مراصد إعداد: جمال بوزيان النقد الذاتي البناء و الإبداع الحضاري مسار ضامن مستقبل الإسلام راسخ بقوة حجته واجتهاد أبنائه في حين يدخل في دين الله أفواج من الناس عبر أصقاع العالم ويعكفون على معرفة كل تعاليم الإسلام والالتزام بها رغم أنهم يعيشون في بلدان غير إسلامية... تبتعد فئات عن الإسلام الحنيف رغم أنها تعيش في بلدان مصنفة إسلامية و تنتمي لمنظمة التعاون الإسلامي ويلاحظ متابعون أن دولا تتخلى عن الإسلام بداعي الحضارة والتطور والتعامل مع الدول الصناعية الكبرى... . سألنا أساتذة: هل الخلل في الإسلام أم في المنتسبين له؟ وهل لهذا الدين مستقبل في المعمورة بعد ما تكالبت عليه الصهيونية العالمية ؟ وهل يمكن ل دعاة الإسلام التوقف عن الدعوة بعد الهجمات الشرسة أم يجتهدون في التعامل مع ما يواجهون من أخطار وافتراءات وحيل بمناهج معينة؟. الجزء الأول مستقبل الإسلام في عالم متغيّر: تحليل نقدي للإشكالات البنيوية وسيناريوهات التجديد أ.محمد حيدوش مقدمة: طرح الإشكالية المركزية تشهد الخارطة الدينية العالمية تحولات جيوسياسية وثقافية عميقة تضع الإسلام -كديانة وحضارة- في قلب أسئلة مصيرية. فالإشكالية المحورية التي يطرحها هذا المقال تتمحور حول طبيعة التحديات الراهنة: هل هي ناجمة عن خلل جوهري في النسق الديني الإسلامي نفسه أم هي محصلة تراكمية لأداء المنتسبين له تاريخيا ومعاصرا؟ يكتسب هذا السؤال إلحاحا مع ظاهرتين متزامنتين: الأولى استمرار تحول أفراد وجماعات في أوروبا وأمريكا إلى الإسلام مقابل نشوء تيارات ابتعاد أو لا دينية داخل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة كما تكشف استطلاعات مركز بيو (2022) و Arab Barometer (2023). الثانية التحدي الخارجي المتمثل في ضغوط سياسية وثقافية وحضارية متعددة المصادر منها ما يصدر عن دوائر سياسية معينة ومنها ما هو جزء من صدام القيم في عصر العولمة. هذا يفرض التساؤل الجدي: هل لهذا الدين بقيمه وتشريعاته مستقبل في المعمورة يمكن من خلاله الحفاظ على الهوية مع الانخراط الإيجابي في صناعة الحضارة الإنسانية؟ المحور الأول: تشريح أسباب الابتعاد والانتماء – تحليل الظواهر الداخلية لفهم هذه الديناميات المتناقضة ظاهرياً يجب تفكيك العوامل الداخلية المؤثرة. تشير الدراسات الاجتماعية (كبحث محمد الطباخ في سوسيولوجيا التدين 2021) إلى أن الانزياح عن الممارسة الدينية في بعض المجتمعات الإسلامية غالبا ما يكون ردة فعل على أمرين مترابطين: أولاً السياسات الرسمية التي تختزل الدين في خطاب أمني أو طقوس شكلية وتهمش دوره الأخلاقي والعدلي. ثانيا ضعف التربية الدينية العقلانية التي تواكب أسئلة العصر مما يخلق فجوة بين المسلم وبين تراثه فيصبح عرضة للتأثر بالخطابات الشعبوية أو الإلحادية المبسطة. أما الصورة الملوثة للإسلام فتكمن مشكلتها في الخلط بين الإسلام كمرجعية وبين الممارسات التاريخية والسياسية للجماعات والدول والتي غالبا ما تكون محكومة بظروفها الخاصة وأهواء نخبها. استطلاع الباروميتر العربي (2023) في عدة دول يشير إلى أن نسبة تصل إلى 38 من الشباب يرون أن التفسيرات المتطرفة هي العامل الأكبر للإحجام عن الدين. المحور الثاني: التوفيق بين الثوابت والمعاصرة – نحو نموذج تكاملي يمثل إشكال الموازنة بين الثوابت الشرعية ومتطلبات العصر الاختبار الحقيقي لحيوية الفكر الإسلامي. ليست المسألة مجرد تلفيق بين طرفين بل هي إشكالية تأويلية - منهجية في المقام الأول. هنا تبرز أهمية مشاريع التجديد التأسيسي التي يقودها مفكرون مثل عبد الجواد ياسين (في سلطة الدين ) وطه عبد الرحمن (في روح الحداثة ) والتي تدعو إلى التمييز بين مقاصد الشريعة العالمية الثابتة و الفقه البشري المتغير. فقضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعلاقات الدولية يمكن مقاربتها من خلال آليات اجتهادية متجددة كالاستصلاح والمصالح المرسلة وليس عبر محض استحضار نصوص تاريخية بقراءة حرفية. التجارب العملية كما في دول مثل ماليزيا وتونس (ما قبل 2021) إلى حد ما تظهر إمكانية صياغة توافقات عملية مع منظومات القيم الحديثة دون التفريط في الثوابت العقدية الكبرى عبر التركيز على القيم الكلية للعدل والكرامة والإحسان. المحور الثالث: دور الدعوة والمؤسسات – تقويم الأداء واستشراف المستقبل في مواجهة هذا المشهد المعقد لا يجوز للدعاة والمؤسسات الدينية التخلي عن مسؤوليتهم تحت وطأة الهجمات بل المطلوب مراجعة نقدية جذرية للمناهج والأدوات. الدور المنشود ليس الدفاع الانفعالي بل الانتقال من خطاب التبرير إلى خطاب التجديد والإنتاج. وهذا يفرض: 1. إصلاح المؤسسة التعليمية الدينية: بحيث تدمج مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية واللغات وتخرج عالما قادرا على الحوار مع مختلف التخصصات كما تطالب توصيات تقرير التنمية البشرية العربي (2022). 2. بناء خطاب دعوي جديد: يعتمد على الحكمة والبرهان كما ورد في القرآن (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ويخاطب الهموم الحياتية والأخلاقية للإنسان المعاصر بعيداً عن الخطاب الإنشائي والوعظ الأحادي. 3. مواجهة الحملات الإعلامية بأدوات فعالة: عبر إنتاج محتوى علمي رصين باللغات العالمية والتعاون مع مراكز الأبحاث الدولية المحايدة وإبراز التجارب الإسلامية الإيجابية في مجالات العلوم والطب والفنون والتمدن والانخراط في حوارات فلسفية عميقة حول الأخلاق والإلهيات مع التيارات الفكرية العالمية. خاتمة: استنتاجات ومسارات نحو المستقبل يخلص هذا التحليل إلى أن الإشكالية ليست في الإسلام كنص تأسيسي ومقاصد عليا بل في الأدوات البشرية والتاريخية التي تعاملت معه والتي غالبا ما قصرت عن تحقيق مقاصده في العدل والرحمة والعمران. مستقبل الإسلام في المعمورة مرهون بقدرة أبنائه الفكرية والمؤسسية على: - فصل الدين عن الاستغلال السياسي والأيديولوجي. - تبني منهجية تأويلية تجديدية تربط بين الأصالة والمعاصرة بروح نقدية. - إصلاح المنظومة الدعوية والتعليمية لمواكبة تحولات العصر. - الانخراط الحضاري الفاعل بإنتاج معرفي وعلمي وأخلاقي يخدم الإنسانية. التحديات كبيرة ولكن التاريخ يشهد على مرونة هذا الدين وقدرته على إنتاج إجابات حضارية حين تتوفر إرادة التجديد الصادق. الرد على التساؤلات المصيرية لا يكون بالانكفاء بل بفعل النقد الذاتي البناء و الإبداع الحضاري وهو المسار الوحيد لضمان مستقبل مؤثر للإسلام في تشكيل ضمير الإنسانية وقيمها. ///// الإسلام بين ثبات الحقيقة وخلل التمثيل: قراءة في واقع الدين ومستقبله أ.بثينة زمال يعيش العالم اليوم مفارقة لافتة فبينما يشهد الإسلام إقبالًا متزايدًا في دول غير إسلامية حيث يعتنقه الآلاف عن قناعة بعد بحث وتأمل نرى في المقابل فئات من أبناء البلدان المصنَّفة إسلامية تتراجع عن الالتزام بقيم هذا الدين وتنجذب إلى خطابات تُسوّق نفسها باسم الحداثة و التطوّر و التعامل مع القوى الصناعية الكبرى . هذه المفارقة ليست سطحية ولا طارئة إنما تكشف تحوّلات عميقة في أنماط التدين وفي تمثّل المجتمعات للإسلام وفي قدرتها على التعامل مع الضغوط السياسية والثقافية العالمية. أمام هذا الواقع يطرح كثيرون أسئلة مصيرية: هل الخلل في الإسلام ذاته أم في المنتسبين له؟ وهل لهذا الدين مستقبل في عالم تتكالب فيه قوى دولية وعلى رأسها الصهيونية العالمية على تشويه صورته؟ وهل يمكن للدعاة التوقّف عن رسالتهم أم يجب عليهم تطوير مناهج الدعوة لمواجهة ما يتعرضون له من تحديات؟ من غير المنطقي أن يُحمَّل الإسلام مسؤولية أخطاء بعض أتباعه فالنص القرآني والنبوي ثابت في قيمه الكبرى: العدل الرحمة الحرية تكريم الإنسان محاربة الظلم وبناء مجتمع يقوم على الأخلاق والمعرفة. وهذه القيم الثابتة هي التي تجعل الإسلام يجذب يوميًا أفرادًا من ثقافات مختلفة لكن المشكلة تكمن في التمثيل الاجتماعي والسياسي للدين. فالناس يتأثرون بسلوك المسلمين أكثر من تأثرهم بالنصوص وحين يغيب العدل أو تتراجع الأخلاق أو تُستغل الرموز الدينية لأغراض ضيقة تنعكس الأزمة على صورة الإسلام نفسه. إنّ الخلل ليس في الدين إنما في سلوكيات المنتسبين إليه وفي ضعف القدوة وغياب مؤسسات قادرة على تجديد الخطاب الديني بما يناسب أسئلة العصر. كما تشير المؤشرات العالمية إلى أنّ الإسلام من أكثر الأديان نموًا وأنّ أعداد معتنقيه تتزايد بشكل لافت. وهذا النمو يعود إلى قوة الخطاب القرآني وإلى بساطة العقيدة وإلى قدرة الإسلام على الإجابة عن أسئلة الإنسان الوجودية. لكن الإسلام يواجه في المقابل حملات تشويه منظمة في الإعلام العالمي تُسهم فيها جهات سياسية واقتصادية وفكرية ومن بينها اللوبيات الصهيونية التي ترى في انتشار قيم الإسلام خطرًا على مشاريعها القائمة على التفوق والهيمنة. ومع ذلك أثبت التاريخ أن الأديان التي تحمل رسائل أخلاقية قوية لا تهزمها هذه الحملات. إنها تنهار فقط حين تفقد قدرتها على التجديد من الداخل. لذلك فإن مستقبل الإسلام ليس مهددًا إنما مرهون بقدرة المسلمين على تقديم نموذج حضاري أخلاقي يُجسّد مبادئ الدين في الواقع. فقد يظن البعض أن التوقف عن الدعوة حل آمن أمام الهجمات لكن هذا الطرح يغفل أن الدعوة ليست مواجهة سياسية إنما هي تواصل إنساني وتعريف بالقيم العليا للدين ونشر للرحمة والمعرفة. وتاريخيًا كلما اشتدت الهجمات على الإسلام كان ذلك دليلًا على تأثيره وفاعليته. ولو كان الإسلام مهمَّشًا لما استُهدِف بهذا الحجم. لكن الدعوة اليوم تتطلب تجديدًا جذريًا يتمثل في: 1. الانتقال من الوعظ التقليدي إلى خطاب معرفي عقلاني. 2. استخدام لغة إنسانية عالمية تتجنب الصدام. 3. التركيز على الأخلاق العملية في حياة الناس. 4. الانفتاح على الإعلام والمنصّات الرقمية. 5. تدريب دعاة قادرين على الحوار الحضاري. 6. مواجهة الهجمات بالهدوء والوضوح لا بالصوت العالي تتذرع بعض الدول بأن التقدم لا يتحقق إلا بالتخلي عن الهوية الإسلامية وهذه رؤية خاطئة. فالحضارات الكبرى لم تتخلّ أبدًا عن هوياتها إنما اعتمدت عليها في بناء نهضتها. المشكلة ليست في الحضارة إنما في الخلط بين التطور العلمي والتغريب الثقافي. فالتعامل مع الدول الصناعية الكبرى لا يعني التخلي عن القيم الإسلامية إنما يعني الانفتاح الواعي وتطوير القدرات المحلية والاستفادة من العلوم الحديثة دون الذوبان في نماذج لا تتفق مع الهوية. مواجهة التحديات يمكن تلخيص الحلول في ثلاث نقاط: 1. إصلاح داخلي يبدأ من الفرد والمجتمع ليصبح المسلم نموذجًا أخلاقيًا وإنسانيًا. 2. تجديد الخطاب الديني بما يتوافق مع العصر ويبتعد عن الجمود والانفعال. 3. تعزيز الوعي العالمي بحقيقة الإسلام عبر البحث العلمي والحوار والإعلام الراقي. الإسلام دين ثابت في قيمه قادر على مخاطبة الإنسان في كل زمان. أما التراجع الذي نراه أحيانًا فليس دليلًا على ضعف الدين إنما دليل على حاجة المسلمين إلى إصلاح خطابهم ومؤسساتهم وسلوكهم. فمستقبل الإسلام راسخ بقوة حجته لكنه يزداد رسوخًا بقدر ما يجتهد أبناؤه في تمثيله تمثيلًا أخلاقيًا حضاريًا بعيدًا عن الانغلاق وردود الفعل وقريبًا من العقل والحكمة وتجديد أدوات الدعوة. ///// الحدود المقلقة للفكر الإسلامي المعاصر * محمد الجوادي من المؤكد أننا لا نستطيع الزعم بإمكانية استشراف إشكاليات الفكر في المستقبل الإسلامي ذلك أن هذا الفكر يمر اليوم بفترة متأججة من القلق وبخاصة في تناول القضايا التي تعرض له. ولا أظن أن مرجع هذا القلق يعود إلى الفكر الإسلامي أو الإسلام نفسه ولكنه يعود في تخيلي إلى قلق الذين يتناولون قضايا هذا الفكر ولهذا القلق الذي يعتريهم أسباب كثيرة: – أولها أن تناول قضايا الدين في حديث حر مستطرد مرسل ليس أمرا سهلا وإن كان متاحا على كل حال بل ومحببا في كثير من الأحيان. – ثانيها أن النفس الإنسانية لا تستطيع أن تتناول الحديث عن أمور الدين إلا إذا أصابت من عمق التجربة والمعرفة بالفكر الديني قدرا ليس باليسير ذلك أن هذا الفكر متعدد الوجود ومع أنه بسيط العبارات في أغلب الأمر إلا أن العبارات الإلهية فيه على سبيل المثال تكون عادة محملة بطاقات لا تنتهي من الدلالات على مستويات مختلفة. – والأمر الثالث أن الذين يتناولون أمور الدين والفكر الديني كثيرا ما يجدون أنفسهم يقفون في حيرة شديدة وهم يجدون سيلا من النصوص المتراكمة التي أبدعتها أو خطتها العقول السابقة وتتمتع هذه النصوص في العادة بقدر كبير من الإغراء بالنقل عنها أو بعدم تجاوزها على أقل تقدير وإذا بهؤلاء الذين يتعرضون للفكر الديني أكثر الناس جدارة بترديد قول مَنْ قال: ما ترك الأول للآخر شيئا. وعلى الرغم من هذا فإن القضايا المعاصرة تظل بمثابة الباب المفتوح على مصراعيه للولوج إلى مناقشة الجديد الطارئ بعقلية تحتفظ في الوقت ذاته بالفرصة المتاحة في التعبير عن الذات. كأني أريد أن أقول إن مناقشة قضية مستحدثة يعطي الفرصة للاجتهاد الذاتي بعيدا عن إطار السابقين فكأن الفرصة للتعبير في حرية وبحرية قد أتت مع الطارئ حين طرأ على غير توقع. ومع هذا تظل هذه الفرصة محفوفة بالمخاطر والمخاوف حين يسارع النصوصيون لإلباسها بسرعة الثوب الذي يجعلها قابلة للتعامل بحسبانها قضية قديمة.. بعبارة أخرى أن يقربوها إلى أقرب قضية قديمة تخضع لنص جاهز وفهم مسبق.. ولابد لهؤلاء النصوصيين أن يفعلوا هذا بكل جديد مهما كلفهم هذا من عنت أو أصابهم بالتعسف. ونحن لا نستطيع أن ننكر أن هذه هي طبيعة الحياة في كثير من مناحيها ومناشطها لا في القضايا الدينية فقط ولكن في كثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والعلمية ولكن الفارق الجوهري يبقي في أن درجة الاستقطاب تبقي عالية إلى حد مذهل إذا كان الأمر متعلقا بالكتابات الدينية ومن باب أولى بالفكر الديني. ومما يزيد من طبيعة الاستقطاب في الكتابات الدينية ومن باب أولى بالفكر الديني أن الحكم عليها يكاد يصدر في الغالب من قبل قراءتها بل ومن قبل تناولها. – فهناك الحكم على المؤلف بشخصه.. وهو نادرا ما يتغير عند القارئ أو المتلقي ليكون شيئا آخر غير ما قد يسمي بالانطباع الأول. – وهناك عنوان الدراسة الذي يشي بتوجه صاحبها وبموقفه. – وهناك الانطباع والإيحاء والإيماء والظلال التي تتولد من العنوان إذا لم يكن العنوان في حد ذاته حاد الدلالة بصورة أو بأخرى.. وتلعب هذه الإيماءات الإيحاءات والانطباعات والظلال دورا حاسما في تكوين الحكم على المادة المكتوبة حتى من قبل قراءتها. – كذلك فإن تقليب الصفحات كفيل بأن يجعل كثيرا من القراء يكوّنون فكرة سريعة وعامة عما في أيديهم.. ويكفي على سبيل المثال أن كثيرا من القراء يحكمون على المؤلف بمن استشهد بهم في متن المؤلف أو في هامشه. – وكل هذه مجرد أمثلة سريعة لممارسات كثيرة لا نستطيع أن نلقي بمسئوليتها على القارئ وحده حتى إن كان المؤلف يتحمل وحده تبعاتها. ومع هذا كله يظل تناول الفكر الديني من الموضوعات المحببة إلى نفوس الكتاب لأسباب كثيرة: – منها على سبيل المثال أنه شئنا أم أبينا موضوع محبب إلى القراء. – ومنها أيضا أن الإنسان يعبر في تناوله للفكر الديني عن أسمي ما فيه من مشاعر وهي المشاعر المرتبطة بعلاقته بخالقه أو بربه. – ومنها أيضا أن مادة الحديث ثرية إلى أبعد حدود الثراء ومثمرة أيضا. – هذا فضلا عن أن الفكر الديني نفسه كفيل ببلورة موقف الكاتب تجاه كثير من القضايا الاجتماعية المطروحة بل وغير المطروحة. وحين يكون الإسلام شريعة أو عقيدة أو دولة أو توجها هو موضوع الفكر الديني فإن الأمور تخرج إلى دوائر أكثر اتساعا وجاذبية: – فالإسلام نفسه -حتى عند الذين لا يعترفون بمكانته الدينية- دين متميز بتناوله كافة مناحي النشاط الإنساني: الاجتماعية والسياسية والعلمية والتربوية والحضارية. – والإسلام نفسه أصبح محل دراسة واسعة في جميع أنحاء الكرة الأرضية. – ولا تتوقف دراسات الإسلام عند خط ما أو حد معين وإنما تمضي يوما بعد يوم إلى أقصي مما يمكن تصور أنها تمضي إليه. – ومع أن توجهات الدارسين تتحكم وتؤثر في طبيعة هذه الدراسة إلا أن تنوع التوجهات نفسه كان كفيلا بالتأثير في الدراسة نفسها. – هكذا فإن الدراسات المتوالية عرضت كثيرا من وجهات النظر حتى وإن لم تصل بعد إلى الحقيقة. ومن الواضح حتى الآن وبحكم الممارسة والتجربة أن دراسات الإسلام في المجتمعات العلمية الغربية لا تتراجع ولا يتوقع لها أن تتراجع. بل إنها تجاوزت مرحلة الاهتمام المرحلي المكثف إلى مرحلة أصبحت فيها هذه الدراسات من الدراسات الروتينية وذات الطابع الدائم. على سبيل المثال فإنه وبعبارة جامعية أكاديمية أصبحت لها كراسي متفرغة وأقساما متخصصة. ومن المؤكد أيضا أن هذا الاهتمام لن يتوقف حتى لو أصبح الغرب شبه واثق من انتصاره الحتمي على هذه الصحوة الإسلامية المعاصرة. أما في العالم الإسلامي نفسه فإن تقليب صفحات الفكر الإسلامي تعرض لكثير من التباين في التناول: – فقد ظلت مؤسسات العلم التقليدية تؤدي وظيفتها فائقة الروتينية في تجديد تقديم العلم وفي تقييم التيارات الوافدة والآراء المستحدثة. – لكن دور هذه المؤسسات وفي مقدمتها الأزهر الشريف لم يكن بحكم طبائع الأمور هو المسيطر على زمام الأمور. – أما الأصوات المرتبطة بالحركات الإسلامية المختلفة فقد ظلت هي الأخرى تعمق من رؤيتها للأحداث وللمستجدات وتعرض تصوراتها تجاه المقدمات والنتائج. – وبلورت الحركات الإسلامية المختلفة من كل هذه المعطيات فكرا إن لم يكن متكاملا فهو على أقل تقدير قد غطى مناطق كثيرة ومتعددة ومتباينة. بيد أن كل هذه الجهود الفكرية لم يقدر لها أن تكتسب المرجعية الملائمة ويعود ذلك لسوء الحظ إلى عاملين مهمين لا يستطيع أحد أن ينكر دورهما: الأول: هو طبيعة الاجتهاد في تكوين هذه الأفكار الجديدة من ناحية. والثاني: هو الحذر السياسي التقليدي الذي أصاب جماعات الإسلام السياسي بما جعلها لا تندفع أبدا إلى موقف الالتزام بمثل هذه الاجتهادات مهما كانت ثقتها في ولاء وانتماء أصحابها. وربما كان هذا مما يحسب لهذه الجماعات من وجهة نظر النجاح في التكتيك والعمل السياسي ولكنها على أية حال مثلت خسارة مؤكدة للجانب الفكري. وعلى صعيد ثالث مواز للمؤسسات التقليدية والجديدة فقد برزت إلى السطح أسماء كثير من المجتهدين الهواة أو عشاق الشهرة والضجيج الذين أدلوا بدلوهم في الموضوعات المتصلة بالفكر الإسلامي ومن المهم أن نتأمل أن معظم هؤلاء يبدؤون من نقطة متوسطة التحيز والانحياز كما هي العادة في مثل هذا النوع من الاجتهاد ولكنهم لأسباب كثيرة لا تخفي على القارئ سرعان ما يتحولون إلى الاتجاه المهاجم ثم المعادي ثم المعادي الأبدي أو الحتمي لما يمكن أن يسمي بالحركة الإسلامية. ومن اليسير أن نزعم أن الخطأ في هذا التحول يعود إلى جماعات الإسلام التي لا تبذل جهدا مناسبا في استقطاب هؤلاء المتطلعين إلى دور فكري إلى صفوفها ولكن المؤكد أن الأمر لم ولن يكون بهذه البساطة لأسباب لا تخفي على القارئ. عن موقع قناة الجزيرة ===