منذ أذهب الله عنا الخوف، ومتنا لنحيا.. ولسان حالنا يقول: "الأمة تريد نهاية الفساد".. "الأمة تريد بداية النهضة". سجلنا على صفحات التاريخ أننا عرب.. وأننا سنرفع راية الحرية مهما غلا سعرُها وسالت دماؤنا.. الآن لا نريد إلا أن نتنفس البكور.. لن يهدأ لنا بال إلا بطرد الفاسدين وكنسهم إلى مزابل التاريخ. الآن صارت الأغاني الوطنية لها معنى.. كانت تبحث عن وطنٍ وساكنيه.. عشق الوطن بعثنا من جديد، وما كنا لنحيا لولا توفيق الله سبحانه وتعالى لما أرادته الشعوب. أيتها الحرية البديعة.. ما أجملك، ما أطهرك، ما أنبل الطريق إليك، فداك كل ما نملك، فداك أرواحنا وأموالنا، فداك اقتصادنا وسياحتنا الماجنة، فداك أمننا الزائف.. فداك النوم والجوع والعطش. وفقنا الله جميعا لأن نركب قطار الثورة، شمعة أنارتها تونس فأنَّت لها مصر وأشعلتها بملايينها الغاضبة وجُمعها المباركة، فاستبكرت الأعياد، وطفق الحشود يصلون العيد بميدان التحرير ليلاً، والملايين يسبحون بحمد الله ويكبرونه تكبيرًا في البلدان العربية. أيتها الحرية، لم تعد الأوطان ناعسة، صارت تأخذ من روح الله، تقسم ألا تأخذها سِنة ولا نوم إلا بطرد مهابيل العروش والكروش، الذين اختلقوا مفاهيمَ جديدة عن الديمقراطية، بأنها تعني "ديمومة الكراسي". وقفنا على أكتاف الغرب وثورتهم التكنولوجيا.. لنمضي بعيدًا عن مخططاتهم. نستغل أدواتهم التي أتاحوها من أجل البزنسة بأوقاتنا واستهلاك أموالنا. ظنوا أننا مستهلكون فقط. الآن بدا في الأفق أننا نقف على أكتافهم.. نستثمر أكبر أدوات هضم الوقت وسرقة الانتباه وتكوين العلاقات "الفيس بوك".. لنسجل الإمضاء التاريخي: "صُنِع في مصر" على أنبل الثورات البيضاء.. أنجبنا على أكتافهم من جديد الوطنية والإباء والعزة والكرامة. أعطت الثورة المصرية لأمريكا وإسرائيل درسًا ثانيّا بعد حرب أكتوبر بأن الشعب المصري خير جنود الأرض، وغير مأمون الجانب، ولديه المزيد. تشير بعض التقارير الغربية أن سقوط الطغاة يؤدي إلى بداية سقوط الإمبراطورية الأمريكية التي ارتكزت في الوطن العربي على العملاء أو بتعيين "ولاة" بالتعبير العثماني القديم. المفاجأة التي أدهشتهم أننا لم نستسلم لسياسة "الطفو" التي ابتذلها الغاوون لكي نغرق في مشاكلنا ثم يصبروننا قبل أن نثور ويمسكون برؤوسنا لتطفو قليلا ثم يغرقوننا مرة أخرى. غرق فطفو فغرق.. عقوداً متوالية حتى فار التنور! عشنا في عصر انحطاط مستحدث لتلك العصور المظلمة التي عانتها أوروبا في القرون الوسطى.. وكأن الزمان يعيد نفسه، وكأن القارات تستبدل نفسها، وكأن الحضارات تتبادل المواقع والمنارات تتغير. أعلم أن أمامنا وقتاً كبيراً، والفاسدون والعملاء والخطط المضادة وقطاع الطرق لا يمهلوننا، ولكن شيئًا معلومًا قد حدث، وهو الضامن للمستقبل إن شاء الله، وهو أننا دفنا الخوف في الميادين، وغسَّلناه بدماء الشهداء، وقطعنا على أنفسنا عهدًا ألا نعود لما عافانا الله منه بمعجزة تاريخية. الآن، ينتفض الوطن العربي كأوروبا التي غسلت عارَها قبل قرنين، نغسل جبننا بدماء شهدائنا، نتيمم بتراب الوطن، حتى تعود مياه النهضة. سنظل نسجد في الميادين لوجه الله، نتمنى أن نقتل ألف مرة لأجل أوطاننا ثم نعود لنبنيها من جديد.