اجتماع الحكومة يواصل في دراسة المشروع التمهيدي لقانون المرور..مراجعة العقوبات وتجريم بعض الأفعال الجديدة    بودن يؤكد من جنيف: الجزائر نموذج ناجح في الجمع بين الأمن والتنمية    عطاف يستقبل نظيره البيلاروسي    لمواجهة الدعاية الفرنسية..الإعلام الثوري كان جزء من سلاح جيش التحرير الوطني    قال إن ذلك يتيح للكيان الصهيوني عقد تحالفات..فانس متفائل باستمرار وقف النار بغزة    لورون نوناز : 700 ألف شخص يقيمون بشكل غير قانوني في فرنسا    رزيق يؤكد مواصلة الجزائر دعم التنمية الإفريقية    بوغالي يُثني على مدارس أشبال الأمة    الاستماع إلى وزيرة السياحة    5 ملايين مستفيد من صندوق الزكاة    أين أصبحت عائلة القذافي اليوم؟    مصالح الأمن تُشدّد الخناق على رؤوس الإجرام    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الإنفلونزا    توسيع الشراكة في التطوير والتكوين بين البلدين    مقرمان يوقع على سجل التعازي بسفارة كينيا    فرصٌ سانحة لتوظيف أصحاب الشهادات    " منتدى الغاز" يرسّم خريطة جديدة لحصص الدول المصدّرة    الأمم المتحدة تحذّر من تفاقم أزمة السودان    ذباب الاحتلال المغربي يحاول إسكات صوت التضامن العربي    شراكات بمنفعة متبادلة مع الشركات الأوروبية    التحديات المشتركة تستدعي رؤية استراتيجية جامعة    كلوب يفتح الباب أمام عودته إلى ليفربول    بلايلي يتعافى ويعود للتدريبات    مدرب "الاتحاد" السعودي يمنح أدوارا جديدة لعوّار    الوادي.. 3700 هكتار لزراعة الطماطم الحقلية    سارق المنازل في قبضة الشرطة    حجز مشروبات كحولية، سيفان وسلاح أبيض    حملة تحسيسية حول آفة المخدرات    إسهام أزلي في تراث الإنسانية وبناء قيمها المعرفية والروحية    مشروع هندسي لإعادة تهيئة الحظيرة الأثرية لتيبازة    ورشات تكوينية في فنون الأداء للأطفال والكبار    للسنة الخامسة على التوالي..الجزائر الأولى عربيا في ترتيب "آرسيف"    مناقشة موضوع "تحبيس الأملاك العقارية بالجزائر"    ممثّلا الجزائر يتألقان    جمعية جسور للمسرح والسينما بالأخضرية تتوج بجائزة في الأردن    دفتر شروط لتنظيم نشاط البريد السريع    وزيرة التضامن تطلق مشروع أكبر مركز للتكفل بالأطفال المصابين بالتوحد والتريزوميا بوهران    تقديم عرضا شاملا حول البرامج التنموية الكبرى للقطاع    الشلف : فرقة البحث و التدخل BRI بأمن الولاية    سكيكدة : والي سكيكدة يحل قضايا المواطنين في ظرف قياسي    جيجل : إتلاف كميات معتبرة من اللحوم الفاسدة    انطلاق الطبعة ال28 للصالون الدولي للكتاب في 29 أكتوبر    قانون المالية جاء بنهج جديد قائم على الشفافية والمساءلة    التلقيح المبكر يمنح مناعة أقوى ضدّ الأنفلونزا    ظاهرة موسمية تتجاوز الوصفات الطبية    الساورة في الصدارة    وزارة الثقافة تطلق جائزة    سميرة بن عيسى تلمع في سماء الأدب    مديرية الصحة تدعو المواطنين خاصة المقيمين بسكيكدة وفلفلة للتلقيح ضد "الدفتيريا"    خبراء الصحة يشدّدون على أهمية تعزيز التطعيم واحترام الرزنامة    صادي وبيتكوفيتش يتضامنان معه..أمين غويري يغيب رسميا عن كأس إفريقيا    المنتخب الوطني : بقائمة من 50 لاعباً.. هل يستعد بيتكوفيتش لمفاجأة كبرى؟    عودة آيت نوري وعطال تبعث المنافسة بين دورفال ورفيق بلغالي    "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"    أدب النفس.. "إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"    فتاوى : حكم قراءة القرآن بدون تدبر    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التغريب مفهوما وواقعا
نشر في أخبار اليوم يوم 15 - 07 - 2015


بقلم: الدكتور فريد محمد أمعضشو
من المصطلحات التي أخذت تنتشر في كتابات مثقفينا المُحْدثين في الآونة الأخيرة والتي تمتاز بحمولتها المعرفية والاجتماعية والسياسية والحضارية نجد (التغريب) الذي شكل موضوعا ثريًا لغير واحد من الكتاب المعاصرين.. تُرى ما المقصود به؟
يُراد ب(التغريب) في اللغة العربية النفي والإبعاد عن البلد يقول ابن منظور: (... وغَرَّبَه وأغْرَبَه: نَحّاه... والتغْريبُ: النَّفْيُ عنِ البلد... ومنه الحديثُ: أنَّه أمَرَ بتَغْريب الزّاني التَّغْريبُ: النّفيُ عن البلدِ الذي وَقعَتْ الجِنايةُ فيه. يُقال: أغْرَبْتُه وغَرَّبْتُه إذا نَحَّيْتُه وأبْعَدْته... وغَرَّبَه وغَرَّبَ عليْه: تَرَكَهُ بُعْدًا).
ويتخذ التغريب أشكالا مختلفة لعل أخْطرها (التغريب الثقافي) لأنه إبْدال ثقافي يتغيّى إحْلال ثقافة أجنبية محلَّ الثقافة المحلية الأصلية مع ما يرافق ذلك من مظاهر التبدُّل والتغيير.
الموجة التغريبية تستهدف ضَرْب ثوابت الأمة الإسلامية التي تتجلى في القرآن الكريم واللغة العربية الفصحى وتروم تقويض دعائم المجتمع الإسلامي وذلك حتى تتمكن من تنفيذ مخططاتها التخريبية وتمْرير مشاريعها النَّتِنَة المسطَّرة بدقة متناهية والغربُ يعرف أن صراعه المباشر مع القرآن سيكون مآله الفشل والإخفاق لأنه واع تمامَ الوعْي بمدلول الآية الكريمة: {إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وإنَّا لهُ لحَافِظون} (الحجر: 7) أي إن القرآن تكْلؤه العناية الربانية الأزلية لذا عزم على ضرْبه انطلاقًا من جوانبَ أخرى كاللغة والأسرة.. وعليه فقد عمَد إلى تشجيع اللغات العامِّية في مجال الأدب والإعلام وتمكن من خلْق بَلبَلة واضطراب في صُفوف الأسرة المسلمة بوصفها عمادَ المجتمع الإسلامي وقد استطاع التيار التغريبي أن يحقق جملة من الأهداف والنتائج فوُجد له أنصارٌ من أبناء المسلمين يروِّجون لأطاريحه وأفكاره ابتغاءَ الحصول على الثروة والجاه وتولَّدت طائفة من المتغرِّبين الذين بَهَرَتهم الحضارة الغربية ببَهْرجها وشكلها الخَدّاع.
وإذا كان التغريب في مجتمعاتنا الإسلامية أمرًا ملموسا وحقيقة مسلَّمًا بها فمِنْ حقنا أن نتساءل هاهنا: ما هي عوامله ومسبِّباته؟
إن عوامل التغريب الثقافي والحضاري كثيرة ومختلفة فمنها القديم الذي يرجع إلى ظروف تاريخية قديمة ولكن آثاره ما تزال قائمة تُحْدِث أثرَها في الوقت الحالي ومنها ما هو حديث ومستمر في وجوده وتأثيره يعايش المسلمين في حياتهم المعاصرة ويُحدث تأثيره فيها ومنها أيضًا ما يُعزى إلى أجواء داخلية تتمثل بالشعوب الإسلامية نفسِها وما تعرفه من نُظم وأعراف وعوائد ومنها ما يعود إلى قوى خارجية تتجلى في الإمبريالية والصهيونية وفي صنائعهما من التبشير والاستشراق والتنصير وحتى لا نطيل هنا سنركز فقط على العوامل الداخلية والخارجية ولْتكُنْ البداية بالعوامل الداخلية:
أ العوامل الداخلية:
وهي تخصُّ كِيان العالم الإسلامي الذي كان مهيَّأ للاحتلال أو ذا قابلية للاستعمار بعبارة المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي في كتابه النفيس (شروط النهضة) وهذه العوامل (أشد خطرًا وتأثيرًا في عملية التغريب من العوامل الخارجية لأنها تكمُن في نفوس الناس وإرادتهم وفي الثقافة والظروف المحيطة بهم وتعمل من خلال وسائطَ داخلية تصعُب المناعة منها).
لقد عاشت أغلب المجتمعات العربية في فترة من تاريخها حالة من الجمود الفكري والتأخر الثقافي فساد جوٌّ من الخمول وعدم الانتفاع بالوقت وتخلى الفقهاء عن واجب الاجتهاد لا في مجال الفقه والتشريع فحسب بل في جميع مجالات الفكر واقتصر الأدب على اجترار ما قيل وقعَد العلماء عن البحث العلمي الأصيل وحاربوا الحركات التحديثية والتجديدية... إلخ.
كما انساقَ عددٌ من الأقطار الإسلامية وراء التوجه العَلماني الذي ينبني على فصْل الدين عن الدولة والحياة العامة وتضْييق نطاقه لينحصر في المساجد والكتاتيب وحدها من منطلَق أن الدين هو السبب الرئيس في تخلف المجتمعات الإسلامية عن الركب الحضاري وعدم قدرتها على اللَّحاق به ومجاراة إيقاعه.
هذه بعض العوامل الداخلية التي تقف وراء تأخر الأمة الإسلامية عن اللحاق بالركب الحضاري الذي يتقدم بخُطىً متسارعة إلى الأمام والتي مهَّدت لغزْوها سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا ويسَّرت عملية تغريبها واستلابها ثقافيًّا وحضاريًّا.
ب- العوامل الخارجية:
عِلاوة على العوامل الداخلية هناك عوامل_ لا تقل خطورة عن سابقتها- تأتي من خارج جسد الأمة الإسلامية أو تستمد_ على الأقل- دعْمها وتمْويلها من خارج المنطقة الإسلامية ومن هذه العوامل نذكر الاستعمار بنوعَيْه القديم (السياسي) والحديث (الثقافي) والذي كان سببًا رئيسًا في تغريب كثير من الأفراد والجماعات بالقوة أو بالإغراء أو بالنموذج.
لقد ركز الغرب_ لتحقيق مسْعاه التغريبي- على المسيحيين العرب في بلاد الشام للنفاذ بثقافته إلى صُلب الأمة الإسلامية كما ذكر ألبرت حوراني في كتابه (الفكر العربي في عصر النهضة) واتخذ من البِعْثات التبشيرية وإنشاء مدارس التبشير المسيحي في معظم أرجاء الوطن العربي والإسلامي وسيلة فعّالة لتغريب المسلمين وإحْداث الفوضى بينهم ومحاولة خلق قطيعة اصطناعية بينهم وبين ماضيهم المَجيد.
ويُسْهم الإعلام الأجنبي بشتى أنواعه وتوجهاته في نشر الحضارة الغربية وتمْويه الحقائق وحمْل الآخر على تقبُّل كثير من قيم الغرب كما تؤثر المراكز الثقافية الأجنبية المنتشرة في أنحاء الكيان الإسلامي الممتدّ والمساعدات الفنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي يقدمها الغربُ للشرق والنشاط التجاري بين الطرفين في تسهيل عملية التغريب واستتباع الشرق المتأخر للغرب المتحضِّر.
فهذه كلها عواملُ وأدواتٌ للاستعمار السياسي والثقافي تغذيها الحركة الكولونيالية والصليبية والصهيونية العالمية ويتلخص هدف هذا الثالوث في إضعاف شوكة الأمة الإسلامية وتدمير ثقافتها الأصيلة وتفتيت شمْلها إلى عدة كيانات قُطرية كما يهدف هذا الثالوث نفسُه إلى زرع التشكيك في قيم هذه الأمة ولغتها وتراثها وطمْس هُويتها وبثِّ الفُرقة بين صفوف أجناسها من خلال إثارة النّعْرات القبلية والمذهبية والإثنية البغيضة ويسعى كذلك إلى إضْعاف الوازع الديني لدى أبناء الأمة الإسلامية والتشجيع على الفساد والتطرف بشتى ألوانه.
أكيدٌ أن تأثير هذه العوامل الخارجية متوقف على طبيعة البنية الداخلية للمجتمع الإسلامي فهي تؤثر في حالة هشاشة هذه البنية وافتقادها إلى المناعة والحصانة ويغيب تأثيرها مع تماسك الجسم الإسلامي وتضامن مكوناته البشرية وقوة معتقده.
هذه نظرة موجزة إلى أبرز العوامل الذاتية والموضوعية التي توفر الأرضية المناسبة لتعشيش التيار التغريبي وتيسِّر أمْر عمله وتأثيره الفعّال.
ومما لاشك فيه أن للتغريب تجليات وآثارًا متعددة ومختلفة منها ما يتصل بالفرد ومنها ما يتصل بالمجتمع الإسلامي ويجب أن نذكّر هاهنا بأن تغريب الفرد واستلاب ثقافته وهويته يعد الخطوة الأولى في سبيل تغريب واستلاب ثقافة المجتمع ككل فالتغريب الثقافي والحضاري يتسلط_ بداءةً- على الفرد حتى إذا ما تمكَّن من نفسه وانتشرت آثارُه على نطاق أوسع في مجتمع إسلامي فإنه يتحول إلى ظاهرة اجتماعية علاوة على كونه ظاهرة فردية..
إن الفرد المسلم الذي غُرِّب فتَغَرَّب لا يولي أي اهتمام لمشكلات مجتمعه وأمته بل إنه يشكل في حد ذاته مِعْوَل هدْم يعمل من داخل الجسم الإسلامي لتخريبه وإضْعافه.
إن التغريب تيارٌ فتاكٌ يتخذ من التخريب شعارًا له وأنه تحَد ّ خطير يُجابِه الأمة الإسلامية في اللحظة الحضارية الآنية بقوة وهنا يحق لنا أن نتساءل: كيف واجه المسلمون التغريب الثقافي والحضاري؟
ومما لاريبَ فيه أن أبناء الأمة الإسلامية تجنَّدوا لإبْطال مفعول سُمّ التغريب فقاموا بردود فعل قوية وملموسة وهكذا (ظهرت الحركة الإسلامية مع هيمنة التغريب وتصاعدت مع تصاعُده وهي تعتو مع عُتوِّه). كما نشطت حركة التعريب واتسع نطاقها لتشمل عدة ميادين حيوية واصطبغت بأصْباغ جديدة تماشيًّا مع واقع التغريب بحيث (لم يعُدِ التعريبُ في حياتنا المعاصرة مجردَ هدف ثقافي وإنما أصبح هدفا حضاريًّا شاملا ينطوي على جوانب سياسية وقومية لا تقل أهمية عن جوانبه الثقافية) (13) ولم يقف الشعراء الإسلاميون مكتوفي الأيدي إزاء موجة التغريب التي اكتسحت العالم الإسلامي منذ القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وإنما وظفوا أشعارهم واتخذوها أسلحة فعَّالة لمجاهدة التغريب... إلخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.