٍ في تسوية عادلة بين العرب واليهود، لأنَّ الكِيان الصِّهْيوني في أبعاده الدينية وأصوله العقديَّة السياسية، يَحلم بالمعجزة، بدولة إسرائيل الكبرى، بأرض الميعاد وتحقُّق العهد والوعد، بالأرض المقدَّسة الكاملة، وبالتفوق وبالنصر الأبدي المبين، تلك الدولة التي يُصبح فيها العرب والمسلمون جزءًا منها في ثقافتهم وأموالهم في عالم العولمة واقتصاد السوق. بمقتضى المرحلة التي يعيش فيها اليهود ودرجة الانتصار والتفوق التي حقَّقوها، ووجودهم في مراكز القوة والغلبة في العالم - سياسيًّا واقتصاديًّا، وماليًّا وعسكريًّا - صاروا في مركز العالم يُرَوِّجون للعولمة على مقاس الأمركة المُتَصَهْيِنَة، ويُنفِّذون مُخططات الحركة الصهيونية القائمة على مبادئ النزعة الدينية اليهودية الخاصة، التي ترفض العيش مع الآخر، ولا تقبل التساوي معه في الحقوق والواجبات وأمام القانون، لأنَّ وجود اليهود مع آخر متعدِّد في الثقافات والهُويَّات والأديان، يُفقدهم مقوِّمات هذا الوجود، لذا فهم يحرصون على إذكاء مُعاداة الساميَّة، وإبطال الهولوكوست - المحرقة - من طرف أيَّة جهة ومَهْمَا كانت، بهدف تقوية الصهيونية، لأنه كلَّما تعاظَم الاتجاه المعادي للسامية، تنامَت مع ذلك الصِّهْيَونية، ووجَدت مُبَرِّرات شرعيَّتها، لذا فالصِّهْيَونية تسعى دومًا إلى تقوية العداء للسامية، لتبرير حالة الشَّتات وعُقَد المَحرقة والاضطهاد، والتطهير العرقي، وهو أمر مكشوف ومفضوحٌ في العالم، تَكشفه نشاطاتهم السياسية والاقتصادية، التي تَقْوَى باستمرار، لكونهم كانوا وراء أحداث انقلابيَّة سياسيَّة وغيرها، نوعيَّة في العديد من بلدان العالم، ويَبسطون سيطرتهم التامة على جهات القرار والمراكز النافذة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها، وإلاَّ كيف يرفض بلدٌ كالصين الشعبيَّة التوقيعَ على معاهدة الشراكة الاقتصادية مع البلدان العربية في الأيام الأخيرة، وبينه وبين العرب والمسلمين علاقات تاريخيَّة حميمة وثقافية متينة، واقتصادية وتجارية قويَّة؟! وذلك لتضمُّن بند في الاتفاق ينصُّ على أنَّ القدس الشرقية هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين العربية الإسلاميَّة، ويقومون بالتخطيط لتنفيذ مطالب الصِّهْيونية، والرد بقوَّة على أيَّة معارضة تقف في وجه أطماع وأحلام إسرائيل الكبرى، لكن قوَّتهم كلما ازْدَادت، ازدادَ معها رفْضُ الآخر لهم وبشدَّة، فماذا تستفيد الإنسانية من حلِّ مشكلة اليهود على حساب شعبٍ ضاعَت أرْضُه وسُلِبت حقوقه، وظَهَرت مشكلة أكبرُ هي مشكلة فلسطين؟ لا تَنفصل العولمة عن إسرائيل وعن كافة مرجعيَّاتها الدينية، فالتيارات الدينيَّة اليهوديَّة وراء توجُّه العولمة سياسيًّا واقتصاديًّا، وثقافيًّا وإعلاميًّا وعسكريًّا، والقوى المهيمنة في العالم شركاتها ومؤسَّساتها المالية تُديرها هَيْئَات ومُنَظَّمات ومُخطَّطات يهوديَّة، كما تُدير السياسة الداخلية والخارجية لهذه القوى، كما يقف الفكر اليهودي وتقف الحركة الصِّهْيونية وراء السياسة الإسرائيلية في فلسطين، وفي المنطقة العربية ومع العرب والمسلمين، ومع كل الجهات التي تَقِف ضد الجرائم اليومية التي تَرتكبها في حقِّ الشعب الفلسطيني، وفي حق الشعور الإنساني، وفي حق القِيَم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والدينية العُليا، لكنَّ إسرائيل لا تبالي بالشعور الإنساني في تمرير خُطَطها ونَشْر ثقافتها، وفي المحافظة على وجودها كقوَّة اقتصاديَّة وسياسيَّة وعسكريَّة، كلُّ هذه القوَّة تَنبعث من القوَّة الدينيَّة، ومن الإيمان الراسخ بدَلالات ومعاني التوراة والتلمود وسائر الشرائع اليهودية، ومن الإيمان الراسخ بأهداف ومُخطَّطات وأساليب الصِّهْيونية العالمية، فالصراع الفلسطيني العربي الإسلامي مع إسرائيل تُديره قوى إسرائيلية تَعتمد على التيارات الدينية، هذه التيارات الدينية التي تقف عقبةً كبرى أمام تسوية المشكلة الفلسطينية اليهودية، وتعتبر الأرض الفلسطينية مُقَدَّسة وهديَّة ربَّانيَّة، لا مساومة عليها، وهي فكرة تُغَذِّيها أسطورة الأرض المُقَدَّسة الكاملة في الفكر الديني الصِّهْيوني المتطرِّف، الذي يقوم على مُعتقدات العهد والوعد والأرض المُقَدَّسة الكاملة العقائد، التي حدَّدت موقف اليهود والصَّهاينة بمختلف تيَّاراتهم الدينية والسياسية، وغيرها من الأنا اليهودي الصِّهيوني، ومن أحلامه ومطامحه، ومن الآخر العدو والصديق في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل. إنَّ موقف اليهود من الذات، ومن الآخر العدو، ومن الآخر الصديق، منابعه دينية صِهْيَونيَّة، موقف لا يَتغيَّر بتغيُّر المواقف السياسية، ولا بتغيُّر الظروف الاقتصادية وغيرها في العالم، ولا يفقد وَحْدته
وتَماسُكه أمام تعدُّد التيارات الدينية، وتبايُن الاتجاهات المذهبيَّة داخل التيَّار الديني الواحد، ولا أمام كثرة واختلاف الأحزاب السياسية، وتعدُّد الحكومات في دولة إسرائيل ذات المرجعيَّات والأصول الدينيَّة، فهناك التيَّار الديني اليهودي الأرثوذوكسي الغالب المتمسِّك بيهوديَّة التلمود والتوراة وشرائعها وبخصوصيَّات اليهود، وهو رَدُّ فعْلٍ للتيَّار الديني اليهودي الإصلاحي التنويري، وعلى الرغم مما يُبديه التيَّار الأرثوذوكسي من انقسام نحو الصِّهْيونية: بعضه يعترف بها، وبعضه لا يعترف بها، وعلى الرغم من انقسام التيار الأرثوذوكسي - وهو الذي يُسَيْطِر على كلِّ المُقَدَّرات والإمكانيات في الولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها - إلى تيار إصلاحي، وتيَّار تقدُّمي، وتيَّار المحافظين، وبالرغم من تعدُّد الأحزاب داخل التيار الأرثوذوكسي: حزب البيت الصِّهْيَوني، وحزب التوراة الموحَّدة، وحزب الشرقيين والقرائيين وغيرهم، فإنَّ هذا التعدُّد في الفكر الديني والسياسي المنبثق عن المعتقدات الدينية اليهودية، لَم يؤثِّر البتَّةَ في نظرة اليهود إلى الذات وإلى الغير، سواء في علاقتهم بالعرب والمسلمين في أرض فلسطين المغصوبة، أو خارج فلسطين، ومنذ أن وَطِئت أقدام اليهود الأرض الفلسطينيَّة، وهم يعملون على تسخير كلِّ ما لَدَيهم - من قوَّة وغَلَبة وتفوُّق - لسَحْق الفلسطينيين، ومَحوهم من الوجود، وامْتَهان كرامة العرب والمسلمين، من دون اعتبار للماضي الذي عاش فيه اليهود مع العرب والمسلمين في سلامٍ وأمنٍ طيلة العصور الإسلامية الماضية، وكان تفوُّقهم العلمي والديني والفلسفي في الجو الإسلامي في الأندلس، حيث عاش المسلمون واليهود والنصارى تحت راية واحدة في وفاق ووِئام وانسجام، وبلَغَت شخصيات من اليهود أعلى المراتب وأرْقَى المناصب في الدولة الإسلاميَّة، فكان موسى بن ميمون قد تأثَّر بالفلسفة الإسلاميَّة، واشتغَل الطبيب الخاص للكامل، وكان اليهود يرفضون الاحتكام للقضاء اليهودي، ويحتكمون لدى القضاء الإسلامي، لِمَا فيه من عدلٍ وإنصاف لا يوجد في غيره، واستطاعَ اليهود أن يوفِّقوا بين العروبة والثقافة الإسلامية، وكلُّ هذا يعود إلى الفرق الموجود بين الإسلام واليهوديَّة وغيرها، فاليهودية غَزَت الشعوب واغْتَصَبت أراضيها، ودمَّرت بنياتها المادية والاقتصادية، وقتَلَت الأطفال والنساء والشيوخ، وأهْلَكَت الحَرْث والنَّسل، واستخْدَمَت وتستخدم الأسلحة المحرَّمة دوليًّا، ومارَست مختلف صنوف القهر والظلم والعدوان: من قتْلٍ وتشريدٍ، وتجويعٍ وسجنٍ وتعذيبٍ، وارْتَكَبت جرائمَ نَكراء ضد الإنسانية في الخَفاء والعلانِيَة، بينما دخَل الإسلام بلدان العالَم فاتحًا لا غازيًا، يحمل عقيدة التوحيد لشعوبها، ينشر بينها العدلَ والمساواة، ويَنبذ التفرقة والتمييز على أساس الجنس والعِرق، لَم يَقتل الأطفال والنساء والشيوخ، ولَم يُدَمِّر المساكن على رؤوس أصحابها مثلما فعَلت الصِّهْيَونية في فلسطين وجنوب لبنان، وما فعَلته الأمركة والغرب في جهات عديدة من العالم باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحماية الأقليَّات وغيرها، الإسلام حافَظ على حياة الشعوب وعلى أمْنِهم، وعلى لغاتهم وثقافاتهم وعقائدهم، ولَم يكن هناك أيُّ عدوان من المسلمين على اليهود والنصارى، أو حتى على أصحاب المعتقدات الوثنيَّة، فنظام الإسلام أُممي، كلُّ الفئات تعيش تحت كَنَفه في حماية كاملة، من دون تمييزٍ بينها، وانتشار الإسلام والحركة الإسلامية في الماضي للفتح لا للغزو، ولتعميم عقيدة التوحيد بدل الفكر الوثني، ولرفْع الظلم والاستعباد، وإنزال الحق والعدل، ولإقرار الأخوَّة والمساواة بين الناس من دون اعتبارٍ للألوان والأعراق، أما انتشار الحركة الإسلامية في العصرين الحديث والمعاصر، وكأن الإسلام ينبعثُ وينطلق من جديد، فهذا الوضع ارتبَطَ بمواجهة الاستعمار والتخلُّف العقدي والفكري والاجتماعي وغيره، وجاءَت نهضة الحركة الإسلامية سابقة على العولمة، لكنَّ العولمة في إطار أوْضاع الغرب الأوروبي المعاصر، وفي سياق ظروف الأمركة المُتَصَهْيِنَة تَلقَى كلَّ الدعم والتأييد والمساندة بالمال والأعمال، والقوَّة العسكرية وغيرها، الأمر الذي أخْرَج دولة إسرائيل - التي قامَت على اغْتِصاب الأرض وعلى أشلاء أهلها - من بُلدان الأطراف والمحيط، وجَعْلها عنصرًا فعَّالاً وقياديًّا في المركز، تَصنع العولمة وتُعَمِّمها بالجَمْع بين السبيلين: سبيل المَكْر والخِدَاع، وسبيل قوَّة الحديد والنار.
د- العولمة دين جديد: إلى جانب ما تقوم به العولمة، انطلاقًا من أصولها الدينيَّة الخفيَّة والعلنية، ذات المَنبع النصراني، أو المصدر اليهودي الصِّهْيوني، فهي جاءَت تحمل الدين الجديد للنُّخبة وعَبَدة المال، وتُمثِّل هذا الدين أحسنَ تمثيلٍ، لقد غَدَت “بطوفانها الجارف دينَ النُّخبة، ومَن اتَّبع تلك النُّخبة، حتى ليُطلق عليها أحدُ الباحثين الغربيين الوصف التالي: “دين الأغلبية الداخل إلى العبيد بقوَّة وسلطان المال والتجارة"، ونحن نجد أحدَ الباحثين يَصِف العولمة، فيقول: “لقد وَحَّدت العولمة مفهومَ الأديان التي لكلٍّ منها في حدِّ ذاته خصوصيَّته وتَميُّزه، وجَعَلت الناس تَعتنق دينًا واحدًا، هو دين المال، فنَسِي الناس يسوع المسيح، ونَسُوا الله تعالى، وتذكَّروا أوْجُه الدولار"، والعولمة بهذه الصفة جعَلَت من العقيدة الدينية - التي هي في حدِّ ذاتها حافظة للمنظومة الأخلاقيَّة والخُلُقيَّة والاعتقاديَّة - عقيدةً أرضيةً ماديةً، فأفْقَدتْها الجانب الرُّوحي من دعوتها الأخرويَّة، ومَسَخت جوهر الإيمان الذي يدعو إلى التآخي والتآلُف بين الناس". اجتَهَدت العولمة أيَّما اجتهادٍ في العمل على الاختراق الفكري والثقافي للشعوب، بهدف تفريغ العقول والنفوس والحفائظ من محتوياتها التراثيَّة الثقافية، والدينية والأخلاقية، والاجتماعية الخاصة، والاقتصار على ما هو إنساني مُشترك عام وعالَمي، فتَحَقَّق انتشارُ فكر وفلسفة وثقافة العولمة والأمركة، وهي ثقافة لها خصوصيَّتها وهُويَّتها، وحَصَل انشطارُ وانصهارُ ثقافات الأطراف في الخصوصيَّة الثقافية للعولمة، وفي عملية الانتشار تبشِّر العولمة بدين جديدٍ هو دين المال والأعمال، والتجارة والاقتصاد والأنترنت، وهو دين يختلف تمامًا عن الدين بمعناه التقليدي، ذلك ما عبَّر عنه أحد الباحثين بقوله: “إنَّ العولمة قبل أن تكون نظامًا اقتصاديًّا، كانت نظامًا قِيَمِيًّا جديدًا أسْهَم كلَّ الإسهام في تغيير عقيدة الناس، مما صيَّرهم آلاتٍ منتجة ومُستهلكة، وأعني بالمنتجة أنهم يعملون طوال اليوم، ليحصلوا على أجْرٍ يُرضيهم في قرارة أنفسهم، ثم يتحوَّلون من بعد ذلك إلى الاستهلاك على إفرازات الاقتصاد الغربي، فما يأخذونه باليمين يُعطونه بالشمال، وهذه العملية الروتينيَّة أنْسَت الناس الدِّين، فدانوا بدين العولمة وَحْده لا غير". إنَّ الدين الجديد الذي تدعو إليه العولمة والأمركة في ظاهره دينُ المال والاقتصاد، وكل مظاهر وآليات وأهداف العولمة والمركز، طابعها علماني، إذًا فالعلمانية عقيدة ومذهب، واليهودية تستعمل العلمانية - التي لا تلتقي مع الدين - وسيلةً لتحقيق غايات دينيَّة مَحضة، لكنَّها في باطنها لها أصولٌ عَقَدية يهودية، وأفكار ماسونيَّة خطيرة، أهمُّ هذه الأفكار: تحقيق وَحْدة الأديان في دين واحدٍ. “إنَّ أساس الدعوة التي تنادي بها الصِّهْيَونية العالمية، وصِنْوها الماسونية، هي دعوة وَحْدة الأديان في دين واحدٍ يمحو النصرانية والإسلام وكلَّ الديانات التي وُجِدت على الأرض، وهو دين العامة، تفريقًا له عن دين النُّخبة، (الدين اليهودي حسب زعمهم)، وذلك ما نجده في ظهر ورقة لدولار بالعبارة الشهيرة (بالله نحن نَثِق)، من غير تحديد لأيِّ إله يتجه القصد، إله الدم اليهودي، أم إله (الوهيم) إله الدمار اليهودي، أم إله القتل الذي خوَّل يوشع (حسب زعمهم) أن يقْتُل أهل أريحا، ويتعرَّضهم بحدِّ السيف، لفَرْض دينه واقتصاده المحرَّر وقتها، وهذا الأمر لا يختلف عن ذلك الأمر قَيْد أُنْمُلة، كما تقول العرب". وينبُّه كثير من المفكرين والباحثين في العالم العربي والإسلامي المعاصر، إلى خطورة العولمة كدين جديدٍ يَستهدف ضَرْبَ الأديان الأخرى - وفي مقدمتها الإسلام - باسم وَحْدة الأديان، وهي دعوة لَم يَأْت من ورائها سوى انهيار القِيَم والانحلال الخُلُقي والخَلْقي - بفَتْح الخاء - والرِّبح الفاحش، والظلم والاستبداد بكافة أشكاله، والاستغلال بجميع أنواعه، وجاءت إستراتيجيَّة العولمة الداعية إلى عقيدة المال والاقتصاد، ووَحْدة الدين المعتقد، ووحدة الثقافة، ووحدة الحاضر والمستقبل، والانصهار في الأمركة، عقيدة قواعدُها لا تَنسجم البتةَ مع كل الأديان السماوية والوضعية، لأنها لا تَزرع في العالم إلا التفرِقة والعُنصرية، ولا تُنَمِّي سوى مشاعر الكراهية والحقد، والضغينة والبغضاء، وحصادُها لا يقتصر إلاَّ على قتْل وتشريد الأطفال والشيوخ، وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، ولا تُنتج غير العُنف والعنف المضاد، وشعاراتها برَّاقة كاذبة ومخادعة، هي عبارات حقٍّ وصِدْقٍ أُريدَ بها باطلٌ ونفاق، والتاريخ يَشهد على انهيار المنظومات الإيديولوجية المعادية لمكارم الأخلاق والمجانبة للحقائق الدينية، وسقوط الإمبراطوريات التي شُيِّدَت على الظلم والطغيان والتعسُّف، وأُفول مراحل الظلام، لتُفْسِح المجال لنور العلم والحق والعدل، “عندما اجتاحَت جيوش هولاكو بغداد عاصمة الخلافة العباسية، واحتلَّ المغول بعض البلاد الإسلامية، واحْتَكُّوا بالشعوب الإسلامية والثقافة والدين الإسلامي، وبعد فترة آمَن المغول بالدين الإسلامي، بعد أن آمَن أحدُ حُكَّامهم به، حيث عَمِل على نَشْره في ربوع الإمبراطورية المغوليَّة، وحلَّت الثقافة الإسلامية محلَّ الثقافة المغولية في بلاد كثيرة من آسيا، نتيجة لإيمان شعوبها بالدين الإسلامي". تدعو العولمة إلى التديُّن بالمال والاقتصاد، والمروق عن العقائد المألوفة في الديانات السماوية والأرضية، “إنَّ العولمة في دعوتها اللاظاهرية إلى الاقتصاد دينًا، جعَل المال ربًّا، وترَك النُّظُم الأخلاقية، لأنها لَم تَعُد محرَّرة، إنما تَنبع من منابع مُوغلة في ضلالتها، ومن عجيب أنَّ بعض الباحثين لا يَرون في العولمة إلاَّ مذهبًا اقتصاديًّا، تُطَوَّر فيه الرأسمالية إلى العولمة، ويَنْسَوْن أن العولمة هي دعوة يَصْدُق عليها قول الباحث الذي قال: “إنَّ العولمة في هذه الدراسة، حوَّلت قِيَم عالمنا إلى قِيَم مُعَوْلَمة، فَقَدت صِلَتها بماضيها الذي كان يحضُّ على التسامح والإيثار، ولقد سَيَّرت العولمة الناسَ في طريقٍ لا رجوعَ عنه إلا بالموت، فصار الناس - إذ يمشون في هذا الطريق - يكتبون كلَّ يوم قِيَمًا جديدة، تختلف عن قِيَمهم الدينية والخُلقية، فنَسُوا الدين والخُلق، لقد صارَت العولمة - كما قدَّمنا - دينَ الاقتصاد المحرَّر في العصر الحديث، وما أراها إلا عقيدةَ الشيطان في حدِّ ذاته، لِمَا احْتَوَتْه من فِسقٍ اقتصادي، وتخريبٍ قِيَمي، وإلحادٍ ديني، سواء أشعر الناس بها، أم لَم يشعروا. إن غاية الأفكار الاقتصادية المدنية التي تَشيع في المجتمع كلَّ يوم، لتدعو إلى إصلاح قِيَم المال بدلاً من قِيَم الإيمان وفضائل الأخلاق، وهي ما نراه في منظومة العولمة التي صَبَغت الحضارة الغربية بصبغة إلحاديَّة أبْعَدَت الناس عن الكنيسة إلى بيت عبادة جديد، هو المعمل، أو المكتب، أو مكان العمل الذي غدا بديلَ الكنيسة والمسجد". إنّ كلَّ الدلائل تؤكِّد بجلاءٍ أنَّ العولمة في عصرنا دينٌ جديد، وعقيدة التوجُّه الحضاري للقطبيَّة الأُحادية، مُتَمَثِّلة في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، فالعولمة دين النُّخبة الاقتصادية وعَبَدة المال، لا الفضائل والقيم الإنسانية العليا، والضمير الخُلقي والوازع الديني، دينُ المادة لا الرُّوح والعقل والوجدان، دينُ الغريزة والشهوة و«البورنوغرافيا"، لا التربية الرُّوحية والأخلاقية والدينية، وتهذيب اللذات والسلوك، وترشيد الرغبات والميول والأهواء والعواطف، دينُ الانتماء إلى العالم الذي هو دون انتماءٍ يَعيش في غموض وإبهام، وشمول وضبابية، لا ولاء فيه لوطنٍ، أو لأرضٍ، أو لقوميَّة، أو لدينٍ ما، أو لأُمَّة أو لغيرها، دينٌ كلُّ شيءٍ فيه مفتوح وبحرية، لا يَعترف بالحدود الجغرافية والسياسية والثقافية وغيرها، دين يَحرِص على الانتشار والانصهار، انتشارِ العولمة والنظام العالمي وعقيدتهما في كلِّ مكان، وانصهار كلِّ الشعوب وكلِّ الثقافات وكلِّ الديانات في بَوْتقة واحدة، هي وَحْدة الجنس البشري، ليعيش تحت مِظَلة العولمة وبقيادة سلطة المركز، هذا هو مَطمح الحركة الصِّهْيَونية العالمية، وصِنْوها الماسونية منذ ظُهورهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.